المجلس الوطني الفلسطيني والمقاعد الخالية

08 May 2018


انتخب المجلس الوطني الفلسطيني في ختام اجتماعاته يوم الجمعة الماضي خمسة عشر عضواً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تاركاً ثلاثة مقاعد غير مشغولة للفصائل التي قاطعت الاجتماعات، ويمكن النظر لهذه المسألة من زاويتين أولاهما أنها تعبير عن حسن النية والرغبة الصادقة في لم الشمل وتحقيق الوحدة الوطنية، غير أنه يمكن النظر إليها من زاوية أخرى مؤداها أن العمل الوطني الفلسطيني قد أخفق حتى الآن في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية التي لا غنى عنها إذا أُريد للنضال الفلسطيني أن يخرج من عنق الزجاجة الذي حشرته فيه السياستان الأميركية والإسرائيلية بعد القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر الماضي، وقد نذكر أن المجلس المركزي الفلسطيني قد انعقد في يناير الماضي دون حضور كل من «حماس» و«الجهاد» بدعوى أن الظروف لن تمكنه من فعل شيء مع أن المسؤولية الوطنية كانت تقتضي الحضور لرفع سقف القرارات، ويعنى هذا أن الجسد السياسي الفلسطيني مازال غير قادر على توليد الاستجابة السليمة للتحدي الذي مثله قرار ترامب ليس بخصوص القدس وحدها وإنما بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية برمتها، ولن تتم هذه الاستجابة إلا بالنجاح في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتبني استراتيجية للنضال الوطني تأخذ طريقها إلى حيز التنفيذ الفعلي ولا تبقى على الأرفف في حالتها الورقية.

أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في بيانه الختامي أن التزامات الفترة الانتقالية وفق اتفاقات أوسلو والقاهرة وواشنطن «لم تعد قائمة» ورفض «الحلول المرحلية والدولة ذات الحدود المؤقتة ودولة غزة» وكلف اللجنة التنفيذية «تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان»، ودعا إلى العمل لإسقاط قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما حض على «وقف التنسيق الأمني بأشكاله مع إسرائيل» وأكد اللجوء إلى الخيار الدولي من أجل محاسبتها، وكلها قرارات جيدة لكن ثمة ملاحظات واجبة عليها أولها بطبيعة الحال أنها كما سبقت الإشارة لا تعبر عن إجماع وطني فلسطيني وهو إجماع لا غنى عنه إذا كنا نريد أن نتحرك إلى الأمام، والملاحظة الثانية أنها ليست بالجديدة، فهي تكاد أن تكون تكراراً حرفياً لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني الذي انعقد في يناير الماضي، وهو الأمر الذي يذكرنا بسمة مألوفة في قرارات العمل العربي المشترك التي تتكرر عبر الزمن، وبقدر ما يعني هذا التمسك بمواقف ثابتة، فإنه يعني في الوقت نفسه العجز عن تفعيل القرارات المتخذة، أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بما لوحظ في قرارات كل من المجلس المركزي والمجلس الوطني، وهو أننا لسنا إزاء «قرارات» وإنما «توجيه بقرارات»، فالمجلس الوطني ومن قبله المجلس المركزي «يكلف» اللجنة التنفيذية تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين، فلماذا لا يعلقه هو؟ لأن المعنى الواضح لهذه الصياغة أن تعليق الاعتراف لم يتم بعد، وأنه مؤجل إلى أن تتخذ اللجنة التنفيذية قراراً بذلك، فإذا تذكرنا أن التكليف نفسه قد تضمنته قرارات المجلس المركزي منذ يناير الماضي ولم تنفذه اللجنة التنفيذية، فإن من حقنا أن نتساءل عن مدى الجدية في هكذا قرار، خاصة إذا تذكرنا أن ثمة وجهة نظر كانت مطروحة في اجتماعات المجلس المركزي بأن يكون القرار هو «سحب» الاعتراف وليس تعليقه غير أنه لم يؤخذ بها وتم تفضيل الصيغة الأكثر اعتدالاً عليها، وما ينطبق على تعليق الاعتراف ينطبق على وقف التنسيق الأمني واللجوء إلى الخيار الدولي لمحاسبة إسرائيل.

ويبقى المخرج الوحيد الآمن من الغوص في هذه الرمال المتحركة هو البدء بما هو أصيل وأساسي وضروري كي يمكننا التحرك بفعالية على طريق تحقيق أهدافنا وهو الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأعلم أن المسألة ليست سهلة وأن عقبات هائلة تعترضها بعضها مفهوم، ويمكن بالجهد والإخلاص التغلب عليه لكن بعضها الآخر يرجع ببساطة للأسف إلى أن ثمة مصالح راسخة لأطراف محددة في استمرار الانقسام الحالي، وما لم نواجه هذا الواقع الخطير ونتوصل إلى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية تُبنى على أساسها استراتيجية جامعة للعمل الوطني الفلسطيني توظف كل أساليب النضال المتاحة والفعالة، فإننا سوف نواصل الدوران في الحلقة المفرغة التي طوقت النضال الفلسطيني منذ أوسلو 1993.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد