أثر الدومينو:

السيناريوهات المُحتملة للانقلاب العسكري في الغابون

30 August 2023


أعلنت مجموعة من ضباط الجيش في الغابون، في 30 أغسطس 2023، إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية الجدلية التي شهدتها البلاد أخيراً، وإغلاق الحدود وحل كافة مؤسسات الدولة والإطاحة بالرئيس، علي بونغو أونديمبا، الذي فاز أخيراً بفترة ولاية ثالثة. 

الإطاحة بحكم آل بونغو:

يأتي الانقلاب العسكري الأخير الذي شهدته الغابون ليضع حداً لحكم أسرة آل بونغو التي تهيمن على السلطة في البلاد منذ عام 1967، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- انتخابات جدلية: شهدت الغابون، في 26 أغسطس 2023، انتخابات برلمانية ورئاسية أثارت جدلاً واسعاً في البلاد، حيث خاض الرئيس، علي بونغو، منافسة حادة ضد تكتل المعارضة الذي عمد إلى الدفع بمرشح مشترك، هو وزير التعليم السابق ألبرت أوندو أوسا، كممثل لائتلاف "البديل 2023"، ليخوض السباق الانتخابي ضد بونغو، فبعدما كان الأخير يخوض المنافسة ضد 18 مرشحاً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعلن 6 منهم تشكيل ائتلاف موحد ضد الرئيس علي بونغو. 

وكانت الهيئة العليا للانتخابات في الغابون قد أعلنت عن فوز الرئيس، علي بونغو، بولاية ثالثة في الاستحقاقات الأخيرة، بنسبة بلغت حوالي 64.27%، فيما شككت قوى المعارضة في هذه النتائج، متهمةً الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات، وأعلنت المعارضة فوز مرشحها، ألبرت أوندو أوسا، بالانتخابات الرئاسية، مطالبة بونغو بتسليم السلطة، حيث اصطف كثير من الأحزاب السياسية خلف مرشح المعارضة.

وفي ظل تصاعد حدة التوترات والاستقطاب الداخلي، وتزايد القلق من احتمالية حدوث اضطرابات واسعة في البلاد، أعلنت مجموعة من ضباط الجيش في الغابون الإطاحة بالرئيس بونغو وإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة، متهمين الرئيس بتزوير هذه النتائج، وقد أرجع قادة الانقلاب هذه الخطوة إلى الإدارة غير المسؤولة للرئيس بونغو والتي صارت تهدد التماسك الاجتماعي وتدفع بالبلاد نحو حالة من الفوضى، لافتين إلى أن الرئيس لم يكن له الحق في الترشح لفترة رئاسية ثالثة، معلنين حل كافة المؤسسات وإلغاء الدستور وتشكيل مجلس عسكري جديد، تحت مسمى "لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات" "CTRI" برئاسة قائد الحرس الرئاسي، الجنرال بريس أوليغي نغويما، وقد أعلن المجلس العسكري الجديد أيضاً اعتقال أحد أبناء الرئيس ومستشاره المقرب، نور الدين بونغو، وذلك بتهمة الخيانة العظمى.

2- هيمنة أسرة آل بونغو على الحكم في الغابون: بعد استقلال الغابون عن فرنسا، في أغسطس 1960، تولى الحكم الرئيس الأول للبلاد، ليون مبا، وبعد وفاته تولى الحكم الرئيس السابق، عمر بونغو، والذي ظل مهيمناً على السلطة لأكثر من أربعة عقود، استمرت بداية من 1967 وحتى وفاته عام 2009، حيث خلفه ابنه، علي بونغو، بعد الانتخابات المتنازع عليها في 2009، وحصل على فترة ولاية ثانية في انتخابات 2016 التي تمخضت عنها اضطرابات داخلية واسعة، قبل أن يترشح في الاستحقاقات الأخيرة التي شابتها مزاعم بالتزوير وأثارت توترات متزايدة مع قوى المعارضة.

