مواقف حذِرة:

كيف تعاملت إيران مع ترشيح الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية؟

12 April 2020


رغم أن إيران أعلنت ترحيبها بتكليف الرئيس العراقي برهم صالح لرئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة بعد اعتذار المرشح السابق عدنان الزرفي، في 9 إبريل الجاري، إلا أن ذلك قد لا يبدو نهاية المطاف. فالموقف الرسمي لا يخفي أن هناك حسابات إيرانية معقدة داخل العراق، لا تنفصل عن التصعيد المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية أو عن المعطيات التي فرضتها الاحتجاجات العراقية التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أو حتى عن انتشار فيروس "كورونا" داخل الدولتين. وقد يوحي ذلك بأن نجاح الكاظمي في المرور من بوابة البرلمان عبر الحصول على ثقته في التشكيلة الحكومية المتوقعة، وهو ما فشل فيه الزرفي وتوفيق علاوي قبل ذلك، لا يعني أن الأزمة في العراق انتهت، باعتبار أن هناك ملفات شائكة في انتظاره، ربما يتمثل أهمها في مدى قدرته على إحداث التوازن بين طهران وواشنطن على أرض العراق. 

رسائل مزدوجة:

وجهت إيران رسائل مزدوجة فيما يتعلق بموقفها من تكليف رئيس جهاز الاستخبارات العراقية مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة. ففي الوقت الذي أعربت فيه، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي، في 10 إبريل الحالي، عن دعمها لتلك الخطوة التي اعتبرت أنها "تأتي في الاتجاه الصحيح"، فإنها كانت حريصة على منح الضوء الأخضر لوسائل إعلامها بالتلميح إلى أن قدرة الكاظمي على تشكيل الحكومة ومواجهة التحديات القائمة غير مضمونة، وأن الأزمة السياسية العراقية قد تستمر حتى بعد تكليفه. 

وربما تسعى إيران عبر ذلك إلى تحقيق هدفين أساسيين: أولهما، امتلاك أوراق ضغط مبكرة على الكاظمي قد تستخدمها في مرحلة لاحقة في حالة ما إذا لم يتخذ قرارات تتوافق مع مصالحها. وثانيها، ترقب ما سوف يقوم به الأخير في حالة نجاحه في تشكيل الحكومة لاسيما فيما يتعلق بالملفات الأكثر أهمية، مثل المطالب التي رفعتها الاحتجاجات العراقية، والموقف من قرار البرلمان بإخراج القوات الأجنبية من العراق، وأيضاً العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وهنا، كان لافتاً أن وسائل الإعلام الإيرانية ما زالت حريصة على نشر الاتهامات التي توجهها بعض الميليشيات المسلحة العراقية ضد الكاظمي، على غرار "كتائب حزب الله" التي اتهمته بأنه كان له دور في مقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية أبومهدي المهندس بواسطة طائرة أمريكية من دون طيار في 3 يناير الماضي.

لكن رغم ذلك، فإن إيران، رسمياً، لم تتوقف كثيراً عند هذه الاتهامات، حيث كان لافتاً أن المسئولين الإيرانيين الذين قاموا بزيارة العراق في الفترة الأخيرة التقوا الكاظمي، على غرار أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، وهو ما يطرح دلالة مهمة تفيد أن إيران كانت تؤسس علاقات وقنوات تواصل مع الكاظمي قبل ذلك باعتبار أنه مسئول عن جهاز الاستخبارات العراقية. 

أهداف عديدة:

ربما سعت إيران عبر توجيه تلك الرسائل المزدوجة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تحييد الزرفي: كان واضحاً من البداية أن تكليف عدنان الزرفي لا يتوافق مع حسابات إيران، التي أبدت تحفظات على علاقاته القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتماهت مع الاتهامات التي وجهت له في هذا السياق من جانب العديد من القوى السياسية والميليشيات المسلحة في العراق، لاسيما في تلك المرحلة الحساسة التي تحاول فيها إعادة صياغة ترتيباتها الأمنية في مرحلة ما بعد غياب سليماني عن المشهد. 

2- دعم الحلفاء: مثّل فشل تكليف الزرفي تطوراً إيجابياً في رؤية القوى السياسية والميليشيات الحليفة لإيران، باعتبار أنه قلص من أهمية الخطوات الإجرائية التي اتخذها الرئيس برهم صالح ولم تحظ بقبول من جانبها. إذ وجهت تلك القوى انتقادات قوية للرئيس بسبب تعمده، حسب رؤيتها، خرق الدستور وعدم تكليف مرشح ما يسمى بـ"الكتلة الأكبر" في البرلمان. 

واللافت هنا، هو أن هذا المبدأ تحديداً كان محط دعم واضح من جانب إيران، على نحو بدا جلياً في تطورين: أولهما، تأكيد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني خلال لقاءه الكاظمي، في 8 مارس الفائت، على أن "تشكيل حكومة قوية ومقتدرة بناءً على رأى الشعب يمثل رغبة إيران المستمرة"، وهى إشارة لها مغزاها، وتفيد أن إيران تؤيد ادعاءات القوى الحليفة لها بأحقيتها في تسمية المرشح لتشكيل الحكومة باعتبار أنها تعبر عن "الكتلة الأكبر" داخل البرلمان. 

وثانيهما، مهاجمة وسائل الإعلام الإيرانية لقرار الرئيس صالح بتكليف الزرفي وتجاهل التصويت الشعبي، حيث أشارت إلى أن ذلك يعيد الأجواء إلى عهد النظام العراقي السابق صدام حسين. 

3- تقليص الخلافات: يعتبر تحقيق التوافق وتقليص حدة الخلافات بين القوى الحليفة لإيران في العراق بمثابة الاختبار الأول لقائد "فيلق القدس" الجديد إسماعيل قاآني. إذ لا تنكر إيران أن مقتل سليماني وجه ضربة قوية لدورها في المنطقة، باعتبار أن الأخير كان مسئولاً عن إدارة العمليات الخارجية بأكملها، في حين لم يكن إسماعيل قاآني معروفاً على نطاق واسع قبل ذلك، رغم أنه عمل إلى جانب سليماني لسنوات عديدة. ومن هنا، ربما تكون زيارة قاآني إلى بغداد ثم الإعلان عن تكليف الكاظمي بتشكيل الحكومة في العراق بمثابة رسالة من جانب إيران بأنها ما زالت لديها القدرة على إدارة نفوذها واحتواء التباينات بين القوى الحليفة لها، حتى رغم الضغوط القوية التي تتعرض لها على أكثر من مستوى، لاسيما ما يتعلق بتداعيات مقتل سليماني والعقوبات الأمريكية وانتشار فيروس "كورونا".

لكن يبدو أن هذا الحضور بات له حدود على الأرض. إذ ليس معروفاً إلى أى حد تمكن قاآني من تقليص حدة الخلافات بين القوى الحليفة لإيران، رغم الإعلان عن تكليف الكاظمي، وهو ما تشير إليه الاتهامات المستمرة من جانب بعض تلك القوى للأخير بالتورط في عملية اغتيال سليماني والمهندس. 

من هنا، يمكن القول إن إيران سوف تنتظر وتترقب قبل أن تبلور موقفها الحقيقي من حكومة الكاظمي، التي كان لافتاً أن صحيفة "كيهان"، التي تعتبر مقربة من مكتب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، كانت حريصة على استباق تشكيلها بالإشارة إلى أن احتمال استمرار الأزمة العراقية ما زال قائماً حتى بعد اتخاذ تلك الخطوة بسبب الملفات الشائكة التي سوف تنتظر الكاظمي في حالة نجاحه في اختبار التشكيل.