انعكاسات مباشرة:

سيناريوهات ما بعد الضربة الغربية ضد النظام السوري؟

16 April 2018


أثارت الهجمات العسكرية التي شنتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ضد مواقع تابعة للنظام السوري، في 14 إبريل 2018، والتي كانت تهدف إلى شل قدراته الخاصة بالأسلحة الكيماوية للحيلولة دون استخدامه لها في المستقبل، تساؤلات عديدة حول التأثيرات المحتملة لذلك على توازنات القوى والمسارات المتوقعة للخلافات المتصاعدة بين القوى المعنية بتطورات الصراع السوري خلال المرحلة القادمة.

وتشير التحركات التي قامت بها الدول الثلاث في اليوم التالي لانتهاء المهمة، والتي تمثل أبرزها في العودة مجددًا إلى مجلس الأمن لتقديم مشروع قرار غربي حول سوريا يسعى إلى تأسيس آلية جديدة لمراقبة استخدام الأسلحة الكيماوية والتوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية عبر مفاوضات غير مشروطة، إلى أن تلك الدول تتجه نحو محاولة استثمار تداعيات الضربة المحدودة في مجلس الأمن على افتراض أنها جاءت بمثابة تحرك تكتيكي لفرض متغير جديد في الملف السوري، وهو ما يبدو أن روسيا تعمل لمنع حدوثه، من خلال تقديم مشروع قرار مضاد لإدانة تلك الضربات.

وفى هذا السياق فإن النتائج المتوقعة لأى تحرك مستقبلي تعتمد على مقدمات هذا التحرك وما إذا كانت هناك أرضية مهيأة له، الأمر الذى يتوقف على تقييم حصاد تلك الضربات وتداعياتها على توازنات القوى، وما إذا كانت ستشكل فارقًا استراتيجيًا نوعيًا يصب في اتجاه التغيير المطلوب أم لا.

حسابات الردع:

تمثل الضربة التي وجهت إلى بنية الأسلحة الكيماوية فى سوريا محاولة جديدة لردع نظام الأسد عن استخدامها في المعارك التي ينخرط فيها. وقد كان لافتًا أنها جاءت بعد عام من ضربة انفردت بها الولايات المتحدة الأمريكية على مطار الشعيرات على خلفية استخدام الأسلحة الكيماوية في الهجوم على مدينة خان شيخون، لكنها لم تحقق الردع المطلوب، بعد أن عاد النظام مجددًا، حسب تصريحات بعض المسئولين الغربيين، إلى استخدام الأسلحة نفسها في دوما.

وتظل الشكوك قائمة في مدى إمكانية اتجاه النظام إلى تكرار المحاولة في المستقبل أو على الأقل اتهامه بذلك، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما رهن العودة مجددًا إلى شن هجمات على سوريا باستخدام النظام لهذه الأسلحة مرة أخرى.

ويطرح ذلك دلالة مهمة تتمثل في أن الدول الغربية تبدو حريصة في المرحلة الحالية على ربط شن أى هجمات محتملة في المستقبل باستخدام هذا النوع من الأسلحة، بما يعنى أنها تسعى إلى تبني استراتيجية "الردع النسبي أو الجزئي" التي تركز حصرًا على استخدام الأسلحة الكيماوية، وليس "الردع الشامل" لأدوات الحرب الأخرى التى يستخدمها النظام في المعارك التي تنشب على الجبهات المختلفة.

تأثير الضربات:

تركزت أغلب مواقف أطراف المحور الذي يضم روسيا وإيران والنظام السوري والميليشيات الموالية، على أن هذه الهجمات لم تؤثر في تماسكه، بل ربما تؤدي إلى تعزيز التعاون والتنسيق فيما بين أطرافه خاصة بعد أن تجنبت الدول الغربية الثلاث استهداف مواقع تابعة لروسيا أو إيران أو تلك الميليشيات.

