حسابات مركبة:

أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان بين التمدد والتسوية

10 February 2023


ما زال لبنان من دون رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر 2022، وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد على مدار ما يقرب من ثلاثة أشهر شهدت أكثر من عشر جلسات لانتخاب من يشغل مقعد الرئاسة. في الوقت ذاته يبدو الفراغ الرئاسي هذه المرة أكثر تعقيداً من كل المرات السابقة التي اعتاد فيها لبنان حالات الفراغ بعد انتهاء ولاية رؤسائه؛ إذ إنه يتزامن هذه المرة مع فراغ حكومي بوجود حكومة تصريف أعمال في حكم المستقيلة منذ الانتخابات التشريعية في مايو 2022، ووجود نزاع دستوري حول أحقيتها في تسيير أعمالها فضلاً عن أعمال رئاسة الجمهورية التي تحال إليها بحكم الدستور. يضاف إلى ذلك تغيرات سياسية كبيرة داخل المشهد اللبناني، وأزمة اقتصادية ومعيشية حادة هي الأكبر في تاريخ لبنان، وسياق إقليمي ودولي شديد التعقيد؛ وهي الأمور التي تلقي بظلالها مجتمعة على ملف انتخاب رئيس الجمهورية.
عوامل الأزمة
تتضافر عدة عوامل داخل وخارج لبنان في تأزيم انتخاب رئيس الجمهورية وتؤدي إلى عجز الفرقاء اللبنانيين عن التوافق على مرشح واحد، بالإضافة إلى عدم وجود تدخلات دولية ناجعة تسهم في حلحلة الملف كما جرى في الأزمات المشابهة، وهو ما يشار إليه فيما يلي:

1- ضعف التحالفات: اتسمت التحالفات الناشئة داخل مجلس النواب اللبناني بعد الانتخابات التي جرت في مايو 2022 بالهشاشة والضعف، ما جعل الاتفاق على القضايا والملفات الرئيسة الخاصة بمستقبل لبنان أمراً شديد الصعوبة والتعقيد، وهو ما تبرهن عليه كل الاستحقاقات التي صوت عليها المجلس منذ انتخابه والتي حُسمت بالأغلبية البسيطة بعد مشاورات ومباحثات تجريها الكتل النيابية فيما بينها حول كل قضية على حدة، بدءاً من انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه وصولاً إلى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة في يونيو 2022.
وكانت جلسات انتخاب الرئيس قد شكلت انعكاساً واضحاً لذلك الضعف؛ إذ بدأت في 29 سبتمبر 2022 بتصويت 63 نائباً بأوراق بيضاء يمثلون كتلة قوى "8 آذار"؛ حزب الله وحلفاؤه، مقابل 36 صوتاً للنائب ميشال معوض تمثل أصوات كتلة القوى المعارضة؛ حزبا القوات والكتائب بالإضافة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض النواب المستقلين، و11 صوتاً للوزير السابق سليم إدة تمثل أصوات القوى التغييرية، و12 صوتاً باطلاً تمثل نواباً سنة ومستقلين. وانتهت الجلسة العاشرة في 15 ديسمبر 2022 بـ38 صوتاً لميشال معوض، و37 ورقة بيضاء، و8 أصوات للأكاديمي عصام خليفة، و26 صوتاً ما بين أسماء أخرى وأصوات باطلة.
ويشير هذا التغير الحاد في توزيع أصوات النواب بين الجلسة الأولى والجلسة العاشرة إلى تغيرات عميقة التأثير في المشهد السياسي اللبناني، فضلاً عن التأكيد أنه ليس بمقدور أي قوة أو كتلة أو تحالف إيصال مرشحه إلى رئاسة الجمهورية من دون التوافق مع بقية القوى، سواءً كان ذلك بالنسبة لحزب الله وحلفائه، أو بالنسبة للقوى المعارضة، أو القوى التغييرية والمستقلين، وهو الأمر ذاته الذي يقلل من مساحات التوافق التي جرت في وقائع شغور منصب رئيس الجمهورية السابقة وآخرها التي استمرت من مايو 2014 إلى أكتوبر 2016 وانتهت بنجاح حزب الله في فرض مرشحه ميشال عون بتسوية مع قوى "14 آذار" التي كانت تسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان تضمنت إيصال عون إلى الرئاسة، مقابل وصول رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى رئاسة الوزراء، وحصول حزب القوات اللبنانية على حصة وازنة في الحكومة الجديدة.
فهذه المرة لم يعد تيار المستقبل حاضراً في المشهد بعد اعتزال الحريري العمل السياسي ومقاطعة التيار للانتخابات، وأصبح حزب القوات اللبنانية الحزب المسيحي الأكثر تمثيلاً داخل البرلمان ما يسمح له بالمشاركة بفاعلية في استحقاق انتخاب الرئيس، بل وفرض شروط وسمات يصعب التنازل عنها في الرئيس الجديد أهمها أن يكون "سيادياً"، ما يعني ليس من فريق حزب الله الذي يرفض بدوره أي مرشح غير داعم للمقاومة، ولذلك تسير جلسات الانتخاب في فلك تأمين أكثرية الحضور وتعطيل انتخاب الرئيس، مع زيادة حدة الاستقطاب ورفض كل كتلة التنازل عن شروطها، وخاصة في ضوء التنافس المسيحي-المسيحي بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، ولذلك كانا هما الطرفان الرافضان للحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب وحركة أمل نبيه بري وحدد موعده بقبيل الجلسة العاشرة، وهو ما يسهم في تعقيد الأزمة.
2- تصدع علاقة حزب الله وحلفائه: يعزى التغير الذي شهدته نتائج التصويت في الجلستين التاسعة والعاشرة لانتخاب الرئيس، بالانخفاض الذي حدث في عدد الأوراق البيضاء إلى 39 و37 على التوالي مقارنة بـ52 في الجلسة الثامنة يوم 1 ديسمبر 2022 و63 في الجلسة الأولى؛ إلى تزايد التباينات في مواقف الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل) والتيار الوطني الحر، والتي ترجع في الأصل إلى رفض حركة أمل القاطع لترشيح جبران باسيل رئيس التيار وصهر الرئيس عون لموقع رئيس الجمهورية، وتفضيل حزب الله ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية عوضاً عن باسيل.
إلا أن هذه التباينات قد تحولت بصورة لافتة إلى خلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهي من المرات النادرة التي يظهر فيها هذا الخلاف إلى العلن منذ توقيع وثيقة التفاهم بين الجانبين في كنيسة مارمخايل في 6 فبراير 2006. ويرجع السبب في ذلك إلى مشاركة الوزراء التابعين لحزب الله في جلسة مجلس الوزراء التي دعا إليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في 5 ديسمبر 2022 على الرغم من رفض التيار الوطني الحر وما وصفه بوعد حزب الله بعدم عقد جلسات الحكومة إلا بموافقة كل مكوناتها، ووصفه للجلسة بغير الدستورية وغير الشرعية وغير الميثاقية؛ في ضوء خلافه الدستوري مع ميقاتي حول أحقية الحكومة في الانعقاد في جلسات اعتيادية وهي في وضع تصريف الأعمال، فضلاً عن الخلاف حول تسييرها أمور رئيس الجمهورية في فترة الفراغ الرئاسي.
وهذا الخلاف العلني بين حزب الله والتيار الوطني الحر ليس وليد لحظة الفراغ الرئاسي، وإنما كانت شواهده كثيرة في الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس ميشال عون، وخاصة فيما يتعلق مثلاً بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 أو ما يخص تشكيل الحكومات ما بعد الانفجار؛ إذ كان التيار ممثلاً في كل من عون وباسيل يؤدي دائماً دور المعطل لتشكيل الحكومة، في حين كان من مصلحة حزب الله في بعض هذه الأوقات والتي عبر عنها بشكل علني الإسراع بتشكيل الحكومة وآخرها الحكومة الأخيرة التي عجز نجيب ميقاتي عن تشكيلها رغم تكليفه بها في يونيو 2022. 
وبينما كان حزب الله قادراً في كل هذه الوقائع على ضبط مسار العلاقة مع التيار والتعامل مع شروطه بما لا يخل بمصالحه الاستراتيجية بل والمواجهة بدلاً منه مع القوى الأخرى؛ فإن هذا لا ينفي أن مثل هذه الوقائع قد تركت آثارها على العلاقة بين الجانبين من جهة، وعلى العلاقة بشكل أكبر بين التيار وحركة أمل، تلك الآثار التي وصلت إلى قمتها مع جلسة الحكومة، وقبلها رفض باسيل الخيار الذي يتبناه الثنائي الشيعي بترشيح سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية. ولكن يبقى الطرفان بحاجة إلى بعضهما البعض؛ في ضوء التوافقات الاستراتيجية، وصعوبة أن يتوافق أي منهما مع بقية القوى التي تجمعها بهما خلافات عميقة وخاصة مع حزب القوات، على الرغم مما حاول باسيل إظهاره خلال لقاءاته بعدد من الفرقاء مثل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من أنه قادر على ترميم علاقاته مع القوى الأخرى. ومن ثم فإن احتمالات العودة إلى التوافق بينهما أقرب منها إلى احتمالات تطور الخلاف أو إلى فض التحالف أو الدخول في مواجهة.
3- تغير السياق الدولي: يؤدي العامل الخارجي دوراً محورياً في ملف انتخاب رئيس لبنان تقليدياً؛ لكون الوصول إلى هذا المنصب محكوم بتوازنات وتحركات إقليمية ودولية. ويمكن حصر القوى ذات الصلة في هذا الإطار في كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإيران، وقوى عربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية. ويمكن القول إن مصالح كل من الولايات المتحدة وفرنسا والقوى العربية في لبنان واحدة وهي تتلخص في تحييد النفوذ الإيراني المستمد من نفوذ حزب الله والذي استطاع إيصال عون المتماهي مع مصالحه إلى الرئاسة بعد أكثر من عامين من الفراغ. أما إيران فإن هدفها هو ألا يكون الرئيس القادم مغايراً في سياساته عن عون من حيث دعم سلاح حزب الله بوصفه سلاح المقاومة.
وعلى الرغم من أن الساحتين الإقليمية والدولية مختلفتان اختلافاً جذرياً الآن عن كل الانتخابات السابقة، وتنشغل القوى الإقليمية والدولية بتطورات وملفات داخلية وإقليمية ودولية أكثر أهمية بالنسبة لها من انتخاب رئيس لبنان؛ فإن الفترة الأخيرة شهدت تحركات على هذا المستوى تحاول بها هذه القوى الدفع باختيار رئيس يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وبما يضمن لكل قوة الحد من نفوذ القوة المنافسة لها داخل لبنان، منها التحركات التي يقوم بها سفراء هذه الدول في لبنان، وكذلك اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش النسخة الثانية من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة التي انعقدت في الأردن في 20 ديسمبر 2022.
ولكن تفرض هذه التطورات المستجدة نفسها على هذا الحراك؛ فإيران تبدو منشغلة بشكل أكبر بتطوراتها الداخلية المتعلقة بالاحتجاجات المندلعة منذ منتصف سبتمبر 2022 جراء مقتل الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، والقوى الغربية والعربية تشغلها تطورات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية، وبين هذا وذاك تتعقد مباحثات الملف النووي الإيراني المرتبطة بدورها باحتجاجات إيران ومختلف التحركات الإيرانية في الإقليم. 
