أزمة كامنة:

هل ينتهي تاريخ الحد من الأسلحة النووية؟

17 October 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم


 يواجه المجتمع الدولي قلقاً متزايداً جرًّاء إمكانية انتشار الأسلحة النووية، نظراً لتأثير ذلك على الاستقرار العالمي ، وما يمكن أن يترتب عليه من دخول الدول المتشابكة في ملفات إقليمية أو دولية إلى سباق للتسلُّح النووي. ومن ثم، فإن هذا القلق له ما يبرره في ظل المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تترتب على انتشار الأسلحة النووية وإمكانية استخدامها في الحروب والصراعات الدائرة في الأقاليم والمناطق المختلفة من العالم.

وفي هذا الإطار، تأتي الدراسة المُعنونة: "أزمة غير مرئية.. هل ينتهي تاريخ الحد من الأسلحة النووية؟"، والتي أعدها الباحث الروسي "أليكسي أرباتوف" Alexei Arbatov، وهو مدير برنامج "حظر الانتشار النووي" بمركز كارنيجي موسكو. ويتناول في هذه الدراسة فكرة إمكانية خروج الأسلحة النووية عن السيطرة الدولية، وما لذلك من تأثير على المجتمع الدولي بأكمله.

ويبرز الباحث أزمة التسلُّح النووي في العالم في إطار الانشغال الدولي بقضايا أخرى، ويتطرق إلى الصراع الأمريكي مع روسيا حول الأسلحة النووية ومدى تأثيره على اهتمام النظام الدولي بتلك القضية ووضعها كأولوية مُلّحة. كما يعرض الكاتب بعض الآليات التي يمكن من خلالها أن يكون ثمة موقف دولي قوي وواضح للحدّ من التسلُّح النووي.

أزمة التسلُّح النووي في العالم

يشير الباحث إلى أن الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وكذلك في أوكرانيا، قد حظيت بالاهتمام خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك في ظل التحديات الأمنية الدولية الناتجة عن هذه الصراعات، غير أن هذا الاهتمام قد صرف النظر عن أزمات أخرى آخذة في الاستفحال ولها علاقة مباشرة بالاستقرار والسلام الدوليين، ومنها الأزمة المرتبطة بالحدّ من التسلُّح النووي في العالم.

ومع التطورات التكنولوجية السياسية والعسكرية التي تحدث في العالم، فإن هذا يُنذر باحتمالية تآكل المعاهدات الدولية القائمة والمرتبطة بالحدّ من التسلُّح النووي. وبالتالي، فإن النظام الذي يحاول المجتمع الدولي الحفاظ عليه وتطويره منذ ستينيات القرن الماضي فيما يتعلق بالأسلحة النووية قد يتغير في المستقبل القريب بشكل يتطلب ضرورة التحرك، نظراً لخطورة ذلك، حيث إن ذلك السيناريو كفيل بأن يزيد من الشكوك وعدم الثقة المتبادلة بين أطراف المجتمع الدولي، بالإضافة إلى استدعاء الفكرة النووية إلى البيئة الاستراتيجية والسياسية الدولية بشكل يُنذر بعواقب وخيمة.

وفي هذا الإطار، يعتبر الباحث أن الأزمة المتعلقة بالحدّ من الأسلحة النووية هي أزمة متعددة الجوانب، فالولايات المتحدة - على سبيل المثال – انسحبت من المعاهدة المضادة للصواريخ الباليستية، ورفضت أي قيود على نشر منظومة الدفاع الصاروخية، وكذلك لم تصدق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT). وبالتالي، فإن ثمة احتمال ضعيف أن تقبل واشنطن أيَّة التزامات في المستقبل، وفي نفس الوقت فإنها تتهم روسيا بانتهاك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (INF)، وهو ما حدا بالجمهوريين في الكونجرس الأمريكي إلى المطالبة بالردّ على هذه الانتهاكات من خلال الانسحاب من معاهدة "نيو ستارت" التي أُبرمت في عام 2010، وتهدف إلى خفض الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا.

