العرب:

سيناريو أفغانستان يخيم على الصومال

08 March 2024


يرى محللون أن مقديشو مقبلة على عام حاسم في ما يتعلق بحربها ضد حركة الشباب الجهادية التي تجتاح البلاد منذ عام 2007، فرغم النجاحات النسبية التي حققتها الحكومة الصومالية خلال النصف الثاني من عام 2022، وتعهداتها بالقضاء التام على الحركة، فإن هذا الهدف يبدو مستبعداً في ظل المعطيات الراهنة، بل على العكس يزداد القلق بشأن مستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية في الصومال خلال الفترة المقبلة، ولاسيما مع استمرار عملية انسحاب قوات «الأتميس» الأفريقية من البلاد.

وجاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن مقديشو باتت تعول حالياً على الحصول على دعم أكبر من شركائها الإقليميين والدوليين، لسد الفجوة الأمنية المحتملة.

وشهد الداخل الصومالي جملة من التطورات المتلاحقة خلال الفترة الأخيرة، والتي ربما تكون لها انعكاسات شاملة على مجمل المشهد الراهن في مقديشو ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام.

وأكملت بعثة “الأتميس” الأفريقية المرحلة الثانية من عملية الانسحاب من الصومال، وذلك بدعم لوجستي من قبل “مكتب الأمم المتحدة للدعم في الصومال”، وقد انطوت المرحلة الثانية من الانسحاب على تخفيض عدد قوات البعثة بنحو 3 آلاف جندي، إذ قامت البعثة الأفريقية بنقل سبع قواعد إلى الحكومة الصومالية.

ويفترض أن تكتمل عملية الانسحاب الكامل لقوات بعثة «الأتميس» الأفريقية، البالغ عددها 14 ألف جندي، نهاية العام الجاري 2024، وقد أنهت حتى الآن مرحلتين من مراحل عملية الانسحاب، في الوقت الذي تشير فيه غالبية التقديرات إلى عدم جاهزية القوات الحكومية الصومالية لتولي مسؤولية الأمن بشكل منفرد بعد اكتمال انسحاب القوات الدولية من البلاد.

وكشفت تقارير أميركية مؤخرا عن وجود انتكاسات متزايدة في جهود الحكومة الصومالية لتقويض نفوذ حركة الشباب الجهادية، إذ أشاروا إلى أن مقديشو حققت بعض النجاحات الأولية في حربها ضد الحركة خلال عام 2022، قبل أن تتمكن الأخيرة من إلحاق سلسلة من الهزائم بالقوات الحكومية بداية من عام 2023، وهو الأمر الذي أدى إلى توقف هجمات القوات الصومالية، بل وتراجعها في أحيان كثيرة.

وكانت مقديشو قد ألمحت سابقاً إلى أن عملياتها العسكرية التي تجريها منذ مطلع عام 2023 في وسط البلاد تُعد مقدمة لتوسيع هجومها نحو المعاقل الرئيسة للحركة في الجنوب، المعقل الرئيس لحركة الشباب، في إطار خطة طموحة من قبل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقضاء التام على حركة الشباب واستعادة كافة المناطق الصومالية، بالتزامن مع بدء انسحاب القوات الأفريقية بنهاية العام الجاري. لكن بعد نحو عام من هذه العمليات المتقطعة في وسط الصومال تبدو النتائج التي حققتها القوات الحكومية متباينة، حتى في ظل الدعم الذي تقدمه الطائرات الأميركية دون طيار.

سياقات معقدة

تأتي التطورات الأخيرة في مقديشو متسقة مع السياقات المعقدة التي يشهدها الداخل الصومالي في الوقت الراهن، والتي تزيد من حالة الارتباك في المشهد العام هناك.

وثمة تحديات متزايدة ربما تنبثق عن الإخفاقات المتتالية للقوات الصومالية في تعاملها مع معاقل حركة الشباب وتكتيكاتها، وتتمثل في تأثيرات هذا الفشل على مدى ديمومة رغبة السكان المحليين في دعم الحكومة الصومالية في حربها ضد الحركة الإرهابية، خاصةً في ظل هشاشة الأمن في البلدات التي تم تحريرها من قبل القوات الصومالية، الأمر الذي يجعل فرص تسلل عناصر حركة الشباب إلى هذه المناطق قائمة بقوة.

ورغم الحشد الداخلي والخارجي الموسع الذي قامت به حكومة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في الحرب ضد حركة الشباب، فإن الأخيرة أظهرت قدرة كبيرة على الدفاع عن معاقلها، والتكيف مع الهجمات الموسعة من قبل مقديشو وشركائها الدوليين، فلطالما عمدت الحركة إلى التراجع التكتيكي والانسحاب من المدن الرئيسة لتجنب أيّ اشتباكات تقليدية مع القوات الحكومية، وتدفع بدلاً من ذلك إلى التحول إلى تكتيكات حرب العصابات واستهداف القواعد الصومالية بواسطة السيارات المفخخة، والتسبب في خسائر فادحة لهذه القوات، ومن ثم دفعها للانسحاب، خاصةً في ظل صعوبة عمليات الإمداد من قبل مقديشو لقواتها على الجبهة، وافتقار الجنود الجدد للخبرات القتالية، وقد برهنت التكتيكات التي تتبعها حركة الشباب الجهادية على مدى فاعليتها في إحباط خطط القوات الصومالية منذ يناير 2023.

وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقارير الأميركية عن وجود قلق راهن لدى واشنطن من تنامي قوة حركة الشباب الصومالية للدرجة التي تجعلها قادرة على شن هجمات خارج منطقة شرق أفريقيا، بل واستهداف الداخل الأميركي، فقد أحبطت الولايات المتحدة في عام 2019 عملية إرهابية كانت تخطط لها حركة الشباب لتكرار هجمات 11 سبتمبر 2001، فضلاً عن تكرار محاولات عناصر مرتبطة بحركة الشباب للدخول إلى الأراضي الأميركية عبر الحدود المكسيكية، وقد تمكنت واشنطن في يناير الماضي من إلقاء القبض على أحد هذه العناصر بعد دخوله بالفعل واستقراره في مينيسوتا.

وكذلك، تعمد حركة الشباب حالياً إلى توظيف حالة الاستياء الداخلية في الصومال لحشد المزيد من الدعم المحلي، وهو ما تمخضت عنه موجة جديدة من التجنيد الداخلي للحركة من الصوماليين، فضلاً عن توصل الحركة إلى عقد صفقات مع بعض العشائر لإثنائها عن الاستمرار في دعم الحكومة الفيدرالية.

ارتدادات محتملة

في إطار التحديات المتزايدة التي تواجهها مقديشو، هناك جملة من الارتدادات المحتملة التي يمكن أن يشهدها الداخل الصومالي خلال الفترة المقبلة.

وكشفت الحكومة الصومالية مؤخراً عن قلقها بشأن قدرتها على سد الفجوة الأمنية في مرحلة ما بعد انسحاب قوات “الأتميس” من البلاد، إذ ألمحت الحكومة إلى أن خطة الانسحاب تبدو طموحة للغاية، وقد دعت مقديشو في ديسمبر الماضي إلى ضرورة البحث عن بديل لقوات “الأتميس” يساعد على عملية تأمين البلدات والبنية التحتية الرئيسية في الصومال، فضلاً عن تقديم الدعم اللوجستي والبري والجوي للقوات الحكومية.

