استثمار التوتر:

مواقف القوى السياسية الإيرانية من التصعيد بين طهران وواشنطن

23 February 2017


تحول التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بعد التهديدات التي وجهتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى طهران خلال الفترة الأخيرة، إلى محور رئيسي للتفاعلات بين القوى السياسية الإيرانية، التي تستعد خلال الفترة الحالية إلى الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في 19 مايو 2017. إذ كان لافتًا أن التيارات الرئيسية الموجودة على الساحة سعت إلى استثمار هذا التصعيد من أجل الترويج لرؤيتها السياسية وفرض ضغوط على التيارات المنافسة بهدف تعزيز فرص مرشحيها في الانتخابات، التي يسعى فيها الرئيس حسن روحاني إلى تجديد ولايته الرئاسية لفترة ثانية حتى عام 2021.

وفي هذا السياق، كانت قضية الإقامة الجبرية المفروضة على كل من مير حسين موسوى رئيس الوزراء الأسبق (وزوجته الأكاديمية زهرا راهنافارد) ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق، منذ فبراير 2011، هى المحور الرئيسي للتفاعلات التي جرت بين تلك القوى خلال الفترة الأخيرة، حيث بدا جليًا أن القوى المؤيدة لروحاني تسعى إلى تسوية هذا الملف قبل الانتخابات، على أساس أن هذه الخطوة قد تعزز من فرصه في الاحتفاظ بمنصبه لفترة رئاسية ثانية، باعتبار أنه نجح، في تلك الحالة، في تنفيذ أحد تعهداته الرئيسية التي أعلنها خلال الحملة الانتخابات في عام 2013، ومكنته من استقطاب تأييد الطبقة الوسطى التي تحظى بثقل سياسي وتمارس دورًا بارزًا في التفاعلات الداخلية الإيرانية.

إلا أن تيار المحافظين الأصوليين الذي يبذل جهودًا حثيثة من أجل استعادة منصب الرئيس وتعويض هزيمته الفادحة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عندما ترشح أربعة من كوادره أمام روحاني، بشكل ساعد الأخير على الفوز من الجولة الانتخابية الأولى وبفارق كبير عن أقرب منافسيه، يبدو حريصًا بدوره على منع تسوية هذا الملف قبل الانتخابات الرئاسية، على أساس أن ذلك يفرض مزيدًا من الضغوط على الرئيس وتيار المعتدلين بصفة عامة، ويقلص من تأييد الطبقة الوسطى له باعتبار أنه لم ينجح في تحقيق وعوده الرئيسية. 

 ومن دون شك، فإن هذا التيار يسعى في الوقت ذاته إلى التعويل على استمرار المشكلات التي يعاني منها الاتفاق النووي رغم مرور أكثر من عام على رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران في منتصف يناير 2016، باعتبار أن ذلك يمثل أيضًا مؤشرًا على فشل حكومة روحاني في تنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي.

مبادرة خاتمي:

في هذا الإطار، سعى الرئيس الأسبق محمد خاتمي (أحد رموز تيار الإصلاحيين الذي يتهم بأنه شارك في اندلاع الأزمة السياسية التي شهدتها إيران في عام 2009 عقب اعتراض ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية)، إلى طرح مبادرة جديدة لما أطلق عليه "المصالحة الوطنية"، وذلك بهدف رفع الإقامة الجبرية عن موسوى وكروبي وتقليص حدة الاحتقان التي ما زالت موجودة داخل أوساط تيار المعتدلين، والتي بدت جلية خلال مراسم جنازة رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني في 9 يناير 2017، عندما ردد المشيعون شعارات مؤيدة لموسوى وخاتمي ومنددة بمنع الأخير من المشاركة فيها بقرار من السلطات.

وقد حرص خاتمي على استثمار تطورين اعتبر أنهما يمكن أن يساهما في إضفاء مزيد من الأهمية على تلك المبادرة الجديدة: يتمثل أولهما، في التحديات الجديدة التي باتت تواجهها إيران بعد وصول إدارة ترامب إلى البيض الأبيض وتبنيها سياسة متشددة تجاه إيران تتركز على ثلاثة محاور رئيسية هى عدم التزام إيران بالاتفاق النووي واتهامها بدعم الإرهاب وانتهاكها لحقوق الإنسان.

إذ يرى خاتمي وتيار المعتدلين أن التعامل مع الضغوط التي تفرضها إدارة ترامب على إيران يرتبط باحتواء "بقايا" الأزمة السياسية التي اندلعت عام 2009 ولا تزال قائمة حتى الآن، باعتبار أن النظام بات في أمس الحاجة إلى الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي من أجل استيعاب تلك الضغوط التي ربما يتسع نطاقها تدريجيًا خلال المرحلة القادمة.