وتبعاً لذلك، تبدو فرنسا –مدفوعة بعوامل تاريخية وشخصية- الأكثر انخراطاً في الأزمة، من خلال لقاءات واتصالات الرئيس ماكرون وتصريحاته بشأن ضرورة الإسراع في انتخاب الرئيس وتغيير الطبقة السياسية لإجراء الإصلاحات، إلا أن هذه التحركات الفرنسية تبقى محاطة بشكوك حول جدواها، وخاصة أن هذ الانخراط الفرنسي في ملفات لبنان المتنامي منذ انفجار مرفأ بيروت لم ينجح في إحداث تأثير في مسار أزمات البلاد، ومن ثم تبقى حدود الدور الفرنسي في ملف انتخاب الرئيس مرهونة من جانب بمحاولة التوفيق بين القوى الغربية والعربية من جهة وإيران من جهة أخرى، على غرار ما حدث في تشكيل حكومة ميقاتي الحالية، والتي كان خروجها إلى النور في سبتمبر 2021 مرتبطاً بتنسيق ثنائي بين باريس ومن ورائها واشنطن، وطهران ومن ورائها موسكو بشكل كبير، ومن جانب آخر، بذل الجهد لإحداث توافق بين القوى داخلياً.
سيناريوهات الأزمة
بناءً على ما تقدم من معطيات وعوامل، وما يحيط بها من مواقف مسبقة للقوى الداخلية وتعويلها على التأثير الإقليمي والدولي لحل الأزمة، وتراجع دولي ملموس عن الانخراط الجدي فيها؛ يمكن استشراف سيناريوهين أساسيين لمستقبل أزمة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، وهما كما يلي:

1– أزمة ممتدة: تبدو قناعة قد تشكلت لدى الفرقاء اللبنانيين على اختلافهم بأن الفراغ الرئاسي وهذا الوضع المعقد دستورياً يظل أفضل كثيراً من مجيء رئيس موالٍ لفريق ما، وبالتالي لن يكون وصوله في مصلحة الفريق الآخر. وتبرهن المعطيات على أن الوصول إلى شخصية متوافق عليها من جميع الأطراف الداخلية والخارجية أمر لا يزال من الصعوبة بمكان. وعلاوة على ذلك، توضح السياقات الدولية والإقليمية المعقدة كيف أن طرفاً ذا ارتباطات خارج لبنان مثل حزب الله لن يكون متعجلاً إنهاء الفراغ الرئاسي، خاصة وأن الأوضاع الداخلية في إيران غير معلومة المسارات حتى الآن قد تمثل ورقة تستغلها الأطراف الغربية في الضغط على طهران في العديد من الملفات، ومنها ملف انتخاب رئيس لبنان، أو استغلال الانشغال بها لتهيئة مشهد يعارض توجهاتها الاستراتيجية، ومن ثم سيكون من مصلحة إيران وحزب الله إرجاء الأمر قدر الإمكان ريثما تنضج تسوية مربحة لهما، لاسيّما أن هذه الضغوط الغربية على طهران ستجعلها أكثر تمسكاً بنفوذ وكلائها المؤثر في المنطقة كورقة تستخدمها على المستويين الإقليمي والدولي.
ومن جهة أخرى، يصعب توقع نجاح أي فريق في حسم السباق الانتخابي لصالح مرشحه سواءً كان سليمان فرنجية بالنسبة لحزب الله وحركة أمل؛ في ضوء الرفض المسيحي لفرنجية من جانب الحزبين الكبيرين؛ التيار الوطني الحر لكون فرنجية منافساً لجبران باسيل الذي لا يريد التنازل عن مقعد الرئاسة، وحزب القوات لأنه يرى في فرنجية امتداداً للنظام الحالي والتسوية القائمة، لاسيّما وأن علاقته بالمحور السوري الإيراني معروفة، وبالتالي لا ينطبق عليه وصف "السيادي" الذي يتمسك به الحزب. أو كان المرشح هو ميشال معوض كما هو مطروح من جانب قوى المعارضة لأنه لا يستوفي الشروط التي يضعها حزب الله الذي يظل –رغم كل شيء- الطرف الأهم على الساحة اللبنانية بما يملكه من قوة سياسية وعسكرية. 
وبناءً على الإصرار على مرشحين بعينهم قد يكون عدم حسم الأزمة المتمثلة في الفراغ الرئاسي خياراً مطروحاً لفترة ليست بالقصيرة حتى استيضاح المواقف الداخلية والخارجية، ووضع الحدود الدنيا التي يُبنى عليها التوافق، والذي قد يكون من خلال مؤتمر وساطة إقليمية أو دولية للخروج باتفاق يؤسس لمرحلة سياسية جديدة للبنان على غرار اتفاق الطائف 1989 أو اتفاق الدوحة 2008، رغم أن التصريحات والتحركات الفرنسية والسعودية وحتى القطرية لم تسفر عن تغيير في هذا الإطار وتجنبت الحديث عن عقد مثل هذه الوساطة.
