حرب ممتدة:

كيف تبدو الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثالث؟

05 March 2024


دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث في فبراير 2024، ولم تسفر حتى هذه اللحظة عن هزيمة مؤكدة لأحد الطرفين، فبعد هجوم مضاد شنته القوات الأوكرانية الصيف الماضي، استطاعت روسيا تحقيق انتصار جديد عبر الاستيلاء على مدينة أفدييفكا بمقاطعة دونيتسك شرق أوكرانيا، وهو الانتصار الأبرز منذ السيطرة على باخموت في مايو 2023، هذا في الوقت الذي أقال الرئيس الأوكراني زيلينسكي، قائد القوات فاليري زالوزني عقب سلسلة من الخلافات بينهما.

تغيير القيادة:

أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قائد الجيش الجنرال فاليري زالوزني، في 8 فبراير 2024 بعد تكهنات وتوقعات تحدثت عن ذلك منذ ديسمبر 2023، فضلاً عن تقارير رجحت أن الإقالة الفعلية تمت في يناير الماضي، وفقط تأخر الإعلان الرسمي بضعة أيام. وثمة نقاط مهمة حول تلك الإقالة منها ما يلي:

• أسباب الإقالة: جاءت الإقالة بعد ما يقرب من عام من التوتر بين الرئيس الأوكراني وقائد جيشه، في ظل وجود روايتين تفسران الحدث، الرواية الأولى تبرز في تزايد الخلاف بين الرجلين حول خطط التعبئة وتعزيز صفوف الجيش المنهك، والذي تلقى خسائر كثيرة في الحرب بدت أهمها عند فقدان باخموت مايو 2023، بالإضافة إلى الخلاف حول رؤية قائد الجيش لمفهوم "جمود الحرب" والذى يتنافى مع خطاب زيلينسكي المتكرر حول قرب النصر وتحرير الأراضي الأوكرانية، ومن ثم دعا زيلينسكي إلى نهج موحد ورؤية جديدة للحرب والتعبئة والتجنيد، وفاقم الأمر قيام البرلمان الأوكراني بسن قانون يخفض سن التجنيد لدى الشباب من 27 عاماً إلى 25، وهو ما جاء على عكس رؤية زالوزني الذي يرى أن الأزمة في تأهيل قوات الجيش وأن تخفيض سن التجنيد ليس الحل الصحيح لمشكلات الجيش الأوكراني في الوقت الحالي.   

 تبدو الرواية الثانية من الخلاف بين الرئيس وقائد الجيش حول قلق زيلينسكي من تزايد شعبية المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال المقال، فطبقاً لاستطلاع رأي أجراه معهد كييف الدولي في 18 ديسمبر 2023، بلغت نسبة الثقة في الجيش الأوكراني حوالي 96%، في حين تراجعت الثقة في الرئيس الأوكراني من 84% في 2022 إلى 62% بنهاية 2023. لذا رأى بعض المراقبين أن زالوزني بمثابة منافس سياسي محتمل لزيلينسكي الذي ما زال يتفوق في الشعبية على أنصار بترو بوروشنكو – الرئيس السابق الموالي لروسيا- وحزبه. 

• قائد جيش جديد: تولى قيادة الجيش الأوكراني خلفاً لزالوزني، الجنرال أولكسندر سيرسكي. ويُعد هذا التغيير في قيادة الجيش مقامرة من الرئيس زيلينسكي، وذلك للأسباب التالية:

1- التوقيت الحرج: إذ جاء التغيير مع مشكلات أوكرانية على الجبهة، وذلك في ظل أشهر من حصار وضرب أفدييفكا، ونقص في المعدات والتفوق العددي للقوات الروسية، وهو ما يجعل تغيير القيادة مسألة صعبة. 

2- طبيعة وشخصية سيرسكي: التي تصاحبها عدة صفات متناقضة، فعلى الجانب الإيجابي شغل القائد الجديد مناصب عدة بدأت منذ ضم روسيا للقرم في 2014، وفي العامين الماضيين نُسب إليه دور مهم في الدفاع عن كييف في بداية الحرب فبراير 2022، ثم أداؤه في هجوم خاركيف المضاد سبتمبر، كما يحمل ميزة نسبية إذ إنه من مواليد روسيا - ووالداه لا يزالان هناك- وعمل إبان الحقبة السوفيتية، والتحق بالتدريب العسكري في موسكو، مما يجعله على دراية كبيرة بالتكتيكات العسكرية الروسية، على الجانب الآخر، هناك عدة انتقادات توجه له منها أداؤه في معركة باخموت والتي نتج عنها خسائر كبيرة في الأرواح من الجيش الأوكراني فضلاً عن خسارة المعركة، بالإضافة إلى اعتباره التكاليف البشرية تكاليف ثانوية، وذلك على النقيض من توجه زالوزني الذى يحبذ ثقافة "إنقاذ الأرواح".

