التهديدات العشرة:

التحديات الأمنية التي ينتظرها الداخل الأمريكي خلال عام 2024

25 September 2023


أصدر مكتب الاستخبارات والتحليل بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، في 14 سبتمبر 2023، التقييم السنوي للتهديدات الداخلية المُحتملة التي يمكن أن تُؤثر في الأمن القومي والداخل الأمريكي خلال عام 2024، من خلال استعراض التهديدات الأكثر خطورة التي يمكن أن تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام المقبل، والتي صنفتها الوزارة إلى أربعة تهديدات رئيسية وهي: السلامة العامة والأمن، وأمن الحدود والهجرة، وأمن البنية التحتية الحيوية، بجانب تهديدات الأمن الاقتصادي. 

اتجاهات قلقة: 

قال وزير الأمن الداخلي الأمريكي، أليخاندرو مايوركاس، إن "مشاركة المعلومات مع الجمهور حول التهديدات التي نواجهها هي جزء حيوي من حماية وطننا من التحديات الأمنية المتطورة"، مضيفاً أن "التقييم السنوي للتهديدات الداخلية، هو مورد مُتاح للجمهور ومن خلاله سنُمكّن شركاءنا في الداخل من اتخاذ قرارات مُستنيرة تأخذ في الاعتبار هذه التحديات الأمنية"،  وترتيباً على ما سبق يمكن الوقوف على أبرز تلك التهديدات على النحو التالي:

1- استمرار التهديدات الإرهابية: يُشير التقرير الأمني الأمريكي إلى استمرار الإرهاب بنمطيه الداخلي والخارجي ضمن مهددات الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى صعيد الإرهاب الداخلي، تظل التهديدات المُرتبطة بالتطرف العنيف قائمة، سواءً تلك التي يمكن ممارستها بصورة فردية أم جماعية. ويرجح أن تستمر تلك التهديدات خلال العام المقبل، مدفوعة بجملة من العوامل من بينها: الأوضاع الاجتماعية، والأحداث السياسية، علاوة على سرديات المؤامرة والمظالم الشخصية، والدوافع الأيديولوجية والدينية والعنصرية التي يتم مشاركتها عبر الفضاء الإلكتروني. وتركز الهجمات في مجملها على أهداف حكومية، بما في ذلك عناصر إنفاذ القانون، والأقليات العرقية والدينية، والبنية التحتية، وقطاعات الصحة والنقل والطاقة.

ولا يُعد هذا النمط من التطرف جديداً على الولايات المتحدة الأمريكية، فخلال شهر مايو 2023، قُتل ثمانية أشخاص برصاص مُسلح في مجمع تجاري بولاية تكساس، ورغم أن التحقيق معه لا يزال قائماً، فإن التقارير الأولية تؤكد أن الهجوم تم تنفيذه بدوافع عنصرية أو عرقية. 

من ناحية أخرى، قد تكون بعض العمليات الفردية مُستوحاة من أفكار الجماعات والتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وغيرها، فخلال شهر يناير 2023، نفذ شخص هجوم أصاب ثلاثة ضباط من قسم شرطة مدينة نيويورك، وقد علّقت صحيفة "نيويورك تايمز" –آنذاك- بأن التطرف الإسلامي هو ما حرك المُشتبه به لارتكاب الهجوم.

وعلى صعيد مُتصل، أوضح التقييم، أن تنظيمي القاعدة وداعش يعملان على استعادة تموضعهم في عدة مناطق، كما يحتفظان بشبكات عالمية من المؤيدين الذين يسعون لاستهداف الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها. وتوقع التقييم أن تظل إيران –كدولة راعية للإرهاب- مصدر تهديد لأمن البلاد، في ظل رغبتها في شن هجمات ضد مسؤولين أمريكيين انتقاماً لمقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وفي هذا الإطار تعتمد طهران على أفراد لديهم القدرة على الوصول للولايات المتحدة أو عبر توظيف مواطنين مزدوجي الجنسية، وأعضاء الشبكات الإجرامية وغيرهم. واتهمت وزارة العدل في أغسطس 2022، أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني بالتآمر لاغتيال مُستشار سابق للأمن القومي الأمريكي.

2- تفاقم تهديد المخدرات: يُنظر للمخدرات غير المشروعة على أنها التهديد الأكثر خطورة للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجاوز عدد الوفيات بسبب الجرعات الزائدة من المُخدرات 100 ألف شخص خلال العام 2022، ما يضعها في مرتبة تفوق التهديدات الإرهابية من حيث تأثيرها. وفي هذا السياق، قالت وزارة الأمن الداخلي، "إن مهربي المخدرات أسهموا في إنتاج مزيج أكثر فتكاً من الفنتانيل، ما أسهم في زيادة الوفيات"، ويُرجح أن يظل الفنتانيل السبب الرئيسي للوفيات المُرتبطة بالمخدرات خلال 2024. يذكر أن المنظمات الإجرامية العابرة للحدود في المكسيك تُعد المورد الرئيسي لهذه الأنواع من المُخدرات للولايات المتحدة الأمريكية.