وفيما يتعلق بالموقف الروسي غير الرسمي من ذلك، فإن بعض المحللين السياسيين والاستراتيجيين غير الحكوميين في موسكو يتحدثون عن إمكانية تخلّي بلادهم عن معاهدة "نيو ستارت"، وكذلك ذهبت بعض الأصوات الروسية المتشددة إلى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وذلك من أجل بيع الأسلحة النووية في الخارج واستفادة روسيا من هذه الصفقات بشكل كبير. ويأتي ذلك في خضم الموقف الروسي الرسمي الرافض للمشاركة في قمة الأمن النووي المُقبلة في واشنطن عام 2016، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها موسكو ذلك، وهو ما يراه الباحث محاولة لتدمير كل شيء قد بُني خلال عقود ماضية بين الولايات المتحدة وروسيا.

وبعيداً عن هاتين الدولتين، يشير الباحث إلى أن ثمة سبع دول أخرى نووية تحجم عن الانضمام إلى عملية نزع الأسلحة النووية أو الحدّ من الترسانات النووية، وذلك في ظل محاولات دول أخرى الحصول على السلاح النووي، وبالتحديد كوريا الشمالية التي انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 2003، ومنذ ذلك الحين حتى الآن قامت بإجراء ثلاث تجارب نووية، وهو ما يعني أن نظام حظر الانتشار النووي هو الآخر يواجه حالة من الفوضى الدولية. وفي ذات السياق، وعلى الرغم من الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران، بيد أن هذا الاتفاق مازال يُواجَه بالرفض والمعارضة القوية داخل الكونجرس الأمريكي.

النظام الدولي وأزمة التسلُّح النووي

فرض النظام الدولي ثنائي القطبية في القرن الماضي ضرورة الحدّ من التسلُّح النووي إثر عدة أزمات وقعت بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي. وقد شكّل ذلك أولوية في العلاقة بين الدولتين، وأصبح كذلك ضرورة للأمن الدولي بشكل عام. وقد نتج عن ذلك تخفيضات نووية تدريجية متبادلة، ولكن مع سقوط الاتحاد السوفيتي لم تعد مراقبة الأسلحة النووية ركيزة أساسية في الأمن الدولي.

وتضيف الدراسة أنه مع ظهور تدريجي لعالم متعدِّد الأقطاب، أصبح ثمة فاعلون دوليون جُدد مثل الصين والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى صعود فاعلين إقليميين مثل إيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وباكستان، وجنوب أفريقيا. وتراجعت أهمية الحد من التسلُّح النووي من الأجندة الدولية والقانون الدولي مع تشكُّل نظام دولي جديد، وبدأت تظهر قضايا أخرى تحظى بالاهتمام مثل تغيُّر المناخ، والهجرة غير الشرعية، والإرهاب الدولي والجريمة العابرة للحدود، والتحديّات المرتبطة بالعولمة.

وعلى الرغم من ذلك، يرى الباحث أن الولايات المتحدة حاولت مع غريمها التقليدي روسيا تخفيض التسلُّح النووي، بيد أن هذه المحاولات مازالت تفتقد للثقة المتبادلة الكاملة. ويأتي ذلك في ظل الحديث مؤخراً عن الانسحاب من بعض المعاهدات الثنائية بين الدولتين، وكذلك في ظل اتجاه عدد كبير من الدول النووية الأخرى إلى رفض تخفيض ترسانتها النووية. ومن ثم، فإن النظام الدولي قد أثّر على الحدّ من التسلُّح النووي، وفي ظل نظام دولي متعدد الأقطاب آخذ في التشكُّل، تراجعت أهمية ذلك في ظل بروز قضايا أخرى تأتي كأولوية عاجلة ليس من ضمنها الترتيبات الدولية المتعلقة بالأسلحة النووية.