وخلال الـ55 عاماً التي هيمنت فيها أسرة آل بونغو على السلطة، احتفظت خلالها بعلاقات وثيقة مع فرنسا، وذلك في إطار نظام "Francafrique"، والذي يرتكز على فكرة الحصول على دعم واسع من قبل باريس، سياسياً وعسكرياً، مقابل منح فرنسا امتيازات تجارية واسعة، خاصةً في ظل الثروات الهائلة التي تزخر بها الغابون، سواءً الموارد النفطية الكبيرة، حيث تُعد ليبرفيل أحد أكبر منتجي النفط في إفريقيا وهي عضو في منظمة "الأوبك"، أم حتى بالنسبة للموارد الخام الأخرى التي تمتاز بها الغابون، وأبرزها الأخشاب، حيث تغطي الغابات نحو 90% من إجمالي مساحة الغابون، ولا تزال فرنسا تحتفظ بقاعدة عسكرية لها داخل العاصمة الغابونية، تضم نحو 350 جندياً، كما تسيطر باريس على صناعة النفط والمعادن في الغابون من خلال عدة شركات، أبرزها "توتال" و"إيراميت". 

3- ردود فعل مُتباينة: أثار الانقلاب العسكري الأخير في الغابون إدانة دولية واسعة، فقد أدانت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي الانقلاب العسكري، كما أعلنت الحكومة الفرنسية عن إدانتها لعملية الاستيلاء على السلطة من قبل الجيش الغابوني، لكن يلاحظ أن رد الفعل الفرنسي جاء أقل حدةً بشكل ملحوظ مقارنة بموقف باريس من الانقلاب العسكري الأخير في النيجر، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات بشأن موقف باريس من قادة الانقلاب العسكري في الغابون. 

كذا، أعلن مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الانقلاب الأخير في الغابون سيزيد من حالة عدم الاستقرار في القارة الإفريقية. كما أعلنت روسيا والصين عن تطلعاتهما لعودة الاستقرار سريعاً في الغابون، بينما عبرت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء التطورات الجارية في ليبرفيل، فيما انتقدت بريطانيا وألمانيا الانقلاب الأخير في الغابون، لكنهما أشارتا إلى وجود مخاوف مشروعة تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأخيرة هناك.

أما داخلياً، فقد شهدت العاصمة الغابونية، ليبرفيل، تظاهرات واسعة داعمة لقادة الانقلاب العسكري الأخير الذي أطاح بحكم آل بونغو. ومن جانبه، نشر الرئيس المعزول، علي بونغو، فيديو من مقر إقامته الجبرية، ناشد خلاله حلفاءه الخارجيين التدخل لمساعدته ضد الانقلاب العسكري الذي أطاح به من السلطة، كما دعا بونغو أنصاره في الداخل للاحتجاج ضد قادة الانقلاب.

في المقابل، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الجنرال بريس أوليغي نغويما، أن الرئيس المعزول تمت إحالته للتقاعد، مع احتفاظه بكافة الحقوق باعتباره مواطناً غابونياً عادياً، في رسالة اعتبرتها غالبية التقديرات محاولة من قبل قادة الانقلاب العسكري احتواء الانتقادات الخارجية، وتجنب أي تصعيد من قبل القوى الدولية المختلفة.

روايات مُتضاربة:

تباينت التقديرات بشأن سياقات الانقلاب العسكري الأخير الذي شهدته الغابون والأطراف الخارجية التي ربما تكون مُنخرطة في دعم هذا الانقلاب والإطاحة بحكم آل بونغو، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- مزاعم بوجود دور روسي: ذهبت بعض التقديرات إلى عدم استبعاد وجود دعم روسي غير معلن لقادة الانقلاب العسكري الأخير في الغابون، مستندة في ذلك إلى تصاعد حدة التنافس الدولي في وسط وغرب إفريقيا، وتحركات موسكو المستمرة لتقويض النفوذ الغربي، ولاسيما الفرنسي، في هذه المنطقة.

بيد أن ثمة تقديرات أخرى استبعدت وجود أي دور روسي في الانقلاب العسكري الأخير، في ظل التأثير الروسي المحدود للغاية في الداخلي الغابوني، فضلاً عن عدم إبداء قادة الانقلاب العسكري، حتى الآن، أي مؤشرات تتعلق برغبتهم في تعزيز التعاون مع موسكو.

