مسارات متوازية

تداعيات استمرار أزمة تشكيل الحكومة العراقية

27 January 2020


اقتربت الاحتجاجات التي تشهدها العراق من افتتاح شهرها الخامس، وتجاوزت حكومة تصريف الأعمال برئاسة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي شهرها الأول، دون أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة، في ظل الخلافات التي ما زالت عالقة بين القوى السياسية الرئيسية الموجودة على الساحة العراقية، والتي لا تنفصل عن انعكاسات التصعيد الإقليمي الذي ما زال قائماً بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو أن التصعيد غير المسبوق الذي شهدته التظاهرات العراقية بداية من 19 وحتى 25 يناير الجاري، والذي انطلق مع انتهاء المهلة التي منحها المتظاهرون للسلطات لتنفيذ مطالب الحراك الاحتجاجي، قد أعاد الأولوية في الأزمة لملف اختيار رئيس الحكومة الجديد، وذلك بعد فترة تراجع فيها حسم هذا الملف في خضم التوتر بين طهران وواشنطن.

واللافت في هذا السياق، أن بعض القوى السياسية كانت حريصة على الفصل بين مطالب الحراك الشعبي وبين الدعوات التي برزت في التظاهرة التي دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في 24 يناير الجاري، لإخراج القوات الأمريكية من العراق.

ويمكن رصد أبرز ملامح الضغط الشعبي الحالي على السلطات والقوى السياسية لمنح الأولوية للمطالب الشعبية، والتي تتحدد ملامحها الرئيسية في اختيار رئيس وزراء جديد من خارج الأحزاب السياسية، ومحاسبة المتورطين عن قتل المتظاهرين، وإقرار قانون جديد للانتخابات المبكرة التي يجب أن تديرها مفوضية جديدة وبإشراف أممي، وذلك على النحو التالي:

1- الصدامات العنيفة بين المتظاهرين وقوى الأمن: فخلال الفترة من 20 إلى 25 يناير الجاري، اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن خلال مواجهات في شوارع وساحات بغداد ومدن أخرى وسط وجنوب البلاد، أسفرت عن وقوع قتلى وإصابات. كما عادت ظاهرة حرق المقرات الحزبية والسياسية، فعلى سبيل المثال، أحرق المحتجون، في 19 من الشهر نفسه، مقرين أحدهما لـ"كتائب حزب الله" والآخر لحزب "الدعوة -تنظيم العراق" في النجف. وقد تصاعدت حدة التوتر مع قيام قوات الأمن باقتحام ساحات الاعتصام، في 25 يناير الجاري، بعد انسحاب أنصار الصدر منها.

2- توجيه اتهامات إلى الصدر: رغم أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حرص على توجيه رسائل طمأنة إلى المحتجين بأن التظاهرة التي دعا إليها في 24 يناير الحالي لإخراج القوات الأمريكية من العراق لا تقلص من زخم المطالب الشعبية التي تبناها المحتجون، إلا أن ذلك لم يحل دون تعرضه لانتقادات من جانبهم، لاسيما بعد ظهور تقارير تشير إلى احتمال توصل القوى السياسية إلى صفقة لاحتواء الاحتجاجات ووضع نهاية لها.

3- تضرر بعض المصالح الاقتصادية: انسحبت شركة "بريتش بتروليوم" النفطية البريطانية، في 21 يناير الجاري، من حقل كركوك النفطي بالعراق، بعد انتهاء عقد تنقيب بقيمة 100 مليون دولار دون اتفاق على توسعة الحقل، وذلك في ضربة جديدة لطموحات زيادة إنتاجه. وتأتي هذه الخطوة مع قيام الشركات الأجنبية بإعادة تقييم عملياتها في العراق وسط الاضطرابات السياسية المتمثلة في الاحتجاجات المتواصلة ضد الحكومة منذ مطلع أكتوبر الماضي.

