دوافع مُلِحَّة:

لماذا تزايدت "منتديات السلام" في الإقليم؟

26 December 2017


انتشرت منتديات السلام أو إحياء السلام أو تعزيز السلم في دول الشرق الأوسط، خلال السنوات القليلة الماضية، إذ تحظى بدعم رسمي وتأييد غير رسمي، عبر تكوين منصات حوارية والوصول لتفاهمات سياسية ترمي إلى تعزيز البنية التحتية لترسيخ السلام في المجتمعات المستقرة أو المنقسمة، بما يؤدي إلى التصدي لموجة الصراعات المسلحة، ومواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود، ومكافحة التطرف العنيف، وخاصة عبر أدوار الأجيال الجديدة، وجذب السياحة الخارجية، وحوار الثقافات والحضارات المختلفة، وتعزيز أطر التعاون بين الدول العربية والإفريقية، ودعم المجتمعات المسلمة في الغرب، ومجاراة التطورات الدولية الهادفة لترسيخ اللاعنف، وتأسيس منصات إقليمية لإدارة الموارد المائية. 

فقد تعددت الأهداف من وراء تدشين منتديات السلام في عدد من دول المنطقة، وذلك على النحو التالي:

حرائق النزاعات:

1- التصدي لموجة الصراعات المسلحة: التي تزايدت حدتها خلال السنوات الماضية وتفرض تأثيراتها ليس على أمن الدول واستقرار المجتمعات فحسب بل على دول الجوار في الإقليم أيضًا. وفي هذا السياق، استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعمال منتدى إعادة إحياء السلام بجنوب السودان، خلال الفترة (18-22 ديسمبر الجاري)، والذي شاركت فيه أطراف الصراع في جنوب السودان ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيجاد)، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه.

وهدف هذا المنتدى إلى تفعيل اتفاق السلام ليكون ملزمًا لكل الأطراف المتحاربة في جنوب السودان ووقف إطلاق النار وإشراك كل الأطراف الجنوبية في معادلة تقاسم السلطة والثروة (يضم التحالف الوطني المعارض 12 حزبًا سياسيًا غير مشاركين في الحكومة وأبرزها الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي، والحزب الشيوعي، وحزب الجبهة الديمقراطية المتحدة والمؤتمر الشعبي) ووضع حد للتدهور الإنساني، حيث تعاني جنوب السودان حربًا أهلية بين القوات الحكومية وقوات المعارضة المسلحة منذ عام 2013.

تهديدات الإرهاب:

2- مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود: يرتبط أحد التفسيرات الأساسية لتأسيس منتدى دكار حول "السلم والأمن في إفريقيا" منذ سنوات قليلة، بمكافحة التهديدات الأمنية العابرة للحدود وإطلاق مبادرات جماعية قائمة على التعاون الإقليمي بهدف محاربة الإرهاب والتصدي لتهديدات الأمن البحري والأزمات الصحية غير التقليدية والتنمية الاقتصادية. ويعتبر المنتدى منصة لتطوير حلول للتهديدات والأزمات الإفريقية عبر مقاربة جنوب-جنوب ووفق مبدأ "رابح-رابح" في ظل سياقات دولية وإقليمية مضطربة.

تحصين المجتمعات:

3- مكافحة التطرف العنيف: تهدف تلك المنتديات إلى تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي عبر النفاذ إلى البنية التحتية التي تسمح بالحوار وتبادل الآراء. وفي هذا الإطار، تستضيف العاصمة الإماراتية أبوظبى المنتدى العالمي "تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" منذ عام 2014، والذي يركز على القيم الإنسانية الرامية إلى العيش المشترك، بما يؤدي إلى إيجاد سبل لفض الصراعات المسلحة وإحلال الوئام بين الشعوب والدول، فضلاً عن آليات التعاطي مع المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان.

كما يهتم المنتدى بتصحيح المفاهيم المغلوطة، ويتطرق أيضًا إلى دراسة الفتوى في زمن الفتن وغموض الرؤى حيث يلتبس الحق بالباطل، عبر التركيز على عدة محاور منها صفات المفتي ومؤهلاته، وشروط وضوابط الفتوى، والفروق الجوهرية بين فتوى الأفراد وفتوى الأمة، ومناهج إعداد العلماء لتمكينهم من الاضطلاع بمهمة الفتوى. علاوة على ذلك، يتطرق المنتدى إلى إسهام الإسلام في السلم العالمي.

وفي سياق هذا المنتدى، تم تأسيس مجلس حكماء المسلمين، الذي أكد على ضرورة الامتثال إلى نصوص الشرع الداعية إلى إقرار السلم، وشن الحرب على الحرب، وتثبيت منظومة السلم فقهًا وقيمًا ومفاهيم وقواعد وثقافة، وطرح مبادرة جدية من نخب وحكام الدول الإسلامية للم شتات الأمة وترسيخ قيم التعايش المشترك، والتجرد من أية عوامل ذاتية تجعل أعضاء المجلس طرفًا في أى صراع سياسي أو ديني أو عرقي، وتقوية مناعة الأمة وخاصة شبابها ضد خطاب العنف والكراهية، وتصحيح المفاهيم الشرعية وتنقيتها مما علق بها من شوائب انحرفت بها عن مقاصدها النبيلة.