2- دور بريطاني مُحتمل: على الرغم من علاقة الغابون التاريخية والوثيقة بفرنسا، بيد أنها انضمت في يونيو 2022 إلى مجموعة الكومنولث البريطانية، لتشكل بذلك أحد أعضاء المجموعة المحدودين من الدول التي لم تكن مستعمرة سابقاً من قبل بريطانيا، وفي هذا الإطار لم تستبعد بعض التقديرات وجود دور بريطاني مُحتمل في الإطاحة بحكم علي بونغو، في ظل مساعي لندن تعزيز نفوذها في هذه المنطقة، وأن الانقلاب الأخير في الغابون يعكس أحد ملامح صراع النفوذ الأنجلوفرانكفوني في القارة الإفريقية.

3- خطوة استباقية من فرنسا: ربطت بعض التقديرات بين الانقلاب العسكري الأخير الذي قاده، الجنرال بريس أوليغي نغويما، وصفقة التسليح التي جرت بين الغابون وفرنسا، نهاية يوليو 2023، والتي بموجبها تم تسليح الحرس الجمهوري الغابوني بأربع مدرعات فرنسية من طراز "AML-90"، وهو ما جعل الحرس الجمهوري القوة الأكبر والأكثر تجهيزاً في الداخل الغابوني.

وفي هذا السياق، أشارت بعض التقديرات إلى أن استخدام الرئيس، علي بونغو، للغة الإنجليزية في الفيديو الذي نشره وطلب خلاله الدعم من حلفائه الخارجيين، بدلاً من اللغة الفرنسية الرسمية في البلاد، عكس مؤشرات مهمة مفادها أن بونغو كان يطلب الدعم بالأساس من دول مجموعة الكومنولث البريطانية وليس من فرنسا، وهو ما قد يدعم فكرة أن فرنسا مرتبطة بقادة الانقلاب العسكري في الغابون، خاصةً وأن رئيس المجلس العسكري الجديد في البلاد هو ابن عم الرئيس المعزول علي بونغو.

وربما يدعم هذا الطرح قيام حكومة علي بونغو بحظر محطات الإعلام الفرنسية في البلاد بشكل مُؤقت، في 27 أغسطس 2023، بدعوى افتقارها للموضوعية في تحليلاتها المُتعلقة بالانتخابات، وهو ما قد يُعزز الرؤية التي تتبنى فكرة وجود خلافات قائمة بين نظام بونغو وباريس ربما يكون قد دفع الأخيرة لاتخاذ خطوات استباقية من خلال الدفع نحو استبدال نظام بونغو بنظام جديد أكثر مُوالاة لفرنسا، خاصةً في ظل قلق باريس من الموجات الانقلابية في مناطق النفوذ التقليدية لفرنسا في القارة الإفريقية، فضلاً عن تنامي القلق الفرنسي من تصاعد وتيرة السخط في الداخل الغابوني من نظام بونغو. وبناءً عليه، لا يستبعد أنصار هذا الطرح أن تكون باريس قد عمدت إلى محاولة إدارة انقلاب عسكري بغية استبدال نظام بونغو وتهدئة الاحتقان الداخلي المتنامي في الغابون، وتجنب حدوث إنقلاب عسكري مدعوم من أطراف دولية أخرى.

4- تطلعات أمريكية جديدة في إفريقيا: من ناحية أخرى، ربطت تقديرات أخرى بين الانقلاب العسكري الأخير في الغابون ومساعي الولايات المتحدة تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، وفي هذا السياق أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن هناك تطلعات جارية لدى الولايات المتحدة تستهدف تقويض النفوذ الفرنسي في غرب ووسط إفريقيا مقابل تعزيز النفوذ الأمريكي هناك، بل إن هذه التقارير ذهبت إلى حد الإشارة إلى أن واشنطن ربما صارت مقتنعة أن على باريس سحب كافة قواتها الموجودة في غرب ووسط القارة الإفريقية، والتخلي عن أي دور استراتيجي لها في هذه المنطقة، وذلك بدعوى أن الموجة الحالية المتزايدة والمؤيدة لروسيا في هذه المنطقة ما هي إلا انعكاس للسخط الإفريقي من الدور الفرنسي.

