ثورة الجيل الثاني:

ثلاثة نماذج تفسر غضب مسلمي أوروبا

26 March 2016


إعداد: وفاء ريحان

ثمة اتجاه في أوروبا يحمل مشاعر عدائية ضد المسلمين في القارة، وتصاعد هذا الاتجاه المتطرف مؤخراً بعد وقوع عدد من العمليات الإرهابية في بعض الدول الأوروبية، وهي الهجمات التي تورطت فيها التنظيمات الجهادية داخل الأراضي الأوروبية، وتسببت في مزيد من الخسائر البشرية والمادية بهذه البلدان، فضلاً عن مزيد من السخط والعداء للمسلمين المهاجرين الذين يعيشون بها.

ومن المتوقع أن يواجه هؤلاء المهاجرون والجاليات المسلمة في أوروبا تحديات عديدة الفترة القادمة، وفي مقدمتها المعاملة التمييزية ضدهم، وذلك مع صعود اليمين الأوروبي المتطرف.

وفي هذا الإطار، يأتي الكتاب المُعنون: "مسلمو أوروبا الغاضبون: ثورة الجيل الثاني"، للكاتب "روبرت ليكن" Robert Leiken، وهو مدير برنامج الهجرة والأمن القومي بمركز نيكسون في واشنطن، وسبق له أن عمل باحثاً في العديد من المراكز البحثية الأمريكية مثل بروكينجز وكارنيجي. وصدر هذا الكتاب في ديسمبر 2011، وأُعيد طبعه مرة أخرى في ديسمبر 2015.

ويتطرق هذا الكتاب إلى قضية المهاجرين المسلمين في أوروبا، خاصةً الجيل الثاني من هؤلاء المهاجرين، معتبراً أنهم الأكثر عُرضة للفكر المتطرف، بحيث يتناول الكتاب أوضاعهم في ثلاث دول أوروبية، هي فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا. واعتمد الكاتب على مقابلات مع المتطرفين السابقين، ورجال الأمن، مع مراجعة خطب بعض الأئمة المتطرفين.

تنامي التطرف بين الجيل الثاني في أوروبا

يتناول الكتاب موضوع الهجرة باعتبارها المفتاح الرئيسي لفهم مشاكل المسلمين المتزايدة في أوروبا، ويتبنى وجهة نظر مفادها أن الهجرة المتزايدة للمسلمين بالتزامن مع ضعف اندماجهم في المجتمعات الأوروبية، أدت إلى إفراز جيل ثان من المسلمين الغاضبين، نظراً لارتباط هذه الجاليات في أذهان الأوروبيين بالتفجيرات الانتحارية، وهو ما يظلم المسلمين بشدة لعدم القدرة على الفصل بين مُرتكبي الهجمات الإرهابية، وبين عموم المسلمين.

ويشير الكتاب إلى وجود ما يُسمى بالرجل الهامشي Marginal Man، والذي يجد نفسه عالقاً بين ثقافتين لا يجد لنفسه موطئ قدم في أي منهما، حيث يشعر بالاغتراب عن العالم الذي يعيش فيه.

وينتمي هذا النوع من المهاجرين إلى "الجيل الثاني"، ويتبنى الفكر المتطرف تحت تأثير عدد من العوامل، منها وجود صراع للأجيال داخل المجتمعات الإسلامية في البلدان الأوروبية، فضلاً عن كون الخطاب الديني للأئمة في المساجد أصبح يتسم بعدم القدرة على التعبير عن هموم هذه الأجيال، إلى جانب انتشار المواقع الإلكترونية التي تدعو للتطرف على شبكة الإنترنت، ووجود ما يُطلق عليهم مُيسري التطرف والذين يوفرون لهؤلاء الأفراد الساخطين على أوضاعهم فرص الانتقال إلى مناطق النزاع في أفغانستان وباكستان والصومال، والتي من خلالها يستطيعون الوصول إلى معسكرات التدريب التي تديرها الجماعات الإرهابية مثل "القاعدة".

ويُقدم الكاتب أمثلة على هؤلاء المهاجرين، ومنهم "خالد كلكال" المهاجر الجزائري الذي نفذ تفجيرات قطار باريس في عام 1995، وربما أهم ما يُميز حالة "كلكال" أنها تُمثل النموذج الناتج عن عملية التمييز ضد المسلمين في المجتمعات الأوروبية بسبب "الإسلاموفوبيا"، فهذه الظاهرة خلقت البيئة المواتية لتطرف العديد من الشباب.

كما يطرح الكتاب مثالاً آخر في هذا الشأن، يتمثل في ارتكاب الباكستاني "محمد صديق خان" تفجيرات وسائل النقل في لندن عام 2005.

فرنسا.. الموجة الأولى من المسلمين الغاضبين

يبدأ الكاتب بدولة فرنسا التي استضافت أول المسلمين المهاجرين إلى أوروبا في الستينيات من القرن الماضي، والذين أسسوا بها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا عام 1983. وبعد نحو 22 عاماً، وتحديداً في عام 2005، شهدت ضواحي باريس وبعض المدن الفرنسية التي يسكنها مهاجرون مسلمون أحداث شغب، أعطت انطباعاً خاطئاً وقتها أن ثمة حركة إسلامية متشددة تنمو داخل فرنسا، غير أن اتحاد المنظمات الإسلامية أدان أعمال الشغب التي حدثت.

وعلى الرغم من أن بعض الخبراء حينها، ومنهم "دانيال بايبس" Daniel Pipes، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، اعتبر أن هذه الأحداث من قِبل الشباب المسلم قد تُمثل نقطة تحول في التاريخ الأوروبي، بيد أن مدير الاستخبارات العامة في الشرطة الفرنسية حينذاك "باسكال مايلوس" Pascal Mailhos كان له رأي مختلف، حيث أكد أن الإسلاميين الراديكاليين لم يكن لهم دور في أعمال العنف.