دعم السلام:

4- دفع الأجيال الجديدة لقيادة معركة ضد التطرف: استضافت الأردن أول منتدى عالمي للشباب والسلام خلال الفترة (21-22 أغسطس 2015) عبر مشاركة وفود شبابية من 30 دولة عربية وغربية، بالشراكة مع عدة مؤسسات تابعة للأمم المتحدة مثل مكتب مبعوث الأمين العام للشباب ومكتب الأمم المتحدة لدعم بناء السلام وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة والشبكة المتحدة لبناء السلام، فضلاً عن مؤسسات ووكالات مانحة.

وقد جاء الإعلان عن المنتدى خلال ترؤس ولى عهد الأردن الحسين بن عبدالله الثاني جلسة لمجلس الأمن في إبريل 2015 بعنوان "صون السلام والأمن الدوليين: دور الشباب في مكافحة التطرف العنيف وتعزيز السلام"، حيث دعا إلى إشراك الشباب بشكل فاعل في أحد محاور عمل الأمم المتحدة وهو السلام والأمن إلى جانب التنمية وحقوق الإنسان. وتمخض عن المنتدى "إعلان عمّان حول الشباب" والذي يهدف إلى دعم دور الشباب في قيادة التغيير وخاصة المعركة ضد التطرف وتعزيز قيم السلام والإخاء على المستوى العالمي حتى لا تنجح الجماعات الإرهابية في استهدافهم والنفاذ إليهم.

تدفق أجنبي:

5- جذب السياحة الخارجية: لا سيما في ظل أهميتها لإنعاش الخزانة العامة للدولة، وهو ما يعكسه استضافة مصر لمنتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة (4-10 نوفمبر 2017)، بمشاركة 3 آلاف شاب من نحو 100 دولة، بينهم رؤساء دول وحكومات ومبعوثون شخصيون لرؤساء، ووزراء ومفكرون وإعلاميون، وتضمنت فعاليات المنتدى 46 جلسة تحدث فيها 222 متحدث يمثلون 64 دولة.

وقد تضمن جدول أعمال المنتدى مناقشة قضايا الإرهاب ودور الشباب في مواجهة الهجرة غير الشرعية واللاجئين، ومساهمة الشباب في بناء وحفظ السلام في مناطق الصراع، وكيفية توظيف طاقات الشباب من أجل التنمية، كما كان الترويج للسياحة في شرم الشيخ هدفًا مركزيًا لهذا المنتدى، وإن حدث ذلك بشكل غير مباشر.

ملتقى عالمي:

6- حوار الثقافات والحضارات المختلفة: تتمثل فكرة استضافة مصر منتدى شباب العالم في إقامة منصة حوارية بين شباب العالم، وطرح قضايا تهم الرأى العام الدولي للتدليل على أن الاختلاف فرصة غنية ممكنة لتبادل الثقافات وليس للصراع أو الاقتتال من جانب، وعدم منح جماعات الإرهاب فرصة لأن تكون نموذجًا قابلاً للتكرار من جانب آخر، وهو ما يصب في التحليل الأخير في جعل مصر ملتقى حوار ثقافات متنوعة.

تنسيق إقليمي:

7- تعزيز أطر التعاون بين الدول العربية والإفريقية: وهو ما عكسه تنظيم وزارة الخارجية المصرية، بالتعاون مع مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، اجتماعًا حول "السلام والأمن والرخاء في منطقة البحر الأحمر: نحو إطار إقليمي عربي وإفريقي للتعاون" خلال الفترة (11-12 ديسمبر 2017)، بمشاركة ممثلي الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وهى السعودية والأردن وجيبوتي وإريتريا واليمن والسودان. ويهدف هذا المنتدى إلى تنمية التعاون العربي- الإفريقي على الأصعدة المختلفة.

مسلمو المهجر:

8- دعم المجتمعات المسلمة في الغرب: يتعرض المسلمون في الدول الغربية لمشكلات تتعلق بحقهم في الاحتفاظ بخصوصيتهم الدينية والثقافية واللغوية، بما يجعلهم عرضة للتمييز والتهميش. ولعل وجود منتديات السلم، كالذي تستضيفه أبوظبى، يؤدي إلى ابتعاد الجاليات المسلمة عن مزالق التطرف والصدام مع مختلف مكونات المجتمع أو الوطن الجديد، وتعزيز انخراطها في تنمية أوطانها بما يضمن التعايش للجميع، مع عدم جواز توظيف الدين في تبرير أى نيل من حقوق الأقليات الدينية في الدول العربية والإسلامية.

وفي هذا السياق، نظم منتدى تعزيز السلم بالإمارات، بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية، مؤتمر "حماية الأقليات الدينية في العالم الإسلامي" في مراكش في عام 2016، لبيان الصورة الحقيقية للإسلام ومواجهة تشويه سمعته وتجسيد سماحته ورحمته وإنسانيته. وقد ركز إعلان مراكش على دعوة "مختلف الطوائف الدينية التي جمعها نسيج وطني واحد إلى معالجة صدمات الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة، وإلى إعادة بناء الماضي بإحياء تراث العيش المشترك ومد جسور الثقة بعيدًا عن الإقصاء والعنف".

