مكاسب متعددة:

اتجاه الرئيس سعيد لتغيير النظام السياسي التونسي

15 September 2021



صرّح الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 12 سبتمبر، أثناء جولة له في شارع الحبيب بورقيبة، وسط حراسة مشددة، أن الحكومة الجديدة ستشكل "في أقرب الأوقات"، كما لوّح بإمكانية تعديل الدستور التونسي. 

إجراءات خريطة الطريق:

يمكن توضيح أبرز الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في التالي: 

1- تعديل الدستور التونسي: أكد الرئيس التونسي سعيد احترام دستور 2014، ولكنه شدد على إمكانية إدخال تعديلات عليه، مضيفاً أن "الشعب سئم النصوص الدستورية التي تم وضعها على مقاسهم"، في إشارة محتملة إلى حزب النهضة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، كما أكد أنه "يمكن إدخال تعديلات تستجيب إلى مطالب الشعب".

وكان وليد الحجام، مستشار الرئيس التونسي، قيس سعيد، قد أوضح في 9 سبتمبر، أن هناك ميلاً لتعديل النظام السياسي في تونس، ربما عبر استفتاء، وأنه يُفترض تعليق الدستور وإصدار نظام مؤقت للسلطات. 

ويعني ما سبق أن الرئيس التونسي سوف يتجه إلى تعديل النظام السياسي للبلاد من النظام المختلط، الرئاسي – البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهو ما يلاقي دعماً من جانب بعض التيارات السياسية والقوى المدنية في البلاد. 

2- اختيار حكومة جديدة: أكد سعيد أن تشكيل الحكومة سيتم قريباً، مؤكداً في الوقت نفسه أنه سيسعى إلى اختيار رئيس للحكومة "لا تكون أي شائبة عليه"، وهو بذلك يسعى لتجاوز تجربة حكومة هشام المشيشي، والذي اختاره سعيد، ثم سرعان ما انقلب عليه واتجه لتأسيس تحالف مع النهضة، وتبني سياسات تناوئ الرئيس التونسي. 

مبررات الرئيس التونسي: 

بمراجعة السياق والتطورات السابقة على إعلان الرئيس السعيد توجهاته المستقبلية حيال خريطة الطريق التونسية، يمكن القول إن العوامل التالية لعبت دوراً في إعلانه في هذا التوقيت هذه التصريحات، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- استيعاب الضغوط الدولية: تزامن إعلان الرئيس مع تزايد تدخل بعض القوى الدولية في تونس، ومن ذلك دعوة سفراء مجموعة الدول السبع الكبرى، في 6 سبتمبر، الرئيس سعيد إلى الإسراع في تعيين رئيس جديد للحكومة والعودة للنظام الدستوري الذي يلعب فيه البرلمان المنتخب دوراً كبيراً.

كما أن الإدارة الأمريكية تضغط على الرئيس سعيد للإسراع نحو تشكيل حكومة جديدة، للبلاد، وزار وفد من الكونجرس الأمريكي تونس، في أوائل سبتمبر، والتقى عدداً من القوى السياسية. وعلى الرغم من رفض قوى سياسية وشعبية، الزيارة، خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل، فإن الوفد التقى بممثلين عن حزب النهضة التونسي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، والذي ربما استغل عدم إعلان الرئيس خريطة الطريق، من أجل نقل وجهة نظر سلبية للإدارة الأمريكية، والترويج لموقفه القائل إن إجراءات الرئيس تمثل انقلاباً عسكرياً. 

2- الاستجابة للمطالب الداخلية: طرح نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد التونسي العام للشغل، مبادرة في 11 سبتمبر 2021، لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، متضمنة دعوة رئيس الدولة، قيس سعيد، لتوضيح خريطة طريق محددة للفترة القادمة، وحثه على إشراك القوى السياسية والمجتمعية والاقتصادية كافة فيها. 

كما تضمنت المبادرة الدعوة لتشكيل حكومة وطنية مصغرة لإدارة شؤون البلاد، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تؤدي إلى تشكيل برلمان وطني يقوم بصياغة دستور وتغيير النظام السياسي الحالي.

3- كسب تأييد المجتمع الدولي: إن وضع خريطة طريق جديدة، وتشكيل حكومة مؤقتة، سوف يساهمان في كسب ثقة المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة لتقديم الدعم الاقتصادي اللازم لإنعاش الاقتصاد التونسي.

4- الرد على النهضة: أكد الرئيس سعيد، في 12 سبتمبر، أنه يقوم مع فريقه بالعمل في إطار الشرعية، منتقداً من "يتحدثون عن انقلاب وخروج عن الدستور"، وهو بذلك يرد بصورة مباشرة على الإخوان المسلمين، خاصة مع إصرار النهضة على تصوير ما جرى للإعلام الدولي والإدارة الأمريكية بأنه انقلاب عسكري. 