3- تواصل حملات التضليل الإعلامي والمعلوماتي: يُعد نشر المعلومات الزائفة، والمُضللة ضمن أدوات خصوم الولايات المتحدة الأمريكية -روسيا والصين وإيران- لتقويض الثقة في المؤسسات الحكومية وإثارة الانقسام المجتمعي، والنيل من العملية الديمقراطية، وعليه يُرجح أن تزداد محاولات التأثير في الرأي العام الأمريكي عبر حملات التضليل الإعلامي خلال الانتخابات الرئاسية 2024.

ويمكن أن تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، والأدوات السيبرانية في تعزيز فعالية وجودة عمليات التضليل. فعلى سبيل المثال، نشر موقع تابع للسلطات الصينية في إبريل أخباراً زائفة تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدير مختبراً في كازاخستان للأسلحة البيولوجية لاستخدامها ضد الصين على حد وصف الموقع. 

ومن المُرجح، أن تستمر روسيا في استخدام كافة الوسائل بما فيها، الإعلام التقليدي، والمواقع السرية، والشبكات الاجتماعية، والروبوتات على الإنترنت، والأفراد؛ للترويج للخطابات المؤيدة للكرملين والقيام بأنشطة التأثير داخل الولايات المتحدة. وعلى ذات المنوال، ستحاول إيران التأثير في الرأي العام الأمريكي للترويج لأجندتها المناهضة للولايات المتحدة، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية الزائفة.

4- القمع العابر للحدود الوطنية: يُرجح أن تستمر الصين وإيران وروسيا في ممارسة أنشطة القمع العابرة للحدود داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ما يهدد الأعراف والتقاليد الأمريكية، حيث ستعمل الجهات الثلاث على استهداف المعارضة المقيمة في واشنطن والتي تعدها خطراً على شرعيتها، من خلال عدة أدوات منها، التهديد، والمضايقات، والتشهير وغيرها من أدوات القمع.

فعلى سبيل المثال، عملت بكين عبر مراكز سرية على تحديد هوية المعارضين لها ومراقبتهم والتضييق عليهم، كما استهدفت إيران المنشقين الإيرانيين في الولايات المتحدة الأمريكية لقمع أي محاولات لدعم الاحتجاجات المُناهضة للنظام والمطالبة بإصلاحات اجتماعية وسياسية في البلاد. كما تقوم روسيا بتوظيف مواطنين أجانب للتجسس على معارضين روس يُقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية. 

5- تراجع مخاطر التهديدات غير التقليدية: على الرغم من استمرار التهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية نظراً للتفاعلات السياسية والعسكرية على الصعيد الدولي، بجانب الانتشار العالمي للمختبرات البيولوجية، فإنه لا يُرجح الاستخدام المتعمد لهذه الأسلحة في الداخل الأمريكي خلال العام المقبل، وفي حين أن هذه التهديدات التي قد تحدث في الخارج، قد لا تصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها لديها القدرة على تعطيل التجارة الإقليمية والعالمية، مما يضر بالمصالح الاقتصادية للبلاد.

6- استمرار تدفقات المهاجرين: يُرجح استمرار الولايات المتحدة الأمريكية كوجهة للمهاجرين من مختلف بلدان العالم، في ظل ثبات الدوافع التقليدية للهجرة إلى أمريكا، بجانب الشعور بالإحباط من انتظار أو تأخر مسارات الهجرة القانونية. وتتوقع وزارة الأمن الداخلي أن تستمر الحدود الجنوبية للبلاد كمصدر رئيسي للمهاجرين، على الرغم من وصول المهاجرين عبر الحدود الشمالية لمستويات قياسية وصلت إلى 132 ألفاً في يونيو 2023 مقارنة بـ68 ألف مهاجر في نفس المدة من عام 2022، يُضاف لذلك موجات الهجرة البحرية. 

ويظل التحدي الأكبر مرتبطاً بقدرة الجماعات الإجرامية أو الإرهابيين على التسلل داخل الولايات المتحدة الأمريكية عبر موجات الهجرة، حيث حاول ما يقرب من 160 شخصاً ممن تشملهم قوائم فحص الإرهابيين دخول البلاد عبر الحدود الجنوبية خلال عام 2023.

7- مخاطر استهداف البنية التحتية: شهدت الولايات المتحدة الأمريكية هجمات سيبرانية متزايدة منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، فعلى سبيل المثال، تعطلت عدة مواقع إلكترونية لمطارات أمريكية خلال شهر أكتوبر 2022، على إثر هجوم سيبراني تبنت مسؤوليته مجموعة قرصنة إلكترونية روسية. وفي مايو 2023، أعلنت واشنطن وعدد من حلفائها الغربيين وشركة مايكروسوفت، أن "جهة فاعلة سيبرانية" مدعومة من بكين تسللت إلى شبكات للبنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة.

