شروط التعافي:

إلى أين تتجه أزمة الوقود في لبنان؟

07 July 2021


أثرت أزمة نقص الوقود في لبنان سلباً على النشاط الاقتصادي في لبنان مؤخراً، حيث لم تستطع القطاعات الرئيسية، بما في ذلك النقل والصناعة الحصول على احتياجاتها من الديزل والمازوت، مما جعلها تعمل بأقل من نصف طاقتها، ويمثل ذلك بدون شك تهديداً حيوياً للاقتصاد اللبناني المتدهور بالأساس. 

ويأتي شح الوقود في البلاد وسط اضطراب الأوضاع الاقتصادية مع نقص النقد الأجنبي اللازم لاستيراد الواردات الأساسية، يضاف إلى ذلك تفاقم مشكلة تهريب الوقود المدعم إلى الأراضي السورية عبر المعابر غير الشرعية. 

وعملت حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب على احتواء الأزمة من خلال فتح خطوط ائتمانية لاستيراد الوقود، وعلى نحو قد يخفف من وطأة الأزمة مؤقتاً، غير أنها لن تحلها نهائياً طالما استمر تعثر تشكيل حكومة جديدة، التي يُعول عليها المجتمع الدولي لإجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من أزماته المتتالية. 

أزمة حادة

تفاقمت أزمة نقص الوقود في لبنان في الآونة الأخيرة، إذ لم تتمكن غالبية القطاعات الحيوية في البلاد بما في ذلك النقل والصناعة من الحصول على احتياجاتها من الديزل والمازوت، مما يهدد بتعطل الحياة الاقتصادية في البلاد. وتتزامن هذه المشكلة مع الاضطراب الاقتصادي الشديد في البلاد، تأثراً بالهبوط المستمر لقيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، وما يتصل بها من أزمة المصارف اللبنانية وتآكل قيمة مدخرات المودعين.  

وبات مشهد اصطفافالسيارات أمام محطات التموين لساعات طويلة، للحصول على احتياجاتهم من البنزين، معتاداً في الأسابيع الأخيرة، في حين أن كثيراً من المصانع والمخابز تعمل حالياً بأقل من نصف طاقتها في ظل نقص الديزل والمازوت. كما دفعت أزمة الوقود إلى تراجع قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير الكهرباء لتصل ساعات التقنين في بعض من المناطق إلى أكثر من 20 ساعة يومياً، وبالمثل قوضت الأزمة من دور المولدات الخاصة كبديل فعال للمحطات الكهربائية الحكومية. 

وبالأساس، يبلغ قدرة محطات الكهرباء اللبنانية 2350 ميجاوات، مما يفي بنسبة لا تزيد عن 65% من الاحتياجات الفعلية للبلاد. ويتم سد الفجوة في الإنتاج عن طريق المولدات الكهربائية التي تديرها الشركات الخاصة، وتتلقى من العملاء رسوماً نظير التيار الكهربائي الواصل إليهم. 

وفي ضوء شح الوقود بالسوق، نشأت سوق سوداء واسعة في لبنان لبيع المنتجات مثل الديزل والمازوت إلى جانب البنزين، حيث استغل موزعو الوقود الأوضاع الحالية وقاموا بتخزين المشتقات النفطية من أجل بيعها بأسعار عالية للمستهلكين. 

ونتيجة لذلك، اضطر ذلك أصحاب المولدات الخاصة رفع أسعار تعريفة الكهرباء للعملاء، فيما حصل أصحاب السيارات الخاصة والمركبات التجارية على أسعار بالنزين بأسعار أعلى من السوق كثيراً.

وفي ضوء المعطيات السابقة، ارتفعت أسعار نقل الأفراد والبضائع بشكل لافت في الأسابيع الماضية، ومما يعد ضمن الأسباب الرئيسية في حدوث موجة تضخمية في لبنان. وتجدر الإشارة هنا أن استيراد الوقود في لبنان عبر آلية يوفر بموجبها مصرف لبنان (البنك المركزي) 85% من تكلفة الاستيراد وفق سعر الصرف الرسمي، بينما يدفع المستوردون نسبة الــــ 15% المتبقية، وذلك وفق سعر الصرف في السوق السوداء الذي تجاوز 18 ألفاً في الفترة الماضية، مما يعني أن آثار تدهور سعر الصرف تنعكس على المستهلكين النهائيين في قطاع النقل والكهرباء.


أسباب مختلفة

لا تنفصل أزمة الوقود الراهنة في لبنان عن المعطيات الاقتصادية الراهنة في البلاد، والتي يمكن توضيحها في التالي:

1- نقص العملات الصعبة: تعاني لبنان منذ شهور طويلة من نقص في العملات الصعبة اللازمة لاستيراد الواردات الأساسية، وذلك في ظل جائحة كورونا وانخفاض المساعدات الدولية الواردة إليها، على نحو اضطر البنك المركزي للسحب من الاحتياطيات الدولية لتوفير نقد أجنبي لاستيراد الوقود والقمح والدواء، مما تسبب في تآكلها بوتيرة سريعة ووصلت في يناير 2021 نحو 23.9 مليار دولار، وبتراجع سنوي بنسبة 35.6%. 

