خلافات محتملة:

هل تتبنى الترويكا الأوروبية نهجًا جديدًا تجاه إيران؟

04 April 2018


تسعى دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) إلى تعزيز فرص مواصلة العمل بالاتفاق النووي بعد 12 مايو 2018، من خلال توجيه رسائل مزدوجة إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، عبر العقوبات الجديدة التي تحاول فرضها على الأخيرة في المرحلة القادمة. لكن جهود الترويكا في هذا الصدد سوف تواجه عقبات لا تبدو هينة، ليس فقط بسبب صعوبة التعويل على تلك العقوبات في تغيير سياسات طهران، وإنما أيضًا بسبب عدم وجود موقف أوروبي موحد إزاء التعامل مع الخلافات التي اتسعت تدريجيًا مع الأخيرة حول الاتفاق النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية ودورها في دول الأزمات، خاصة سوريا واليمن. 

هدفان رئيسيان:

 تحاول دول الترويكا الأوروبية من خلال العقوبات الأوروبية الجديدة المحتمل فرضها على إيران تحقيق هدفين رئيسيين: أولهما، توجيه رسالة قوية لإيران مفادها أنها لا تستطيع، بداية من المرحلة الحالية، التعويل على وجود تباين في المواقف بين الدول الثلاث والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالآليات المناسبة للتعامل معها، حيث كانت إيران في الفترة الماضية ترى أن حرص الدول الثلاثة على عدم التماهي مع التصعيد الأمريكي المستمر تجاهها، سوف يقلص في النهاية من حدة الضغوط التي تتعرض لها بسبب ذلك وسيساهم في توسيع هامش المناورة وحرية الحركة المتاحة أمامها، على نحو لن يدفعها إلى إجراء تغيير في سياستها بهدف تقليص تلك الضغوط.

 وبعبارة أخرى، فإن دول الترويكا الثلاث سعت من خلال التلويح بخيار العقوبات إلى توجيه تحذيرات إلى إيران، بأن إمعانها في سياستها الحالية، خاصة في ظل إصرارها على ممارسة أدوارها التخريبية في دول الأزمات مثل سوريا واليمن، سوف يدفع تلك الدول إلى تبني سياسة مختلفة تجاهها، خاصة بعد أن بدت مصرة على انتهاك الاتفاق النووي والقرارات الدولية، على نحو انعكس في إصرارها على مواصلة تهريب الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين.

 وقد كان لافتًا في هذا السياق أن التلويح بخيار العقوبات الأوروبية توازي مع تزايد اهتمام الدول الثلاث بالمخاطر التي يفرضها استمرار هذا النهج الإيراني، وهو ما بدا جليًا في مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا إلى مجلس الأمن، في 18 فبراير 2018، لإدانة تقاعس إيران عن تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، قبل أن تعطله روسيا باستخدام حق الفيتو، وفي التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، في 29 مارس الفائت، وأعاد فيها التأكيد على أن "السعودية تتعرض باستمرار لهجمات ينفذها الحوثيون بأسلحة تصل من إيران".

 وثانيهما، محاولة إقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأهمية الاستمرار في العمل بالاتفاق النووي وعدم اتخاذ خطوات إجرائية قد تؤدي إلى تجميده في مرحلة ما بعد انتهاء المهلة الحالية في 12 مايو 2018، والتي ستتخذ فيها الإدارة قرارها سواء بمواصلة تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران أو إعادة فرضها من جديد.

 وبمعنى آخر، يمكن القول إن الدول الأوروبية تريد فرض عقوبات أوروبية جديدة من أجل حماية الاتفاق النووي من خطر الانهيار الذي بات محتملاً بشكل كبير في ظل تباعد المواقف الأمريكية والإيرانية وعدم نجاح الدول الثلاث في الوصول إلى حلول وسط لها رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها في هذا السياق، وبدت جلية في الأفكار التي ظهرت في الفترة الأخيرة، على غرار إجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق تكميلي يعالج الإشكاليات التي يتضمنها الاتفاق الحالي، خاصة فيما يتعلق بـ"بند الغروب النووي" الذي يتيح رفع بعض القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية في غضون ثماني أعوام منذ الإعلان عن الوصول للاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.