اتصالاً بما سبق، يتوقع التقييم مواصلة الجهات الفاعلة السيبرانية -الحكومية وغير الحكومية- السعي لتنفيذ هجمات ضد قطاعات البنية التحتية الحيوية، وذلك عبر عدة طرق منها، رفض الخدمة، وتشويه موقع الويب، وبرامج الفدية. كما قد تعمل بعض الجهات على تعطيل أنظمة التحكم الصناعية التي تدعم قطاعات الطاقة، والنقل، والرعاية الصحية، والانتخابات في الولايات المتحدة.

وبجانب الخدمات التخريبية، يرجح التقييم مواصلة أساليب التجسس السيبراني من قبل خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قد تستهدف مجالات الدفاع والطاقة النووية بجانب القطاعات الخدمية. ويشير توسع بكين في القدرات اللوجستية البحرية والتجارية لمخاطر التجسس وعمليات التعطيل المحتملة للموانئ الأمريكية. وينطبق الأمر نفسه على إيران والتي ستواصل إجراءات التجسس الإلكتروني ضد البنية التحتية الحيوية الأمريكية.

8- مساعي التأثير في الانتخابات الرئاسية: يأتي الاستحقاق الرئاسي المُنتظر في الولايات المتحدة الأمريكية 2024 ضمن بنك الأهداف الجاذبة لخصوم واشنطن، حيث ستعمل تلك الأطراف على التأثير في العملية الانتخابية، عبر استخدام تقنيات وأدوات إلكترونية حديثة لتعزيز قدراتها في النيل من الانتخابات وتوجيه الرأي العام، عبر استهداف الشبكات والبيانات المتعلقة بالانتخابات. ويُتوقع أن يتم ارتكاب أعمال عنف أو توجيه تهديدات للمسؤولين الحكوميين والناخبين والموظفين ذوي الصلة بالانتخابات. ورجح التقييم أن يزداد نشاط روسيا والصين وإيران في موسم الانتخابات عبر حملات تستهدف التأثير في العملية الانتخابية وتقويض الاستقرار.

9- التهديدات المُرتبطة بالأمن الاقتصادي: يُشير التقييم إلى أن الصين ستستمر في توظيف أدوات ووسائل مختلفة للتأثير في الاقتصاد الأمريكي، من خلال منح الشركات الصينية مزايا تنافسية على حساب الكيانات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك الإعانات واسعة النطاق للشركات المملوكة للدولة والشركات المحلية، فضلاً عن وضع العقبات أو الحواجز ضد الشركات الأمريكية العاملة في الصين. كما قد تفرض قيوداً تجارية وإجراءات إدارية تعسفية لمنع شركات ومستثمرين أمريكيين من الوصول للأسواق الصينية، علاوة على مواصلتها الضغط على الشركات الاستشارية الأمريكية العاملة في الصين. من ناحية أخرى، يُرجح أن تؤثر سيطرة الصين وتلاعبها بسلاسل التوريد في الأمن الاقتصادي الأمريكي، ما يمنحها القدرة على تقييد صادرات المعادن ذات الأهمية الكبيرة لأشباه الموصلات وتقنيات الطاقة منخفضة الكربون.

وفي إطار عملية التجسس الاقتصادي، فقد يكثّف خصوم الولايات المتحدة الأمريكية جهودهم لسرقة المعلومات والأبحاث والتكنولوجيا الأمريكية الحساسة، وعليه يتوقع التقييم أن توظف بكين الشراكات البحثية، والتعاون الأكاديمي، وبرامج توظيف المواهب لتسهيل النقل غير المشروع للتكنولوجيا الأمريكية لاستخدامها في الصناعات المدنية والعسكرية الصينية، ما يهدد الاقتصاد الأمريكي بصورة كبيرة.

10- مخاطر برامج الفدية والابتزاز السيبراني: يُرجح أن تزيد العمليات السيبرانية ذات الدوافع المالية من أعباء الاقتصاد الأمريكي، حيث تعمل مجموعات برامج الفدية التي تستهدف الشبكات والبنية التحتية والمعلومات على تطوير أدواتها لتحسين قدرتها على ابتزاز المستهدفين مالياً. وهنا يشير التقييم لأن مخططات اختراق البريد الإلكتروني تُعد أكثر أنشطة الجرائم الإلكترونية تكلفة، حيث بلغ إجمالي الخسائر الناجمة عنها نحو 2.7 مليار دولار عام 2022. من ناحية أخرى، ارتفع عدد هجمات الفدية في الولايات المتحدة بنسبة 47% خلال الفترة من يناير 2020 وحتى ديسمبر 2022، كما قام مهاجمو برامج الفدية بحصد ما لا يقل عن 449.1 مليون دولار على مستوى العالم خلال النصف الأول من عام 2023، ومن المُتوقع أن يحققوا ثاني أكثر أعوامهم ربحية. 

في التقدير، يمكن القول إن مُجمل التهديدات التي عرضها التقييم يمكن ملاحظة أنها لا تحتوي على أي تهديدات جديدة، فكافة التهديدات التي تم استعراضها معلومة لدى أجهزة إنفاذ القانون وصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن السياق العام المُصاحب لإصدار التقييم خاصة ما يرتبط بالانتخابات الرئاسية القادمة يمكن أن يُضفي مزيداً من الزخم والاهتمام بها.