تكريس الاعتدال:

9- مجاراة التطورات الدولية الهادفة لترسيخ اللاعنف: وفي هذا السياق، نظم "منتدى تطوير التعليم لنشر ثقافة السلام"، في سيول في سبتمبر 2017، الاحتفال السنوي الثالث لقمة التحالف العالمي للسلام، بمشاركة 70 خبيرًا عالميًا في التعليم بمن فيهم وزراء التعليم ورؤساء الجامعات ومدراء المدارس والمعلمين من 21 دولة، بهدف إنشاء شبكة للمربين العالميين للمشاركة في تطوير محتويات التعليم ونشر ثقافة السلام، لا سيما مع تنامي العنف طويل الأمد في مناطق مختلفة تعكس ثقافات وجنسيات متنوعة في العالم، على نحو يطرح مخاوف من خطورة النيران التي أججها الفكر المتطرف.

السلام الأزرق:

10- تأسيس منصات إقليمية لإدارة الموارد المائية: على نحو ما برز جليًا في مبادرة "السلام الأزرق في الشرق الأوسط"، حيث استضافت اسطنبول، في سبتمبر 2014، منتدى للتعاون المائي بين خمس دول في الإقليم، وهى الأردن والعراق ولبنان وسوريا وتركيا، لا سيما بعد تعاظم المخاطر الناتجة عن تمدد تنظيم "داعش" واستخدامه للمياه كأداة في الصراع، بخلاف التزايد المضطرد في أعداد اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن، فضلاً عن تأثيرات التغير المناخي.

وقد خلصت مناقشات المنتدى إلى ضرورة الانتقال من الخلاف على الحصص المائية إلى الاتفاق على تقاسم المنافع. ونجحت المبادرة في التوصل إلى مذكرة تفاهم بين العراق وتركيا للتعاون بشأن إدارة نهر دجلة. ورغم أنها لا تصنف كخطوة كبيرة، إلا أنها تمثل طريقًا أوليًا إلى الإدارة المتكاملة للمياه من المصادر المشتركة. ونتج عن لقاء إسطنبول الإعلان عن إنشاء منتدى السلام الأزرق برئاسة الأمير الحسن بن طلال وعضوية ما يزيد عن 90 شخصية من السياسيين والبرلمانيين والأكاديميين والإعلاميين وخبراء المياه من الدول الخمسة.

وفي هذا السياق، أقر المنتدى سبعة مبادئ للتعاون عبر إنشاء مجلس التعاون من أجل الإدارة المستدامة للموارد المائية في الشرق الأوسط: أولها، قبول الموارد المائية باعتبارها مسئولية عامة ومشتركة. وثانيها، دعم تدابير بناء الثقة بين الدول عن طريق تبادل البيانات والتكنولوجيا. وثالثها، تشجيع تقاسم المنفعة من خلال التعاون لتحقيق الأمن المائي والغذائي والطاقة بدلاً من التركيز على التخصيص الكمي للموارد المائية. ورابعها، التعاون بين الدول والمجتمعات المشاطئة لإدارة مخاطر المناخ.

وخامسها، الإدارة الكفؤة لكل دولة للموارد المائية واحترام الاتفاقيات التعاونية حول استخراج المياه الجوفية. وسادسها، رفض استخدام المياه كأداة للحرب، وأن تكون محمية من الأنشطة الإرهابية والأعمال العنيفة التي قد تقود إلى تدمير السدود والبنى التحتية وتسمم المياه وازدياد الفيضانات وانقطاع امدادات المياه نتيجة سيطرة الفاعلين العنيفين من غير الدول على الأصول الاستراتيجية المائية أو المناطق المحيطة بها. وسابعها، الإدارة المستدامة للمياه وبصورة خاصة في المجتمعات المهمشة المتأثرة بنقص المياه.

جبهة سلمية:

خلاصة القول، إن ازدياد منتديات السلام في عدد من دول الإقليم يعبر عن إدراك متزايد لدى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني بضرورة تعزيز قيم التسامح ومحاربة نزعات الكراهية وأهمية إشراك الشباب ليكونوا رأس الحربة في مكافحة التطرف. وربما يمكن تدعيم التعاون مع منظمة اليونيسكو التي تعمل على تدشين حركة عالمية عبر العديد من المبادرات لتعزيز ثقافة السلام.

غير أن بناء السلم المجتمعي الداخلي هو اللبنة الأساسية لنبذ التطرف، ثم يأتي إطفاء الحرائق المشتعلة في بؤر جغرافية مختلفة وخاصة منطقة الشرق الأوسط، ثم التحذير من استفحال ظاهرة التخويف من الإسلام وتسارع وتيرة الاتهامات الموجه له وللمسلمين وبناء الثقة بين الأديان، وتأسيس جبهة سلمية عالمية ضد الكراهية والإسلاموفوبيا، وصياغة تحالف إنساني ضد تيار العنف والغلو.