عقبات متعددة:

 ومع ذلك، فإن تلك الجهود التي تبذلها دول الترويكا قد لا تنجح في تحقيق أهدافها، خاصة ما يتعلق بتعزيز فرص مواصلة العمل بالاتفاق النووي، لاعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في أنه لا يوجد حتى الآن موقف أوروبي موحد إزاء فرض عقوبات أوروبية على إيران في الفترة القادمة، حيث تبدي بعض الدول، على غرار إيطاليا والنمسا، تحفظات عديدة تجاه ذلك وترى أن دول الترويكا تحاول فرض رؤيتها قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج في 16 إبريل 2018، أى قبل أقل من شهر على انتهاء المهلة التي حددتها الإدارة الأمريكية للوصول إلى حلول للإشكاليات الخاصة بالاتفاق الحالي.

 وهنا، يمكن القول إن ثمة مواقف أوروبية متعددة، وربما تكون متناقضة في بعض الأحيان، إزاء الآليات المناسبة للتعامل مع الخلافات المتصاعدة مع إيران، حيث ترى إيطاليا والنمسا أن الاتجاه نحو فرض عقوبات على إيران سوف يؤثر على مصالحها مع إيران خلال المرحلة القادمة.

 وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد أن تكون إيران قد سعت إلى الوصول لهذا الانقسام، بهدف عرقلة أى توجه من جانب دول الترويكا للتماهي مع التصعيد الأمريكي ضدها، بعد أن أدركت أنها لا تستطيع على المدى الطويل التعويل على رفض هذه الدول للسياسة التي تتبناها الإدارة الأمريكية.

 وقد كان لافتًاأن إيران حرصت في الأعوام التالية على الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها في منتصف يناير 2016، على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع إيطاليا والنمسا، حيث كانت الأولى ضمن الجولة الأوروبية التي قام بها الرئيس حسن روحاني في يناير 2016، ووقعت فيها الدولتان على صفقات اقتصادية كبيرة، قدرت قيمتها بنحو 18.4 مليار دولار.

 كما قام رئيس الورزاء الإيطالي السابق ماتيو رينزي بزيارة طهران، في 12 إبريل 2016، حيث كانت أول زيارة لمسئول أوروبي بهذا المستوى إلى طهران منذ الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وترأس خلالها وفدًا يضم 250 شخصًا من رجال أعمال ومسئولين.

 كما كان روحاني يستعد لزيارة النمسا، في 29 مارس 2016، إلا أنه تم إلغاء الزيارة في اللحظات الأخيرة، وذلك بسبب المظاهرات التي كانت بعض قوى المعارضة الإيرانية ستقوم بتنظيمها خلالها في فيينا.

 وينصرف ثانيهما، إلى أنه لا يوجد ما يؤشر إلى أن هذا النهج قد يقنع الإدارة الأمريكية باستبعاد خيار الانسحاب من الاتفاق أو اتخاذ خطوات إجرائية تؤثر على مواصلة العمل به في الفترة القادمة، خاصة أن العقوبات الجديدة لن تؤدي، في حالة فرضها، إلى تغيير موقف إيران.

 وقد تعاملت إيران في الفترة الماضية مع العقوبات الأمريكية المستمرة التي فرضت عليها بتبني سياسة أكثر تشددًا، على نحو بدا جليًا في إصرارها على مواصلة تقديم دعم عسكري للتنظيمات الإرهابية والمسلحة في بعض دول المنطقة، وتطوير برنامجها الصاروخي، والتدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة.

 ومن هنا، يمكن القول إن السياسة الجديدة التي تتبعها دول الترويكا الثلاث تجاه إيران لن تحقق، على الأرجح، أهدافها في النهاية، حيث يتوقع أن يواجه الاتفاق النووي اختبارًا صعبًا خلال الفترة القادمة، في ظل تراجع تأثير العقوبات الجديدة على مواقف كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، واتساع نطاق الخلافات بين الأطراف المعنية بالاتفاق بشكل غير مسبوق.