الإمارات اليوم:

المجتمع الدولي يسعى «بحذر» للتأثير على سياسات «طالبان»

30 November 2021


اجتمعت مجموعة «ترويكا- بلس»، بحضور باكستان والولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، في 11 نوفمبر، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة حركة «طالبان» على مقاليد الحكم بأفغانستان في أغسطس الماضي. تجدر الإشارة إلى أن هذا المنتدى تم إنشاؤه ليضم الدول التي تُعد الأكثر تأثيراً في أفغانستان، والقادرة على دعم السلام والاستقرار بهذه الدولة.

أهم بنود «ترويكا- بلس»

جاءت هذه الاجتماعات لتؤكد للقوى الدولية، إضافة إلى باكستان، على عدد من النقاط في ما يخص توقعاتها لكيفية إدارة «طالبان» للدولة الأفغانية، والتي يمكن تفصيلها في النقاط التالية:

القلق من تداعيات أزمات أفغانستان

تزداد المخاوف بشأن حدوث انهيار اقتصادي وتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير، بما يرتبه ذلك من موجة جديدة من اللاجئين، ولذلك رحّبت الأطراف كافة بتقديم المجتمع الدولي المساعدات الإنسانية العاجلة لأفغانستان، خصوصاً تلك الموجهة لمكافحة جائحة «كورونا».

وتزداد المخاوف حول الوضع في أفغانستان، بسبب توقع برامج المساعدات التابعة للأمم المتحدة معاناة أفغانستان نقصاً غذائياً في فصل الشتاء، قد يؤثر على 23 مليون شخص في أفغانستان، أي أكثر من نصف السكان.

إدانة الهجمات الإرهابية الأخيرة

دعا الاجتماع مع حركة «طالبان» إلى قطع العلاقات مع جميع الجماعات الإرهابية الدولية، وتفكيكها والقضاء عليها بشكل حاسم، كما توقعت الأطراف المشاركة أن تفي الحركة بالتزامها بمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين، ضد جيرانها والبلدان الأخرى في المنطقة وبقية العالم.

واعتُبرت قضية مكافحة الإرهاب من القضايا التي اتفقت عليها الدول الأربع مع «طالبان»، والتي أحرزت بعض التقدم، حيث أكّد ممثلو «طالبان» أن حكومتهم ستكفل مواجهة الجماعات الإرهابية، في إشارة إلى «داعش». ومع ذلك، أكّدت الحركة أنها غير قادرة على مواجهة جميع الجماعات المسلحة المقيمة في أفغانستان في وقت واحد، حتى لا تفتح جبهات متعددة ضدها، أو تتوحد هذه الجماعات خلف تنظيم «داعش».

وتعكس هذه النقطة مخاوف القوى الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة والدول الغربية، التي تخشى من أن تتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، بالتواطؤ مع «طالبان»، أو أن تعجز الأخيرة عن السيطرة على الوضع الأمني في البلاد، بما يفتح الباب أمام تمدد «داعش خراسان» داخلياً، وكذلك في تنفيذ هجمات ضد الدول الغربية.

ولعل وجود تقديرات متشائمة من جانب وزارة الدفاع الأميركية يعزز هذه المخاوف، فقد قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية للسياسات، كولين كال، في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 27 أكتوبر، إن «تنظيمي (القاعدة) و(داعش خراسان) لديهما النية للقيام بعمليات خارجية»، مشيراً إلى أنه «يمكننا أن نرى (داعش خراسان) يستطيع شن عمليات إرهابية في مكان ما، بين ستة أشهر و12 شهراً، بينما سيستغرق تنظيم (القاعدة) سنة أو سنتين، للوصول إلى ذلك المستوى». وفي حين أن «طالبان» متحالفة مع «القاعدة»، فإنها تناوئ «داعش خراسان»، وهو ما قد يكون ملفاً محتملاً للتعاون بين واشنطن و«طالبان».

