إطالة الصراع:

تزويد أوكرانيا بطائرات "أف 16".. هل يُغير التوازنات مع روسيا؟

04 September 2023


أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في 31 أغسطس 2023، أن بلاده بحاجة لنحو 100 مقاتلة إضافية علاوة على العدد الذي تم التعهد بتقديمه حتى الآن، مشيراً إلى أن كييف تلقت تعهدات بـ50 أو 60 طائرة أمريكية الصنع من طراز "أف 16" من دول أوروبية مختلفة. 

وسبق أن أعلنت كل من هولندا والدنمارك، في 20 أغسطس الماضي، موافقتهما على تسليم كييف طائرات "أف 16" الأمريكية، وذلك بعد يومين من سماح الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بها في خطاب رسمي موجه من وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى حكومتي البلدين. كما أعلنت النرويج انضمامها لكلا الدولتين في تزويد أوكرانيا بهذه الطائرة المقاتلة، أثناء زيارة رئيس الوزراء النرويجي لكييف، يوم 24 أغسطس. وعلى الرغم من وصف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، هذه الخطوة بالتاريخية خلال زيارته إلى قاعدة سلاح الجو الهولندي في أيندهوفن جنوب المملكة، يوم 20 أغسطس، وأنها سوف تؤدي إلى "إنهاء الغزو الروسي"؛ تبدو هذه الخطوة محدودة التأثير على سير الحرب الجارية على الأقل حتى الربع الأول من عام 2024، وذلك على الرغم من أثرها الدعائي القوي، ولن تؤدي إلا إلى المزيد من التصعيد في حدة الصراع الراهن، وامتداده لفترة زمنية أطول. 

ملابسات القرار:

ارتبط صدور قرار هولندا والدنمارك والنرويج بتزويد أوكرانيا بطائرات "أف 16" الأمريكية، بالملابسات التالية:

1- مطالبة أوكرانيا المُستمرة للولايات المتحدة بتزويدها بطائرات "أف 16"، وذلك بما يعزز قدرة الدفاع الجوي الأوكراني على التصدي للقصف الروسي المُستمر للأراضي الأوكرانية منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير 2022، وتلافي عدم النجاح الكافي لمنظومة راجمات الصواريخ الأمريكية سريعة الحركة (هيمارس M142) بسبب التشويش الروسي عليها، وإِشراك موسكو طائرات قتالية تقع خارج مدى معظم الصواريخ المُضادة للطائرات الأوكرانية. 

2- عدم نجاح أوكرانيا في تحقيق تقدم ملموس في الهجوم العسكري المُضاد الذي بدأته منذ يونيو الماضي، على الرغم من الدعم الغربي المقدم لها. ويرجع ذلك إلى عدم قدرة سلاح الجو الأوكراني على موازنة التفوق الجوي الروسي الكاسح بسبب قِدم الطائرات المقاتلة والمروحيات السوفيتية التي تمتلكها كييف، فأحدثها يرجع إلى عام 1991، وقوة التحصينات العسكرية الروسية خاصة في جنوب أوكرانيا الذي يُعد بمثابة ممر يربط بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم، والتي قد يستغرق اختراقها، وفقاً لمساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق، الجنرال مارك كيميت، شهوراً طويلة، وكذلك نجاح كتائب أحمد الشيشانية في صد معظم محاولات اختراق القوات الأوكرانية لمدينة باخموت على الحدود الشرقية.

3- اتخاذ واشنطن خطوات عملية لتلبية الطلب الأوكراني، فعلى الرغم من قرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مايو الماضي، بالسماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات "أف 16"، وتوافر عدد كبير منها داخل جيوش الحلفاء الأوروبيين يمكن الاستغناء عن بعض منها في ضوء قيام واشنطن بصورة مضطردة بتزويد جيوش هذه الدول بطائرات قتالية أكثر تطوراً منها؛ فإن تأخر القرار الأمريكي بالموافقة على إرسال هذه الطائرات لأوكرانيا جاء في ضوء الرغبة في عدم التصعيد مع روسيا، ويدلل على ذلك عدم اتخاذ قرار مباشر في هذا الشأن في قمة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" في فيلنيوس يومي 11 و12 يوليو الماضي. 

