اتجاه مضاد :

هل يدعم انضمام دول أوروبية جديدة لـ"انستكس" الاتفاق النووي؟

01 December 2019


ما زالت الدول الأوروبية حريصة على تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي رغم كل التحديات التي تواجهه في الفترة الحالية. إذ انضمت 6 دول أوروبية جديدة إلى آلية "انستكس" التي تهدف إلى مواصلة التعاملات التجارية مع إيران في ظل العقوبات الأمريكية، في 29 نوفمبر الفائت، وهى هولندا والنرويج وفنلندا والدانمارك والسويد وبلجيكا. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن هذه الخطوة الجديدة لم تلق قبولاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر كان متوقعاً، كما لم تحظ باهتمام واسع من جانب إيران في الوقت نفسه، على نحو يوحي بأن التأثيرات التي يحتمل أن تنتج عنها ربما لن تساهم، إلى حد كبير، في دعم احتمالات مواصلة تطبيق الاتفاق خلال المرحلة القادمة.

سياق غير مواتٍ:

ترى اتجاهات عديدة أن الخطوة التي اتخذتها الدول الأوروبية الست، والتي رحبت بها كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التي أنشأت الآلية في الأساس، تبدو وكأنها تسير في الاتجاه المضاد، باعتبار أنها اتخذت في سياق غير مواتٍ. إذ أنها تأتي في أعقاب اتخاذ إيران خطوتها الرابعة الخاصة بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، عندما أعلنت، في 5 نوفمبر الفائت، استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم في منشأة "فوردو" على عكس ما يقضي الاتفاق النووي الذي ينص على حصر عمليات التخصيب في منشأة "ناتانز" فقط. 

وبدا من هذه الخطوة الإيرانية أنها تساهم في تقريب إيران تدريجياً من مرحلة الخروج من الاتفاق النووي، بعد أن رفعت من مستوى وكمية اليورانيوم المخصب، على نوحي بأنها تسعى إلى الوصول، بشكل تدريجي، إلى المرحلة التي كان عليها برنامجها النووي قبل الوصول إلى خطة العمل المشتركة مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، والتي رفعت بمقتضاها العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها في منتصف يناير 2016.

كما أنها تتوازى مع اتهامات أمريكية مستمرة لإيران بدعم الإرهاب، من خلال استغلال العوائد المالية التي كانت تحصل عليها الأخيرة من تصدير النفط، قبل أن تساهم العقوبات الأمريكية في تخفيض مستواها لأدنى حد ممكن. 

ومن هنا، وجه مسئولون أمريكيون انتقادات قوية للخطوة الأوروبية الجديدة، إذ رد السناتور الجمهوري مارك روبيو، في 30 نوفمبر الفائت، على تغريدة للسفير السويدي لدى طهران أشاد فيها بزيادة عدد الدول الأوروبية التي انضمت للآلية الاقتصادية، حيث قال أن "النظام الإيراني يستمر ليس فقط في انتهاك الاتفاق النووي، وإنما أيضاً في قمع وقتل الإيرانيين. يتعين على بلجيكا وهولندا والسويد والدانمارك وفنلندا والنرويج الوقوف مع الإيرانيين بدلاً من المناورة للقيام بأعمال تجارية مع هذا النظام". 

ومن دون شك، فإن استياء واشنطن من تلك الخطوة الأوروبية الجديدة يعود إلى أنها سوف توجه، وفقاً لرؤية الاتجاه المناوئ لـ"انستكس"، رسالة خاطئة لإيران، قد تفرض تداعيات عكسية يتمثل أبرزها في إمعان الأخيرة في مواصلة تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي، باعتبار أنها تؤشر إلى عدم وجود موقف غربي موحد تجاهها وإلى أن التباينات القائمة في السياستين الأمريكية والأوروبية يمكن أن تُوسِّع من هامش الحركة والمناورة المتاح أمامها، على نحو لا يتوافق مع الأهداف التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها من العقوبات التي تفرضها عليها، والخاصة بدفعها إلى القبول بإجراء مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد يمكن من خلاله استيعاب التحفظات التي تبديها الإدارة الأمريكية على الاتفاق النووي الحالي.

فتور إيراني:

رغم أن تلك الخطوة سوف تساهم في توسيع نطاق الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، إلا أنها لن تقابل، على الأرجح، برد فعل إيجابي من جانب طهران، يمكن أن يدفعها في المستقبل إلى التوقف عن خطواتها التصعيدية الحالية، الخاصة بتخفيض مستوى التزاماتها النووية واستمرار تطوير البرنامج الصاروخي فضلاً عن مواصلة دعم حلفائها في الإقليم وتبني مقاربة أمنية في التعامل مع مطالب المحتجين.

فإيران لن ترفض الخطوة، لكنها ستكون حريصة على التقليل من مستوى تأثيرها على العلاقات التجارية بين الطرفين. وبمعنى آخر، فإن طهران سوف ترى أن هذه الخطوة غير كافية لدفعها إلى التوقف عن إجراءاتها الحالية، خاصة أنها لا تلبي شرطها الأساسي الذي وضعته ويتمثل في شراء الدول الأوروبية لنفطها والحصول على ثمنه نقداً، وهو خيار لا يبدو أن الدول الأوروبية في وارد الموافقة عليها، باعتبار أن ذلك يمثل تجاوزاً للعقوبات الأمريكية.

وقد جدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 12 نوفمبر الفائت، انتقاداته للسياسة التي تتبعها الدول الأوروبية في التعامل مع إيران، حيث قال أن "الأوروبيين لم ينفذوا ولا وعد واحد من الوعود التي قطعوها طوال 18 شهراً"، أى منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، في 8 مايو 2018. ومعنى ذلك أن إيران ترى أن المستوى الحالي للتعاملات التجارية مع الدول الأوروبية لا يلبي طموحاتها، حيث قال المساعد الاقتصادي لوزير الخارجية الإيراني غلامرضا انصاري، في 24 من الشهر نفسه، أن "حجم التبادل التجاري بين إيران والدول الأوروبية وصل في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام إلى 3 مليار و800 مليون دولار، منها 500 مليون دولار صادرات إيرانية لتلك الدول".

كما أن إيران أشارت عدة مرات، في إطار مقاربتها الأمنية للاحتجاجات الأخيرة، إلى أن دولاً أوروبية كان لها دور في تأجيجها. فضلاً عن أنها اتجهت إلى الرد بقوة على التهديدات التي وجهتها فرنسا بالعودة إلى تفعيل آلية العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها وتم تجميدها بموجب الاتفاق النووي، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، في 27 نوفمبر الفائت، أن "مسألة تفعيل آلية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق النووي مع إيران والتي قد تؤدي إلى توقيع عقوبات دولية باتت قيد البحث بالنظر إلى انتهاك إيران المتكرر للاتفاق النووي"، وهى تصريحات اعتبرت طهران أنها "ليست جادة وغير مسئولة وغير بناءة ومخلة تماماً بالمبادرات السياسية الهادفة إلى تنفيذ كامل الاتفاق النووي".

من هنا، ربما يمكن القول إن الدول الأوروبية باتت تواجه موقفاً صعباً، باعتبار أن السياسة التي تتبناها في التعامل مع التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تكتسب أهمية وزخماً خاصاً من جانب الطرفين، على نحو يوحي بأن تأثيرها على استمرار العمل بالاتفاق النووي سوف يكون، على الأرجح، في حده الأدنى.