قوة "بن غفير":

إنشاء "الحرس الوطني" الإسرائيلي.. صفقة سياسية وتحديات أمنية

05 April 2023


وافقت الحكومة الإسرائيلية، رسمياً، في اجتماعها الأسبوعي، يوم 2 إبريل 2023، على تشكيل قوة الحرس الوطني، التي اقترحها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. وذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان له، أن الحرس الوطني "سيتعامل مع حالات الطوارئ الوطنية"؛ في إشارة إلى الأحداث التي صاحبت التوغل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة في مايو 2021، موضحاً أنه سيتم تشكيل لجنة لمناقشة اختصاصات الحرس الوطني ومسؤولياته وتسلسل قيادته، وستُقدم التوصيات إلى مجلس الوزراء في غضون 90 يوماً.

وكان بن غفير قد أعلن، في 29 مارس الماضي، عن خطته لإنشاء قوة جديدة للحرس الوطني، تكون تحت إشرافه مباشرة، مؤكداً بثقة أن اقتراحه سيتم تمريره، وأن الميزانية التي طلبها لإنشاء هذه القوة ستتم الموافقة عليها.

وفي هذا الصدد، تُرجح العديد من التقديرات أن تشكيل قوة الحرس الوطني يأتي في إطار صفقة سياسية بين نتنياهو وبن غفير، حيث إنها كانت ضمن شروط الأخير أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية كي يقبل الانضمام لها، كما أن موافقته الأسبوع الماضي على تأجيل التصويت على التشريعات القضائية – ولو مؤقتاً- جاءت في مقابل تسريع نتنياهو لخطوات إنشاء هذه القوة الجديدة.

مهام أمنية:

ذكر بن غفير، في بيان له، يوم 2 إبريل الجاري، أن إنشاء الحرس الوطني لبّى حاجة أساسية لإسرائيل، مؤكداً أن هناك إجماعاً واسعاً على أن الحرس سيعمل على استعادة الأمن الشخصي والنظام في جميع أنحاء البلاد. وتُعد القوة الجديدة بمثابة وحدة مسلحة موازية لقوات الشرطة والجيش، حيث سيتم نشرها في جميع أنحاء إسرائيل، وستكون مهمتها بشكل رسمي هي مكافحة الإرهاب والجريمة، والمشاركة في فرض النظام العام، وذلك باستخدام الوسائل التكنولوجية والاستخبارية المناسبة، مع التركيز على التعامل مع الأحداث الطارئة بكثافة وكفاءة عالية.

وسوف يعتمد الحرس الوطني على القوات النظامية، فضلاً عن الفرق التكتيكية، وقوات الاحتياط والمتطوعين. وسيتم منح عناصره نفس صلاحيات ضباط الشرطة، وسيخضعون لإشراف وزارة الأمن القومي، وسيكون للوزير بن غفير السلطة المباشرة على تلك القوة.

وعلى الرغم من أنه لم يتم تحديد ميزانية إنشاء وتشغيل القوة الجديدة بشكل رسمي بعد، فقد ظهرت تقارير تتحدث عن أن الحكومة الإسرائيلية قد تُخصِّص نحو مليار شيكل لها، أي ما يُعادل حوالي 277 مليون دولار، وسيتم توفير هذا التمويل من خلال اقتطاع 1.5% من موازنات جميع الوزارات، بما في ذلك وزارات الدفاع، والرعاية الاجتماعية، والصحة، والتعليم.

ويرتبط توقيت الموافقة على إنشاء الحرس الوطني بقرار نتنياهو يوم 27 مارس الماضي بتأجيل التصويت على خطة الإصلاح القضائي، حيث هدّد بن غفير بالخروج من الائتلاف الحاكم، وبالتالي إسقاط الحكومة، إذا تم تأجيل قانون الإصلاح القضائي، ولكن نتنياهو أقنعه بالعدول عن ذلك مقابل الموافقة بشكل عاجل على إنشاء قوة الحرس الوطني التي ستعمل تحت إشراف وزارته.