مؤشرات عديدة:

رغم أن أزمة تشكيل الحكومة الجديدة ما زالت تراوح مكانها، إلا أن القوى السياسية تحاول توسيع نطاق الخيارات فيما بينها للوصول إلى تسوية لها، وهو ما يبدو جلياً في مؤشرات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- استمرار التفاهمات بين الصدر والعامري: أشار نواب في البرلمان، في 19 يناير الجاري، إلى أن رئيس تحالف "البناء" هادي العامري فشل في إقناع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بإعادة تكليف عادل عبد المهدي لتشكيل حكومة جديدة. كما كشفت تقارير عديدة أن الطرفين توصلا إلى اتفاق مبدئي يقضي بطرح اسم وزير سابق لرئاسة الحكومة الجديدة خلفاً لعبد المهدي. وبحسب ما ذكره عضو كتلة "الصادقون" المنضوية في تحالف "البناء" النائب أحمد الكناني، في 18 من الشهر نفسه، فإن "اللقاء الذي جمع رئيس تحالف البناء هادي العامري بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مؤخراً في إيران خرج باتفاق مبدئي بين الطرفين على تسمية مرشح جديد لرئاسة الحكومة خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي".

2- توجيه إشارات باقتراب تسوية الملف: كشفت تصريحات عدد من أعضاء مجلس النواب عن اقتراب حسم ملف رئاسة الحكومة خاصة بعد عودة الرئيس برهم صالح من منتدى "دافوس"، حيث أعلن نائب كتلة "الحكمة" النيابية حسن خلاطي، في 20 يناير الجاري، أن "رئيس الجمهورية أمامه 3 أسماء مطروحة غير محسوبة على أى جهة معينة ولها تواصل مع كل الجهات ومع القوى السياسية والجماهيرية"، وأضاف خلاطي أن "الساحة العراقية أصبحت أكثر ثقة بتسمية المرشح"، لافتاً إلى أن الحكومة الجديدة ستهيئ الأرضية لانتخابات مبكرة.

وفي سياق متصل، كشف رئيس كتلة "بيارق الخير" النائب محمد الخالدي، في اليوم نفسه، أن "مشاورات مكثفة تجري الآن بين الكتل السياسية ورئيس الجمهورية برهم صالح، لاختيار مرشح لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة من بين ثلاثة مرشحين"، وأضاف أن "هناك عدة أسماء جرى تداولها خلال الفترة الماضية، لكن التنافس ينحصر الآن بين كل من وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، ووزير التخطيط الأسبق ورئيس مستشاري رئيس الجمهورية على الشكري، ومدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي". إلا أن تقارير أخرى تشير إلى ضم علي عبد الأمير علاوي إلى قائمة الترشيحات.

3- محاولة تحييد تأثير المليونية المناوئة للحضور الأمريكي على مطالب المتظاهرين: سعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على مدار الأيام الماضية، إلى تأكيد عدم تأثير المليونية التي دعا لها في 24 يناير الجاري ضد الحضور العسكري الأمريكي في البلاد، على مطالب المحتجين، حيث قال في 17 من الشهر نفسه: "أيها الثوار الشجعان ضد الفساد استمروا ونحن معكم، فلا أنتم خارجيون ولا نحن تبعيون، بل نحن وإياكم عراقيون ما حيينا". لكن هذه المحاولة لم تحقق نتائج بارزة، بعد أن وجه محتجون انتقادات قوية له عقب تنظيم التظاهرة الأخيرة.

واللافت أن الفترة الأخيرة كانت قد شهدت تصاعداً في حدة الجدل بين المؤيدين لمظاهرة الصدر المليونية والمنتقدين لها. فالمؤيدون، ومعظمهم من أنصار التيار الصدري، يعتبرون خروج القوات الأمريكية من العراق أولوية تتقدم على بقية الأهداف والأولويات العراقية. في مقابل ذلك، ترى الاتجاهات المنتقدة للمظاهرة أنها "تمثل محاولة للتشويش على حركة الاحتجاجات وصرف الأنظار عن مطالبها المحقة".

وفي النهاية، يمكن القول إن العراق باتت تواجه أكثر من أزمة سياسية في وقت واحد. فإلى جانب التداعيات المستمرة للتصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تتوقف عند حد الضربات العسكرية المتبادلة، فإن أزمة الحكومة ما زالت قائمة دون تسوية حتى الآن، على نحو سوف يؤدي إلى استمرار الحراك الشعبي حتى إشعار آخر.