تآكل فكرة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية

يشير الباحث إلى أن العالم يواجه اليوم أزمة خطيرة ومتكاملة المعالم فيما يتعلق بالحدّ من الأسلحة النووية، وهذه الأزمة لها تبعات غاية في الخطورة، فمن المحتمل أن تؤدي إلى تفكك الإطار الحالي للمعاهدات والترتيبات الدولية المتعلقة بالأسلحة النووية، ما ينذر بإمكانية دخول المجتمع الدولي في سباق للتسلُّح النووي يؤدي إلى عواقب سياسية واقتصادية بالغة الضرر لكل البشرية. ويوضح الباحث أن ذلك السيناريو قد يشمل ما يلي:ـ

1- انتشار التكنولوجيا النووية بين الدول غير المستقرة والمتصارعة إقليمياً، ما قد يجعل هذه الدول تستدعي الأسلحة النووية للحروب المحلية والإقليمية بشكل يُبدّد أي محاولات للحد من التسلحُّ النووي فيما بعد.

2- سوف تكون المنظمات الإرهابية قادرة على الحصول على الأسلحة النووية، ما سيكون له تداعياته الخطيرة على المجتمع الدولي بأكمله.

3- سوف تنتشر المواد النووية وتتزايد في الدول الاستبدادية والراديكالية، وهو ما يجعل وضع البشرية كارثياً.

4- لا يمكن إغفال الأثر البيئي لتلك الفوضى النووية المحتملة.

وبالتالي، تؤكد الدراسة على أن انتشار التكنولوجيا النووية يرتبط بشيوع عدم الاستقرار في العالم، بالإضافة إلى اعتبارات الهيَّبة بين الدول المتنافسة إقليمياً ودولياً بشكل يدفعها إلى امتلاك وتطوير أسلحة نووية. ويتوقع الباحث أن تشهد مناطق آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط التوسُّع الأكبر في هذا الأمر، وذلك في ظل طمس الخط الفاصل بين الاستخدام السلمي والعسكري للطاقة النووية، وهو ما يعتبر تقويضاً للبنية الدولية التي أُسِّست للسيطرة الدولية على الطاقة النووية.

ختاماً، تقترح الدراسة عدداً من الإجراءات التي يتعين على القوى العالمية اتخاذها لإحياء ضبط الأسلحة النووية والحدّ من انتشارها، وتشمل هذه الإجراءات ما يلي:ـ

1- ضرورة صياغة موقف سياسي مُوحَّد بين القوى العالمية المختلفة والتحالفات الدولية، وذلك من أجل الوصول إلى إجراءات عاجلة وفعَّالة تساعد على تجنُّب "نهاية تاريخ" الحدّ من الأسلحة النووية.

2- الحفاظ على المعاهدات القائمة؛ فثمة ضرورة لبقاء واستمرار معاهدات الحدّ من الأسلحة النووية، وفي مقدمتها معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، ومعاهدة الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية (نيو ستارت) والتي تمّ إبرامها بعد مفاوضات شاقة في عام 2010 بين كل من الولايات المتحدة وروسيا.

3- بلورة أهداف واقعية وخيارات جديدة؛ حيث يشير الباحث إلى ضرورة صياغة أهداف واقعية تتلائم مع النظام العالمي القائم، بحيث تتعلق بالحدّ من الأسلحة النووية بعيداً عن الأهداف المثالية بعيدة المنال (نزع الأسلحة النووية كليةً)، والتي قد لا تساعد على تحسين الواقع بل قد تزيده سوءاً. كذلك لابد من استكشاف مجموعة جديدة من الخيارات يمكن أن تشمل خفض الترسانات النووية الأمريكية والروسية.


* عرض مُوجز لدراسة: "أزمة غير مرئية.. هل ينتهي تاريخ الحد من الأسلحة النووية؟"، والصادرة عن "مركز كارنيجي موسكو" في يونيو 2015.

المصدر

Alexei Arbatov, “An Unnoticed Crisis: The End of History for Nuclear Arms Control?", (Moscow: Carnegie Moscow Center, June 2015).