لكن يبدو أن هناك دافعين أساسيين قد سرعا قيام وزارة الخارجية الأمريكية بالتوقيع على طلب نقل كتيبات التعليمات وأجهزة محاكاة الطيران والمواد الأخرى المرتبطة بالطائرات لكل من هولندا والدنمارك والنرويج، وكذلك موافقة وزارة الدفاع على ذلك. فالدافع الأول يرتبط بالتصعيد الروسي الذي تمثل في نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا  يومي 7 و8 يوليو الماضي، وتعليق الاتفاق الخاص بتصدير الحبوب الأوكرانية في 17 يوليو، ونشر سفن حربية في البحر الأسود قبالة السواحل الجنوبية لأوكرانيا وبحر آزوف، والتي بلغت وفق تقدير الجيش الأوكراني 18 سفينة، منها سفينتان تحملان منصات لإطلاق صواريخ "كاليبر" التي يتجاوز مدى بعضها 600 كيلومتر .ويشير ذلك، وفقاً للرؤية الأمريكية، إلى أن روسيا "تستمر في حربها بالقدر نفسه سواءً قدم الغرب أسلحة متطورة أم لم يقدمها".

أما الدافع الثاني فهو تغير استراتيجية التفكير الأمريكي من اتجاه "إبقاء أوكرانيا على قيد الحياة" إلى استراتيجية "إخراج روسيا من أوكرانيا"؛ وهي الاستراتيجية التي تؤدي إلى إنهاك روسيا عبر ممارسة مزيد من الضغوط على حدودها المباشرة، وإضعاف جهودها لاستعادة نفوذها العالمي كما يظهر من خلال تحالفها الاستراتيجي مع الصين، وتوسيع علاقاتها مع دول إفريقيا جنوب الصحراء عبر الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لمجموعة "فاغنر"، وقيادتها مع شركائها في تجمع "بريكس" الجهود الرامية إلى إضعاف الدولار. 

وبالإضافة إلى هذين الدافعين الرئيسيين، يؤدي إرسال طائرات "أف 16" إلى ساحة المعركة في أوكرانيا، إلى تعزيز قدرة الآلة العسكرية الأمريكية من خلال اختبار قدرة الدفاعات الجوية الروسية وطائرات "سو 35" على التصدي لها.

تفاصيل الدعم:

بالمطالعة المُتعمقة للتصريحات المتعلقة بتزويد أوكرانيا بطائرات "أف 16"، يمكن استخلاص ما يلي:

1- مضمون القرارات، فقد وافقت هولندا والدنمارك على تزويد أوكرانيا بعدد من طائرات "أف 16" يصل إلى 61 طائرة، وفقاً لما نشره الرئيس الأوكراني على وسائل التواصل الاجتماعي، منها 19 طائرة من الدنمارك، وفقاً لتصريح رئيسة الوزراء الدنماركية، ميت فريدريكسن، في 20 أغسطس الماضي. ويُلاحظ أنه على خلاف تحديد الرئيس زيلينسكي لعدد طائرات "أف 16" المُتوقع أن تسلمها هولندا لكييف، وهي 42 طائرة، فإن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روتة، لم يذكر عدد الطائرات التي سوف يتم منحها ولا توقيتات تسليمها، واكتفى فقط بالإشارة إلى امتلاك دولته أسطولاً جوياً يتكون من 42 طائرة "أف 16"، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالرئيس الأوكراني يوم 20 أغسطس، وتشير التقديرات الصحفية المتداولة إلى وجود 24 منها قيد التشغيل الفعلي. كذلك فعل رئيس وزراء النرويج، جوناس غارستوره، خلال زيارته لكييف، حيث قدم تعهداً عاماً مع إيضاح أنه سوف يفصح عن "مزيد من التفاصيل عن المنح والأعداد والإطار الزمني للتوصيل في الوقت المناسب".

ويُلاحظ أن الجدول الزمني لتسليم الطائرات الدنماركية يتسم بالطول، فكما أوضحت رئيسة الوزراء الدنماركية، سيتم تسليم الطائرات على مراحل تمتد بين الشهور المتبقية من عام 2023 وحتى عام 2025، قائلة "مع اقتراب العام الجديد حوالي ست طائرات، ثم ثماني طائرات في العام المقبل، ثم خمس أخرى في عام 2025".

2- التسليم وفق شروط، يتعلق أبرزها بضوابط استخدام هذه الطائرات، وبتوافر عدة متطلبات قبل تسليمها. فبالنسبة لضوابط الاستخدام، أوضح وزير الدفاع الدنماركي في اليوم التالي لقرار الموافقة بأنه سوف يقتصر على الأراضي الأوكرانية "وليس أكثر من ذلك"، وهي نفس الصياغة التي اتبعتها الدول الغربية الأخرى مثل المملكة المتحدة عند تزويدها لأوكرانيا بصواريخ "ستورم شادو". ويتماشى ذلك بصفة عامة مع التخوف من استخدام أوكرانيا هذه الطائرات لمهاجمة العمق الروسي، بما قد ينذر بسلوك مضاد غير متوقع من موسكو.

وبشأن شروط التسليم، فإنه لن يتم إلا بعد الانتهاء من تدريب الطيارين والمهندسين الأوكرانيين على استخدامها، وضمان وجود البنية التحتية المناسبة لانطلاقها من الأراضي الأوكرانية، وذلك وفقاً لما صرح به رئيس الوزراء الهولندي خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس زيلينسكي، وكذلك بعد اختيار أفراد أوكرانيين لقيادة هذه الطائرات، وتوافر الخدمات اللوجستية والتراخيص اللازمة، وفقاً لما ذكره بيان وزارة الخارجية الدنماركية في 20 أغسطس.

3- المدى الزمني للتدريب، والذي يتولاه تحالف يتكون من 11 دولة، وتقوده كل من الدنمارك وهولندا، حيث تشمل عملية التأهيل تدريب الطيارين على مصطلحات الطيران العسكري باللغة الإنجليزية لمدة تقترب من أربعة أشهر قد تقل حسب كفاءة الطيارين المختارين للتدريب من الجانب الأوكراني، وعلى الجوانب الفنية المكثفة التي تتعلق بقيادة الطائرات والمناورة بها واستخدامها أثناء العمليات العسكرية لمدة تبلغ ستة أشهر على الأقل، وكذلك تدريب فرق الصيانة والدعم من فنيين وميكانيكيين وغيرهم من المتخصصين اللازمين لإعداد المقاتلات للطيران. وبالرغم من الآمال بأن يكون الطيارون جاهزين بشكل كامل بحلول مطلع عام 2024، تشير التقديرات العسكرية إلى أن هذه الفترة ربما تأخذ وقتاً أطول، وذلك بما يعني أن الطائرات لن تكون جاهزة للاستخدام قبل ربيع 2024 حتى مع تسليم بعض منها إلى أوكرانيا قبل هذا الموعد.

4- قدرة أوكرانيا على توفير البنية التحتية اللازمة لعمل هذه الطائرات وتأمينها، حيث تعتبر إشكالية توفير البنية التحتية من الأمور الخلافية بين الخبراء العسكريين خاصة الروس، فبينما يرى قطاع منهم أن أوكرانيا تمتلك بالفعل بنية مؤهلة لاستقبال عدد صغير من طائرات "أف 16"، ويمكنها استخدام الطرق السريعة كممرات لإقلاع هذه الطائرات وهبوطها، والمراكز السكانية كمواقع للصيانة؛ يرى البعض الآخر أن هناك نقصاً في المسائل التقنية المتعلقة بهذه البنية مثل نظام كابلات الطاقة الكهربائية اللازمة للمقاتلات، ومراكز إعادة التزود بالوقود والغازات مثل النيتروجين والأكسجين، والفنيين اللازمين لإعدادها للطيران. 

وتزداد صعوبة توفير هذه البنية والحفاظ عليها في ضوء الاستهداف الروسي المُنتظم للمطارات والقواعد الجوية الأوكرانية منذ بداية الحرب، وإمكانية استهداف سلاح الجو الروسي للأماكن المُحتملة لإخفاء هذه الطائرات وتدميرها في أماكن تمركزها سواءً أكانت في مطارات أم في مستودعات أم ورش عمل، أم في المواقف الموجودة بكثرة تحت المباني السكنية، والموروثة من الحقبة السوفيتية، والتي تُعرف بالكابوني.