واستناداً لهذا الطرح، لم تستبعد بعض التقديرات وجود روابط بين الانقلاب العسكري الأخير في الغابون ومساعي الولايات المتحدة تعزيز انخراطها وإدارتها المباشرة للمشهد في غرب ووسط إفريقيا، بعدما فشلت فرنسا في الحفاظ على المصالح الغربية في هذه المنطقة.

دلالات مُتعددة:

عكس الانقلاب العسكري الأخير في الغابون جملة من الدلالات المهمة التي ترتبط بالمفارقات المتعددة التي تنطوي عليها حالة ليبرفيل، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تاريخ محدود للانقلابات العسكرية: بخلاف غالبية الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، لم تشهد الغابون أي انقلاب عسكري ناجح منذ استقلالها عن باريس، على الرغم من حدوث عدة انقلابات عسكرية فاشلة، كان آخرها في يناير 2019، وذلك أثناء وجود الرئيس علي بونغو خارج البلاد لتلقي العلاج، بعدما تعرض لجلطة دماغية عام 2018 أبعدته لمدة عام عن السلطة، حيث سيطرت مجموعة من الجنود لفترة وجيزة على محطة إذاعية، نشروا خلالها بياناً أعلنوا فيه أن الرئيس بونغو لم يعد صالحاً للاستمرار في السلطة، بيد أن هذه المحاولة باءت بالفشل وتمكنت القوات الحكومية من السيطرة على الأوضاع في العاصمة ليبرفيل.

وفي عام 1964، شهدت الغابون أول محاولة انقلابية فاشلة ضد الرئيس الأول للبلاد، ليون مبا، بيد أن هذه المحاولة الانقلابية لم تستمر سوى بضع ساعات فقط، حيث تمكن الجيش، بدعم من فرنسا، من إعادة الرئيس للسلطة، لذا لطالما كانت هناك قناعة راسخة في الداخل الغابوني بعدم وجود اتفاق تام داخل النخبة العسكرية في البلاد بشأن دعم أي انقلاب عسكري ضد الرئيس، وهو ما يجعل الانقلاب الأخير ضد بونغو إحدى المفارقات الرئيسة في البلاد، ومؤشراً مهماً على وجود تغير في المزاج العام داخل المؤسسة العسكرية في الغابون.

2- استقرار أمني نسبي في الغابون: تكتسي حالة الغابون حالة من التفرد التي تميزها عن الانقلابات العسكرية الأخرى التي شهدتها منطقة وسط وغرب إفريقيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فمن ناحية لا تعاني الغابون، على عكس النيجر وبقية دول الساحل الإفريقي، من التهديدات الإرهابية التي شكلت أحد أبرز المحفزات المزعومة من قبل قادة الدول التي شهدت انقلابات عسكرية في المنطقة، ومن ناحية أخرى تمتاز حالة الغابون بتعدد الأطراف الخارجية الفاعلة في المشهد، خاصةً في ظل الأهمية الجيوستراتيجية الكبيرة للغابون في منطقة وسط إفريقيا، حيث تقع على الساحل الغربي لوسط القارة الإفريقية، وهي إحدى الدول الغنية بالنفط، مع عدد سكان محدود يقدر بحوالي 2.4 مليون نسمة، ما جعلها محل اهتمام واسع من قبل القوى الدولية المتنافسة في إفريقيا.

3- استمرار عدوى انتشار الانقلابات العسكرية: ألمحت بعض التقديرات إلى أن الانقلاب الأخير في الغابون يعكس استمرار ظاهرة عدوى الانتشار للانقلابات العسكرية في غرب ووسط القارة الإفريقية، ورجحت هذه التقديرات أن تشهد الفترة المُقبلة مزيداً من الانقلابات العسكرية في وسط القارة الإفريقية، من خلال تمدد تأثيرات الانقلاب العسكري في الغابون على السياق الإقليمي المحيط، ولاسيما في الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو، حيث يحتفظ رؤساء هذه الدول بالسلطة منذ عقود.

