اعتراف منقوص:

اتجاه المجتمع الدولي للتعاون مع حكومة طالبان الأفغانية

29 December 2021


تسارع القوى الدولية والإقليمية في الفترة الأخيرة جهودها لإنقاذ الشعب الأفغاني من كارثة إنسانية واقتصادية عبر اتخاذ عدد من الخطوات التي ستسهم في التيسير على الدول للتعامل مع حركة طالبان، والمصنفة حركة إرهابية لدى بعض الدول. ولا تزال الحركة تواجه عقبات متعددة في سبيل اعتراف المجتمع الدولي بها، نظراً لعدم التزامها بعدد من المطالب الدولية.

مؤشرات الاعتراف التدريجي

ظهر عدد من المؤشرات على إقامة عدد من الدول لعلاقات تعاونية مع حركة طالبان، من دون أن يعني ذلك الاعتراف الرسمي بالحركة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- انفتاح واشنطن على طالبان وحقاني: قامت الحكومة الأمريكية بإعفاء مسؤولي الولايات المتحدة والأمم المتحدة الذين يقومون بأعمال تجارية مع طالبان من العقوبات الأمريكية، وكذلك المنظمات غير الحكومية العاملة في أنشطة معينة، مثل المشاريع الإنسانية، وذلك في محاولة للحفاظ على تدفق المساعدات إلى أفغانستان، لاسيما في ضوء تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. 

ولا يشمل الإعفاء من العقوبات التعامل مع طالبان وحدها، ولكنه يمتد كذلك إلى شبكة حقاني ذات العلاقات الوطيدة بالقاعدة. ويرى الجمهوريون في الكونجرس الأمريكي أن هذا القرار يعد بمنزلة إضفاء للشرعية على طالبان، وتمكينها من ممارسة السلطة، على الرغم من عدم التزامها بالمعايير والشروط الدولية.

2- تسهيل مجلس الأمن المساعدات لأفغانستان: أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع يقضي بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان، مع منع وقوع الأموال في أيدي حركة طالبان. على أن تتم إعادة النظر في هذا القرار بعد مرور عام. وجاء هذا القرار بعد أشهر من المناقشات بشأن الأسلوب الأمثل لمواجهة انهيار الاقتصاد الأفغاني.

من ناحية أخرى، لاقت واشنطن معارضة من حلفاء مثل بريطانيا وفرنسا، الذين رفضوا إعطاء حكومة طالبان إعفاءً إنسانياً مفتوحاً من العقوبات، ولاقى هذا الموقف دعماً من إستونيا والهند، إذ تبدي الدول الأربع مخاوف من إساءة طالبان توظيف المساعدات، لذلك رأت هذه الدول ضرورة وضع حد زمني لها، حتى يتمكنوا من القدرة على إعادة فرض العقوبات إذا لزم الأمر، والذي تم الاتفاق على أن يصبح عاماً واحداً في النهاية. 

3- تواصل أوروبي بطالبان: تسعى الدول الأوروبية بدورها لوجود نوع من التواصل الدبلوماسي مع الحركة. ولذلك أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في بداية ديسمبر 2021 أن عدة دول أوروبية تعمل على إنشاء بعثة دبلوماسية مشتركة في أفغانستان، والتي من شأنها أن تمكن سفراءها من العودة إلى البلاد، مؤكداً أن هذه الخطوة ستتم في أقرب وقت ممكن، من دون الاعتراف بشكل رسمي بحكومة طالبان.

4- انخراط تركي – قطري مع طالبان: أعلن مسؤولون أتراك وقطريون خلال اجتماعهم في مدينة كابول لمناقشة اتفاق رسمي بشأن تشغيل مطار حامد كرزاي الدولي وأربعة مطارات أخرى. ونفت طالبان صحة أنباء عن توصلها إلى اتفاق مع البلدين بشأن تشغيل المطارات الخمسة، مؤكدة أن المباحثات لا تزال مستمرة بشأن تقديم الخدمات التقنية فقط، أي أنها لن تتضمن أي وجود أمني أو عسكري للدولتين في المطارات الأفغانية، وهي النقطة الخلافية بين الجانبين، والتي لم يتم تجاوزها منذ أشهر.

تجنب انهيار أفغانستان

تجدر الإشارة إلى أن السبب الرئيسي الذي دفع الدول سالفة الذكر إلى إقامة علاقات مع طالبان هو مواجهة الاقتصاد الأفغاني صعوبات وتحديات جسيمة، قد تنذر بانهيار الدولة، وما يرتبه ذلك من تصاعد النشاط الإرهابي، أو تصاعد عمليات النزوح للدول المجاورة وأوروبا، ويمكن توضيح أبعاد ذلك على النحو التالي:

1- تداعيات توقف المساعدات الدولية: كان التمويل الأجنبي يشكل ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ 20 مليار دولار في عهد الرئيس السابق، أشرف غني. كما أدت العقوبات المفروضة على أفغانستان إلى تجميد أكثر من 9 مليارات دولار من احتياطيات البنوك المركزية الخارجية من قبل الولايات المتحدة، وهو ما تسبب في زيادة الصعوبات التمويلية التي يواجهها الاقتصاد الأفغاني. وفي هذا السياق، أشار خبراء اقتصاديون إلى أن الانهيار السريع لأفغانستان أمر غير مسبوق، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد بنسبة 30% في غضون أشهر. ولا شك أن الانهيار الاقتصادي سوف يترتب عليه وقوع البلاد في حالة فوضى كاملة، وينذر بتدفق موجة جديدة من المهاجرين. 

