حسابات خاطئة:

دلالات التجربة الفضائية الفاشلة لطهران بالتزامن مع مفاوضات فيينا

03 January 2022


أعلن أحمد حسيني، المتحدث باسم دائرة منظمة الدفاعات الفضائية بوزارة الدفاع الإيرانية، في 31 ديسمبر 2021، فشل الصاروخ "سيمرغ"، في وضع 3 أقمار اصطناعية بحثية في المدار، بسبب عدم قدرة الصاروخ على بلوغ السرعة المطلوبة، والتي تزيد على 7600 متر في الثانية، إذ لم تتجاوز سرعة الصاروخ 7350 متراً في الثانية. وجاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان متحدث وزارة الدفاع نجاح عملية الإطلاق.

ملاحظات أولية:

يمكن إبداء عدد من الملاحظات الأولية على التجربة الصاروخية الأخيرة لإيران، وذلك على النحو التالي: 

1- إخفاق أغلب المحاولات السابقة: باءت أغلب محاولات إيران الفضائية بالفشل، فقد أخفقت في وضع قمر اصطناعي في مداره حول الأرض في أربع مرات من إجمالي خمس محاولات. فقد أخفقت محاولتها في يناير 2019، وفبراير 2020. أما رابعة تلك المحاولات الفاشلة، فجاءت في يونيو 2021. 

وتُشير التقديرات، في هذا الصدد، إلى وجود مشكلة في منظومة الصواريخ "سيمرغ"، إذ تكررت محاولات فشل النظام الإيراني لإطلاق هذا الصاروخ ووضع شحنته في المدار حول الأرض. 

ولم تنجح محاولة إيران في وضع قمر اصطناعي حول الأرض، سوى في التجربة التي قام بها الحرس الثوري الإيراني في أبريل 2020، حين وضع القمر الاصطناعي "نور 1" في مدار حول الأرض، والذي كان عديم القيمة من الناحية الاستخباراتية. 

2- محاولة إخفاء الإخفاق: أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، في البداية، نجاح إطلاق الصاروخ. ويلاحظ أن إعلانها كان مبهماً، إذ لم تهدد ما إذا كان صاروخ "سيمرغ" موجهاً إلى مدار حول الأرض أم لا، كما أنها لم تحدد موقع الإطلاق، سواء موقع "الإمام الخوميني" الذي تطلق منه المهام الفضائية المدنية، أم موقع "شاهرود" الذي تطلق منه الأخرى العسكرية، وهي مؤشرات على أن إيران كانت تسعى لإخفاء إخفاق التجربة، غير أنها أدركت أن الولايات المتحدة سوف تفضح إخفاقها، ولذلك عمدت إلى الكشف عن ذلك الإخفاق بنفسها. 

أهداف عديدة 

أُجريت التجربة الفضائية الإيرانية الفاشلة في توقيت بالغ الحساسية، حيث كانت طهران تسعى لتوظيفها لتحقيق عدد من الأهداف، والتي يتمثل أبرزها في التالي:

1- تعزيز الموقف التفاوضي: تأتي هذه العملية بعد ثلاثة أيام من انعقاد الجولة الثامنة للمفاوضات في فيينا، حيث تسعى إيران إلى تعزيز موقعها في هذه المفاوضات، عبر اتباع سياسات تصعيدية لا تقتصر فقط على تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات 60%، وحرمان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الحصول على تسجيلات كاميرات المراقبة في المنشآت النووية، ولكن تمتد كذلك لتشمل تطوير برنامجها الصاروخي، خاصة في ضوء الاتهامات الأمريكية الموجهة لها بأنها تسعى لاستخدام برنامجها المدني لوضع أقمار اصطناعية في الفضاء كغطاء لامتلاك الخبرات الفنية المتعلقة بوضع رأس نووي على صاروخ باليستي بعيد المدى.

ويلاحظ أن التكنولوجيات المستخدمة في بناء الصواريخ ذات المراحل الثلاث مثل "سيمرغ" متشابهة بشكل كبير من تلك المُستخدمة في الصواريخ العابرة للقارات. ويلاحظ أن القرار الدولي رقم 2231 لعام 2015 نص على منع إيران من القيام بأي أنشطة من شأنها تطوير مثل هذه الصواريخ.

وتتزامن هذه المحاولات الإيرانية مع تصاعد الضغوط من كافة القوى الدولية التي تتفاوض معها، والتي لم تعد تقتصر على الضغوط الأمريكية والأوروبية، بل أصبحت هناك ضغوط صينية وروسية، بعد إدراك هذه القوى قيام طهران بالتسويف والمماطلة خلال الجولة السابعة من المفاوضات، والتي استهلكتها بالكامل في محاولة نقض ما تم الاتفاق عليه في الجولات الست السابقة.

فقد أشارت وسائل إعلام إيرانية إلى أن روسيا والصين أجبرتا طهران على التخلي عن بعض مطالبها المتشددة في المفاوضات، وأن محادثات الجولة الثامنة ستبدأ التفاوض على أساس المسودة، التي تم التوصل إليها في الجولات الست من المحادثات مع حكومة الرئيس الإيراني السابق "حسن روحاني".  

