آليات المواجهة:

تطبيقات جديدة للحد من انتشار ظاهرة "الأخبار الكاذبة"

05 May 2017


تصاعد الاهتمام على مستوى العالم بمواجهة تفاقم وانتشار ظاهرة "الأخبار الكاذبة" أو "الملفقة" في وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية، لا سيما بعد أن تسببت هذه الظاهرة في ظهور حالة من انعدام الثقة وعدم اليقين فيما يتم نشره من أخبار في وسائل الإعلام المختلفة، فضلا عن إثارة العديد من الأزمات وتشويه صورة دول وأفراد.

ومن دون شك، فإن ما أكسب هذه القضية مزيدًا من الأهمية هو أن العديد من وسائل الإعلام الكبرى وأكثرها حرفية قد واجهت مشكلة نشر أو إعادة نشر هذا النوع من الأخبار، في الوقت الذي لم تعد فيه هذه الظاهرة مقتصرة على المفهوم التقليدي لـ"الحرب النفسية" أو "حرب الشائعات" وقت اندلاع الأزمات بين الدول، أو احتدام الصراع بين الأطراف السياسية داخل الدولة الواحدة؛ بل امتدت لتكون حاضرة طوال الوقت بهدف زيادة نسبة المتابعة والمشاهدة، والحصول على حصة أكبر من سوق الإعلانات، لا سيما مع انتشار ما يُعرف بـ"أخبار الترافيك" على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الخبرية.

وفي هذا السياق، عملت مؤخرًا العديد من الدول والمؤسسات الدولية على إطلاق مبادرات وتطبيقات لمواجهة ظاهرة الأخبار الملفقة في وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية، سواء كانت لأغراض سياسية، أو لرفع مستوى المتابعة والمشاركة، فيما يبقى تأثير هذه الآليات الجديدة مرهونًا بمدى انتشارها بين متلقي الأخبار الكاذبة على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.

توظيف جديد:

فرض انتشار ظاهرة الأخبار الملفقة تحديًا جديدًا يواجه وسائل الإعلام على اختلافها وتنوعها بين التقليدي والحديث، حيث أثرت هذه الظاهرةُ سلبيًا على المهنيةَ المفترضةَ لوسائل الإعلام التقليدي، وزعزعت الثقةَ في وسائل الإعلام الحديث التي استطاعت خلال الفترة الماضية بناء ثقة بينها وبين مستخدميها، بل وتحولها في دول كثيرة إلى المصدر الأول للمعلومات، حسب بعض الإحصائيات واستطلاعات الرأي.

وقد سادت رؤية انتشرت في السابق بأن البيئة الصراعية هي المحفز الأساسي إن لم يكن الوحيد لتصاعد نمط "الإعلام المضلل" المتمثل في الأخبار والتصريحات الملفقة كأحد أدوات "الصراع النفسي" للتأثير على الرأي العام، غير أن المشهد الإعلامي الحالي -عالميًّا وإقليميًّا- يؤكد أن أنماط توظيف الأخبار الملفقة قد تعددت بشكل كبير لتشمل الأهداف الربحية، من خلال حرص المواقع الإلكترونية حتى الكبرى منها على استخدام عناوين أخبار مثيرة للجدل، وفي أغلب الأحيان مختلقة، وربما لا تمت للمحتوى بصلة، للحصول على "ترافيك" يساعدها في رفع نسبة متابعة الموقع، وعدد زواره وقراء أخباره.

كما تلجأ هذه المواقع أيضًا وغيرها من وسائل الإعلام الجديد إلى هذا النمط من التضليل الإعلامي بهدف الحصول على إعلانات تجارية تستطيع من خلال عائدها المالي الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها، في الوقت الذي تعاني فيه وسائل الإعلام من تراجع التمويل، في حين تلجأ بعض المواقع إلى ذلك لإلهاء الرأي العام عن قضايا كبرى تشغل اهتمامه، فضلا عن الأسباب السياسية التي لا تزال أحد محركات هذه الظاهرة حتى الآن، وقد وجدت كل هذه الأنماط ضالتها في وسائل الإعلام الحديث من شبكات تواصل اجتماعي ومدونات ومواقع إلكترونية، في ظل قدرتها على الانتشار السريع، وعدم الخضوع للرقابة في كثيرٍ من الأحيان، وغياب آليات يُعتد بها لتصحيح الأخبار الخاطئة، أو تكذيب الملفق منها.

فبحسب القواعد الإعلامية التقليدية فإن انتشار الشائعة عادةً ما يستمر حتى بعد تكذيبها، وعادةً ما لا يحظى التكذيب بالشعبية ذاتها التي تحظى بها الشائعة.

وتجدر الإشارة إلى أن أغلب الأخبار الملفقة التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي إنما تعتمد على قلة خبرة المتلقي، وربما تسرعه في نقل المعلومة دون النظر في محتواها أو تاريخه. 

