انتعاش متوقع:

فرص كبيرة لبنوك الخليج لتجاوز أزمة "كورونا"

16 December 2020


تعتبر أزمة "كورونا" وتبعاتها الاقتصادية أحد أكبر التحديات التي تواجه الأنشطة الاقتصادية على مختلف تنويعاتها منذ عقود طويلة، وقد يفوق تأثير تلك الأزمة ما فرضته الأزمة المالية العالمية من تداعيات في عامى 2008 و2009. وتعد المؤسسات المالية والمصرفية في قلب الأزمة الراهنة، كما أنها كانت كذلك في خضم الأزمة المالية العالمية. ويعود ذلك إلى الموقع الذي تحتله تلك المؤسسات، باعتبارها جزءاً من المؤسسات الاقتصادية بشكل عام، ما يعني أنه يلحق بها ما يلحق بباقي المؤسسات في القطاعات الأخرى من مشكلات وأضرار، هذا بجانب موقعها ودورها، باعتبارها الممول الرئيسي لباقي الأنشطة، وبالتالي فإن تعرض باقي الأنشطة للأزمات، وتخلفها عن الوفاء بديونها تجاه المؤسسات المالية والمصرفية يزيد من تعقيد وضع هذه الأخيرة، ويعمق من تأثيرات الأزمة عليها.

وكما ينطبق هذا الأمر على جميع البنوك والمؤسسات المالية على مستوى العالم، فإنه ينطبق بدوره على البنوك الخليجية التي تتعرض لتأثيرات مضاعفة لأزمة "كورونا". وفي هذا الإطار، غيّرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للبنوك الخليجية، متوقعة أن تستمر تأثيرات "كورونا" في ممارسة دور كبير في الضغط على القطاع المصرفي في منطقة الخليج حتى عام 2021. 

مظاهر عديدة:

غيّرت وكالة "موديز" للتصنيف الاتئماني العالمي، مؤخراً، نظرتها المستقبلية للبنوك الخليجية العام المقبل، من مستقرة إلى سلبية. وقالت الوكالة، في تقرير حديث حول أداء القطاع وتوقعاته المستقبلية في عام 2021، أن النظرة السلبية لهذه البنوك تأتي مدفوعة بتباطؤ النمو الاقتصادي واستمرار التبعات السلبية على الشركات المرتبطة بتفشي جائحة "كورونا"، التي تلقي بظلالها على كافة القطاعات الاقتصادية. كما أشارت الوكالة إلى تراجع الإيرادات النفطية لدول المنطقة، والذي تسبب في تقليص الودائع الحكومية بالبنوك، وهى التي تمثل الجانب الأكبر من محفظة الودائع لدى القطاع المصرفي بالمنطقة.

وبطبيعة الحال، تنعكس هذه المعطيات على النتائج المالية للبنوك، وهو ما أوضحه التقرير الخاص بالوكالة، متوقعاً انخفاض ربحية القطاع المصرفي الخليجي، مع تراجع متوسط العائد على الأصول خلال عامى 2020 و2021، بسبب أزمة "كورونا"، إلى مستوى 1.2%، مقارنة مع متوسط عائد بلغ نحو 1.5% في عام 2019. ومع استمرار تأثيرات الأزمة، فمن المتوقع –وفق "موديز"- تنامي عمليات الاندماج بين البنوك في القطاع المصرفي بالمنطقة، لاسيما بين البنوك الصغيرة، التي تزداد صعوباتها في ظل الأزمة، مقارنة بالبنوك الكبيرة.

وترتبط الأزمات المالية، وكذلك الأزمات الاقتصادية الشبيهة بالأزمة التي يمر بها العالم في الوقت الراهن، بالعديد من التغيرات في طبيعة عمل البنوك والمؤسسات المالية، ففي الوقت الذي تزداد فيه معاناة المؤسسات الاقتصادية في مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، فإن البنوك تغير من سياسة عملها بعض الشىء، من خلال اتخاذ بعض الخطوات والإجراءات الاحترازية والاضطرارية. ففي مثل هذه الظروف، تعمل البنوك والمؤسسات المالية المماثلة على زيادة مخصصات القروض الرديئة، وذلك مع ارتفاع احتمالات حدوث تخلف عن السداد من طرف المؤسسات الاقتصادية المقترضة من البنوك في ظل الأزمة. ويمثل هذا الإجراء أحد العوامل التي تضغط على القطاع المصرفي العالمي بشكل عام، بما في ذلك القطاع المصرفي بدول الخليج، في الوقت الراهن. 

