ثبات نسبي:

مسارات السياسة الألمانية في ضوء التوقعات بفوز ميركل

24 September 2017


تُجرَى اليوم (24 سبتمبر 2017) الانتخابات التشريعية الألمانية التي يُتوقع أن تفوز فيها المستشارة الحالية "أنجيلا ميركل" بولاية رابعة على التوالي. وبذلك تصبح زعيمة حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني - CDU"، التي تم انتخابها كمستشارة لأول مرة في عام 2005، في حال فوزها وإكمالها ولايتها الرابعة، رئيسة أطول حكومة منذ الحرب العالمية الثانية، متفوقة على المستشار السابق "هيلموت كول"، الذي خدم في منصبه لمدة 16 سنة، ما بين 1982 و1998.

نظرة عامة

ينتخب الألمانيون حكومتهم من خلال تصويتين، أو قائمتين انتخابيتين، أولهما التصويت المباشر للمرشح عن مقاطعة معينة، وهذا التصويت ينتخب نصف أعضاء البرلمان الجديد. أما الثاني فهو تصويت خاص بكل حزب، وفيه يدلي الناخبون بأصواتهم للحزب السياسي الذي يريدون أن يحكمهم للسنوات الأربع التالية، وهذا التصويت هو الأهم لأنه يحدد ترتيبات الحكم. 

ولتوضيح العملية الانتخابية تخوض أنجيلا ميركل في الانتخابات الحالية كمرشح في مقاطعتها فوربوميرن-روجن، في شمال شرق ألمانيا، التي نشأت فيها، وأيضًا بصفتها زعيمة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في سياق التصويت الثاني.

وبذلك، لا تعد الانتخابات الألمانية تصويتًا مباشرًا لصالح المستشار أو المستشارة، بل إنها تصويت للحزب السياسي. وفي الانتخابات لهذا العام (2017)، يتنافس 42 حزبًا سياسيًّا على أصوات الناخبين. ومن بين هذه الأحزاب، هناك سبعة أحزاب فقط ستكون ممثلةً في البرلمان بسبب فقرة في قانون الانتخابات تشترط حصول الحزب السياسي على ما لا يقل عن نسبة 5% من مجموع الأصوات للتمثيل داخل البرلمان. 

وبناء على هذا، فإن معظم الأحزاب الاثنين والأربعين، التي تضم مثلًا "حزب العمل وسيادة القانون والرفق بالحيوان وتشجيع النخبة والديمقراطية الشعبية"، وهو حزب ساخر، لن تفوز في نهاية المطاف، ولن تتمكن من الحصول على نسبة الأصوات المطلوبة لأن يكون لها ممثلون داخل البرلمان الجديد.

وقبل إعلان نتائج التصويت النهائية، يتوقع ألا يتمكن حزب واحد من الحصول على الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة منفردًا، ليحكم ألمانيا تحالف حزبي كما هو الحال في الانتخابات السابقة باستثناء عامي 1960 و1961، حيث حصل المستشار "كونراد أديناور" وحزبه "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" على عدد كافٍ من المقاعد البرلمانية لكي يحكم بمفرده. أما ترتيبات الحكم الأخرى فكانت تحالفات بين حزبين أو أكثر. 

سيناريوهات متوقعة

في الوقت الحالي، يحكم ألمانيا ما يُسمى "التحالف الكبير" بين الحزبين السياسيين الأكبر في ألمانيا، وهما: حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) الذي يمثل طيف وسط اليمين(1)، والحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني (SPD) الذي يمثل وسط اليسار. وإضافة إلى هذين الحزبين، من المتوقع أن تتمكن الأحزاب التالية من دخول البرلمان والبقاء فيه للسنوات الأربع المقبلة، وهي: 

البديل من أجل ألمانيا (AFD)، وهو حزب يميني محافظ، ويخوض هذه الانتخابات بأجندة معادية للمهاجرين.

الحزب الديمقراطي الحر (FDP)، وهو حزب ليبرالي يستند إلى درجات من المسئولية الفردية.

حزب الخضر (Bündnis 90/Die Grünen)، وهو حركة تركز اهتمامها على قضايا حماية البيئة.

حزب اليسار (LINKE) وهو وريث "الحزب الشيوعي" السابق في ألمانيا الشرقية قبل عام 1989.