إجراءات مستحدثة:

أبدت العديد من الجهات مؤخرًا اهتمامًا واضحًا باستحداث إجراءات من شأنها الحد من انتشار الأخبار الملفقة، يتمثل أهمها في:

1- إجراءات قانونية تطبقها الدول: نشطت آلية الأخبار الملفقة خلال الفترة الأخيرة في عدة دول غربية، لعل أبرزها ألمانيا التي وظفت فيها قوى اليمين المتطرف وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة أهدافها الرامية إلى منع استقبال اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال نشر أكاذيب أو التضخيم من جرائم ارتكبت من قبل لاجئين كحوادث فردية، ربما كان أبرزها انتشار خبر عن إحراق كنيسة في دورتموند ليلة رأس السنة الماضية 2016، وسط هتافات "الله أكبر"، الأمر الذي عرّض موقع "فيسبوك" لانتقادات رسمية في ألمانيا.

وفي مواجهة مثل هذه الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت ألمانيا إخضاع مديري الصفحات المتورطة في نشر أخبار كاذبة للملاحقة القضائية، وكذلك مقاضاة إدارة الموقع، حيث وافقت الحكومة، في إبريل 2017، على مشروع قانون يعاقب شركات مواقع التواصل الاجتماعي على ترويج أخبار كاذبة بغرامات تصل إلى 50 مليون يورو.

 كما أشار وزير العدل الألماني هيكو ماس، في ديسمبر  2016، إلى أهمية سن قانون ضد "خطاب الكراهية" والأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، وهو ما دفع الموقع، في يناير 2017، إلى طرح تطبيق جديد في ألمانيا بهدف التأكد من صحة الأخبار المنشورة عليه.

فضلا عن ذلك، عمل البرلمان البريطاني على تشكيل لجنة برلمانية، في يناير 2017، كُلفت بتحديد الإجراءات التي يجب أن تُتخذ ضد المواقع التي تنقل أخبارًا ملفقة تشمل حجبها تمامًا، أو منعها من بث الإعلانات، حيث اعتبرت اللجنة أن انتشار الأخبار الكاذبة تهديد للديمقراطية.

2- طرح تطبيقات حديثة من قبل إدارات المواقع: دفعت الانتقادات الحادة التي تعرضت لها إدارة موقع "فيسبوك" خلال الانتخابات الأمريكية الماضية، إلى إعداد تقرير حول الأمن الإلكتروني، متخذًا من الانتخابات الأمريكية الرئاسية نموذجًا. وخَلُصَ التقرير إلى وجود جهات وأفراد قاموا بتوزيع أخبار ورسائل لحسابات بعينها تم اختراق بياناتها من خلال البريد الإلكتروني، وفي هذا الإطار سعت إدارة الموقع إلى إضافة تقنيات جديدة للعثور على الحسابات المزيفة والانتهاكات على موقعها، وكذلك تحسين الأمن حول اختراق البيانات، وذلك بإضافة ميزات أمان وخصوصية أفضل لمنع المخترقين من الحصول على المعلومات الشخصية للمستخدمين، كما استحدثت إدارة الموقع منصب "رئيس المحتويات الإخبارية"، مطلع شهر مايو 2017، بهدف مكافحة الأخبار المزيفة. فيما أعلنت إدارة الموقع عن أنها استطاعت تعطيل أكثر من 30 ألف حساب ‏وهمي في فرنسا، منذ 13 إبريل وحتى نهاية الشهر.

من جانبها، أشارت شركة "ويكيبيديا"، في نهاية إبريل 2017، إلى أنها أطلقت موقعًا إخباريًّا جديدًا باسم "ويكيتريبون"، لكشف الأخبار الكاذبة، وسيدار الموقع من جانب صحفيين ومتطوعين للتحقق من الأخبار.

3- مبادرات الإعلام التقليدي: تورطت العديد من وسائل الإعلام التقليدي في إذاعة أخبار كاذبة، وواجهت مشكلة نشر صور وقصص صحفية مغلوطة، لا سيما عن الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع شبكة "بي بي سي" إلى إنشاء قسم خاص بمراقبة الأخبار وتحري صحتها قبل نشرها على مواقعها الإلكترونية.

كما أعلنت وكالة "فرانس برس"، في سبتمبر 2016، انضمامها إلى شبكة إعلامية تجمع الوسائل الإعلامية والمجموعات التكنولوجية تحت عنوان "فيرست درافت نيوز" بهدف تحسين نوعية المعلومات المنشورة على شبكة الإنترنت، بما في ذلك تلك التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي إطار ما سبق، يمكن القول إن الإجراءات المستحدثة من جانب الدول والهيئات المعنية ستعمل على الحد من ظاهرة الأخبار الملفقة بشكل كبير، والتي باتت تفرض تداعيات قوية ليس فقط على الأحداث الداخلية في بعض الدول، ولكن أيضًا على العلاقات القائمة فيما بينها.