ارتدادات التصعيد:

هل تغير الدول الأوروبية موقفها من الاتفاق النووي؟

06 December 2020


بدأت بعض الدول الأوروبية في توجيه رسائل مباشرة تفيد أن مقاربة "العودة مقابل العودة" التي يتبناها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن رغم أهميتها، لا تستطيع التعامل مع الإشكاليات المتعددة التي طرأت على الاتفاق النووي في الأعوام الماضية، لاسيما في ظل التصعيد المستمر على المستويات المختلفة النووية والصاروخية والإقليمية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 ثم فرضها عقوبات جديدة على إيران بداية من أغسطس من العام نفسه.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في 3 ديسمبر الجاري، أن "العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لم تعد كافية"، مشيراً إلى أنه "ينبغي توسيع النص ليشمل البرامج الباليستية الإيرانية". وهنا، فإن ألمانيا تؤيد الاتجاه الجديد الذي بدأ الرئيس جو بايدن في الإشارة إليه ويتمثل في ضرورة عدم اختزال الملفات الخلافية مع إيران في الاتفاق النووي، بما يفرض إجراء مفاوضات جديدة تشمل الملفات الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة.

ويبدو أن ألمانيا سعت إلى استقطاب تأييد الدول الأوروبية الأخرى لهذا التوجه، على نحو بدا جلياً في إشارة هايكو ماس إلى أنه "تفاهم في شأن هذه النقاط مع نظيريه الفرنسي جان إيف لودريان والبريطاني دومينيك راب".

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير هذا الموقف الأوروبي المتحفظ تجاه مقاربة "العودة مقابل العودة" في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- انعكاسات التوتر: كشفت الخطوات التصعيدية التي اتخذتها إيران بالتدريج وقامت من خلالها بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، رداً على الانسحاب والعقوبات الأمريكية، الثغرات العديدة التي يتضمنها الاتفاق النووي الحالي، والذي، وفقاً للرؤية الأوروبية، لم تعد لديه القدرة على تحقيق الهدف الأساسي الذي تم التوصل إليه من أجل تحقيقه، وهو ضمان منع إيران من الوصول إلى المرحلة التي يمكن من خلالها امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية. 

وبمعنى آخر، فإنه لا يوجد ضمان بعدم تكرار ما حدث من جديد من جانب إيران في حالة ما إذا استؤنف العمل مرة أخرى بالاتفاق النووي مع التزام كل الأطراف بتعهداتها فيه. أى أن مقاربة "العودة مقابل العودة" لا تستطيع تفكيك التعقيدات التي فرضها التصعيد، خاصة لجهة فرض التزامات صارمة لا يمكن التراجع عنها بأى حال من الأحوال.

2- غياب الثقة: بات عدم الثقة هو العنوان الرئيسي للعلاقات بين إيران والدول الأوروبية في الوقت الحالي. إذ أن الأخيرة اعتبرت أن الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها الأولى في الاتفاق النووي تثبت أنها لا تستطيع الانخراط في التزامات دولية صارمة وأنها تحاول الالتفاف عليها باستمرار، سواء فيما يتعلق بعدم تطبيق البنود المنصوص عليها في الاتفاق، أو ما يتصل بعدم التعاون بشكل شفاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد أشار هايكو ماس إلى ذلك عند برر إصرار ألمانيا على توسيع نطاق التفاوض مع إيران ليشمل الملفات الخلافية الأخرى بأنه يعود إلى عدم الثقة فيها. 

في المقابل، لم تعد إيران بدورها تبدي ثقة في الدول الأوروبية، حيث ما زالت تواصل توجيه انتقاداتها للأخيرة بسبب ما اعتبرت أنه تقاعس عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي، لاسيما ما يتعلق برفع مستوى التعاملات الثنائية لتفادي تصاعد تأثير العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران في إطار ما يسمى بــ"آلية انستكس".

وقد انعكس ذلك في تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي الذي قال، في 24 نوفمبر الفائت، أن "العقوبات جريمة أمريكية بمشاركة أوروبية ضد الشعب الإيراني"، مضيفاً: "يقولون لنا إنه يجب أن نتوقف عن التدخل في المنطقة، في حين أنهم لديهم أكبر التدخلات الخاطئة في قضايا المنطقة، وبينما تملك بريطانيا وفرنسا صواريخ نووية مدمرة، وألمانيا تسير على هذه الطريق، يقولون لنا ألا نمتلك صواريخ".

3- تجاذبات داخلية: تحول الاتفاق النووي والمفاوضات المحتملة مع الإدارة الأمريكية الجديدة إلى محور للتجاذبات السياسية الداخلية في إيران، لاسيما مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو 2021، على نحو رأت الدول الأوروبية أنه يمثل مؤشراً إلى إمكانية تراجع إيران مرة أخرى عن التزاماتها في الاتفاق النووي في حالة ما إذا ارتأت أن ذلك يتوافق مع مصالحها. ويبدو أنها استندت في هذا السياق إلى الخطوات الأخيرة التي اتخذها تيار المحافظين الأصوليين، الذي مرر، في أول ديسمبر الجاري، مشروع قانون في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) يلزم الحكومة برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20% ووقف عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حالة عدم رفع العقوبات الأمريكية في غضون شهر، وهو المشروع الذي حظى بتأييد مجلس صيانة الدستور، وقوبل بتحفظ من جانب الرئيس حسن روحاني الذي اعتبر أنه من الممكن أن يعرقل أية محاولة أمريكية جديدة لإعادة الانخراط مجدداً في الاتفاق مقابل عودة إيران للالتزام ببنوده.

توافق محتمل:

على ضوء ذلك، يمكن القول إن الدول الأوروبية سوف تتجه إلى رفع مستوى التنسيق مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد المرحلة التي شهدت توتراً ملحوظا في العلاقات الأوروبية- الأمريكية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، وربما يصل الأمر إلى حد طرح مقاربة واحدة أمام إيران تقوم على ضرورة إجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق مختلف يستوعب القضايا الخلافية الأخرى وعلى رأسها برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي.

ورغم أن إيران سبق أن وجهت رسائل تفيد رفضها فكرة التفاوض مجدداً حول الاتفاق النووي، إلا أن الضغوط الاقتصادية المتصاعدة بسبب استمرار العقوبات الأمريكية، فضلاً عن التقارب الملحوظ في السياسات الأوروبية والأمريكية تجاهها، كل ذلك يفرض متغيرات جديدة سوف يكون لها تأثير مباشر على حسابات طهران التي تنتظر في الوقت الحالي ما يمكن أن يقدم عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن من خطوات من أجل تنفيذ مقاربته الجديدة التي بدأت تواجه عقبات عديدة مبكراً.