أما التركيبة النهائية للحكومة الألمانية المقبلة فستحددها الأحزاب التي يمكنها على نحو واقعي أن تشكل حكومة أغلبية. واستنادًا إلى معطيات نتائج استطلاعات الرأي الحالية(2)، فإن من المتوقع أن يفوز حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بنسبة 35 % تقريبًا من أصوات الناخبين، يليه في المرتبة الثانية الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني (SPD) بنسبة 23%، في حين ستتنافس على المرتبة الثالثة الأحزاب الأربعة الأخرى المشار إليها آنفًا، حيث يتوقع أن يحصل كل منها على نسبة تتراوح ما بين 8 و11% من مجموع الأصوات.

واستنادًا إلى صعوبة أن يتحالف أي من الأحزاب مع حزب البديل من أجل ألمانيا، بسبب معاداته للمهاجرين ومواقفه اليمينية المتطرفة، فإن هناك ثلاثة تشكيلات ائتلافية ممكنة، يتمثل أولها في استمرار التحالف الكبير بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الاشتراكي، وثانيها ائتلاف محافظ - ليبرالي بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر، وأخيرًا ائتلاف جديد يسمى الآن بـ"ائتلاف جامايكا"، بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر. وقد جاء اسم "جامايكا" من ألوان الأحزاب، وهي الأسود والأصفر والأخضر، وهي ألوان علم جامايكا. ولن يكون الحزب الديمقراطي الاشتراكي قادرًا على تشكيل ائتلاف يساري بديل في حال كانت نتائج استطلاعات الرأي جديرة بالثقة. 

الحملات الانتخابية 

معظم المراقبين وصفوا الحملة الانتخابية الحالية بأنها "مملة" و"غير مشجعة". فقد تركزت حملة مارتن شولتز، المرشح الديمقراطي الاشتراكي، والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، على العدالة الاجتماعية. ورغم أن شولتز استطاع الفوز ببعض النقاط المئوية عندما أعلن للمرة الأولى ترشحه في بداية العام، إلا أن أنجيلا ميركل وحزبها سرعان ما تمكنا من استعادة الأغلبية في الأشهر التالية. 

وفي المناظرة التي دارت بينهما نهاية شهر أغسطس، حاول شولتز أن يهاجم ميركل بسبب جملة من المواقف التي تتراوح بين تزايد التفاوت الاقتصادي، ومسألة الهجرة، ومستقبل العلاقات مع تركيا (وهي مشكلة مستمرة بسبب الخلاف المتزايد بين الحكومة الألمانية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان)، لكنه عجز عن تسجيل أية نقاط حاسمة ضد المستشارة ميركل. 

وفي المقابل، خاضت المستشارة أنجيلا ميركل حملتها الانتخابية بناء على مواصلة السياسات القديمة، وأوحت بأنه على الرغم من أن ألمانيا تواجه تحديات كثيرة يجب أن تتم معالجتها، وعلى وجه الخصوص في مجالات مثل إصلاح قطاع التعليم وعملية التحول الرقمي، إلا أن إجمالي وضع سكان البلاد كان مرضيًا ومقبولًا.

وتُشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الألمان يعتبرون أن وضعهم الحالي غير كافٍ لتبرير تغيير في الحكومة. ولذلك وصف معظم المراقبين المناظرة التلفزيونية بأنها كانت ببساطة دعاية وإعلان لاستمرار التحالف الكبير الحالي.

لكن العامل الوحيد المجهول في تلك الانتخابات هو العدد الكبير نسبيًّا للناخبين المترددين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، وحتى الآن لا يتضح ما إذا كان هذا العدد كافيًا لتغيير نتيجة الانتخابات.

نتائج غير مقصودة

إن الجدل الرئيسي داخل الحزب الديمقراطي الاشتراكي يدور حول ما إذا كان ينبغي على الحزب أن يغامر بشق طريقه إلى داخل المعارضة، أو يستمر كشريك أصغر لحزب ميركل ضمن الائتلاف الكبير. ويتساءل من الانتقادات الرئيسية لهذا الائتلاف على مدى ثماني سنوات أن ألمانيا يحكمها مستوى عال من سياسات الإجماع والتوافق بين الحزبين الرئيسيين، ولذلك فإن النظام لم يفسح مجالًا كافيًا للجدل التنافسي، حيث تشكل سياسات المعارضة عنصرًا أساسيًّا لأي نظام ديمقراطي مزدهر.