وبدا أن الأطراف الأخيرة تحاول التحرك بناءً على المعطيات التي فرضتها تلك الضربات، وهو ما انعكس في اتجاه روسيا إلى طرح مشروع قرار جديد داخل مجلس الأمن لإدانة الضربات، إلا أنها فشلت في الحصول على تأييد الدول الأخرى الأعضاء، حيث صوتت ثماني دول ضد المشروع، فيما امتنعت ثلاث دول أخرى عن التصويت.

توازنات القوى:

لم تهدف الضربات التي شنتها الدول الغربية الثلاث إلى تغيير توازنات القوى على الأرض، وهو ما يتوازى مع تجنب الولايات المتحدة الأمريكية توجيه مزيد من الإشارات الخاصة بالمسارات المحتملة لوجودها العسكري داخل سوريا، على نحو دفع اتجاهات عديدة داخل واشنطن إلى تأكيد ضرورة تبني استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع تطورات الأزمة في سوريا.

وفي هذا السياق، قال السناتور الجمهوري جون مكين في بيان أصدره بعد الضربات الأخيرة: "لكى ننجح على المدى البعيد، فإننا نحتاج إلى إستراتيجية شاملة لسوريا والمنطقة بأسرها"، مضيفًا: "الضربات الجوية غير المرتبطة باستراتيجية أوسع ربما كانت ضرورية، لكنها لن تحقق وحدها الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط".

واللافت أن اتجاهات أخرى باتت ترجح أن تفرض تلك الضربات تداعيات عكسية، خاصة بعد ظهور تقارير تكشف عن احتمال قيام روسيا بمد النظام السوري بمنظومة الدفاع الجوي"S-300" ، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقويض الأدوار التي تقوم بها أطراف محددة، على غرار إسرائيل، التي شنت هجمات منفردة خلال الفترة الماضية كان آخرها على مطار "تي فور" العسكري، في 9 إبريل 2018، بشكل أدى إلى مقتل عدد من العسكريين كان من بينهم سبعة من الحرس الثوري الإيراني.

مسارات محتملة: 

تبقى السيناريوهات المتوقعة محدودة بدرجة كبيرة، في ظل غياب ملامح استراتيجية للتعامل المستقبلي ليس فقط من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإنما أيضًا من قبل حلفائها. وفي هذا الإطار، يمكن طرح سيناريوهين رئيسيين: ينصرف الأول، إلى الانخراط المحدود، وهو المسار الذي تعكسه مسارعة الدول الغربية إلى توجيه تلك الضربة ضد مواقع الأسلحة الكيماوية التابعة للنظام السوري بعد اتهامه باستخدامها في الهجمات التي شنها في مدينة دوما، حيث يشير ذلك إلى أن تعامل الأطراف المعنية بالأزمة السورية ما زال منحصرًا في بعض الملفات، دون التطرق إلى الأزمة بشكل عام، بما يوحي بغياب التصورات الخاصة بسبل الوصول إلى تسوية للأزمة خلال المرحلة القادمة، خاصة أن التطورات الحالية لا توفر الأرضية اللازمة للبدء في مرحلة تفاوض جدية بين النظام وقوى المعارضة.

ويتعلق الثاني، بالعودة إلى التركيز على تنفيذ المهام التقليدية، أى محاربة التنظيمات الإرهابية، وخاصة الخلايا التابعة لتنظيم "داعش"، لا سيما بعد ما أطلق بعض المسئولين الغربيين تحذيرات من عودة الأخير إلى الظهور في مناطق سبق أن خرج منها بفعل الضربات العسكرية التي شنها التحالف الدولي وبعض الميليشيات المحلية ضده.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الضربات العسكرية لن تؤثر، في الغالب، على المسارات المحتملة للأزمة السورية، خلال المرحلة القادمة، خاصة أنها كانت محدودة ولم تتطرق إلى استهداف مواقع الأطراف الأخرى الداعمة للنظام.