تأثير الانتخابات:

هل تتصاعد حدة الخلافات الداخلية الإيرانية حول الصفقة مع واشنطن؟

21 March 2021


بعد أن كان الرئيس الإيراني حسن روحاني حريصاً في الفترة الماضية، وتحديداً منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، على شن انتقادات قوية ضد السياسة الأمريكية والتماهي مع الخطاب العام الذي يتبناه النظام الإيراني إزاء العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والمفاوضات المقترحة حول الاتفاق النووي، بدأ في تركيز هجماته، خلال الفترة الأخيرة، على خصومه السياسيين في الداخل، لاسيما من تيار المحافظين الأصوليين. وربما يطرح ذلك دلالات عديدة يتمثل أهمها في أنه تم تأسيس قنوات تواصل مع واشنطن وأن المحافظين الأصوليين يحاولون تعطيلها لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو القادم. ويوحي ذلك في كل الأحوال، بأن الفترة القادمة لن تشهد تصعيداً إيرانياً- أمريكياً فقط، وإنما تصعيداً سياسياً داخل إيران نفسها، في ظل الصراع بين الأطراف السياسية المختلفة حول من ستكون لديه القدرة على الوصول إلى صفقة مع واشنطن.

رسائل مباشرة:

وجّه الرئيس حسن روحاني، في 17 مارس الجاري، تحذيرات إلى خصومه السياسيين داخل تيار المحافظين الأصوليين، من "ارتكاب خيانة"، مشيراً في هذا السياق إلى أن أى محاولة لعرقلة رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران تمثل "خيانة كبيرة للتاريخ والشعب الإيراني". وأضاف روحاني أن "هناك أقلية صغيرة تعرقل جهود الحكومة لرفع العقوبات.. وإذا أوقفت ذلك ستتمكن الحكومة من إنهاء العقوبات". وربما يمكن القول إن هذا الهجوم الحاد الذي يشنه روحاني قبل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية بشهور قليلة، يطرح دلالات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- قنوات تواصل: توحي تلك التصريحات بأن هناك قنوات تواصل تم تأسيسها بالفعل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، سواء عن طريق وسيط أو من خلال اتصالات ثنائية. وفي الواقع، فإن هذا الاحتمال مرجح بقوة، وسبق أن اختبرته كل من واشنطن وطهران عندما مهدت الأجواء أمام الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015 من خلال محادثات ثنائية جرت بين الطرفين قبل ذلك بخمسة سنوات. 

ومن دون شك، فإن هذه الاتصالات تهدف إلى استكشاف نقاط يمكن التوافق حولها والبناء عليها لتسوية الخلافات العالقة بين الطرفين. وربما يتضح ذلك من خلال إشارة روحاني في تصريحاته إلى أن "الأمريكيين مستعدون للعودة للاتفاق"، بما يعني، في الغالب، أن هناك خطوطاً عريضة لتفاهمات تم التوصل إليها بين الطرفين، حيث أن روحاني لن يستطيع التحدث "نيابة عن الأمريكيين" بهذه الثقة دون أن يكون مطلعاً على تفاصيل حول تفاهمات أولية.

2- تسييس الملف: لا يبدو أن الرفض الذي يبديه تيار المحافظين الأصوليين لفكرة "التفاوض" مع واشنطن ينطلق من اعتبارات أيديولوجية خاصة بغلق الباب أمام أى حوار جديد، وإنما من اعتبارات سياسية في المقام الأول. إذ أن المحافظين الأصوليين لا يمانعون في إجراء تلك المفاوضات، بما يعني أن المشكلة، وفقاً لهم، لا تكمن في المفاوضات في حد ذاتها، وإنما في توقيتها. 

إذ يعتبرون أن إجراء المفاوضات في الوقت الحالي يدعم من احتمالات تقليص حدة التصعيد والتوتر بين الطرفين وربما دفع إيران إلى التراجع عن الأنشطة التصعيدية التي تتخذها على المستويات المختلفة، وهو ما يخصم من فرصهم في الفوز بانتخابات الرئاسة القادمة، وتعزيز سيطرتهم من خلال ذلك على مفاتيح صنع القرار في الدولة.  

وبمعنى آخر، يمكن القول إن الموقف المتشدد الذي يتبناه المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، وعبّر عنه في مناسبات مختلفة، والخاص برفض إجراء أية مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا يبدو نهائياً، ولا يعبر أيضاً عن المحددات الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية والتي تسعى دوماً إلى عدم الاستناد إلى خيار واحد في تفاعلاتها مع القوى الدولية، لاسيما القوة الرئيسية الأولى على المستوى الدولي، بما يعني أن هذا الموقف قد يتغير تدريجياً، لكنه بانتظار ظروف تكون فيها المفاوضات خياراً أكثر توافقاً مع حسابات ومصالح طهران.

اللافت في هذا السياق، هو أن إصرار المحافظين الأصوليين على "تأجيل" وليس "رفض" المفاوضات بات محل رصد وتقييم من جانب قوى دولية عديدة، على غرار فرنسا، التي قال وزير خارجيتها جان ايف لودريان، في كلمة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي في 16 مارس الجاري، أن "الجهود الرامية إلى إحياء المحادثات النووية تواجه صعوبات بسبب مشكلات تكتيكية والوضع الداخلي في إيران قبل الانتخابات الرئاسية هناك".

3- تعزيز فرص المعتدلين: يشير الهجوم السريع الذي تعرض له الرئيس روحاني بعد إلقاء خطابه، إلى أن تيار المحافظين الأصوليين اعتبر أن تركيز روحاني على تحميله مسئولية إخفاق الرهان على الاتفاق النووي، فضلاً عن وصفه بأنه يعبر عن "أقلية" يمثل محاولة من جانب الرئيس لتعزيز فرص أحد مرشحي تيار المعتدلين الذي ينتمي إليه في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، على نحو يبدو جلياً، وفقاً لرؤيتهم، في تركيزه على أن العودة إلى الاتفاق النووي قائمة ورفع العقوبات الأمريكية لا يبدو مهمة عسيرة، بما يعني أنه يوجه رسائل إلى الشارع بأن استمرار تيار المعتدلين في السلطة عبر فوز أحد مرشحيه في الانتخابات الرئاسية كفيل باحتواء الأزمات القائمة، والعودة إلى أجواء ما قبل منتصف عام 2018، عندما انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في 8 مايو من هذا العام ثم فرضت عقوبات على إيران بداية من 7 أغسطس من العام نفسه.

مسارعة تيار المحافظين الأصوليين إلى مهاجمة روحاني وشن حملة للترويج إلى أن السياسة التي تبنتها حكومته هى المسئولة عما آلت إليه الأوضاع الداخلية في إيران، لاسيما على المستوى الاقتصادي، بدت جلية في افتتاحية صحيفة "كيهان" (الدنيا) التي كتبها رئيس التحرير حسين شريعتمداري بعنوان "سيد روحاني.. العقوبات كان من المحتمل أن ترفع لولا الضمان الذي منحته لترامب" في 18 مارس الجاري. إذ قال شريعتمداري أن الرئيس روحاني أعطى ضماناً بعدم الخروج من الاتفاق النووي، على نحو وجّه رسالة فهمتها إدارة ترامب على نحو خاطئ، حيث اعتبرت أن ذلك معناه أن رفع مستوى العقوبات لن يدفع إيران إلى الانسحاب من الاتفاق، وهو الخيار الذي تبنته إدارة ترامب في النهاية مطمئنة، في رؤية شريعتمداري، إلى أن ذلك لن يفرض ارتدادات قوية على صعيد البرنامج النووي الإيراني على غرار انهيار العمل بالاتفاق الحالي.

وربما يمكن القول في النهاية إنه مع حلول العام الجديد بالتقويم الإيراني، سوف تتصاعد حدة الخلافات الداخلية الإيرانية، خاصة أن اقتراب موعد الانتخابات دون حدوث تقدم على صعيد المفاوضات مع واشنطن يعني إضعاف موقف الحكومة ودخولها في مرحلة من الضعف لن تستطيع فيها اتخاذ خطوات بارزة على الأصعدة كافة، بما يجعلها أشبه بـ"البطة العرجاء"، وهو المصطلح الذي بات تروج له اتجاهات عديدة في طهران، تشبيهاً بما يجري داخل الولايات المتحدة الأمريكية، للإشارة إلى ضعف موقف الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية.