مواجهة الوكلاء:

كيف ينعكس التوتر بين واشنطن وطهران على دور المليشيات؟

11 May 2019


تتصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والمليشيات المنضوية تحت مظلة "الحشد الشعبي" في العراق وحزب الله في لبنان بموازاة التصعيد الجاري بين الأولى وإيران على خلفية العقوبات التي تواصل فرضها عليها عقب انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، والتي ردت عليها إيران بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي مع حلول الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي في 8 مايو 2019.

وتشير تقارير أمريكية عديدة في هذا الصدد إلى تنامي خطر "وكلاء إيران" على مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، بما يتجاوز التهديد المباشر من جانب إيران ذاتها، وهو ما يفسر تغير الاستراتيجية الأمريكية التي باتت تربط بشكل مباشر بين إيران ووكلائها الإقليميين. وقد تزايد اهتمام دوائر الأمن الأمريكية بالمليشيات العراقية، خاصة الموالية لإيران، في ضوء الحذر من تداعيات العلاقات بين تلك المليشيات وإيران على الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، حيث تنشط تلك المليشيات بكثافة على خطوط التماس في بعض المواقع التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، وهو ما يتوازى أيضًا مع الإجراءات التي تواصل واشنطن اتخاذها إزاء حزب الله في لبنان.

متغيرات طارئة: 

اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة الأخيرة، سلسلة إجراءات ضد "وكلاء إيران" الإقليميين، وبعضها استبق القرارات التي تبنتها ضد إيران ذاتها، وبدا ذلك جليًا في العراق تحديدًا، التي مثلت، في مرحلة سابقة، محورًا لتفاهمات بين واشنطن وطهران، سواء كانت تتعلق بالعراق أو بدول أخرى مثل أفغانستان، وهى المرحلة التي يبدو أنها انتهت مع اتساع نطاق الخلاف بين واشنطن وطهران في العامين الأخيرين. 

وقد تعددت مظاهر هذا التصعيد بتعدد مواقع الحلفاء التي تشكل بدورها ساحات نفوذ لإيران في المنطقة. ففي العراق، وعلى الرغم من احتواء جولة التصعيد التي اندلعت بين الولايات المتحدة الأمريكية ومليشيا "الحشد الشعبي" في 3 فبراير 2019، على خلفية التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقال فيها أن "هدف القوات الأمريكية في العراق هو مراقبة إيران"، إلا أن الارتدادات التي فرضتها لم تتراجع، حيث كشف ثلاثة مسئولين أمريكيين، طبقًا لتقارير عديدة، عن رصد الاستخبارات لتهديدات متعددة وجادة من جانب إيران وقوات تابعة لها في المقام الأول ضد القوات الأمريكية في العراق، وهو ما لا يمكن فصله عن قرار واشنطن إرسال حاملة الطائرات الأمريكية "أبراهام لينكولن" وقاذفات قنابل إلى منطقة الشرق الأوسط.

 وبمواكبة ذلك، توالت تحذيرات الإدارة الأمريكية التي وضعت إيران ووكلائها في سلة واحدة كمصدر للتهديد، حيث قال جون بولتون مستشار الأمن القومي، في بيان له في 6 مايو 2019، أن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى إلى حرب مع النظام الإيراني في الوقت الراهن، لكنها مستعدة تمامًا للرد على أى هجوم سواء من وكلاء إيران أو من الحرس الثوري أو القوات النظامية الإيرانية".  

في مقابل ذلك، أعلنت العديد من المليشيات العراقية دعمها لإيران في مواجهة رفع مستوى العقوبات الأمريكية ضدها، حيث لوح بعضها باستخدام القوة ضد الوجود الأمريكي في العراق. ويعد موقف مليشيا "عصائب أهل الحق" أحد المواقف الأكثر تشددًا في هذا السياق، حيث أكدت دعمها لموقف إيران في مواجهة الضغوط الأمريكية، وإن كان ذلك لا ينفي أن أحد أسباب هذا التشدد يعود إلى توجه واشنطن نحو إدراج المليشيا على لائحة الإرهاب، على النحو الذي دفعها إلى تهديد الأخيرة بأنها "ستدفع ثمن ذلك". 

واللافت للانتباه في هذا السياق أيضًا، أن واشنطن استبقت قرار تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية بإدراج حركة "النجباء" في هذه القائمة، قبل أكثر من شهر، في مؤشر على أن واشنطن تعاملت مع تلك المليشيات كأولوية للتهديد قبل أن تتعامل مع مصدر التهديد ذاته لاحقًا، ثم أصبحت تساوي بين الطرفين في ضوء العلاقة العضوية بين الحرس الثوري وهذه المليشيات.  

أما في لبنان، فرغم أن الخطاب العدائي تاريخي بين حزب الله والولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها إسرائيل، إلا أن رفع مستوى العقوبات المفروضة على الحزب مؤخرًا في إطار العلاقة مع إيران والدور الذي مارسه على الساحة السورية، فضلاً عن تنامي مخزونه الصاروخي بدعم من جانب الأخيرة، ضاعف من حدة التصعيد من الجانبين، لا سيما أن ذلك توازى مع فرض إجراءات مالية ضد الحزب من خلال آليات الرقابة المالية الأمريكية، وإعلان واشنطن جوائز مليونية لمن يدلى بمعلومات عن تمويل الحزب. 

ما بعد التصعيد: 

تظل احتمالات المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمليشيات في العديد من الساحات قائمة، لا سيما في العراق مع استمرار خطاب التصعيد من جانب الزعامات الدينية والمليشياوية ضد واشنطن. لكن في مقابل ذلك، ترجح اتجاهات عديدة أن تواصل واشنطن، كخطوة أولى، عملية إدراج المليشيات العراقية على لائحة الإرهاب، خاصة "عصائب أهل الحق" التي ينتظرها هذا القرار، وهو ما سوف يزيد من مستوى التوتر على الجانبين، وقد يتصاعد الموقف إلى حد اندلاع مواجهة بين الطرفين في شكل عمليات محدودة لاستهداف مواقع عسكرية أو مستشارين أو مصالح. 

لكن يظل هناك تحديات عديدة في هذا الصدد، منها أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية الدخول في مواجهة غير نمطية مع المليشيات في ساحات متعددة وفي وقت متزامن، على النحو الذي أشارت إليه العديد من التقارير الأمريكية، بما يعني أن واشنطن قد ترى أنه من الأفضل العمل على تعزيز أمن مصالحها، بشكل يبدو جليًا في اتجاهها خلال الفترة الأخيرة إلى إظهار القوة كعامل للردع من أجل منع إيران والمليشيات الموالية لها من الإقدام على أى خطوة محتملة في هذا السياق.