لكن، لا تزال فكرة البديل القادر على سد الفجوة الأمنية محل مناقشات مطولة، ولاسيما في ما يتعلق بعملية التمويل، إذ يبدو الاتحاد الأوروبي الذي كان يتولى دفع رواتب قوات بعثة “الأتميس” ، وقبلها بعثة “الأميصوم”، غير راغب في الاستمرار في تحمل أعباء هذه المهام، فقد بلغ إجمالي الدعم المالي الذي قدمته بروكسل للصومال منذ عام 2007 حوالي 4.3 مليار يورو، منها 2.6 مليار يورو تكلفة رواتب القوات المشاركة في بعثة «الأتميس»، ورغم توصل الاتحاد الأوروبي والصومال إلى اتفاق شامل، في مايو 2023، بشأن إطار للشراكة الشاملة بين الطرفين حتى عام 2025، فإن التدهور المحتمل للأوضاع الأمنية بعد خروج قوات «الأتميس» يمكن أن يعطل هذه الشراكة.

ورغم ذلك، توصل الاتحاد الأفريقي إلى اتفاق مع الأمم المتحدة، نهاية العام الماضي 2023، بموجبه تعهدت الأخيرة بتمويل نحو 75 في المئة من عمليات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، وبالتالي تجري حالياً مناقشات بشأن تطبيق هذا الاتفاق في حالة الصومال.

رغم الحشد الداخلي والخارجي الموسع الذي قامت به حكومة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في الحرب ضد حركة الشباب، فإن الأخيرة أظهرت قدرة كبيرة على الدفاع عن معاقلها

وبالإضافة إلى ذلك تجري مقديشو، وكذلك الاتحاد الأفريقي، مناقشات حالياً مع بعض القوى الدولية والإقليمية، منها الصين وتركيا، للمشاركة في سد الفجوة المرتقبة بعد انسحاب “الأتميس” ، غير أن هذه المشاورات لا تزال في مهدها حتى الآن، كما أن الاتفاق الخاص بالأمم المتحدة ينطوي على بعض الشروط التي يجب أن توفرها الصومال، ما يجعل تنفيذها محل شك، الأمر الذي طرح تساؤلات تتعلق بمدى استعداد الاتحاد الأوروبي لطرح خطة دعم طارئة حال فشلت مساعي مقديشو في إيجاد بديل تمويلي للاتحاد الأوروبي.

وأثبتت الإستراتيجية العسكرية التي تتبناها مقديشو منذ سنوات طويلة فشلها في التعامل مع تكتيكات حركة الشباب المتغيرة، والتغلغل الكبير من قبل الحركة داخل المجتمع الصومالي ومؤسسات الدولة، بما في ذلك الأمنية، الأمر الذي يجعل هناك حاجة ملحة لتبني إستراتيجية أكثر شمولاً تتعلق بمحاولة التصدي الفكري للحركة، والعمل على تعزيز مستويات الثقة بين المجتمعات المحلية والحكومة الفيدرالية، ناهيك عن تسوية التوترات بين الحكومة في مقديشو وحكومات الولايات الفيدرالية، ومواصلة جهود محاصرة مصادر تمويل الحركة.

وتنطوي الإستراتيجية الشاملة أيضاً على ضرورة الإسراع في عملية للإصلاح الأمني في الصومال، خاصةً في ظل استمرار الكشف عن عناصر متسللة من قبل حركة الشباب داخل المؤسسات الأمنية الصومالية، إذ تكشف العمليات الإرهابية المستمرة عن انتشار واسع للخلايا النائمة والناشطين المرتبطين بحركة الشباب الذين يقومون بالعديد من المهام التي تخدم نشاط الحركة، كما تكشف هذه العمليات عن النهج المخطط والصبور الذي تتبناه الحركة.

وألمحت بعض التقارير الغربية إلى أن الحركة الجهادية تمكنت من التنسيق مع بعض المسؤولين العسكريين وبعض الجنود داخل المؤسسات الأمنية الصومالية، لمساعدة الحركة على تنفيذ عملياتها الإرهابية.

وتبدو الحاجة أكثر إلحاحاً للإسراع في عملية الإصلاح الأمني الشامل في المؤسسات الصومالية، ولاسيما مع استعداد القوات الصومالية لتولي مسؤولية الأمن بمفردها خلال الأشهر المقبلة.

*لينك المقال في العرب*