2- تفاقم الأزمات الإنسانية: تقدر منظمة اليونيسف أن مليون طفل معرضون لخطر الموت من الجوع، خاصة في ضوء الشتاء القارس، الذي يتوقع معه استنفاد الإمدادات الغذائية. ويقدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن 98%من الأفغان ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، مع اقتراب ربع السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة من مستويات انعدام الأمن الغذائي.  

3- مواجهة تحدي داعش: شن تنظيم داعش – خرسان حوالي 54 هجوماً على الأقل بين منتصف سبتمبر وأواخر أكتوبر. وتشير الأمم المتحدة إلى أن تنظيم داعش ينشط في كل مقاطعات أفغانستان. ويركز التنظيم بصورة أساسية على استهداف الشيعة، خاصة في العاصمة كابول. 

وتسعى طالبان لاستخدام الوسائل العسكرية كافة لسحق تنظيم داعش، والتي كان أبرزها نشر أكثر من ألف جندي مشاة إضافيين لتنفيذ عمليات قتالية ضد التنظيم في مقاطعة نانجاهار. كما دخلت طالبان، في الأسابيع الأخيرة، في محادثات مع رجال الدين السلفيين والقادة المحليين في معاقل تنظيم داعش، في محاولة للتأثير على الحاضنة القبلية للتنظيم.

نكوص طالبان عن تعهداتها 

على الرغم من الانفتاح الإقليمي والدولي على طالبان، فإنه يلاحظ أن الحركة لم تتجاوب مع المطالب الدولية، باستثناء إعادة افتتاح المتحف الوطني، والذي عرض آلاف القطع التي تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام في تناقض لافت مع فترة الحكم الأولى للحركة، وفيما يلي أبرز المؤشرات السلبية:

1- عدم الالتزام بمبدأ العفو العام: على الرغم من إعلان حركة طالبان عفواً عاماً عن خصومها السابقين، فإن بعض جماعات حقوق الإنسان أشارت إلى وجود حملات إعدام وعمليات اختفاء لضباط أمن سابقين في جميع أنحاء البلاد. وتنفي طالبان تلك الأفعال، أو تبررها على أساس أنها حوادث فردية نفذها مقاتلون مارقون لتصفية حسابات شخصية بالمخالفة لتوجهات الحركة.

2- عودة القيود على حقوق المرأة: منعت حركة طالبان في معظم أنحاء أفغانستان الفتيات فوق سن 13 عاماً من الدراسة، وإن أكدت الجماعة أن هذه الإجراءات مؤقتة. كما لم تتول النساء أي مناصب رفيعة داخل حركة طالبان، فضلاً عن شن الجماعة حملة قمع على الاحتجاجات المتفرقة التي تقودها النساء. وكشفت منظمة مراسلون بلا حدود، ورابطة الصحفيين الأفغان المستقلين، أن أكثر من 80% من الصحفيات عاطلات عن العمل منذ عودة طالبان إلى السلطة. 

ويفيد بعض المسؤولين الأجانب أن الحركة تراوغ فيما يخص تعليم الفتيات، على الرغم من الضغط الدولي المكثف، ويبدو أن الحركة تجد صعوبة في التخلي عن أيدولوجيتها المتطرفة، خوفاً من تراجع مصداقيتها في أعين أنصارها المتشددين. 

3- تصاعد معدلات زراعة الأفيون: أفادت بعض التقارير بازدهار زراعة الأفيون كأحد المصادر الأساسية للدخل في أفغانستان، على الرغم من الوعود التي أطلقتها الحركة بمكافحة إنتاج هذه المخدرات. ففي هذا السياق، أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى وصول حجم إنتاج أفغانستان من الأفيون إلى قرابة 6800 طن خلال موسم الحصاد الأخير الذي انتهى في يوليو ما يمثل زيادة بنسبة 8% عن إنتاج العام الماضي. 

ويتوقع التقرير أن تسهم تجارة الأفيون في عوائد تتراوح ما بين 1.8 و2.7 مليار دولار خلال العام الحالي، بما يوازي عشر الناتج المحلي في أفغانستان. وتشير تقديرات إلى أن إنتاج وتجارة المخدرات تسهم في حوالي 60% من العائدات السنوية للحركة.

وفي الختام، يمكن القول إن المجتمع الدولي لا يزال يترقب مدى التزام حركة طالبان بالشروط والمطالب الدولية للاعتراف بها رسمياً. وعلى الرغم من أن طالبان لم تف بأغلب هذه المطالب، فإن هناك قناعة دولية بدأت تتبلور بأن عزل الحركة، وعقابها اقتصادياً، سوف يترتب عليه انهيار الأوضاع الداخلية في أفغانستان، بما يرتبه ذلك من تصاعد أزمة النزوح واللجوء إلى دول الجوار، إلى جانب تصاعد العمليات الإرهابية للتنظيمات المتطرفة.