وتُشير كثير من التقديرات إلى أن الاستجابة الدولية والإقليمية الضعيفة للانقلابات العسكرية السابقة في غرب ووسط إفريقيا صارت تُشكل مُحفزاً مهماً للقادة العسكريين للقيام بمزيد من الانقلابات العسكرية، مع وجود اقتناع كبير لديهم بعدم وجود رادع حقيقي، ما جعل جنرالات المنطقة أكثر جرأة، كما يشكل الدعم الشعبي الواسع في حالة الغابون مُحفزاً إضافياً لقادة الانقلاب، في ظل السخط الشعبي الواسع من نظام آل بونغو.

سيناريوهات مُحتملة:

يشكل الانقلاب العسكري الأخير في الغابون ثامن انقلاب تشهده المُستعمرات الفرنسية السابقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ولا تزال ولاءات قادة المجلس العسكري الجديد في الغابون غير واضحة، لكنها يمكن أن تبدأ في التبلور في مرحلة ما بعد التنصيب الرسمي للجنرال بريس أوليغي رئيساً مؤقتاً للبلاد، في 4 سبتمبر المقبل، وفي هذا الإطار يمكن طرح عدة سيناريوهات مُحتملة خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- التقارب مع روسيا: حيث يمكن أن يدفع المجلس العسكري الجديد في الغابون نحو تعزيز التقارب مع روسيا، على حساب تقاربات ليبرفيل السابقة بفرنسا، ويستند هذا السيناريو إلى التقديرات التي تُشير إلى احتمالية وجود دور روسي في دعم جهود الانقلاب الأخير في الغابون، في ظل التحركات الروسية التي تستهدف توسيع نفوذها في وسط إفريقيا، ينطلق من جمهورية إفريقيا الوسطى والغابون ليمتد خلال الفترة المقبلة نحو مزيد من دول المنطقة، لكن حتى الآن لا توجد أي مؤشرات تدعم هذا المسار، لكن هذا السيناريو ربما يكون الأكثر ترجيحاً حال شهدت التظاهرات الشعبية الداعمة لقادة الانقلاب في الداخل الغابوني رفعاً للأعلام الروسية.

2- الحفاظ على التقارب مع الغرب: لا يزال هذا السيناريو هو الأقرب حتى الآن، وهو يفترض أن يكون هذا الانقلاب مدعوماً من قبل الغرب، أو على الأقل نجاح القوى الغربية في التنسيق مع قادة الانقلاب العسكري في الغابون لتأمين مصالحها هناك والحيلولة دون اتجاه المجلس العسكري الجديد للتقارب مع روسيا، وربما تدعم هذا السيناريو تصريحات قادة الانقلاب العسكري في الغابون والتي عكست وجود مساعٍ لطمأنة الغرب وتجنب أي توترات مع القوى الغربية.

3- انقلابات مضادة: على الرغم من الدعم الشعبي الحالي للانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم أسرة آل بونغو، فإن التصريحات الأخيرة من قبل قوى المعارضة الغابونية ودعوتها لقادة الانقلاب بضرورة الاعتراف بمرشحها الرئاسي، ألبرت أوندو أوسا، رئيساً للبلاد بعد اعتراف قادة الانقلاب بعدم شفافية العملية الانتخابية الأخيرة تعكس مؤشرات بشأن احتمالية تزايد التوترات في الداخل الغابوني خلال الفترة المقبلة، خاصةً وأن قائد المجلس العسكري الجديد هو ابن عم الرئيس المعزول علي بونغو، وبالتالي يُعد من المحسوبين على نظام آل بونغو، لذا لا يستبعد أن يؤدي تصاعد الاضطرابات السياسية إلى حدوث انقلابات عسكرية مضادة في الغابون.

وفي التقدير، يمكن القول إن المشهد الداخلي في الغابون لا يزال يتسم بحالة من الضبابية الشديدة، التي يصعب من خلالها توقع حدوث أي من السيناريوهات السابقة، وربما يزداد الأمر غموضاً بسبب الطبيعة المميزة لحالة الغابون مقارنة بدول وسط وغرب إفريقيا التي شهدت انقلابات عسكرية سابقة، بالتالي هناك حالة من الترقب الحذر من قبل الأطراف الداخلية والخارجية لتوجهات المجلس العسكري الجديد في الغابون، لكن يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الانقلابات العسكرية في وسط إفريقيا، خاصةً في ظل التنافس الدولي الحاد والمتنامي.