قضايا كاشفة:

كيف عكست "خطب الجمعة" تفاعلات الشرق الأوسط في عام 2017؟

01 January 2018


طرحت خطب الجمعة التي ألقيت في منابر مساجد المحافظات والمدن والمناطق في عدد من دول الشرق الأوسط، وفقًا لما نشرته بعض المواقع الإلكترونية، أبعادًا سياسية تتعلق بالتحولات الداخلية والتفاعلات البينية الإقليمية، التي جرت على مدار عام 2017، وتمثلت في الدفاع عن مؤسسات الدولة الوطنية، وهيمنة الميلشيات المسلحة على السلطة في اليمن، ومخاطر صعود تأثير الميلشيات الشيعية في العراق، ومواجهة إشعال الخلافات السياسية والصراعات المسلحة في الدول الهشة، وتأجيج الاحتجاجات الشعبية في مناطق الأطراف العربية، وحماية دور العبادة الدينية من التهديدات الإرهابية، ومحاربة انتشار الفساد في البنى الاجتماعية والسياسية، والتحذير من المساس بهوية القدس، والتصدي للتشكيك في تبعية أحد الأقاليم الجغرافية. 

بوجه عام، تعددت المحاور الحاكمة لتفاعلات إقليم الشرق الأوسط، في العام المنصرم، على نحو ما عكسته خطب الجمعة في مصر والمغرب واليمن والسعودية ولبنان والعراق وإيران، وهو ما أبرزه تحليل محتوى ما توافر منها، سواء كانت شفهية أو كتابية، سنية أو شيعية، على النحو التالي:

سياسات البقاء:

1- الدفاع عن مؤسسات الدولة الوطنية: على نحو ما تطرقت إليه خطب أئمة المساجد في المحافظات المصرية، والتي كانت موحدة على جميع الخطباء، سواء في المساجد الحضرية أو الريفية. ولا شك أن الخطاب العام لوزارة الأوقاف فيما يخص هذه القضية يتلاقى مع توجه مؤسسة الرئاسة المصرية الذي يقوم على أن الهدف الحاكم للرئيس عبد الفتاح السيسي في ولايته الأولى (2014-2018) يتمثل في الحفاظ على بقاء الدولة المصرية من وقوعها في أيدي التيارات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، على نحو ما كانت مصر على وشك مواجهته خلال فترة حكم الإخوان المسلمين.

حرب المنابر:

2- هيمنة الميلشيات المسلحة على السلطة: وهو ما برز جليًا بشأن جماعة الحوثيين وسيطرتها على العاصمة صنعاء، ومحافظات أخرى في شمال اليمن، منذ سبتمبر 2014، حيث دأبت تلك الميلشيا على الإطاحة بخطباء المساجد المعتمدين من وزارة الأوقاف، وتعيين أئمة آخرين يعرف عنهم التعصب المذهبي والولاء لها. ولعل ذلك يفسر الاشتباكات بين الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح للسيطرة على أكبر المساجد في صنعاء (مسجد الصالح) عشية الاحتفال بالمولد النبوي في 30 نوفمبر الماضي، والتي كانت بداية نهاية "شراكة الانقلاب". 

ففي خطبة الجمعة، بتاريخ 19 مايو الماضي، انتقد خطيب مسجد الصالح علي المطري ما تفعله ميلشيا الحوثيين في صنعاء من سلب المال العام وظلم الناس وعدم صرف مستحقاتهم ورواتبهم والتعدي على المؤسسات العامة وعدم احترام الشراكة السياسية مع القوات التابعة لصالح، بينما شن الخطيب المحسوب على الحوثيين عبدالله النعمي في مسجد حورة في محافظة حجة هجومًا لاذعًا ضده متهمًا إياه بأنه "لا يقاتل ولا يعمل أى شئ إلا الاختباء بينما من يقتل في كل الجبهات هم أفراد ميلشيا الحوثيين". كما صعّد النعمي من هجومه حينما قال أن "المخلوع صالح والمقربين منه مجموعة أدعياء ومنافقين وجبناء".

