الدبلوماسية المكوكية:

هل تزايدت فرص الوصول لاتفاق بين طهران وواشنطن؟

04 April 2021


انتهى الاجتماع الافتراضي الذي عقد بين ممثلين من إيران وكل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا وأداره الأمين العام المساعد للشئون السياسية في الاتحاد الأوروبي أنريكو مورا، في 2 أبريل الجاري، بالاتفاق على عقد اجتماع مباشر في فيينا بعد ذلك بأربعة أيام. وفي الواقع، فإن هذه الخطوة توحي بأن هناك جديداً سوف يبحث في الاجتماع القادم واستدعى تحويله من افتراضي إلى مباشر، وأن هناك أفكاراً فرضت على ممثلي طهران تحديداً العودة إلى القيادة العليا من أجل الحصول على الضوء الأخضر، قبل المشاركة في الاجتماع الجديد والاتفاق على الخطوات الفنية التي يمكن من خلالها تفعيل الاتفاق النووي من جديد وعودة واشنطن للانخراط فيه مرة أخرى.

تغير ملحوظ:

رغم أن إيران أصرت على أن اجتماع فيينا القادم لن يشهد لقاءات مباشرة مع الوفد الأمريكي الذي سيحضر إلى المدينة نفسها لمتابعة المباحثات والمشاركة فيها بشكل غير مباشر، إلا أن ذلك في حد ذاته يمثل مؤشراً على وجود تغير في الموقف الإيراني. فقد سبق أن رفضت إيران فكرة إجراء مباحثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، واعتبرت أن عودة الأخيرة إلى الاتفاق لا تستدعي إجراء مفاوضات. وهنا، فإن هذا التغيير يوحي بأن إيران باتت ترى أن اللحظة الحالية ربما تكون مواتية للوصول إلى اتفاق جديد، وأن ذلك يتطلب تجاوز بعض المواقف السابقة من أجل تعزيز فرص ذلك. وقد تكون لدى طهران، من جهة أخرى، رغبة في اختبار مدى إمكانية الوصول إلى اتفاق في اللحظة الحالية، في ظل ما تمتلكه من أوراق للتفاوض أو بمعنى أدق للضغط.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذا التغير توافق مع ظهور تقارير عديدة أشارت إلى إجراء مباحثات سرية بين وفدين إيراني وأمريكي في مدينة فرانكفورت الألمانية، على نحو يوحي بأن موافقة إيران على عقد اجتماعين افتراضيين (عقد الاجتماع الأول في 29 مارس الفائت والثاني في 2 أبريل الحالي) فضلاً عن الاجتماع القادم في فيينا ربما يكون انعكاساً لما يمكن أن يكون قد انتهت إليه تلك المباحثات السرية، لاسيما أنها ناقشت، في الغالب، سبل التغلب على الحواجز القائمة في الوقت الحالي من أجل إنقاذ الاتفاق النووي.

مفاوضات صعبة:

رغم ذلك، لا يبدو أن الوصول إلى صفقة تعيد واشنطن للاتفاق النووي وتدفع طهران إلى التراجع عن إجراءاتها التصعيدية سوف يكون مهمة سهلة. وحتى ما إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن التأكد من إمكانية تطبيقه على الأرض والتزام الأطراف به ربما يستغرق مزيداً من الوقت، باعتبار أن الخلافات بين الطرفين لا تبدو ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة. وقد بدأت الإدارة الأمريكية نفسها في الإشارة إلى ذلك، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في 2 أبريل الجاري، أن "بلاده لا تتوقع تحقيق اختراقات مباشرة بل تتحضر لمفاوضات صعبة". وهنا، فإن ذلك يعود إلى اعتبارين رئيسيين هما:

1- تراكمات التصعيد: لن يستطيع الطرفان تجاوز فجوة الثقة بسهولة. إذ أن إيران سوف تسعى إلى الوصول لآلية تضع قيوداً على فكرة الانسحاب مجدداً من الاتفاق، وهى الخطوة التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 8 مايو 2018، قبل أن يفرض عقوبات على طهران في 7 أغسطس من العام نفسه. كما لا يمكن بالنسبة لواشنطن الاستناد مجدداً إلى فكرة امتثال طهران لتعهداتها في الاتفاق، في ظل الخطوات التصعيدية التي اتخذتها رداً على الانسحاب الأمريكي والعقوبات التي فرضت عليها. وبمعنى آخر، فإن معالجة "الثغرات" التي يتضمنها الاتفاق النووي الحالي والتي كشفها التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن سوف تبقى عنواناً رئيسياً للمباحثات التي سوف تجري خلال المرحلة القادمة، لتعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق وتجنب تعرضه لـ"انتكاسة" جديدة على غرار ما حدث في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

2- ضغوط الداخل: تتعرض حكومة الرئيس حسن روحاني وإدارة الرئيس جو بايدن لضغوط داخلية لا تبدو هينة، من المتوقع أنها سوف تتصاعد في المرحلة القادمة، بالتوازي مع عقد الاجتماع الجديد. وفي الواقع، فإن هذه الضغوط بدت جلية في الرفض الواضح الذي أبداه رئيس الوفد الإيراني في الاجتماع الافتراضي عباس عراقجي لفكرة إجراء مباحثات مباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا. كما بدا ذلك واضحاً أيضاً في تأكيد الإدارة الأمريكية على عدم إمكانية رفع العقوبات المفروضة على إيران كلية، في ظل وجود عقوبات لا ترتبط مباشرة بالاتفاق النووي، وإنما تتصل بانتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية.

وكان لافتاً في هذا السياق، أن اتجاهات عديدة في واشنطن حذرت إدارة بايدن من التسرع في الوصول إلى اتفاق جديد مع إيران يسفر عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، مستندة في هذا السياق إلى أنه لا يمكن الوثوق في مدى إمكانية انخراط الأخيرة في التزامات دولية صارمة، خاصة في ظل إمعانها في إجراءاتها التصعيدية في البرنامج النووي، وكان آخرها ما أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في أول أبريل الجاري، وقبيل الاجتماع الافتراضي بساعات، بشأن إقدامها على تخصيب اليورانيوم من خلال مجموعة رابعة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طراز "آي آر 2 إم" في منشأة تحت الأرض في ناتانز. 

في حين أن قوى عديدة داخل طهران تمارس بدورها ضغوطاً على حكومة روحاني وربما تسعى إلى تعطيل الصفقة أو عرقلة تنفيذها بأكبر قدر ممكن، لاسيما أنها يمكن أن تتم قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو المقبل. وربما يمكن من هنا فهم مغزى تعمد إيران استخدام الأجهزة الأكثر تطوراً في تخصيب اليوارنيوم، حسب ما أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تسعى إلى امتلاك أوراق ضغط قبل الانخراط في المفاوضات القادمة، وتوجيه رسائل بأن فشلها يعني أنها ستمضي قدماً في إجراءاتها التصعيدية.

من هنا، يبدو أن المسارات المحتملة للتصعيد الحالي بين طهران وواشنطن سوف تعتمد في المقام الأول على ما سوف ينتهي إليه اجتماع فيينا من نتائج، في ظل حضور أمريكي غير مباشر فيه، ومرونة إيرانية نسبية تهدف في النهاية إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي بشروط يتوافق عليها الطرفان.