وأكد سعيد كذلك احترامه لـ "القانون والأخلاق وكل القيم"، وأوضح أنه "للأسف من تم الاتفاق معهم نقضوا العهود"، في إشارة للمشيشي والإخوان المسلمين. كما حذر الرئيس التونسي ممن "يسربون الشائعات"، وهي كلها رسائل من الرئيس التونسي تستهدف المعترضين على إجراءاته.

5- الاستفادة من تطورات المغرب: تزامن إعلان الرئيس التونسي عن توجهاته الجديدة مع انهيار حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في المغرب، في الانتخابات البرلمانية التي أجريت مطلع سبتمبر، حيث تراجع وزن الحزب من حوالي 125 مقعداً إلى 13 مقعداً فقط، في مؤشر على وجود توجه شعبي في الإقليم، في الفترة الحالية، على رفض الأحزاب المرتبطة بالإخوان المسلمين. 

تباين داخلي متوقع: 

من المتوقع أن تلاقي دعوات الرئيس التونسي رفضاً من جانب بعض الأحزاب، خاصة النهضة، في حين يتوقع أن تساندها قوى أخرى، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- رفض التيار الديمقراطي: استنكر الحزب تصريحات وليد الحجام، مستشار الرئيس التونسي، بشأن الميل لتعليق العمل بالدستور وتغيير النظام السياسي، ولذلك يتوقع أن يرفض ما أشار إليه الرئيس التونسي من خريطة طريق جديدة. 

2- تأييد الاتحاد العام للشغل: عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن ثقته في قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية، داعماً الدعوة إلى تغيير النظام السياسي القائم في البلاد، نظراً لأن الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس التونسي تتوافق في بعض جوانبها مع المبادرة التي أطلقها الاتحاد قبل عدة أيام. 

3- رفض النهضة الإخوانية: أعلنت حركة النهضة رفضها لتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي القائم تحت ذريعة أن ذلك الإجراء يتعارض مع دستور 2014، وأن هذه الإجراءات معادية للمسار الديمقراطي، وأن إصرار الرئيس على ذلك سوف يفقده شعبيته ويعيد إنتاج حكم الفرد.

كما دعا الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، المقرب من الإخوان المسلمين، في 12 سبتمبر، "الديمقراطيين التونسيين من العلمانيين أو الإسلاميين" إلى ترك خلافاتهم جانباً للوقوف في وجه عودة "الدكتاتورية"، إذا تمّ تعليق العمل بالدستور.

وفي حقيقة الأمر، فإن اعتراض النهضة لا يرتبط بالذرائع التي أعلنتها، وهي الحفاظ على النظام الديمقراطي، نظراً لأن أي نظام للحكم، سواء كان برلمانياً أو رئاسياً، يعد نظاماً ديمقراطياً طالما يعتمد آلية الانتخاب. ولكن النهضة تبدي اعتراضاً على النظام الرئاسي لأسباب أخرى، ترتبط بإدراكها جيداً أن عدم لعب البرلمان دوراً في تشكيل الحكومة المقبلة، بموجب النظام الرئاسي المزمع اتخاذه سوف يعني أنها لن تستطيع أن تلعب دوراً فيها، على غرار العقد السابق، والذي شهد مشاركة النهضة في الحكومات التي شهدتها تونس منذ انتخابات 2011، على الرغم من تراجع شعبيتها المتواصل من برلمان لآخر.

ومن جهة أخرى، فإن النهضة أخفقت في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، حيث خرج مرشحها، عبدالفتاح مورو، من الجولة الأولى، بحصوله على 434 ألفاً و530 صوتاً، وحل في المرتبة الثالثة. ونظراً لتراجع شعبية النهضة في الشارع التونسي في الفترة الحالية، فإنه ليس من المتوقع أن تمني نفسها بالفوز بمنصب رئيس الدولة. ومن ثم، فإن إقامة نظام رئاسي يعني بقاءها في خانة المعارضة، وهو أمر لم تعتد عليه الحركة منذ عام 2011. 

ولذا فمن المتوقع أن تقوم النهضة بشن حملة إعلامية ودبلوماسية ضد الرئيس سعيد، وأن تسعى للضغط على واشنطن لممارسة ضغوط على الرئيس التونسي لحضه عن التراجع عن تغيير النظام السياسي التونسي.

وفي الختام، يتوقع أن تحظى التوجهات التي أعلنها الرئيس التونسي بشأن تعديل الدستور الحالي بدعم شعبي، وإن لاقت معارضة من بعض الأحزاب، مثل النهضة، والتي كانت تستفيد من شكل النظام السابق. ويتوقع أن يقدم الرئيس التونسي خلال الفترة القادمة على اختيار رئيس وزراء لإدارة الفترة الانتقالية القادمة، والتعامل مع التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فضلاً عن توضيح الإجراءات التي سيتم بموجبها الاستفتاء على دستور جديد للبلاد.