معارضة داخلية:

في أعقاب الإعلان عن خطة بن غفير لإنشاء الحرس الوطني، في 29 مارس الماضي، نزل آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع للاحتجاج على هذه القوة، خاصة أن منْ يقف وراءها هو بن غفير؛ أحد الخصوم الرئيسيين للحركة الاحتجاجية الحالية في البلاد. ولكن المعارضة الأبرز كانت من جانب مسؤولين حكوميين، وعلى رأسهم مُفوِّض الشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي، الذي نشر رسالة يوم 2 إبريل الجاري، وصف فيها خطوة تشكيل الحرس الوطني بأنها "غير ضرورية، مع تكاليف باهظة للغاية قد تضر بالأمن الشخصي للمواطنين". وقال شبتاي إن هذه الخطوة تُهدِّد أيضاً "بإلحاق أضرار جسيمة بأنظمة الأمن الداخلي في البلاد". وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن شبتاي لم يُسمَح له بحضور المناقشة الوزارية أثناء صدور إنشاء هذه القوة.

كما أعرب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، عن عدم موافقته على إنشاء حرس وطني، وبحسب مصادر في المؤسسة الأمنية، أعرب عن معارضته في محادثات مغلقة، بحجة أنه "لا يمكن لشرطتين العمل في نفس الموقع بالميدان". كما أبلغت المدعية العامة الإسرائيلية، غالي باهراف ميارا، المسؤولين الحكوميين أن الاقتراح يواجه عقبات قانونية، وقالت إن الشرطة "يجب عليها ويمكنها التعامل مع المشاكل الأمنية دون الحاجة إلى هيئة إضافية". وفي ذات الاتجاه، أبدت وزيرة الاستخبارات، جيلا غامليل، تحفظات على تلك الخطوة، مُحذِّرة من المساس بسلطة الجيش الإسرائيلي، وملوّحة بخطر المنافسة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وهو ذات الانتقاد الذي أبداه وزير التربية والتعليم، يوآف كيش.

أمّا على صعيد قوى المعارضة، فقد أعرب رئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، في فيديو مُصوّر، عن معارضته لخطوة تأسيس حرس وطني، وألقى باللوم على الوزراء لتصويتهم بالموافقة على تمويل ما وصفه بأنه "جيش خاص" تابع لبن غفير. وتابع أن "أولويات هذه الحكومة سخيفة.. الشيء الوحيد الذي يبقيها مشغولة هو تجاوز الديمقراطية وتعزيز الأوهام المتطرفة للأشخاص الوهميين". فيما أكد وزير الدفاع السابق، بيني غانتس، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، معارضته لتأسيس هذه القوة الجديدة، مشيراً إلى أنه يأمل "بشدة أن يتم إنقاذ إسرائيل من هذه المشكلة، التي تُسمى بن غفير"، ومعتبراً أن "هذا الوزير ليس على دراية بتعقيدات إنشاء الحرس الوطني"، على حد وصفه. أمّا المفوض السابق للشرطة الإسرائيلية، موشيه كرادي، فصرح قائلاً: "بن غفير قد يستخدم الحرس الوطني لتنفيذ انقلاب، ولا أحسد رئيس الشاباك على وضعه"، وقصد هنا الإشارة إلى احتمال أن يلجأ نتنياهو نفسه لاستغلال هذه القوات للبقاء في الحكم.

تحديات رئيسية:

تركّزت الانتقادات الموجهة لإنشاء قوة الحرس الوطني، تحت إمرة بن غفير، حول فكرة "تقييم الجدوى"، والتي يمكن توضيحها، وفقاً لتقديرات خبراء الأمن الإسرائيليين، في ثلاثة محاور رئيسية، كالتالي:

1- خطورة فصل الحرس الوطني عن الشرطة الإسرائيلية: بالرغم من اتفاق خبراء الأمن الإسرائيليين على أهمية قوة الحرس الوطني في مواجهة التحديات الأمنية التي ظهرت في المدن المختلطة (التي تحوي سكاناً عرباً وإسرائيليين)، والتي ظهرت بعد عملية "حارس الأسوار" في مايو 2021، فإن الانتقاد الرئيسي يتعلق بكيفية فصل هذه القوة عن الشرطة الإسرائيلية، وخضوعها بشكل مباشر للوزير بن غفير. وهنا يُنظر إلى أن إنشاء القوة الجديدة لا يأتي تحت مبررات عملياتية، وإنما كجزء من صفقة سياسية بين نتنياهو وبن غفير، كما أن فصلها تنظيمياً عن الشرطة الإسرائيلية سيضر بشكل كبير بالأخيرة، ويُضعِف من قدرتها على تأدية مهامها، وسيخلق عقبات تنظيمية وتشغيلية صعبة.

2- الخلط بين القوة الجديدة وخطط مماثلة سابقة: في يونيو 2022، في نهاية عهد رئيس الوزراء الأسبق، نفتالي بينيت، تم الإعلان عن إنشاء وحدة حرس وطني، وذلك على خلفية عملية "حارس الأسوار"، والتي شهدت اشتباكات عنيفة مكثفة بين "عرب 48" واليهود، ولاسيما في المدن المختلطة وعلى الطرق الرئيسية في المناطق المأهولة بالسكان البدو في النقب. وهذه القوة المُقترحة تأسست كجزء من قوات حرس الحدود، التابعة للشرطة الإسرائيلية، والخاضعة بالتبعية لمُفوِّض الشرطة الإسرائيلية، وكان من المفترض أن تتكون من مجندين وقوات شرطة الحدود المُحترفة، بتعداد يصل إلى حوالي 900 فرد، بجانب 8 آلاف من قوات الاحتياط من شرطة الحدود والمتطوعين، وكان من المفترض أن تتوسع قوة المتطوعين بمقدار 1500 عسكري آخر بحلول عام 2023.

ولم تُنشر تحديثات لاحقة عن وضع تلك القوة، بيد أن تقريراً نُشر في صحيفة "إسرائيل هيوم"، في 20 يناير 2023، أوضح أن الخطة الكاملة لإنشاء القوة المُشار إليها قد تم تعليقها بسبب نقص الميزانية، واقتصر الأمر على وحدة صغيرة مُكوّنة من 300 متطوع فقط. ولم يتضح بعد ما هي العلاقة بين قوة بن غفير المُقرر إنشائها والخطط السابقة المتعلقة بالقوة القديمة، وهل ستلغي الجديدة نظيرتها السابقة الخاضعة لإمرة مفوّض الشرطة الإسرائيلية، خاصة أن تشكيل القوة القديمة قد نال حينها تأييد المسؤولين والخبراء الأمنيين في تل أبيب.

3- استهداف العرب داخل إسرائيل: وفقاً لتصور بن غفير عن قوة الحرس الوطني، فإنها ستعمل بالأساس في المدن المختلطة، وضد السكان العرب، وستُستخدم لهدم المنازل التي تأسست دون إذن حكومي، والمقصود هنا منازل العرب، الذين عادة ما يصعب عليهم الحصول على تصاريح البناء الإسرائيلية في القدس وصحراء النقب. لذا يخشى معارضو إنشاء هذه القوة من استخدامها لاستهداف العرب داخل إسرائيل، ويُنظر إليها في الأوساط الأمنية أنها ربما تقوم بانتهاكات ضد حقوقهم، وهو ما يُرشِّح تصاعد التوترات بين العرب والإسرائيليين في الداخل، والتي يمكن أن تمتد إلى الضفة الغربية، لتزيد من تعقيد المشهد الأمني، وتُهدد بانفجار يخشاه أغلب الإسرائيليين، بل ويحذرون منه.

ويبقى الاستنتاج الأكثر شيوعاً بين الأوساط الأمنية الإسرائيلية، هو أن وزير الأمن القومي، بن غفير، يهدف من خلال إنشاء الحرس الوطني إلى تشكيل قوة خاصة لأهدافه السياسية، وهو ما يُنظر إليه على أنه يمثل تهديداً للديمقراطية، فضلاً عن تداعياته غير المحسوبة على منظومة الأمن داخل إسرائيل.