انقسام شيعي:

تداعيات التأجيل المُحتمل للانتخابات البرلمانية على المشهد العراقي

25 August 2021


دعا الرئيس العراقي في 19 أغسطس الجاري لإجراء حوار وطني حول مصير الانتخابات المقبلة، مُبدياً تخوفه من التحديات التي تواجه عقد الانتخابات في موعدها، ليدخل العراق مرة أخرى في دائرة من الغموض حول مصير الانتخابات البرلمانية القادمة، والمقرر لها 10 أكتوبر 2021، مع إعلان عدد من القوى السياسية العراقية رغبتها في تأجيل الانتخابات، تأييداً لموقف زعيم التيار الصدري، بينما لا تزال هناك قوى أخرى ترفض هذا التوجه، وتتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر.

انقسام السلطة التنفيذية:

لايزال الموقف الرسمي منقسماً بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ففي حين يرغب الأول في تأجيل الانتخابات، يسعى الثاني لإجرائها في موعدها، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- دعم برهم صالح تأجيل الانتخابات: أظهر الرئيس العراقي، برهم صالح، موقفاً مرناً من مسألة تأجيل الانتخابات العراقية، من خلال دعوته لما أسماه بالحوار الوطني، داعياً لعدم الاستخفاف بالتحديات التي تواجه عملية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في أكتوبر القادم، وكأنه أراد من خلال هذه الدعوة الضغط على رئيس الوزراء الكاظمي لإبداء مرونة أكبر تجاه احتمال تأجيل الانتخابات. 

ويبدو أن موقف صالح الأخير من تأجيل الانتخابات يستند لمخاوف مشروعة تنسجم في جانب منها مع مخاوف بعض القوى السياسية، التي تخشى أن تقود مقاطعة الانتخابات من قِبل التيار الصدري وغيره من الأحزاب لعودة الاحتجاجات للشارع بصورة أكبر، مما ستكون له تداعيات سلبية على المشهد العراقي.

2- مطالبة الكاظمي بإجراء الانتخابات في موعدها: يعتبر مصطفى الكاظمي من أكثر المُتمسكين بعقد الانتخابات في موعدها، ومع ذلك شكلت دعوات المقاطعة والانسحاب مصدر قلق كبير للحكومة العراقية، حيث تخشى من تبعات أمنية لهذه الانسحابات يمكن أن يكون لها تأثير على سير العملية الانتخابية في بعض المناطق، وأن تقع اشتباكات قد تخرج عن السيطرة، وتأخذ المسار الانتخابي لمسارات أخرى مجهولة. 

ولذلك تعامل الكاظمي بواقعية مع دعوات التأجيل، وشكل لهذا الغرض لجنة خاصة بمشاركة عدد من القوى السياسية، للبحث مع القوى المقاطعة إمكانية عدولها عن قرارها، وقد بدأت اللجنة اتصالاتها ولقاءاتها مع تلك القوى، لكن جهودها لم تنجح بعد في إقناع الصدر بتغيير موقفه. 

تباين القوى السياسية 

يمكن توضيح موقف أبرز القوى السياسية من مسألة تأجيل الانتخابات على النحو التالي: 

1- مطالبة التيار الصدري بتأجيل الانتخابات: يتصدر التيار الصدري موقف القوى الداعية لتأجيل الانتخابات، حيث سبق وأن أعلن مقتدى الصدر الشهر الماضي انسحابه من الانتخابات، لكنه عاد قبل أيام لوضع شرطين لقبوله العدول عن رأيه وهما: تأجيل الانتخابات وإصدار المرجع الأعلى على السيستاني بياناً يدين فيه تدخلات الفصائل المسلحة في العملية السياسية. 

ويستند الصدر في موقفه، وفي الشروط التي وضعها، إلى حقيقة أن الجماعات المسلحة تتمسك بموعد الانتخابات لتُسيطر على الحكومة المقبلة، وسط غياب قوى سياسية وشعبية عن العملية الانتخابية. 

2- انقسام الأحزاب الشيعية الأخرى: كثفت الأحزاب الشيعية العراقية اجتماعاتها خلال الأيام الماضية، للرد على شروط مقتدى الصدر، للعدول عن مقاطعة الانتخابات. وتتمسك أغلب الأطراف الشيعية بإجراء الانتخابات في موعدها، خاصة ائتلاف دولة القانون، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، وحركة عصائب أهل الحق برئاسة قيس الخزعلي، وهادي العامري، زعيم تحالف الفتح. ونقلت المصادر، عن أحد الحاضرين لهذه الاجتماعات قولهم إنه: "بإمكان، الصدر، لعب دور المعارضة السياسية في البلاد، وهو حر في ذلك". 

وفي المقابل، تٌسيطر حالة الخوف والتردد على بقية الشركاء الشيعة، ومنها تيار النصر، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، والذين يتخوفون من التداعيات السياسية لغياب الصدر. وتميل هذه الكتل لمواصلة الضغط على الصدر لإقناعه بالعودة عن قراره والمشاركة في الانتخابات.

3- غياب الإجماع السُني: لا يوجد إجماع بين القوى الممثلة للسنة حول مسألة الانتخابات من عدمه. ففي وقت سابق من الشهر الماضي انسحب عدد من هذه الأحزاب من المشهد الانتخابي، أبرزها جبهة الحوار الوطني، برئاسة صالح المطلك. ولايزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأحزاب سوف تعدل عن قرارها، في حال عُقدت الانتخابات في موعدها المقرر، أو تم تأجيلها. 