ويرتبط ثانيهما، بحلول ذكرى مرور ستة أعوام على تحديد إقامة كل من موسوى وكروبي، بعد أن طالبا في فبراير 2011 بتنظيم احتجاجات بدعوى تأييد الثورة المصرية، مستندين في ذلك إلى أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وجه كلمة في خطبة الجمعة في 4 فبراير 2011، أعلن فيها تأييده للثورة المصرية، التي أشار إلى أنها "استلهمت من الثورة الإسلامية الإيرانية".  

وهنا، فإن الاتجاه الداعي للمصالحة الوطنية بقيادة خاتمي يرى أن الظروف السياسية التي تشهدها إيران حاليًا تختلف إلى حد كبير عن تلك التي كانت سائدة قبل ستة سنوات، وأنه من الأهمية التعامل بشكل مختلف مع هذا الملف، بهدف احتواء تداعياته السلبية التي قد تتفاقم خلال المرحلة القادمة، خاصة في حالة ما إذا تعرضت إيران لمزيد من الضغوط التي تفرضها التطورات الطارئة على الساحة الخارجية، في ظل تزايد اهتمام المجتمع الدولي بمخاطر دعم إيران للتنظيمات الإرهابية وتدخلها في الشئون الداخلية لدول المنطقة فضلا عن أدوارها السلبية في دول الأزمات، وهو ما بدا جليًا في تصريحات بعض المسئولين المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد في الفترة من 17 إلى 19 فبراير 2017، بشكل يوحي بأن العديد من القوى الدولية باتت ترى أن الخلافات مع إيران لم تعد تنحصر في الاتفاق النووي، وإنما تتصل أيضًا بدعم إيران للإرهاب، الذي يحظى باهتمام خاص من جانب تلك الدول.

احتواء سريع:

ورغم أن بعض كوادر تيار المحافظين الأصوليين سارعوا إلى تأييد تلك المبادرة الجديدة التي طرحها خاتمي، مثل علي مطهري نائب رئيس مجلس الشورى المعروف بانتقاداته العلنية للسياسات التي يتبعها النظام في بعض الملفات، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذا التيار سارع إلى محاولة احتواء تلك المبادرة من خلال توجيه انتقادات قوية لها وشن حملة ضد خاتمي باعتبار أنه من قادة ما يسمى بـ"تيار الفتنة"، في إشارة إلى حركة الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، مع استغلال التطورات نفسها من أجل إضفاء وجاهة خاصة على رفضها وعدم التجاوب معها في المرحلة الحالية.

وبعبارة أخرى، فإن تيار المحافظين الأصوليين حرص على استغلال التصعيد المستمر من جانب إدارة ترامب لتوجيه اتهامات ضمنية إلى تيار المعتدلين بخدمة مصالح الأطراف الخارجية والتعويل على تلك الأطراف في دعم نفوذه السياسي في الداخل، ومواصلة شن حملة قوية ضد الاتفاق النووي. 

وقد قاد تلك الحملة المرشد علي خامنئي. فقد رفض الأخير تلك المبادرة مستندًا في هذا السياق إلى اعتبارات ثلاثة رئيسية: يتمثل أولها، في أنه لا يرى أن ثمة أزمة داخلية قوية تستوجب العمل على الوصول لمصالحة وطنية باعتبار أن القسم الأكبر من الإيرانيين مؤيدين، في رؤيته، للنظام. ويرتبط ثانيها، بأن القوى الخارجية هى الجهة التي تسعى إلى تصدير مشكلات داخلية لإيران من خلال العمل على تضخيم الخلافات بين القوى السياسية واعتبارها مؤشرًا على ضعف النظام. وينصرف ثالثها، إلى أن التسامح مع "تيار الفتنة" يمكن أن ينتج، وفقًا لرؤية هذا الاتجاه، تداعيات عكسية على تماسك النظام، بدلا من أن يؤدي إلى تقليص حدة التوتر التي لم تنجح سياسات النظام في احتواءها.

هذا الجدل الذي أثارته مبادرة خاتمي يزيد من احتمالات تصاعد حدة الصراعات السياسية داخل إيران خلال الفترة المتبقية على إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تظل نتائجها مفتوحة على أكثر من مسار، في ضوء سعى تيارى المعتدلين والمحافظين الأصوليين إلى الفوز بها وتعزيز نفوذهما داخل مؤسسات النظام.