وانتهى الأمر بتفسير أحداث شغب عام 2005 على أنها احتجاج على أوضاع عدم المساواة التي يشعر بها هؤلاء الشباب، وليس نتيجة لتطرفهم.

ويؤكد الكاتب أن النموذج الفرنسي في التعامل مع المهاجرين المسلمين ركز على اتخاذ إجراءات أمنية مشددة ومتابعة استخباراتية مستمرة لهؤلاء المهاجرين، ولكن هذا التعامل الأمني لم يساعد باريس على حل معضلة اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي، لتصبح الأقل تقدماً في هذا الشأن. والدليل على ذلك الاضطرابات التي تندلع من حين إلى آخر بين الجيل الثاني من المسلمين الذين يقطنون في بعض الضواحي الفرنسية.

بريطانيا.. فشل سياسة التعددية الثقافية

منحت بريطانيا الجنسية لمئات الملايين من رعاياها في مستعمراتها السابقة، بيد أن هذه الموجة من الهجرة لم تحول البلاد إلى مجتمع متعدد الثقافات. ويؤكد الكاتب أن بريطانيا وفرت مناخاً مواتياً ليصبح المسلمون البريطانيون متكاملين سياسياً مع الدولة، لكنهم ظلوا مُنفصلين اجتماعياً عنها، حيث استمر ولاؤهم لمجتمعاتهم الأصلية، وليس لبريطانيا.

وبالتالي، يعتبر "ليكن" أن فشل بريطانيا في التحول إلى مجتمع متعدد الثقافات يتعايش فيه المسلمون، أدى إلى وجود مجموعات عرقية معزولة عن بعضها البعض، حتى وإن كان أفرادها يتمتعون بحرية تبني أنماط عيش مختلفة.

ويشير الكاتب إلى مجموعة من الظواهر الأخرى داخل بريطانيا، ومنها ما يُسمى بـ"لندنستنان" Londonistan، وهو المصطلح الذي تستخدمه وسائل الإعلام للإشارة إلى الوجود المتزايد للمتشددين الإسلاميين في لندن.

كما يتطرق الكاتب إلى الزواج بين أبناء العمومة بدوائر المهاجرين في بريطانيا، حيث ينتشر على وجه التحديد بين أبناء الجالية الباكستانية. ويرى البعض أن هذه الظاهرة يترتب عليها كثير من الآثار السلبية، ومن بينها انغلاق المجتمع المسلم البريطاني على نفسه، ومن ثم انتشار التطرف في أوساطه.

ويرفض "ليكن" الجزم بوجود علاقة سببية بين هذا النمط من الزواج والإرهاب في بريطانيا، ويضرب مثالاً على ذلك بحالة "صديق خان" السابقة الإشارة إليها، فهو لم يتزوج بناءً على تدخلات أسرته، ومع ذلك لم يمثل ذلك عائقاً أمام انخراطه في أنشطة إرهابية.

كذلك، يعتبر الكاتب أن استضافة بريطانيا عناصر متطرفة قادمة من الشرق الأوسط، أدى إلى تجييش مشاعر الجاليات المسلمة في المجتمع البريطاني.

ألمانيا.. ساحة الجهاد الأوروبي المستقبلية

يرى الكاتب أن ألمانيا تبقى مهددة، نظراً لوجود جالية تركية كبيرة بها تعاني أيضاً التهميش. وبدأت هجرة المسلمين إلى ألمانيا في الفترة التي فتحت فيها برلين أبوابها أمام الأتراك، الذين تم قبولهم كعمال أجانب، بسبب نقص العمالة لديها أثناء فترة الانتعاش الاقتصادي. ومع الوقت تزايد تدفق العمال الأتراك إلى ألمانيا، حتى أنه خلال الفترة بين عامي 1962 و1974 ازداد عددهم من 13 ألفاً إلى 800 ألف شخص. واستمر عدد المسلمين المهاجرين إلى ألمانيا في التزايد بعد ذلك، إلى أن بلغ حالياً حوالي 4 ملايين شخص.

ويحذر "ليكن" من أن ألمانيا ستمثل ساحة الجهاد الأوروبي في المستقبل، نظراً لأنها حليف الناتو الأكثر هشاشة، وبها أعداد كبيرة من الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين الذين يعتبرون الأكثر عُرضة لتأثيرات التنظيمات الجهادية.

ختاماً، يؤكد الكاتب على أهمية الدروس المستفادة من التجارب الأوروبية وسياستها في التعامل مع المهاجرين المسلمين، ويُحذر من تنميط هذه السياسات، بمعنى أنه يرفض أن تتخذ الشكل نفسه في جميع البلدان الأوروبية، وإنما يتعين على الحكومات ومُتخذي القرار الأخذ في الاعتبار التنوع داخل الجاليات الإسلامية المختلفة في كل بلد أوروبي.

كما يشدد الكاتب على أهمية التمييز بين عامة المسلمين، والمتطرفين ومثيري الشغب منهم، فهذا التمييز هو جوهر أي سياسة ناجحة في مكافحة الإرهاب.

* عرض مُوجز لكتاب صادر عن جامعة أكسفورد بعنوان: "مسلمو أوروبا الغاضبون: ثورة الجيل الثاني"، والذي تم نشره في ديسمبر 2011، وأُعيد طبعه في ديسمبر 2015.

المصدر:

Robert S. Leiken, Europe's Angry Muslims: The Revolt of The Second Generation, (UK: Oxford University Press, Reprint edition, December  2015). pp 400.