وفي كل جوانب التركيبة الانتخابية الحالية، لا يسمح لكل الأحزاب السياسية الأصغر في الوقت الحالي بفرصة لعرقلة تحويل قرارات حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الاشتراكي إلى قوانين. وعلى المدى المتوسط والمدى الطويل، يرى المعلقون السياسيون أن هذا توجه ضارٌّ بمستقبل الثقافة الديمقراطية السياسية السائدة في ألمانيا. فصعود حزب البديل كحزب يميني من تيار المحافظين الجدد ذي نبرة فاشية صار مثالًا على النتيجة المباشرة لهذا الوضع المتدهور.

ويُوحي ذلك في مجمله بأن ألمانيا مقبلة على فترة أخرى من سياسات الإجماع والتوافق بين الحزبين الرئيسيين، غير أن ذلك سيكون له تأثير ضئيل في معالجة التحديات المتصاعدة، ومنها مثلًا الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء، وتصاعد مستويات الفقر في فئة كبار السن. وتوضح الأرقام والمعطيات أن نظام الضمان الاجتماعي الألماني صار الآن غير كافٍ لتقليص التباينات المتزايدة ضمن المجتمع. 

وفي هذا الشأن، سلطت "دير شبيجل"، وهي المجلة الألمانية الأشهر، الضوء على هذه المشكلة بالإشارة إلى ما يسمى "المواطنون الغاضبون"، أي الأشخاص الذين يدفعهم الغضب ولديهم استعداد للتصويت لأحزاب غير رئيسية(3). وسيؤدي ذلك إلى فترة من الانقسام والخلاف المتزايدين على مدى السنوات الأربع المقبلة، لأن أنجيلا ميركل، فور فوزها بالانتخابات، ستواصل نفس أسلوب الحكم الذي مارسته طول السنوات الاثنتي عشرة الماضية. ولو كان مقدرًا أن يصبح المناخ الاجتماعي محكومًا بتنافسات وخلافات أكثر، فإنه ليس هناك ما يضمن أن ميركل ستكون قادرة على الاستمرار في فترة ولايتها الرابعة حتى نهايتها. 

ثبات السياسة الخارجية

مهما كانت نتيجة الانتخابات، فإنها من غير المرجح أن تؤدي إلى تغيير ذي أهمية في توجهات السياسة الخارجية الألمانية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بمنطقة الخليج العربي. فبرلين لا تزال تعتبر نفسها شريكًا استراتيجيًّا لأعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، وتريد أن تستفيد اقتصاديًّا من هذه العلاقة المستمرة. 

وعلى الرغم من ذلك، فإن الجدل حول استمرار العمل بالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، والذي تدعمه ألمانيا بقوة، قد كشف بعض القيود التي تحكم المقاربة الألمانية والأوروبية عندما يتعلق الأمر بمنطقة الخليج العربي. 

ولذا، ستواصل برلين سياسة تحقيق توازن بين مختلف التناقضات التي تشكل بمجملها في الوقت الحالي البيئة الأمنية الخليجية، لكنها ستجد صعوبة في المحافظة على ذلك التوازن. فالحكومة الألمانية الجديدة ستجد نفسها، لهذا السبب، عرضة لتحدٍّ يتطلب منها إيجاد اللهجة الصحيحة كيلا تضر بعلاقاتها الاستراتيجية مع منطقة الخليج العربي المهمة.

الهوامش:

1- The CDU itself governs in a coalition with the Christian Socialist Union (CSU), its sister variant in the state of Bavaria. While technically, the two parties could represent different positions, they have partnered since of founding of the Federal Republic in 1949. This coalition will also continue for the foreseeable future.  

2-  See, for example, http://www.forschungsgruppe.de/Aktuelles/Politbarometer/ (accessed September 18, 2017)

3-  See, for example, the Spiegel issue of September 9, 2017 (issue 37) with its cover story “Alles wird Wut” – Everything will be rage, a play of words on the German “Alles wird Gut” meaning everything will be fine.