2– تسوية مُرجأة: لمّا كان استمرار الفراغ الرئاسي والخلاف الدستوري حول عمل حكومة نجيب ميقاتي وتسييرها لأعمالها وأعمال رئاسة الجمهورية يعني بالضرورة المزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي في لبنان، وما يطرحه هذا الانهيار من احتمالات لانهيار أمني نتيجة حوادث على غرار: اقتحام المودعين للمصارف التي جرت خلال الربع الأخير من 2022، أو مظاهرات شعبية على غرار احتجاجات أكتوبر 2019، أو اشتباكات دامية على غرار أحداث الطيونة في أكتوبر 2021، أو تصعيد حدودي على غرار الحوادث التقليدية للتصعيد مع إسرائيل أو التصعيد الأخير المتمثل في مقتل جندي أيرلندي من قوات اليونيفيل جنوبي البلاد في 15 ديسمبر 2022؛ فإن الدفع نحو تسوية قد يكون خياراً مطروحاً لتجنب هذا الانهيار الأمني. 
تعزز من هذا الخيار عوامل متعددة، أولها أن حزب الله لم يعلن بشكل علني بعد ترشيحه لسليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ما يفسح مساحات واسعة للتشاور مع الأطراف في الداخل والخارج للوصول إلى مرشح تسوية يكون مقبولاً من جانب المعارضة ولا يعارض المصالح الاستراتيجية للحزب. وثانيها احتمالية التوصل إلى تسوية مع التيار الوطني الحر أو حزب القوات للقبول بانتخاب سليمان فرنجية في مقابل الحصول على حصص كبيرة داخل الحكومة المقبلة وأن ترأسها شخصية سنية محسوبة على قوى التغيير أو مقربة من تحالفات التيار أو القوات. 
والعامل الثالث هو أن حراكاً واسعاً في الداخل والخارج بدأ في تهيئة الأجواء لاختيار قائد الجيش العماد جوزيف عون كمرشح تسوية لرئاسة الجمهورية، وهو خيار قد يكون مقبولاً من الأطراف الغربية والعربية على السواء، وقد أجرى عون لقاءات متعددة على هذا المستوى في الفترة الأخيرة، وقد يمثل خياراً مقبولاً لدى حزب الله إذا ما تقطعت السبل كافة أمام اختيار فرنجية، وسيكون تأمين الميثاقية المسيحية له متوفراً من جانب حزبي القوات والكتائب. فيما يبقى العائق الدستوري الخاص بالمادة 49 التي تحظر انتخاب موظفي الدرجة الأولى إلا بتقديم استقالتهم قبل سنتين من الاستحقاق، وقد يُحال إلى تعديل الدستور لمرة واحدة للسماح للعماد جوزيف عون بالترشح مثلما جرى عام 1998 لانتخاب العماد إميل لحود، أو تجاوز المادة الدستورية وانتخابه رئيساً مثلما حدث مع العماد ميشال سليمان عام 2008. وهي كلها خيارات قد يستغرق الوصول إليها وقتاً ليس بالقليل.
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إنه بقدر ما يتسم به المشهد السياسي في لبنان دائماً بقدر من التعقيد وصعوبة حلحلة القضايا والملفات فإنه يتسم كذلك بقدرة كبيرة على إعادة التشكل بل وتغيير كافة الموازين رأساً على عقب في أي وقت بناءً على أية مستجدات. ويبدو الخيار المحتمل أن تبقى الأزمة في حدودها الحالية دون أي ملامح لحل سريع، حتى ينجح الفرقاء اللبنانيون بتدخل خارجي في الوصول إلى اتفاق على مرشح ما بناءً على اختراقات منتظرة في ملفات أكثر جذباً للاهتمام خارج لبنان، ولكن في إطار زمني قد يمتد شهوراً.