وقد صدر تعميم رسمي مكتوب من قبل موظفي الحوثيين في مكاتب "الأوقاف والإرشاد"، بتاريخ 22 ديسمبر 2017، يدعو الأئمة المصلين للحشد في جبهات القتال والتبرع بالمال والطعام، على نحو أدى إلى تحويل المساجد إلى مقار للميلشيا. لذا دعا علماء دين يمنيون، في بيان بتاريخ 24 ديسمبر 2017، القبائل والسياسيين ورجال الأعمال والنقابات والمنظمات والمواطنين إلى "الوقوف صفًا واحدًا أمام المد الإيراني والخطر الحوثي العابث بمقدرات الوطن والقاتل كوادره".

عسكرة الطائفية:

3- مخاطر صعود تأثير الميلشيات الشيعية: وخاصة ما يتعلق بدمج فصائل الحشد الشعبي في القوات الأمنية العراقية، على نحو ما تشير إليه الرسالة التي ألقاها مهدي الكربلائي أحد مساعدي المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني نيابة عنه خلال خطبة الجمعة، في 15 ديسمبر 2017، حيث دعا إلى "دمج المقاتلين الشباب الذين شاركوا في الحرب ضد داعش في المنظومة الأمنية الرسمية وحصر السلاح بيد الدولة".

وقال الكربلائي: "إن النصر على داعش لا يمثل نهاية المعركة مع الإرهابيين.. فالخلايا النائمة في بعض الجيوب العراقية لم يتم القضاء عليها بعد". وأضاف: "المنظومة الأمنية لا تزال بحاجة ماسة إلى الكثير من الرجال الأبطال الذين ساندوا قوات الجيش والشرطة الاتحادية خلال السنوات الماضية.. ومن الضروري الاستعانة والانتفاع بهذه الطاقات المهمة ضد الأطر الدستورية والقانونية التي تحصر السلاح بيد الدولة".

غير أن إيران سعت للالتفاف على دعوة السيستاني خوفًا من تجريد تلك الميلشيا من السلاح الذي تمتلكه، إذ اعتبرت وكالة تسنيم للأنباء الإيرانية، في بيان صادر بتاريخ 18 ديسمبر 2017، أن "الحشد الشعبي المقدس عبارة عن مؤسسة قانونية رسمية في العراق بحيث تواصل نشاطاتها في إطار حكومي قانوني لا شائبة فيها"، مشيرة إلى أن "تلك الدعوات التي تطلقها المرجعية الدينية العليا والقوى السياسية في العراق لأجل تحويل السلاح إلى الدولة والانضواء ضمن القوى الأمنية والعسكرية، يراد منها تلك المجاميع المسلحة التي لا تنتسب إلى قوى الحشد الشعبي وتعمل بشكل مستقل على هيئة مجاميع عسكرية وميلشيات مسلحة، لذا فهى غير قانونية ولا تمت بأدنى صلة إلى مؤسسة الحشد الشعبي المقدس".

إطفاء الحرائق:

4- مواجهة إشعال الخلافات السياسية والصراعات المسلحة: التي تدور رحاها داخل وبين بعض الدول في الإقليم، إذ ندد خطيب الحرم المكي صالح آل طالب في خطبة الجمعة، بتاريخ 25 أغسطس الماضي، قبل بدء مناسك الحج، بممارسة بعض الدول العربية (قطر) والقوى الإقليمية (إيران) والنظم الحاكمة (بشار الأسد في سوريا)، ولم يشر إليها صراحة، حيث قال في خطبته الموجهة إلى المسلمين الذين أدوا فريضة الحج: "كل من أحدث بين المسلمين سببًا للتنازع والشقاق فقد كفر بنعمة التأليف واقتبس حطبًا من نار الجاهلية وعق قومه وغش أمته". فموسم الحج ليس ميدانًا لنقل الخلافات وتصفية المواقف، واستغلال مواسم العبادة وتجمعات المسلمين لأغراض مسيسة وتشويش وبلبلة يقود إلى الانشقاقات والفتن.

نقاط الاشتعال:

5- تأجيج الاحتجاجات الشعبية في مناطق الأطراف العربية: وهو ما انطبق على الريف المغربي، إذ دعت شخصيات مغربية ممثلين للحقوقيين والمحامين والإعلاميين والأكاديميين والمثقفين، في مايو 2017، عبر بيان إلى "بناء عناصر ثقة بين المحتجين والحكومة من خلال قيام شخصيات وطنية مشهود لها بالمصداقية بدورها في مهمة الوساطة بين الطرفين على أن يبادروا معًا بخطوات عملية تسهم في الإعلان عن انطلاق حوار على قاعدة المطالب الاجتماعية التي أعلن عنها المتظاهرون منذ اليوم الأول للاحتجاجات".