دعوة «طالبان» إلى تشكيل حكومة شاملة

دعت دول الترويكا «طالبان» للعمل على تشكيل حكومة شاملة، تمثل مختلف مكونات المجتمع الأفغاني، وتحترم حقوق جميع الأفغان، وتوافر الحقوق المتساوية للنساء والفتيات. كما وافقت الأطراف على المشاركة في هذا المؤتمر على مواصلة الانخراط مع حركة «طالبان» لضمان تنفيذها سياسات معتدلة، من شأنها أن تُسهم في تحقيق الاستقرار والازدهار في أفغانستان في أقرب وقت ممكن.

ويلاحظ أنه لاتزال هناك اختلافات جوهرية بين «طالبان» والأطراف الدولية، بشأن مفهوم الحكومة الشاملة، حيث أشار ممثلو الحركة إلى أن مئات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية قد استأنفوا العمل، ما يعطي الحكومة ما يكفي من الطابع الشامل، ويختلف ذلك اختلافاً جذرياً عن مفهوم الأطراف الدولية عن الحكومة الشاملة، التي تقوم على فكرة تمثيل الأقليات المختلفة في الحكومة، بما يحقق استقرار النظام السياسي.

الترحيب بتيسير حرية مغادرة البلاد

رحّبت دول الترويكا بالتزام حركة «طالبان» المستمر بالسماح بالمرور الآمن لجميع الراغبين في السفر من أفغانستان وإليها، إضافة إلى تشجيع الدولة الأفغانية على إحراز تقدم سريع، بشأن الترتيبات الخاصة بإنشاء مطارات في جميع أنحاء البلاد، لتيسير عملية النقل الجوي التجاري، وهو أمر ضروري لتمكين التدفق المستمر للمساعدات الإنسانية.

التأكيد على ضرورة احترام حقوق المرأة

شددت الدول المجتمعة على أهمية حصول النساء والفتيات الأفغانيات على التعليم بجميع المراحل التعليمية، مع حث الحركة على تسريع الجهود لتوفير الوصول الكامل والمتساوي إلى التعليم في جميع أنحاء البلاد.

من جانبه، أوضح وفد حركة «طالبان» أن مدارس الفتيات تعمل في ما لا يقل عن 10 مقاطعات، مع اعتزام الحركة فتحها في جميع أنحاء البلاد، ولكن نظراً لأن الأموال المخصصة للرواتب ولإدارة هذه المدارس تأتي من المساعدات الخارجية، فإنه بمجرد استئناف هذا التمويل، فإنه يمكن أن يتم استئناف تعليم الفتيات. من ناحية أخرى، تشير بعض التحليلات إلى استمرارية استبعاد النساء من الحياة العامة الأفغانية، حيث لاتزال معظم الموظفات في القطاع العام ممنوعات من العودة إلى العمل، إضافة إلى استمرار غياب الفتيات في معظم أنحاء البلاد عن المدارس الثانوية.

دعوة «طالبان» لاتخاذ نهج سلمي

دعت دول الترويكا «طالبان» إلى احترام الالتزامات القانونية الدولية، بما في ذلك المبادئ المتفق عليها عالمياً بالقانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية، مع حماية سلامة الحقوق المشروعة للمواطنين الأجانب والمؤسسات الأجنبية في أفغانستان.

دلالات مخرجات الاجتماع

بمراجعة مخرجات اجتماع «الترويكا بلس»، يلاحظ أنه اتجه خطوة للاعتراف بـ«طالبان» كممثل للشعب الأفغاني، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

الإجماع على ضرورة استقرار أفغانستان

يُعد هذا الاجتماع دلالة على اتفاق كل الدول المشاركة فيه على ضرورة استقرار الدولة الأفغانية، وعدم انزلاقها نحو حرب أهلية، أو تحولها إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، بما يتركه ذلك من تداعيات سلبية على أمن الدول المجاورة.

الاعتراف الدبلوماسي بـ«طالبان»

على الرغم من تعليق عدد من الحكومات، ومن ضمنها الحكومة الأميركية، تقديم المساعدات الاقتصادية، إضافة إلى تجميدها أصول البنك المركزي الأفغاني بالخارج، فإن هذا الاجتماع لم يتطرق فيه الأطراف إلى مناقشة مدى شرعية النظام الحاكم بقيادة حركة «طالبان»، والذي يعني الاعتراف بشكل ضمني بالأمر الواقع بوجود هذا النظام على رأس السلطة، والتركيز على إرساء الاستقرار والسلام بالدولة.