وفي المقابل، أبدى تحالف "تقدّم" بزعامة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، رفضاً لتأجيل الانتخابات، محذراً من أن محاولات تأجيلها سيعرض البلد للفوضى"، على أساس أن إجراء الانتخابات المبكرة قد جاء نتيجة ضغط الشارع والتظاهرات التي انطلقت قبل سنتين. 

4- مقاطعة القوى العلمانية والوطنية: أعلن حزب الوفاق، الذي يتزعمه إياد علاوي، والحزب الشيوعي العراقي، وعدد كبير من الأحزاب المنبثقة من الانتفاضة العراقية مقاطعتها الانتخابات المبكرة. وجاء على رأس هذه الأحزاب "حزب البيت الوطني". هذه الأحزاب غير مؤثرة بصورة كبيرة في المشهد الانتخابي، حيث تنخرط أغلبها في التكتلات الكبيرة، السنية أو الشيعية، من أجل ضمان تمثيل لها داخل البرلمان، وبالتالي فإن موقفها من تأجيل الانتخابات يُعد تكميلياً فقط، لإظهار مدى الإجماع الوطني على هذه المسألة.

5- تفهم النجف تأجيل الانتخابات: كان المرجع الديني علي السيستاني قد حذر، في أغسطس 2020، من تأخير إجراء الانتخابات، لكنه أشار أيضاً إلى أن إجراءها "من دون توفير شروطها، سيقود البلاد إلى وضع يهدد وحدتها، ومستقبل أبنائها"، بينما أكد 3 من رجال الدين في النجف، مقربين من السيستاني "عدم وجود موقف محدد بشأن الجدل السياسي الراهن، وأن موعد الانتخابات متروك لرغبة الشعب، وما تتوافق عليه الأطراف المعنية"، وهي كلها مواقف تؤكد أن المرجعية لا تمانع في تأجيل الانتخابات، لحين تحسن الظروف. 

تداعيات الاستمرار والتأجيل 

لا شك أنه في حال توافقت القوى الشيعية على قرار تأجيل الانتخابات، فإن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، سيتجاوب معها، غير أنه من الواضح أن هذه القوى تعاني انقساماً واضحاً، ولذا، فإنه يمكن تفصيل التداعيات المترتبة على خياري إجراء الانتخابات في موعدها، أو تأجيلها على النحو التالي: 

1- تداعيات إجراء الانتخابات في ظل المقاطعة: في حال فشلت جهود إقناع مقتدى الصدر بالعدول عن قراره، مع إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، يتوقع ما يلي: 

‌أ- تعزيز محتمل لموقف المالكي: سوف يكون تحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي أكبر المستفيدين من انسحاب الصدريين من الانتخابات، في ظل تراجع فرص تيار الفتح بعد تحالفه الأخير مع عشائر الجنوب، وضعف ثقة المكونات الشيعية والفصائل المسلحة في تيار عمار الحكيم.

‌ب- تدهور الوضع الأمني: تزداد احتمالات عرقلة سير الانتخابات في المناطق والدوائر التابعة للقوى المنسحبة، وعلى رأسها التيار الصدري، كما أنه يتوقع أن تعود الاحتجاجات إلى الشارع في وسط وجنوب العراق، في أعقاب الانتخابات.

‌ج- بروز خريطة حزبية جديدة: سوف تطرأ تغيرات على خريطة التوازنات السياسية، مع تزايد فرص إعادة تجميع التيارات السياسية المنسحبة والمقاطعة ضمن تحالف جديد تحت قيادة الصدر.

2- تأثيرات تأجيل الانتخابات: تتساوى احتمالات تأجيل الانتخابات مع احتمالات إجرائها في موعدها، وفق المعطيات المتوفرة حالياً. وقد يتجه الكاظمي إلى تأجيل الانتخابات لمطلع العام القادم، أو لأبريل 2022، وهو الموعد الدستوري المقرر لها. وفي هذه الحالة، سوف تتمثل انعكاسات التأجيل على المشهد العراقي في التالي:

‌أ- تجاوز القوى الشيعية المناوئة للكاظمي: إن تأجيل الانتخابات سوف يسمح بتخفيف الضغط الذي تمارسه القوى الشيعية الموالية لإيران، ضد المالكي، والتي تضغط لإجراء الانتخابات القادمة، رغم مقاطعة الصدر، للإطاحة بالكاظمي، وتصدر المشهد السياسي. 

‌ب- تعزيز أسهم الكاظمي في الترشح لولاية جديدة: من الممكن أن تحدث تفاهمات غير مُعلنة، بين الكاظمي وبعض التيارات المؤيدة لسياساته، وعلى رأسها تيار الصدر، لترشح الأول للانتخابات القادمة، خاصة في ضوء تأييد الشارع العراقي له، وما يحظى به من دعم إقليمي عربي، ودولي، من جانب الولايات المتحدة وفرنسا.

وفي التقدير، فإن مصير الانتخابات القادمة بالعراق يواجه احتمالات متساوية، بين الإجراء في موعدها المحدد، أو التأجيل المحتمل، ويلاحظ أن تأجيل الانتخابات سيوفر الوقت اللازم للقيام بالترتيبات الفنية واللوجستية كافة التي تحتاجها بالانتخابات، علاوة على وجود عقبات قانونية قد تكون مؤثرة، ولا يمكن تجاوزها، منها الطعون المُقدمة من جانب بعض القوى السياسية أمام المحكمة الاتحادية العليا على بعض فقرات قانون انتخابات البرلمان العراقي، والتي تحتاج إلى وقت لتعديلها، في حال قُبلت تلك الطعون.