وقد جاءت هذه المبادرة في أعقاب اعتقال الأجهزة الأمنية المغربية ناصر الزفزافي أحد الشخصيات الرئيسية في ما يسمى بـ"الحراك الشعبي" الذي شهده الريف المغربي في أكتوبر 2016 وفتح تحقيق معه على خلفية اقتحامه ومجموعة من أنصاره لمسجد ديور المالك في منطقة الحسيمة ومنعه للخطيب من إلقاء خطبة الجمعة.

تأمين دور العبادة:

6- حماية دور العبادة الدينية من التهديدات الإرهابية: حددت وزارة الأوقاف في مصر خطبًا للجمعة – سواء بالالتزام بنصها أو بجوهرها على أقل تقدير- تتعلق بحماية دور العبادة بعد أن صارت هدفًا للتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، على نحو ما تشير إليه العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد، حيث تم استهداف مسجد بئر العبد في شمال سيناء وكنيسة مارمينا في حلوان بالقاهرة خلال شهرى نوفمبر وديسمبر 2017.

ترسيخ النزاهة:

7- محاربة انتشار الفساد في البنى الاجتماعية والسياسية: لا سيما في بعض الدول التي تحتل مراتب متدنية في تقارير مدركات الفساد العالمي والشفافية الدولية، وخاصة العراق. وفي هذا السياق، قال الشيخ عامر البياتي، معاون دار الإفتاء العراقية، أن خطبة الجمعة في المحافظات العراقية، في 15 ديسمبر 2017، ركزت على مواجهة الفساد ومنع توغله باسم الدين أو المذهب أو العرق.

هوية القدس:

8- التحذير من المساس بالقدس: تحضر القضية الفلسطينية بقوة في خطب صلاة الجمعة، إذ خصصت وزارة الأوقاف المصرية خطبة الجمعة بجميع مساجد الجمهورية، في 8 ديسمبر 2017، لقضية "القدس وخطورة المساس بها"، وذلك في أول جمعة عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما أطلقت المديرية العامة للأوقاف الإسلامية اللبنانية، بتوجيه من مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، تعميمًا على جميع خطباء المساجد لتخصيص خطبة الجمعة، في 8 ديسمبر 2017، لقضية القدس والتنديد بإعلانها عاصمة لإسرائيل.

فضلاً عن ذلك، أكد مستشار الرئيس الفلسطيني للشئون الدينية محمود الهباش في خطبة الجمعة التي ألقيت في أحد مساجد رام الله، بتاريخ 8 ديسمبر الماضي، على أن "قرار ترامب لا يساوي عندنا حتى ثمن الحبر الذي كتب به"، مضيفًا: "لن يستطيع أى رئيس أمريكي أو غير أمريكي أن يتحكم في هوية القدس".

مصرية حلايب: 

9- التصدي للتشكيك في تبعية أحد الأقاليم الجغرافية: على غرار ما ينطبق على تأكيد مصر تبعية حلايب وشلاتين لها في ظل المواقف التي اتخذتها السودان، حيث جدد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، في أكتوبر 2017، الدعوة إلى حل هذه القضية إما بالحوار أو التحكيم الدولي، الأمر الذي ردت عليه القاهرة بالتأكيد على مصرية حلايب وشلاتين. وفي هذا السياق، ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، في 29 ديسمبر 2017، خطبة الجمعة في حلايب بما يخدم الرسالة المصرية إلى الخرطوم، بالتوازي مع الاستعداد لتخصيص بث إذاعي وتلفزيوني موجه إلى هذه المنطقة.

مرآة عاكسة:

خلاصة القول، تعد خطب الجمعة مرآة عاكسة لما جرى في دول الإقليم خلال عام 2017، حيث حملت مضامين سياسية بارزة تتعاطى مع القضايا المثارة وتسهم في الترويج لمواقف داعمة أو مناهضة لقضايا أو فاعلين، سواء من الدول أو ما دون الدولة، بما يؤثر على القطاع الأوسع من الرأى العام. فخطبة الجمعة تكمن أهميتها في تشكيل العقل الجمعي للمسلمين، وتحتاج للمزيد من الدراسات المعمقة بالتطبيق على حالات معينة للوصول إلى نتائج أكثر دقة.