عوامل متعددة:

أسباب تزايد هجمات "شباب المجاهدين" في الصومال؟

29 July 2018


يبدو أن حركة "شباب المجاهدين" لا تزال حريصة على توسيع نطاق هجماتها الإرهابية داخل الأراضي الصومالية، عبر شن العديد من العمليات المتنوعة، خاصة ضد قوات الجيش، على غرار الهجوم الأخير الذي استهدف إحدى القواعد العسكرية التابعة للأخير في بار سنجوني بجنوب البلاد، فى 23 يوليو 2018، وأسفر عن مصرع 27 جنديًا. وقد جاء هذا الهجوم بعد أقل من شهر على عملية انتحارية نفذها عناصر تابعة للحركة استهدفت أحد مقرات وزارة الداخلية بالقرب من القصر الرئاسي ومبنى البرلمان فى 7 يونيو الفائت، بشكل أدى إلى مقتل وإصابة 27 شخصًا، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول دوافع الحركة لتصعيد هجماتها الإرهابية في الداخل خلال الشهور الأخيرة، لا سيما أن ذلك يتزامن مع تراجع ملحوظ في هجماتها الخارجية.

نشاط ملحوظ:

شهدت الفترة التي أعقبت تولي الرئيس محمد عبدالله فرماجو رئاسة البلاد تصاعدًا في نشاط حركة "شباب المجاهدين" الإرهابية، التي لم تعد تركز عملياتها على استهداف العسكريين فقط، على غرار مجموعة الهجمات التي نفذتها ضد بعض الثكنات العسكرية في مدينة هيران بوسط الصومال، في بداية يونيو 2018، وإنما باتت تنفذ عمليات ضد المدنيين أيضًا، مثل التفجير الذي استهدف أحد ملاعب كرة القدم في 13 إبريل 2018، عبر زرع قنبلة داخل الملعب، مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 12 آخرين، جميعهم من المدنيين. كما أعلنت الحركة مسئوليتها عن عمليات اغتيال طالت مسئولين ونواب في البرلمان، وذلك من أجل عرقلة الجهود التي تبذلها الحكومة بهدف دعم حالة الاستقرار على المستويين الأمني والسياسي.

دلالات مختلفة:

تطرح الهجمات المتصاعدة التي نفذتها حركة "شباب المجاهدين" داخل الأراضى الصومالية خلال الفترة الأخيرة دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- عمليات متواصلة: تعتبر حركة "شباب المجاهدين" إحدى أكثر الجماعات الموالية لتنظيم "القاعدة" التي تسعى إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية بشكل متواصل ودون فاصل زمني كبير، من أجل توجيه رسائل مباشرة بأن الإجراءات التي تتخذها الحكومة لم تساهم في تراجع نشاطها. وفي هذا السياق، حرصت الحركة على نشر إصدار جديد عبر ما يسمى بـ"مؤسسة الكتائب"، التي تعد إحدى الأذرع الإعلامية التابعة لـ"القاعدة"، زعمت فيه أن "عناصرها تعمل وفق قواعد الحروب المعروفة، وأنها تفرق في الهجمات بين العسكريين والمدنيين، وأن تلك الهجمات تعد بمثابة ثمرة لتوحيد الاستراتيجية في الأطراف المتنامية من دول غرب إفريقيا"، مضيفة أنها "نفذت عملياتها باحترافية عالية".

لكن هذه الادعاءات لا تتوافق مع المعطيات التي تفرضها التطورات التي تشهدها الساحة الداخلية الصومالية. ففضلاً عن أن الحركة لم تعد تركز عملياتها فقط على العسكريين، بعد أن أسفرت عملياتها عن مقتل عدد كبير من المدنيين، فإن الحكومة أيضًا تمكنت عبر الإجراءات التي اتخذتها في الفترة الأخيرة من توجيه ضربات قوية للحركة، على غرار ما حدث في المواجهة التي اندلعت بين القوات الحكومية وعناصر الحركة بالتوازي مع وقوع الهجوم الأخير، على نحو أدى إلى مقتل 87 عنصرًا منها، حسب تصريحات القائم بأعمال وزير الإعلام آدم علي.

2- محاولة انتشار: تحاول الحركة التمدد في مناطق جديدة بالصومال خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت، وفقًا لاتجاهات عديدة، تنشط في ما يقرب من 18 منطقة منها 9 مناطق في الجنوب على غرار غرباهاري وماركا وكيسمايو. وحتى في حالة نجاح القوات الحكومية في طردها من عدة مناطق، فإنها لا تتوانى عن العودة إليها من جديد في حالة ما إذا سنحت لها الفرصة، مثل عودتها مؤخرًا لأجزاء من مدينة بلعد بجنوب البلاد، في 7 مارس 2018، بعد أن تمكنت القوات الحكومية من إخراجها قبل ذلك.

3- تماسك تنظيمي: تعتبر "شباب المجاهدين" أن استمرار عملياتها الإرهابية يمثل الآلية الأساسية التي يمكن من خلالها الحفاظ على هيكل تنظمي قوي. ورغم عدم وجود أية وثائق محددة تشير إلى ذلك الهيكل التنظيمي، إلا أن اتجاهات عديدة ترجح وجود مجلس شورى للحركة يرأسه أميرها، وجناح دعوي يعمل على تجنيد أعضاء جدد للانضمام لها، إضافة إلى ما يسمى بـ"الحسبة" أو "الشرطة الدينية"، التي تتمثل مهامها في مراقبة الالتزام بالأحكام والأعراف الإسلامية، حسب رؤية الحركة، إلى جانب الجناح العسكري المسئول عن تدريب عناصرها لتنفيذ الهجمات وعمليات الاغتيال.

4- التمدد في شرق إفريقيا: يشير التصاعد الكبير في نشاط الحركة خلال السنوات الأخيرة، إلى أنها لم تعد تمثل خطرًا على الداخل الصومالي فحسب، وإنما على منطقة القرن الإفريقي بشكل عام، لا سيما في ظل سعيها إلى توسيع نطاق نفوذها خارج حدود البلاد رغم تراجع عملياتها، باعتبارها جماعة فرعية موالية لتنظيم "القاعدة" في شرق إفريقيا، والذي بدأ بدوره خلال الفترة الأخيرة في محاولة الانتشار داخل بعض المناطق الجديدة في القارة الإفريقية، بعدما برز نشاطه مجددًا في شمالها وغربها.

وتكشف تقارير عديدة أن التنظيم يحاول بناء شبكة "قاعدية" تربط المجموعات الموالية له والموجودة في أنحاء مختلفة من القارة، بداية من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، مرورًا بالمجموعات "القاعدية" في ليبيا، وانتهاءً بحركة "شباب المجاهدين"، في ظل الاستراتيجية التي يتبناها وتعتمد على الانتشار التنظيمي وليس السيطرة المكانية على غرار ما يسعى تنظيم "داعش".

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن مدى نجاح الحكومة الصومالية في التعامل مع تهديدات حركة "شباب المجاهدين" سوف يرتبط في المقام الأول بالدعم الذي يمكن أن تحظى به من جانب العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية ليس فقط بمحاربة الجماعات الموالية للتنظيمات الإرهابية الرئيسية، وإنما أيضًا بمنع تلك التنظيمات من الانتشار والتمدد في مناطق جديدة بعد أن فقدت نفوذها وتراجع نشاطها بشكل كبير في المناطق التي كانت تسيطر عليها في المرحلة الماضية.