ماذا يبقى من «حلف الأطلنطي»؟

08 September 2020


في ديسمبر الماضي، احتفل حلف الأطلنطي بالذكرى السبعين لتأسيسه، وكتبت آنذاك مقالة بعنوان «خريف الأطلنطي»، استعرضت فيها التحديات التي واجهها الحلف، بدءاً بالتحدي الذي مثلته فرنسا «الديجولية» بسياستها الاستقلالية في ستينيات القرن الماضي، ووصولاً إلى العلاقة المتوترة بين الرئيس ترامب وشركائه الأوروبيين، بسبب انتقاداته المتكررة لضعف مساهماتهم المالية في الحلف، وكذلك التوتر داخل الحلف، سواء بسبب شراء تركيا منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية «إس400»، أو سياستها في سوريا التي يعترض عليها عدد من الدول الأعضاء تتزعمها فرنسا، وتهديد أردوغان بعرقلة خطط الحلف الدفاعية عن البلطيق وبولندا، ما لم يؤيده الحلف في سياسته تجاه سوريا، وانتهت المقالة إلى أنه على الرغم من نجاح قمة الذكرى السبعين في منع تشقق الحلف، فإن المؤشرات السابقة توحي بأن مستقبله لن يكون آمناً.

وقد شهد الشهر المنصرم تطورين بالغيْ الأهمية يؤكدان هذا الاستنتاج، فمن ناحية رُفِض في منتصف الشهر مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن بتمديد حظر الأسلحة على إيران، ومن ناحية أخرى تصاعد التوتر بين عضوي حلف «الناتو» تركيا واليونان على نحو غير مسبوق.

ولم يحظ مشروع القرار الأميركي سوى بموافقة الولايات المتحدة والدومينيكان، فيما رفضته روسيا والصين وامتنعت 11 دولة عن التصويت، ولنتأمل في دلالة التصويت من منظور تماسك حلف «الناتو»، فمن المعروف أن الرئيس الأميركي قد انسحب في العام الثاني لولايته من الاتفاق النووي مع إيران، وأنه دخل منذ ذلك الوقت في خلاف مع الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق التي بقيت على اعتقادها، بأنه ما زال مفيداً في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، واتبع ترامب عقب ذلك سياسة بالغة التشدد للضغط على إيران كي تنصاع لتصوراته عن سياستها الخارجية عامة وتجاه مشروعها النووي خاصة، وكان مشروع القرار الأخير حلقة من حلقات هذه السياسة، ويضم التشكيل الحالي لمجلس الأمن الذي يتكون ستة أعضاء من حلف الأطلنطي، أولهم الولايات المتحدة صاحبة المشروع، والتي يُفترض أنها في موقع القيادة من الحلف، وبعدها تأتي كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا واستونيا، التي لم يتفق أي منها مع المنطق الأميركي في تمديد حظر الأسلحة على إيران، ولو كان الأمر يتعلق بقضية إنسانية مثلاً لما كان لهذا السلوك التصويتي من أعضاء الحلف الخمسة الذين امتنعوا عن التصويت مغزى مهم، لكنه يتعلق بمسألة التسليح التي يتحفظ عدد من الدول الأوروبية على السياسة الإيرانية بخصوصها، وهو ما يشير إلى خلاف عميق بين قائدة الحلف وعدد من أعضائه المهمين، بخصوص مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للأمنين الإقليمي الدولي.

وإذا كان مشروع القرار السابق يتعلق بمسألة ترتبط بالسياسة الخارجية للناتو، فإن التوتر التركي-اليوناني ينصرف إلى بنيته الداخلية أي العلاقة بين أعضائه، وأصل المسألة هو السياسة التركية غير الملتزمة بالقانون الدولي كالعادة، والتي تنتهك هذا القانون منذ عقود باحتلالها شمال قبرص.

وفي إطار الرغبة التركية المحمومة للحصول على نصيب، ولو غير مشروع في كعكة الغاز في شرق المتوسط، أرسلت منذ 10أغسطس سفينة للمسح الزلزالي ترافقها قوة عسكرية إلى منطقة تعتبرها اليونان تابعة لسيادتها البحرية، فنشرت بدورها سفناً حربية في المنطقة، وتصاعد التوتر واحتمالات الصدام العسكري.

وفي الأيام الأخيرة من الشهر الماضي، جرت مناورات رباعية شاركت فيها مع اليونان كل من فرنسا وإيطاليا وقبرص، فيما أطلقت تركيا مناورات شاركت فيها مدمرة أميركية، فأي حلف هذا الذي يختلف أعضاؤه مع قيادة الحلف على مسألة أمنية حساسة، كالعلاقة مع إيران وتتكون داخله تشكيلات عسكرية متضادة تهدد بصدام عسكري بين أعضائه؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد