أولويات ضاغطة:

هل يخرج العراق من نفق عدم الاستقرار في 2019؟

30 January 2019


على الرغم من تراجع التهديدات الإرهابية، واحتواء اتجاهات الانفصال الكردي؛ تواجه الدولة العراقية تحديات فاصلة خلال عام 2019، يتمثل أهمها في: استكمال تشكيل الحكومة العراقية، والتصدي لتهديدات عودة تنظيم "داعش"، وتعزيز سيطرة الدولة على السلاح، وتحجيم احتمالات تجدد الاحتجاجات نتيجة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية وتردي الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى عمليات إعادة الإعمار، واستعادة التوازن في الاقتصاد العراقي.

تحديات ضاغطة:

على الرغم من أنه تم إعلان تأليف الحكومة العراقية منذ 3 أشهر برئاسة "عادل عبدالمهدي"؛ إلا أن مقاعدها لا تزال غير مكتملة حتى الآن، حيث قرر البرلمان العراقي تأجيل التصويت على الحقائب الوزارية غير المكتملة إلى مارس المقبل. ويرى بعض أعضاء البرلمان أن عدم اكتمال الوزارة يعطل عمل البرلمان، ويعرقل اتخاذه العديد من القرارات. ولا تختلف الحكومة العراقية الحالية عن باقي الحكومات التي سبقتها، إذ إنها تواجه العديد من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتتمثل أهم هذه التحديات فيما يلي:

1- تهديدات عودة "داعش": لا يزال الوضع الأمني غير مستقر في العراق، فعلى سبيل المثال صرّح "دان كوتس" (مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية) في جلسة استماع بالكونجرس في يناير 2019 بأنه "لا يزال لدى داعش آلاف المقاتلين في العراق وسوريا، كما أن له ثمانية فروع، وأكثر من 12 شبكة، وآلاف المناصرين المنتشرين حول العالم، رغم خسائره الجسيمة في القيادات والأراضي". وفي هذا السياق، قامت قوات حرس الحدود بالتعاون مع الحشد الشعبي بتنفيذ عملية استباقية في يناير 2019 لمواجهة تهديدات "داعش" على الحدود العراقية السورية، الذي استغل سوء الأحوال الجوية لمحاولة التسلل إلى العراق من جديد.

2- التحالفات الهشة: تم تشكيل الحكومة الحالية بعد مدة طويلة من إجراء الانتخابات بسبب التنافسات السياسية، والتشكيك في نتائج الانتخابات البرلمانية، ولم يتم حسم أمر بعض الحقائب الوزارية حتى الآن بسبب عدم القدرة على إحداث توافق بين القوى والأحزاب السياسية، والتحالفات الهشة بينها، مما يؤدي إلى عرقلة وإرباك عمل كل من البرلمان والحكومة. 

3- تصاعد الفساد: على الرغم من كافة الجهود الحكومية المبذولة لمكافحة الفساد؛ إلا أن العراق يُصنف ضمن أكثر الدول فسادًا في العالم بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في يناير 2019، إذ حصل على المرتبة السادسة عربيًّا والـ13 عالميًّا متقدمًا على دول مثل فنزويلا وبوروندي، وهو ما دفع "عادل عبدالمهدي" (رئيس الوزراء العراقي) في 29 يناير 2019 إلى إصدار أمر بتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد في العراق.

4- العجز المالي: أقر البرلمان الموازنة العراقية في يناير 2019 بعد حالة طويلة من الجدل بشأنها، ووصل إجمالي عجز الموازنة إلى ما يُقدر بحوالي 27.5 تريليون دينار، أي ما يعادل 23 مليار دولار، وقد بلغت قيمة الموازنة ما يُقدر بحوالي 112 مليار دولار، وتعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط بمعدل 3.9 ملايين برميل يوميًّا، بينها 250 ألف برميل يتم إنتاجها في كردستان العراق. وعلى الرغم من إقرار هذه الميزانية إلا أنها لا تزال تواجه معارضة حادة من بعض أعضاء البرلمان مثل "فالح الساري" (عضو لجنة المال) الذي قال إن "هذه الموازنة هي الأسوأ في تاريخ العراق، وهي غير منصفة، ولا تتضمن دعمًا للاستثمار، ولا رعاية للقطاع العام. خزينة الدولة في هذه الموازنة أصبحت لا تسد النفقات، وبها أعباء تضر الدولة".

أولويات 2019:

تظل هناك مجموعة من الأولويات للحكومة العراقية في عام 2019 مع تصاعد التحديات والمشكلات التي تواجهها، ولعل أهمها يتمثل فيما يلي:

1- العلاقة مع كردستان: أصبح من الضرورة تنظيم العلاقات بين المركز والإقليم بما يضمن استقرار العراق، وذلك بالاعتماد على الدستور العراقي الذي تضمن العديد من المواد التي تحدد طبيعة وشكل العلاقة بينهما، ولا سيما بعد تعقُّد الأوضاع وتداخل الصلاحيات بينهما في الفترة التي أعقبت استفتاء الإقليم للانفصال عن العراق في سبتمبر 2017. وتشهد العلاقات بين الطرفين قدرًا من التحسن بعد إقرار الميزانية الجديدة التي جاءت بالتوافق بينهما. وفي هذا السياق، أكد "عبدالرحيم الشمري" (النائب عن محافظة نينوى) "أن إقليم كردستان حصل بموازنة 2019 على عشرة أضعاف ما حصل عليه بالموازنات السابقة، حيث تصل حصة الإقليم حاليًّا إلى 10 تريليونات دولار مع استثناء القروض والهبات"، وهو ما دفع "نيجرفان البارزاني" (رئيس حكومة الإقليم) للتصريح في 27 يناير 2019 بـ"أن كردستان قطعت مرحلة جيدة بتفاهماتها مع بغداد، وأن موازنة 2019 هي الأفضل بالنسبة للإقليم. نشكر حكومة بغداد لدفعها رواتب موظفي إقليم كردستان"، وتظل هناك بعض الخلافات بين الطرفين، خاصةً في ملف السياسة الخارجية والعلاقة مع كل من تركيا وإيران والولايات المتحدة.

2-  حصر السلاح بيد الدولة: مع تصاعد الصراعات في العراق، برزت ظاهرة انتشار السلاح خارج نطاق سيطرة الدولة، ولا سيما لدى العشائر وبعض الجماعات المسلحة وحتى على مستوى الأفراد العاديين، وهو ما يعني استمرار حالةٍ من عدم الاستقرار الممتد، ولهذا أصبحت هذه القضية ضمن أولويات الحكومة العراقية لعام 2019، حيث أعلن البرنامج الحكومي "أن الحكومة ستعمل على إنهاء الفوضى العامة، وحصر السلاح بيد السلطات الرسمية، وستمنع التدخلات من الجهات المختلفة، سواء كانت شبه عسكرية أو عشائرية، ومنع أي تشكيل عسكري أو وجود سلاح خارج إطار الدولة"، إذ يصعب أن تقوم الحكومة بممارسة دورها الطبيعي في ظل وجود جماعات تحمل السلاح خارج سيطرتها، مما يعني أنه يجب التصدي لتهديدات انتشار السلاح والفصائل المسلحة المختلفة لتحقيق الاستقرار في العراق. 

3- مواجهة التهديدات الإرهابية: تخشى الحكومة العراقية من احتمالية عودة "داعش" مرة أخرى إلى العراق في ظل وجود العديد من المؤشرات التي تؤكد عدم القضاء على التنظيم بشكل كامل، وهو ما يتطلب تعاون بغداد مع عدد من القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أعلنت في يناير 2019 أن وزراء خارجية التحالف الدولي ضد "داعش" سيجتمعون في العاصمة الأمريكية في 6 فبراير 2019 لبحث جهود القضاء على تنظيم "داعش"، وذكر بيان وزارة الخارجية الأمريكية "أن الولايات المتحدة مصممة على منع عودة داعش من الظهور في سوريا والعراق بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا"، كما يتلقى العراق دعمًا مستمرًّا من حلف الناتو فيما يتعلق بتجهيزات القوات الأمنية، والبرامج التدريبية اللازمة لهم.

4- منع تجدد الاحتجاجات: أدى ضعف الخدمات والبنية التحتية في العديد من المدن العراقية إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية خلال السنوات الماضية، وهو ما اعتبرته الحكومة الحالية بمثابة تهديد لأمن واستقرار العراق، حيث قامت بوضعه في برنامجها الحكومي تحت بند "سيادة النظام والقانون، وتعزيز الأمن الداخلي والخارجي". ويتوقع تحليل في مجلة (war on the rocks) حدوث أزمة جديدة في العراق بسبب تردي البنية التحتية والخدمات، حيث يذكر التحليل نصًّا: "الصيف آتٍ، وصبر العراقيين بدأ بالنفاد. ويُفترض ببغداد إحراز تقدم جاد في مجال توفيرها للخدمات الرئيسية، وإلا فإن سيقلب الموازين بطريقة عجز تنظيم داعش عن تحقيقها".

5- إعادة الإعمار: أعلنت الحكومة العراقية بعد ساعات قليلة من تشكيلها أنه سيكون ضمن أولوياتها إعادة الإعمار وتقديم الخدمات للمواطنين؛ إذ إن العديد من المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية أثناء الحرب على الإرهاب تحتاج إلى إعادة الإعمار لتشجيع عودة النازحين، ويدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ملف إعادة الإعمار ضمن مشروع "إعادة الاستقرار" للمناطق المحررة من سيطرة "داعش"، كما يقوم عدد من الدول بدعم ملف إعادة الإعمار (مثل: بريطانيا، وكوريا الجنوبية، والأردن)، حيث يتطلب هذا ما يُقدر بحوالي 88.2 مليار دولار وفقًا لتصريح وزارة التخطيط العراقية في فبراير 2018. 

ختامًا، تواجه الحكومة العراقية هذا العام العديد من التحديات التي يتمثل أبرزها في: عدم القضاء على التهديد الداعشي بشكل كلي في العراق، وتحذير مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في يناير 2019 من استمرار وجود آلاف المقاتلين الداعشيين في سوريا والعراق، واحتمالية تصاعد الاحتجاجات في العراق بسبب تردي الخدمات الأساسية، وهو ما يرتبط بتزايد معدلات الفساد، ووصول إجمالي عجز موازنة عام 2019 إلى 23 مليار دولار.