وعقب الإعلان عن صفقة الطائرات الهولندية والدنماركية، عمدت موسكو إلى إدانة إرسال هذه الطائرات لأوكرانيا، والتحذير من مغبة ذلك على أمن أوروبا، وذلك كما برز في تعليق نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، على تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، التي وصفت قرار هولندا والدنمارك بأنه "يوم جيد"، بالتعبير عن خشيته من "أن يصبح أحد الأيام الجيدة التالية المماثلة لأوروبا آخر يوم لها". واستكمل ذلك تصريحات سابقة لوزارة الخارجية الروسية في أعقاب القرار الأمريكي بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات "أف 16" في مايو 2023، والتي أكدت أنها "ستكون أهداف مشروعة للقوات الروسية"، وتصريحات وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في 12 يوليو الماضي، باعتبار هذه الطائرات تهديداً نووياً، وأن روسيا لا يمكنها أن تتجاهل "قدرة هذه الطائرات على حمل أسلحة نووية"، واكتفاء الرئيس بوتين بالإشارة إلى أنها "ستحترق" فور استخدامها. 


النتائج المُتوقعة:

من الأرجح أن يؤدي تزويد كل من هولندا والدنمارك والنرويج لأوكرانيا بطائرات "أف 16"، إلى تحقيق النتائج التالية:

1- تحسين الأداء العسكري لكييف: يؤدي وجود الطائرة "أف 16"، بما تتميز به من قدرات هجومية ودفاعية عالية، إلى تحقيق هدفين؛ يتعلق الأول بتوفير غطاء جوي يحمي الأجواء الأوكرانية من الهجمات الصاروخية الروسية وهجمات الطائرات من دون طيار، مما يقلل من الخسائر المدنية التي تتكبدها الدولة يومياً. ويؤدي الهدف الثاني إلى مزيد من الاستنزاف للخطوط الأمامية لروسيا في شرق وجنوب أوكرانيا عبر توفير غطاء للقوات الأوكرانية أثناء معاركها البرية.

2- تقديم مزيد من الدعم التسليحي لأوكرانيا: يفتح قرار تزويد أوكرانيا بطائرات "أف 16" وتغير استراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع الحرب الحالية، الباب أمام مزيد من تدفق الطائرات والأسلحة لكييف. فبشأن الطائرات، من المُتوقع أن تُورد دول أخرى، مثل بلجيكا، أعداداً إضافية من "أف 16" لكييف، وأن تُورد السويد لها طائرات "جاس-39 غربين". وفيما يتعلق بالأسلحة، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الصاروخي "باتريوت"، ودبابات "ليوبارد" الألمانية و"أبرامز" الأمريكية، وصواريخ "سكالب" الفرنسية بعيدة المدى، وصواريخ "ستورم شادو" البريطانية، وغيرها من الأسلحة والمعدات العسكرية التي زودت بها الولايات المتحدة ودول "الناتو" أوكرانيا منذ بدء الحرب؛ من المُرجح أن تُزود واشنطن كييف بالصواريخ الموجهة بعيدة المدى (ATACM)، وذلك بما يضيف إلى فعالية منظومة "باتريوت" التي نجحت الصواريخ الروسية في إلحاق إضرار بإحدى بطارياتها خلال العام الحالي، وأن تُزودها السويد بمركبات المشاة القتالية من طراز "CV-90s" في القريب العاجل. 

ويُلقى كل ذلك بالعبء على الآلة العسكرية الروسية التي ستكون مُضطرة لتخصيص مزيد من الموارد لحماية وجودها العسكري على الحدود الشرقية والجنوبية لأوكرانيا، وهو ما سوف يتفاقم بعد توريد طائرات "أف 16" القادرة على حمل هذه الصواريخ بعيدة المدى، واستخدامها في مهاجمة الأهداف العسكرية الروسية.

