مرحلة نوعية:

خطوات أمريكية جديدة في الحرب ضد "شباب المجاهدين"

23 December 2018


تسعى الولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة الحالية إلى محاصرة نشاط تنظيم "القاعدة"، بعد أن بدأ في محاولة التوسع والانتشار داخل بعض المناطق، ومن أهمها شرق إفريقيا، مستغلاً في هذا السياق تراجع نفوذ تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة، وهو ما دفعها إلى شن ضربات عديدة ضد حركة "شباب المجاهدين" الصومالية الموالية للتنظيم، عبر الاستهداف المتكرر والمتصاعد لقياداتها وكوادرها ومواقعها، والتركيز على المجموعات التابعة لها في دول الجوار، وفي مقدمتها كينيا، بما يوحي بأن ثمة مرحلة جديدة سوف تبدأ من الحرب ضد الحركة في الفترة القادمة.

ضربات متتالية:

تعد حركة "شباب المجاهدين" الصومالية ذراع تنظيم "القاعدة" في شرق إفريقيا، وأحد أهم فروعه التي يعتمد عليها في محاولة تعزيز قدرته على التوسع والانتشار في مناطق مختلفة، وهو ما جعلها تتعرض للعديد من الضربات العسكرية الأمريكية، التي تأتي في إطار التعاون بين القوات الأمريكية وقوات الجيش الصومالي، ضمن عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب في الصومال.

وتعتمد الضربات العسكرية الأمريكية ضد الحركة على الغارات الجوية بشكل رئيسي، والتي كان آخرها في 15 و16 ديسمبر الجاري، واستهدفت محيط منطقة جندرشي بإقليم بنادر وسط الصومال، حيث أسفرت عن مقتل 62 من كوادر وعناصر الحركة، وهو ما يمثل ضربة نوعية سوف تؤثر على نشاط الأخيرة بشكل عام.

وقبل ذلك، شن الطيران الأمريكي بعض الغارات على تجمع لعناصر الحركة كانوا يتواجدون في موقع يبعد عن العاصمة مقديشيو بنحو 120 كيلومتر، في بداية أغسطس الماضي.

دوافع متعددة:

يمكن القول إن ثمة أهدافًا عديدة تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقها من خلال توجيه ضربات عسكرية متتالية إلى حركة "شباب المجاهدين"، يتمثل أبرزها في:

1- استهداف الملاذات الآمنة: أعلنت قيادة القوات الأمريكية فى إفريقيا عقب الضربة العسكرية الأخيرة في منتصف ديسمبر الجاري، أن الهدف الأساسي لتلك الضربات يكمن في منع الحركة من إيجاد ملاذات آمنة، في ظل سعيها، خلال الفترة الأخيرة، إلى استخدام مناطق في جنوب ووسط الصومال للتخطيط لشن هجمات إرهابية، فضلاً عن تحويلها إلى نقطة انطلاق لبعض العمليات التي تحاول من خلالها الحصول على موارد أو مصادر تمويل، على غرار نهب المساعدات الإنسانية، وابتزاز السكان المحليين، من خلال فرض الضرائب والإتاوات، فضلاً عن تجنيد عناصر جديدة خاصة من الأطفال، لضمهم إلى صفوفها، كونهم يمثلون موردًا بشريًا غير مكلف بالنسبة لها، فى ظل رغبتها في التوسع والانتشار داخل بعض المناطق الجديدة.

2- حماية المصالح الأمريكية: تتبنى "شباب المجاهدين" التوجهات الرئيسية لتنظيم "القاعدة"، التي يأتي في مقدمتها استهداف المصالح الأمريكية في مناطق مختلفة، على غرار ما حدث قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 وبعدها، وهو ما يعني، وفقًا لرؤية واشنطن، أن تصاعد نفوذ الحركة فى منطقة شرق إفريقيا يفرض تهديدات جدية لمصالحها وأمنها، على نحو دفعها إلى تركيز ضرباتها العسكرية ضد قادتها ومواقعها خلال الفترة الماضية، باعتبار أن ذلك يمكن أن يساعد على احتواء تلك التهديدات بشكل أقوى.

3- إعادة انخراط: كان لافتًا أن تصاعد حدة الضربات العسكرية الأمريكية ضد قادة ومواقع الحركة توازى مع عودة التمثيل الدبلوماسي الأمريكي إلى الصومال بعد فترة انقطاع امتدت حوالي 27 عامًا. إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 5 ديسمبر الجاري، عن إعادة التمثيل الدبلوماسي وتعيين الدبلوماسي دونالد ياماموتو سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية لدى الصومال، وذلك كخطوة لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية بعد الاعتراف بالحكومة الاتحادية الصومالية منذ عام 2013. ويعني ذلك، أن واشنطن تبدو حريصة على تدشين مرحلة جديدة من العلاقات مع الصومال، بعد سحب التمثيل الدبلوماسي في عام 1991 عقب تصاعد حدة الحرب الأهلية، على نحو سوف يؤدي إلى رفع مستوى الانخراط الأمريكي في الحرب ضد الحركة خلال الفترة القادمة.

ولا ينفصل ذلك، دون شك، عن محاولات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقديم دعم للخطوات التي يتخذها الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، حيث أشارت وزارة الخارجية إلى أن هذا القرار يعكس التقدم الذي أحرزته الصومال في مكافحة الإرهاب خلال الأعوام الأخيرة.

4- تعزيز التعاون الثنائي: تبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامًا خاصًا بتعزيز التعاون الثنائي مع بعض الدول المجاورة للصومال، خاصة كينيا، وهو ما بدا جليًا في حرصها على إجراء تعديلات على التصنيفات الإرهابية لحركة "الشباب"، في 19 يوليو 2018، لتشمل جماعة "الهجرة" التي تنشط في كل من الصومال وكينيا، وتعتبر أحد فروع الحركة الصومالية في الأخيرة، على نحو يشير إلى أن واشنطن تتجه، خلال المرحلة القادمة، إلى توسيع نطاق ضرباتها العسكرية لتتجاوز حدود الصومال من أجل تقليص حدة التهديدات التي يفرضها نشاط تلك التنظيمات.

 وبعبارة أخرى، فإن تلك الخطوة تعني أن واشنطن لا ترى أن ثمة تمايزًا واضحًا في نشاط وتوجهات "الشباب" و"الهجرة"، وأنها ستحرص، في الغالب، على تعقب الأذرع الأخرى للحركة والمجموعات الموالية لها، باعتبار أن ذلك سوف يساعد على فرض خيارات محدودة أمام "الشباب"، بشكل سيؤدي في النهاية إلى تراجع نفوذها.

ومع ذلك، فإن اتجاهات عديدة لا تستبعد أن تحاول حركة "الشباب" الرد على هذه الضربات العسكرية المتتالية، عبر السعى إلى تكوين خلايا إرهابية جديدة سواء داخل الصومال أو في بعض دول الجوار، ورفع مستوى عملياتها الإرهابية خلال المرحلة القادمة، دون أن ينفي ذلك أن الحركة تواجه بالفعل أزمة غير مسبوقة قد تؤثر على تماسكها التنظيمي على المديين المتوسط والبعيد.