سقوط أفدييفكا:

أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 17 فبراير 2024 عن سيطرة قواتها بشكل كامل على مدينة أفدييفكا الواقعة في مقاطعة دونيتسك، بعد ما يقرب من خمسة أشهر من المعارك. وتأكيداً لإعلان وزارة الدفاع الروسية، أقر القائد الجديد للجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي بانسحاب قواته من أفدييفكا، وذلك للحفاظ على حياة جنوده، بعد أن قامت القوات الروسية بأسر البعض، والتي تفوقت من حيث القوة البشرية والمدفعية والطيران، وترتب على انسحاب القوات الأوكرانية من أفدييفكا عدة تداعيات ما بين عسكري وسياسي أبرزها مايلي:

• انخفاض سقف التوقعات: فبينما كان يشير زيلينسكي إلى قرب الانتصار على القوات الروسية، من حين لآخر، بل إن رئيس جهاز المخابرات العسكرية في أوكرانيا كيريلو بودانوف، رفع سقف الطموحات بوعده بتحرير القرم في 2023، انتهى العام ولم تحرر القرم بل تلقت القوات الأوكرانية هزيمة جديدة، ربما تسهم في تكثيف جرعات الإحباط لدى الجنود.

• انتهاء الهجوم المضاد: أجبر الجيش الأوكراني أن ينسحب من زينيت جنوب أفدييفكا إلى الشمال الغربي، وترى عدة تقديرات طبقاً لآلية الانسحاب، وتحول القوات الأوكرانية من موقف الهجوم على القوات الروسية إلى التراجع والانسحاب، بأن ذلك بمثابة فشل أو انتهاء مرحلة الهجوم المضاد التي بدأتها أوكرانيا صيف 2023، أي بعد شهرين من خسارتها باخموت.

• دعم الأقاليم الانفصالية: ظلت أفدييفكا منذ عام 2014 وحتى انسحاب القوات الأوكرانية منها، مركزاً دفاعياً مهماً لطالما اُستخدم في بداية الصراع المسلح مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا، والآن تعول روسيا على إحكام سيطرتها على دونيتسك بعد الاستيلاء على أفدييفكا، وهو وعد أطلقه بوتين بتأمين السيطرة على مناطق (دونيتسك - لوجانسك- زاباروجيا – خيرسون).

• دعم سياسي: تجرى الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس، ويروج داخل موسكو بأن النصر في أفدييفكا يُعد دعماً سياسياً لولاية أخرى للرئيس بوتين، على اعتبار أن قراره بالحرب كان صحيحاً.

اتفاقيات جديدة ودعم متأخر: 

لم يقف الرئيس الأوكراني صامتاً عقب انسحاب قواته من أفدييفكا، بل شرع في جولة أوروبية طلباً للدعم ، خاصة في مؤتمر ميونخ للأمن، فزيلينسكي يربط ما بين خسارة قواته وتأخر الدعم  الغربي، فمن جانب ثمة انقسام في الكونغرس الأمريكي يؤجل حصول كييف على تمويل بقدر 60 مليار دولار، ومن جانب آخر فإن الدعم الأوروبي المقدر بـ50 مليار يورو ، ظل محل رفض من المجر حتى تم التوافق عليه في أول فبراير مع العلم أن هذا الدعم الأوروبي يشمل فترة زمنية تبدأ من 2024 وحتى 2027، مما يعني أنه لن ينفق مرة واحدة على شراء الأسلحة، إذ إن هذه الحزمة مخصصة بشكل أساسي لدعم الحكومة الأوكرانية في الوفاء بالتزاماتها من مرتبات وتقديم خدمات.

وبحسب تقرير لمجلس العلاقات الخارجية "CFR" فأن أوكرانيا تحتاج أيضاً إلى طائرات مقاتلة من طراز "F16" وصواريخ "كروز"، وأنظمة الصواريخ طويلة المدى (ATACMS). وفي نفس السياق وقع الرئيس الأوكراني اتفاقيات أمنية ثنائية مع كل من ألمانيا وفرنسا في 16 فبراير، يضاف إليهما اتفاقه السابق مع بريطانيا في يناير الماضي، وطبقاً للاتفاق مع ألمانيا، سوف تحصل كييف على 7 مليارات يورو مساعدات عسكرية خلال عام 2024. تشمل المساعدات 36 مدفع هاوتزر، و129 ألف قذيفة مدفعية منها 50 ألف قذيفة مدفعية 155 مليمتراً، وهي من أوجه النقص لدى الجيش الأوكراني، ونظامين للدفاع الجوي من طراز (Skynex)، وصواريخ جو-جو (IRIS-T)، على أن تقدم باريس مساعدات عسكرية بقيمة 3 مليارات يورو خلال نفس العام.

في التقدير يمكن القول إنه مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، يستمر الوضع العسكري الأوكراني في التعثر، في ظل نقص إمدادات الذخيرة، وتأخير الدول الغربية في تقديم الدعم العسكري المناسب، بالإضافة إلى ظهور الخلافات داخل النخبة العسكرية الأوكرانية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التراجع العسكري الأوكراني ما لم تتغير طبيعة ووتيرة الدعم العسكري الغربي خلال الفترة المقبلة.