3- إطالة أمد الحرب دون وجود أفق استراتيجي لاسترداد أوكرانيا لكامل أراضيها: يأتي ذلك بالنظر إلى تزامن توقع تحسن الأداء العسكري لأوكرانيا مع استمرار الفارق الهائل بين القوتين العسكرية الروسية والأوكرانية. فعلى الرغم مما يبدو من ترهل في الأداء العسكري الروسي منذ بدء الحرب في العام الماضي، وعدم إمكانية حسمها في الأسابيع الأولى، كما توقع كثير من المحللين، وذلك كما يظهر في اشتداد القتال المُتقطع حول مدينة باخموت شرق أوكرانيا، وتعرض موسكو بشكل منتظم أخيراً لهجوم بطائرات مُسيّرة من غير طيار، ومحاولة أوكرانيا التوغل في المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية بالقرب من بحر آزوف بما يؤدي إلى عزل روسيا عن قواتها في شبه جزيرة القرم؛ فإن التفوق العسكري الروسي يبدو واضحاً برغم ما يعتريه من مظاهر ضعف لا تتناسب مع ترتيب الجش الروسي كثاني أقوى جيوش العالم في تصنيف "غلوبال فاير باور" لعام 2023، بسبب وجود مشاكل في الاستعداد القتالي، والقيادة، والتدريب، والمسائل المتعلقة بالإمداد. 

وفي هذا الصدد، صرّح الرئيس السابق للجنة العسكرية في حلف "الناتو"، هارالد كوجات، يوم 1 سبتمبر الجاري، بأن تقديم طائرات "أف 16" الأمريكية إلى أوكرانيا لن يكون ذا فائدة كبيرة بالنسبة لها في الحرب الجارية. فمع كل الدعم الغربي المُقدم لأوكرانيا، نجحت روسيا في التصدي للهجوم المُضاد للقوات الأوكرانية، وما زالت تُسيطر على أراضٍ واسعة في الشرق والجنوب يُقدرها الخبراء بنحو 20% من مساحة أوكرانيا، وكانت آخر خسائرها الكبرى في منطقة خيرسون في نوفمبر 2022، فضلاً عن أنها تحظى بقوة جوية تعتبر الثانية عالمياً بأكثر من 4 آلاف طائرة حربية منها نحو 770 مقاتلة مثل "سو - 34" و"سو - 35"، وتمتاز الطائرة المقاتلة الأخيرة بمزايا نسبية تفوق طائرة "أف 16" من حيث القدرة على المناورة في المنعطفات والممرات الضيقة، وعلى إطلاق الصواريخ من سرعات وارتفاعات لا يمكن للطائرة المنافسة الوصول إليها، ومن حملها لأجهزة رادار أكثر تطوراً، في حين لا تتفوق عليها "أف 16" إلا في الخفة والسرعة، وفي معايير سهولة الصيانة وكفاءة استخدام الوقود. ومع ذلك، تبقى ساحة المعركة هي الفيصل في إثبات أي من الطائرتين سوف تكون الأكثر فعالية في تحقيق الأهداف الموضوعة من كلا الجانبين.

ختاماً، من الأرجح أن تُسهم مقاتلات "أف 16" في تغيير الوزن النسبي لكفة أوكرانيا في الحرب الجارية دون أن تصل بها إلى مرحلة التعادل مع روسيا، وأن تشهد الفترة المقبلة تسريع وتيرة تدريب الطيارين الأوكرانيين على استخدام هذه الطائرات، بما يشمل التدريب داخل الولايات المتحدة نفسها، وكذلك تقديم مزيد من الدعم التسليحي لكييف لزيادة الضغوط على موسكو، وذلك في إطار الالتزام بعدم استخدام أوكرانيا لطائرات "أف 16" وغيرها في مهاجمة العمق الروسي حتى لا يدخل حلف "الناتو" في "اشتباك مسلح مباشر" مع روسيا. 

وعلى الجانب الآخر، من غير المُرجح أن يكون هناك رد فعل عسكري روسي سريع على قرار تزويد أوكرانيا بطائرات "أف 16"؛ بالنظر إلى محدودية عدد الطائرات التي سوف يتم إرسالها، والإشكاليات الفنية المرتبطة بعملها وبمواعيد تسليمها، هذا مع الاتجاه على المدى القصير إلى التشكيك في قدرة هذه الطائرات على تغيير واقع المعركة، وعلى المدى الطويل إلى ممارسة مزيد من الضغوط غير المباشرة على الدول الأوروبية خاصة في مجال الطاقة، والتهديد اللفظي باستخدام القوة النووية ما لم يطرأ تهديد وجودي على أمنها القومي يستدعي الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية التكتيكية الموجودة في بيلاروسيا.