وفي مواجهة الضغوط الدبلوماسية التي واجهت إيران، تسعى الأخيرة إلى تعزيز موقفها التفاوضي، خاصة بعد إصرار واشنطن والترويكا الأوروبية على أن تنتهي المفاوضات مع طهران بحلول مطلع فبراير 2022، وإلا فإن هذه الدول سوف تنسحب، وتبحث خيارات أخرى غير دبلوماسية، في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. 

وانتقدت كل من واشنطن وباريس وبرلين، عملية الإطلاق تلك من جانب إيران، واصفة إياها بالمؤسفة في خضم المباحثات في فيينا. ولكن على الجانب الآخر، فإن إخفاق طهران في وضع القمر الاصطناعي في مداره حول الأرض يعني أن طهران أخفقت في توظيف عملية الإطلاق في فرض مزيد من الضغوط على القوى الدولية التي تفاوضها، خاصة الولايات المتحدة.  

2- مواصلة الالتفاف على العقوبات: تحاول حكومة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، من خلال الإعلان عن ذلك الإطلاق، إلى الادعاء بأن العقوبات التي تفرضها واشنطن عليها في البرنامج الخاص بالصواريخ والأبحاث المُتعلقة بالفضاء، عديمة الجدوى، وأنه يمكن الاستعاضة عنها بالاعتماد على القدرات الذاتية.

3- فصل برنامجها الصاروخي عن المفاوضات: تسعى طهران إلى اختزال المفاوضات الجارية في فيينا حول مسألة إحياء الاتفاق النووي في شكله الجديد، دون التطرق إلى ملفات أخرى، وعلى رأسها الملفان الصاروخي الباليستي والدور الإقليمي لإيران في المنطقة.

كما تسعى طهران لتوظيف هذه المحاولة لكي تظهر وكأنها غير عابئة بمسألة رفع العقوبات عنها، وهو أمر يحمل الكثير من المبالغات، في ظل ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من تحديات متزايدة في ضوء العقوبات الأمريكية.

4- الرد على التصعيد الإسرائيلي: يتزامن الكشف عن هذه المحاولة من جانب إيران، مع ارتفاع حدة التصعيد بين إيران وإسرائيل، والتي كشف مسؤولوها العسكريون، في 30 ديسمبر الماضي، عن تقديم عدة سيناريوهات مُحتملة لضرب أهداف نووية في إيران للحكومة الإسرائيلية. 

وترى تل أبيب أن المسار الدبلوماسي غير مجدٍ في التعامل مع إيران، على أساس أنه لا يضمن منعها من مواصلة تطوير ببرنامجيها النووي والصاروخي أو كبح جماح دورها السلبي في المنطقة، وفي سبيل ذلك، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، نوفمبر الماضي، عدم التزام تل أبيب بأي اتفاق تعقده واشنطن مع طهران.

وتدرك طهران أن تصريحات تل أبيب، وكذلك العمليات التخريبية التي تقوم بها ضد طهران من فترة لأخرى، ما هي إلا رد أمريكي على التعنت الإيراني في المفاوضات، ومحاولة واشنطن الرد على تصعيد طهران لهجماتها عبر وكلائها المسلحين في المنطقة، سواء في سوريا، أو اليمن. 

فقد أطلقت واشنطن يد إسرائيل في استهداف الوجود الإيراني في سوريا، كما وضح في قصف الطيران الإسرائيلي لميناء اللاذقية السوري، في 28 ديسمبر، للمرة الثانية خلال أسبوع.  

وفي مواجهة هذه الضغوط، أطلقت طهران في إطار مناورة "الرسول الأعظم"، التي بدأت 20 ديسمبر الجاري، 16 صاروخاً باليستياً، كما كشفت عن استخدام صواريخ مجنحة لمحاولة تعزيز وضعها التفاوضي، وضمان عدم إضعافه عبر الضغوط التي يتعرض لها وكلائها المسلحين في المنطقة.

5- تعزيز قدراتها على التجسس: تسعى إيران لامتلاك أقمار اصطناعية قادرة على التجسس على المواقع العسكرية للقوى والدول المناوئة لها، كما في إطلاق الحرس الثوري الإيراني للقمر الاصطناعي العسكري "نور 1" بواسطة صاروخ من طراز "قاصد" في أبريل 2020، غير أن قائد القوات الفضائية الأمريكية، الجنرال جاي رايمند، وصف القمر "نور 1" بأنه عديم الفائدة من الناحية الاستخباراتية، إذ أكد ساخراً أنه لا يحمل أكثر من "كاميرا ويب متشقلبة في الفضاء".

وفي الختام، يمكن القول إن قدرات إيران في المجال الفضائي ما زالت محدودة، وهو ما يعني أن طهران أخفقت في توظيف المحاولة الفضائية الفاشلة لتعزيز وضعها التفاوضي، خاصة بعدما صعدت روسيا والصين من ضغوطها على إيران للتفاوض بحسن نية، ووقف محاولات المماطلة والتسويف، كما أن ذلك يعني أن محاولات طهران للعب على التناقضات بين واشنطن والترويكا الأوروبية من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر، بدأت تتراجع، وهو ما يضيق من هامش المناورة المتاحة أمام إيران.