فقد التقى ممثلو الدول الأربع بوزير الخارجية الأفغاني، أمير خان متقي، حيث كان هذا الاجتماع بمنزلة أكبر مشاركة جوهرية مع الحكومة الأفغانية الجديدة، وهو ما يعكس وجود حرص للتوصل إلى تفاهمات مع «طالبان»، والتي قد تفضي في مرحلة تالية لرفع الحظر عنها.

تنافس إقليمي على الساحة الأفغانية

دعمت الصين باكستان لاستضافة هذا الاجتماع الموسع كآلية للتشاور بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، والذي استبعد الهند. فقد جاءت محادثات «الترويكا» في باكستان في اليوم التالي لعقد الهند اجتماعها متعدد الأطراف الذي ركز على الوضع في أفغانستان، حيث استضاف مستشار الأمن القومي الهندي مسؤولي الأمن في إيران وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان في نيودلهي، مع عدم دعوة ممثلي حركة «طالبان» لهذا الاجتماع.

وقد رفضت باكستان والصين حضور هذا المؤتمر، وهو ما يرجع إلى توتر علاقاتها بالهند، نتيجة النزاعات المتصاعدة على طول حدودهما، كما أنه يؤشر إلى وجود توافق باكستاني – صيني على استبعاد الهند من التعامل مع تطورات الأزمة الأفغانية.

الدور المحوري لباكستان

أكّد هذا الاجتماع الدور القيادي المتزايد لباكستان في الأزمة الأفغانية. فعلى الرغم من عدم اعتراف باكستان رسمياً بحكومة «طالبان» المؤقتة، فإنها تدعم النظام الأفغاني من دون قيد أو شرط. فقد حذّر وزير الخارجية الباكستاني من أن زيادة عزل أفغانستان من شأنه أن يزيد حدة الأزمة، وتكون له تداعيات إقليمية وعالمية.

كما دعت باكستان الحكومات، بما في ذلك الحكومة الأميركية، إلى السماح بتدفق المساعدات التنموية إلى أفغانستان، لمنع الانهيار الاقتصادي. كما ناقشت باكستان خلال الاجتماع فكرة انضمام أفغانستان إلى الممر الباكستاني – الصيني، وهو مشروع بنية تحتية بمليارات الدولارات مع الصين، والذي يأتي تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما يعكس حجم الدعم الباكستاني لاقتصاد أفغانستان، الذي يعد أبرز تهديد لحكم «طالبان».

إقرار

أقر اجتماع «الترويكا- بلس»، ضمنياً، بحكومة «طالبان»، وسعى للتأثير عليها، من خلال تقديم حوافز اقتصادية لها، مقابل التجاوب مع مطالب الدول المعنية، وتحديداً فك الارتباط، أو على الأقل تحجيم الجماعات الإرهابية الموجودة على أراضيها، وإقامة حكومة جامعة، واحترام حقوق الإنسان، وهو ما يعني أنه في حالة تجاوب «طالبان» مع هذه الشروط، فإنه يمكن الاعتراف بها باعتبارها حكومة شرعية. ويبدو أن الحركة مستعدة للتجاوب مع بعض الشروط، وتحديداً محاربة «داعش»، في مقابل الحصول على دعم اقتصادي.

• تشير بعض التحليلات إلى استمرارية استبعاد النساء من الحياة العامة الأفغانية، حيث لاتزال معظم الموظفات في القطاع العام ممنوعات من العودة إلى العمل، إضافة إلى استمرار غياب الفتيات في معظم أنحاء البلاد عن المدارس الثانوية.

• اختلافات جوهرية بين «طالبان» والأطراف الدولية، بشأن مفهوم الحكومة الشاملة، حيث أشار ممثلو الحركة إلى أن مئات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية قد استأنفوا العمل، ما يعطي الحكومة ما يكفي من الطابع الشامل، ويختلف ذلك اختلافاً جذرياً عن مفهوم الأطراف الدولية للحكومة الشاملة، التي تقوم على فكرة تمثيل الأقليات المختلفة في الحكومة، بما يحقق استقرار النظام السياسي.

*لينك المقال في الإمارات اليوم*