كما أن تراجع الجدارة الائتمانية للمقترضين يؤثر كثيراً على القوائم المالية للبنوك، ولاسيما تلك البنوك صاحبة الشريحة الأكبر من ديون أولئك المقترضين. ولذلك، قامت البنوك العاملة في منطقة الخليج بزيادة مخصصات تغطية خسائر القروض. هذا بجانب انخفاض إيرادات الفوائد، وهذا العامل الأخير يرتبط أيضاً بالأزمة الناتجة عن "كورونا"، حيث تسببت الأزمة كذلك في تراجع الطلب على القروض، نتيجة انخفاض عدد المؤسسات الاقتصادية المقبلة على الاقتراض. كما أن الإجراءات التحفيزية للنمو الاقتصادي التي اتخذتها الحكومات تضمنت تخفيض معدلات الفائدة، كآلية لتحفيز الإنفاق الاستثماري، وتسبب ذلك في تقليص إيرادات الفوائد لدى البنوك.

تطور محتمل: 

إذا كانت البنوك في منطقة الخليج تعرضت لتأثير مضاعف لأزمة "كورونا"، بسبب خصوصية الوضع باقتصادات المنطقة، حيث تسببت الأزمة في تراجع إيراداتها النفطية، بجانب اشتراك اقتصادات المنطقة مع باقي اقتصادات العالم في التداعيات الأخرى للأزمة، لكن في الحقيقة، فإن البنوك الخليجية تتمتع بأوضاع مالية مستقرة، ما يقلص من مستوى التأثير المتوقع للأزمة على القطاع المصرفي بالمنطقة ككل، ولاسيما في الأجل الطويل. وما يعزز من قدرة المصارف الخليجية على هذا النحو هو أنها حققت إيرادات بقيمة 34.5 مليار دولار في عام 2019، وهو ما يمنحها القدرة على استيعاب الخسائر.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن البنوك الخليجية تمتلك أوضاعاً مالية آمنة، في ظل امتلاكها أصول ورؤوس أموال تساعدها على استيفاء شروط الاستقرار الخاصة بالمؤسسات الدولية ذات الصلة بالمؤسسات المالية والمصرفية. وتشير البيانات إلى أن ملاءة رأس المال بالبنوك الخليجية بلغت نحو 18% في عام 2019، أى أنها كانت أعلى من المستوى المطلوب بمقتضى معايير اتفاقية "بازل 3"، والذي يبلغ 8%. وفي هذا الإطار، فقد ذكرت وكالة "موديز" أن "بنوك المنطقة تملك رؤوس أموال كافية تعزز ملاءتها لمواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا". وهذا الوضع المالي القوي الذي تنطلق منه بنوك منطقة الخليج يمثل عامل استقرار وجداراً دفاعياً لديها ليس فقط في مواجهة هذه الأزمة، بل في مواجهة أى أزمات مماثلة في المستقبل القريب أو البعيد.

وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن وكالة "موديز" أكدت على أن نظرتها السلبية لبنوك منطقة الخليج من الممكن أن تتحول إلى مستقرة في الأجل المنظور، وهى وإن ربطت ذلك بحدوث انتعاش اقتصادي قوي في دول المنطقة، وكذلك تخفيف إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة من قبل الحكومات، ومن ثم العودة إلى مستويات الإنفاق الحكومي العالية، فإنها رأت أن فرص اجتياز بنوك المنطقة للصعوبات المرتبطة بأزمة "كورونا" مؤكدة، في ظل ما تتمتع به من قدرات مالية سبقت الإشارة إليها، هذا بجانب أن دول المنطقة يتوقع أن تشهد انتعاشاً كبيراً ومتسارعاً في عام 2021، في ظل الارتفاع المتوقع لأسعار النفط العالمية، والذي بدأ بالفعل منذ أسابيع قليلة، مع وصول الأسعار إلى مستويات تدور حول 50 دولاراً للبرميل، وهو المستوى الذي لم تصله منذ بداية الأزمة الراهنة، ومن شأن انتعاش الأسعار على هذا النحو أن يعزز الإيرادات العامة للحكومات، وأن يحقق المزيد من الزخم للأنشطة الاقتصادية، وهو ما سينعكس بالإيجاب على مجمل مؤشرات أداء البنوك بدول المنطقة ككل.