ومن المتوقع أن تشدد الأزمة الاقتصادية الحالية في حالة اتجهت الحكومة لرفع الدعم. ففي وقت سابق، حذر مصرف لبنان أن دعم السلع الأساسية سينتهي عندما يصل الحد الأدنى الإلزامي للاحتياطي عند 17 مليار دولار، داعياً الحكومة إلى ترشيد الدعم، ويأتي ذلك وسط انخفاض الليرة اللبنانية لمستويات قياسية مؤخراً حيث وصلت في السوق السوداء نحو 18 ألف ليرة للدولار الواحد. 

2- تراجع المساعدات الأجنبية: تعد من ضمن العوامل التي فاقمت الأوضاع الاقتصادية انخفاض المساعدات الأجنبية الواردة إلى لبنان بشدة في الفترة الماضية في ظل تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما استقالت حكومة حسان دياب بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020. وكان المجتمع الدولي رهن تقديم مساعدات دولية إلى لبنان مع تشكيل الحكومة الجديدة، وإحراز تقدم في الإصلاحات الاقتصادية، وبما في ذلك إعادة هيكلة النظام المصرفي، وترشيد الدعم الحكومي.

3- تهريب الوقود المدعوم: أثار المسئولون اللبنانيون مرات عديدة أن تهريب الوقود المدعم إلى سوريا، يعد أحد العوامل التي تسببت في تفاقم أزمة نقص الوقود في لبنان، وهذا وتشير ترجيحات إلى أن الديزل والمازوت والمشتقات الأخرى يتم تهريبها إلى الأراضي السورية عن طريق معابر غير رسمية تابعة لحزب الله وحركة أمل التي تربطهما علاقات قوية بالنظام السوري. 

الخروج من المأزق

وبهدف احتواء الأزمة مؤقتاً، تعهد مصرف لبنان المركزي في أواخر يونيو بتوفير خطوط ائتمانية لاستيراد الوقود عند سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، ويمثل ذلك بدون شك بارقة أمل للتخفيف من حدة الأزمة الراهنة ولو بشكل مؤقت، حيث يوفر النقد الأجنبي اللازم للشركات المستوردة والموزعين لاستيراد الوقود من الخارج. 

وعلى الرغم من ذلك الإجراء، فإن توفير البنك المركزي النقد الأجنبي لبند الوقود، لن يكون مضموناً للنهاية، ولاسيما إذا ما استمرت الضغوط على الاحتياطيات الدولية. وفي هذا السابق، شرعت حكومة تصريف الأعمال مؤخراً في تحرير أسعار الوقود للمستهلكين النهائيين، وزادت أسعار المشتقات النفطية بأكثر من 45% في ظرف الأسبوعين الماضيين، في خطوة تمهد لرفع كامل لدعم الوقود مستقبلاً، الذي يكلف الحكومة إلى جانب دعم القمح والأدوية نحو ست مليارات دولار سنوياً، مما قد يخفف الضغط على الاحتياطيات الدولية التي تتآكل بوتيرة سريعة، ولكنه يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية لشريحة واسعة من الشعب اللبناني.

وحاولت بعض التيارات اللبنانية استغلال الأوضاع الاقتصادية المضطربة للبنان، وقدمت نفسها كمنقذ لحل الأزمة الاقتصادية والوقود على الأخص. وقد كرر حسن نصر الله، الأمين العام لجماعة حزب الله المدعومة من إيران، إمكانية التوسط للحصول على وقود إيراني بالليرة اللبنانية. 

وصرح نصر الله في يونيو السابق "نحن حزب الله نستطيع الذهاب إلى إيران والتفاوض مع الحكومة الإيرانية وشراء شحنات من الوقود". ولكن قوبل هذا المقترح برفض حكومي وسياسي، نظراً ليس لتهديده السيادة اللبنانية فقط، وإنما تعريض لبنان لمخاطر العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو أمر لا يستطيع الاقتصاد اللبناني تحمل تبعاته في الفترة الحالية.

وفي الختام، يمكن القول إن حكومة تصريف الأعمال ومصرف لبنان، ليس لديهما إلا خيارات محدودة للغاية لحل لأزمة الوقود، مما قد يرشح الأزمة للاستمرار في الفترة المقبلة، بما يستتبعه ذلك من انعكاسات اقتصادية وخيمة، تزيد من معاناة اللبنانيين ويضعف من المستوى المعيشي لهم. ويبدو الحل الأمثل في تشكيل حكومة لبنانية جديدة بأسرع وقت، وأن تقوم هذه الحكومة باتخاذ الإصلاحات الاقتصادية الواجبة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، إلى جانب تسهيل الحصول على الدعم الدولي. 

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط