خطوات تصعيدية:

دلالات العقوبات الأمريكية الأخيرة على مسؤولين صومالين

24 February 2022


أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 9 فبراير 2022، عن فرض عقوبات جديدة على مسؤولين صوماليين. تضمنت هذه العقوبات تقييد إصدار التأشيرات الأمريكية لعدد من المسؤولين الصوماليين الحاليين والسابقين، مع التلويح بإمكانية فرض مزيد من العقوبات حال الاستمرار في تقويض المسار الانتخابي وعدم الالتزام بالموعد المحدد للانتهاء من الاستحقاقات البرلمانية، والمقرر الانتهاء منها قبل 25 فبراير الجاري.

دوافع متعددة

دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية لمساعدة الصومال (UNSOM)، جيمس سوان، قادة الصومال إلى ضرورة تنحية خلافاتهم والانتهاء بشكل عاجل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية من أجل توجيه بؤرة التركيز على التهديدات الأمنية المتفاقمة. وفي هذا السياق يمكن فهم العقوبات الأمريكية الأخيرة على عدد من المسؤولين الصوماليين، والتي ترجع إلى العوامل التالية: 

1- بطء مسار العملية الانتخابية: على الرغم من انتهاء عملية انتخاب مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية من البرلمان الصومالي)، والتي تتشكل من 54 عضواً، بيد أن عملية انتخاب مجلس الشعب (الغرفة الأولى) لا تزال تواجه عقبات متعددة تؤثر على وتيرة المسار الانتخابي، فحتى الآن لم يتم انتخاب سوى 153 عضواً من هذا المجلس الذي يضم 275 عضواً. 

ولم يتبق سوى أسبوع واحد على المدة التي حددتها الاتفاقية الأخيرة التي توصل إليها المؤتمر التشاوري بين الفرقاء الصوماليين في مطلع يناير الماضي، والتي تفترض الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب قبل 25 فبراير الجاري.

2- الشك في نزاهة العملية الانتخابية: أشارت العديد من التقديرات إلى وجود شبهات تتعلق بالتزوير والتأثير على مسار العملية الانتخابية. فعلى سبيل المثال، أشار تقرير صادر عن موقع "صومالي جارديان" إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات الصومالية السابق، فهد ياسين، وحليف الرئيس المنتهية ولايته فرماجو، اتخذ خطوات مكثفة خلال الفترة الأخيرة لتزوير عملية التصويت على أحد مقاعد مجلس الشعب لضمان دخوله للبرلمان.

كما ألمحت تقارير أخرى إلى أن الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو، قاد مساعٍ حثيثة خلال الأيام الأخيرة للتأثير على عملية التصويت في أحد مقاعد طوسمريب للحيلولة دون فوز زعيم حزب "ودجر" المعارض، عبدالرحمن عبدالشكور، بيد أن هذه التحركات لم تتمكن من إقصاء الأخير، حيث تمكن قائد حزب "ودجر" من حسم المقعد لنفسه. 

وفي هذا السياق، عقد رئيس الوزراء الصومالي هذا الأسبوع اجتماعاً مع عدد من الدبلوماسيين الأجانب في مقديشو، لبحث قضية نزاهة العملية الانتخابية في ظل تعدد الاتهامات المتعلقة بهذا الأمر.

3- التحذير من تصعيد القمع الداخلي: أشارت الخارجية الأمريكية أن العقوبات تستهدف أيضاً أولئك الذين شاركوا في تقويض العملية الانتخابية من خلال العنف الممارس ضد المتظاهرين، أو الاعتقالات غير العادلة، فضلاً عن عمليات الترهيب للصحفيين وقوى المعارضة، وهو ما يعكس موقف أمريكي غاضب إزاء ممارسات فرماجو، والعناصر الموالية له، خاصةً بعدما منع مؤخراً محافظ إقليم بنادر مجموعة من المحتجين من الخروج في تظاهرات للتعبير عن رفضهم لسياسات فرماجو ودعم جهود رئيس الوزراء، فضلاً عن الممارسات التي تقوم بها عناصر أمنية تابعة لفرماجو ضد قوى المعارضة والصحفيين.

كما شهدت مدينة "بلدويني" بمحافظة هيران أعمال عنف، والتي أدت إلى مقتل قائد شرطة المدينة، الرائد محمد حسين محمود، في 17 فبراير الجاري، وذلك على خلفية تبادل إطلاق نار بين شرطة المدينة وقوات عسكرية مدربة في تركيا. فقد تم نقل هذه القوات مؤخراً إلى مدينة "بلدويني" لقمع المعارضة.

وتتصاعد حدة التوترات في المدينة قبل بدء عملية التصويت على مقاعد هذه المدينة في الانتخابات البرلمانية خلال الأسبوع المقبل، في الوقت الذي يتوقع أن يصل رئيس جهاز المخابرات الصومالية السابق، فهد ياسين، إلى المدينة خلال الأيام القليلة المقبلة من أجل الترشح للبرلمان، وسط تعدد التقارير التي ألمحت إلى أن ياسين يعمل على توجيه عمليه التصويت لصالحه بمختلف الأدوات.

دلالات مهمة

تعكس العقوبات الأمريكية الأخيرة على مسؤولين صوماليين عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- صعوبة انهاء الانتخابات في موعدها: عكست العقوبات الأمريكية إدراك واشنطن بصعوبة الالتزام بالموعد المحدد للانتهاء من الانتخابات في 25 فبراير الجاري، وهو ما انعكس في الاجتماع الافتراضي الذي عقده رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، مع عدد من القوى السياسية ورؤساء الولايات الفيدرالية، وذلك بعد يوم واحد من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي وإعلانه عن فرض عقوبات على بعض المسؤولين الصوماليين، حيث تضمن هذا الاجتماع محاولة بحث كيفية الإسراع بوتيرة انتخابات مجلس الشعب، لتجنب عقوبات أمريكية جديدة.

2- دعم أمريكي لروبلي: لم تعلن الولايات المتحدة عن أسماء المسؤوليين الصوماليين الذين طالتهم العقوبات الأخيرة، وهو ما يحمل مؤشرات مهمة بشأن احتمالية وجود قيادات صومالية حالية مدرجة على قائمة هذه العقوبات لتورطها في عرقلة جهود إجراء الانتخابات في مقديشو. 

كذا جسدت العقوبات الأمريكية الأخيرة دعم واشنطن الضمني لجهود رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، المتعلقة بإجراء الانتخابات، خاصةً أن الأخير عمد إلى عقد لقاء مع السفير الأمريكي الجديد لدى مقديشو، لاري أندريه، في أعقاب الإعلان عن العقوبات الأمريكية.

3- التأكيد على حزم الموقف الأمريكي: تأتي هذه العقوبات بعد أيام قليلة من وصول أندريه إلى مقديشو، في نهاية يناير الماضي، وهو ما يعكس رغبة الولايات المتحدة في إضفاء الطابع الجاد على الجهود التي سيقودها سفيرها الجديد في الصومال، من أجل الضغط على الأطراف الصومالية التي تسعى لعرقلة الانتخابات.

كما أشار توقيت الإعلان عن العقوبات الأمريكية بعد وصول سفير واشنطن الجديد في مقديشو إلى أن الولايات المتحدة ستعزز انخراطها المباشر في الصومال، بدلاً من سياساتها السابقة المعتمدة على الوكلاء الإقليميين، بيد أن هذا لا يعني التخلي كلياً عن وكلاء واشنطن الإقليميين على غرار كينيا. 

4- ترتيبات إقليمية محتملة: ثمة مساع أمريكية حثيثة من أجل صياغة ترتيبات إقليمية تسهم في تعزيز المصالح الأمريكية ومواجهة النفوذ الصيني المتصاعد. وفي هذا الإطار، يبدو أن هناك توجهات أمريكية لمحاولة فرض الأمن والاستقرار في الصومال، والحيلولة دون تصاعد حدة التهديدات الإرهابية هناك. 

وربما يمثل الاتفاق الأخير بين كينيا وإثيوبيا لإطلاق عملية مشتركة ضد حركة الشباب المسلحة في الصومال أحد ملامح هذه الترتيبات التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة. فقد أعلن رئيس الشرطة الكينية، هيلاري موتامباي، أنه اتفق مع نظيره الإثيوبي، على تعزيز التعاون والتنسيق المتبادل في إطار مكافحة الإرهاب العابر للحدود في منطقة القرن الأفريقي.

5- التهديد الإرهابي للانتخابات: جاءت هذه التطورات في ظل تردي الأوضاع الأمنية، إذ شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة كبيرة في حدة الهجمات الإرهابية التي تنفذها حركة الشباب في الداخل الصومالي، مع تركيز هذه الهجمات على مراكز الشرطة ونقاط التفتيش الأمنية، فضلاً عن استهدافها المشاركين في الانتخابات البرلمانية. 

وكان آخر هذه العمليات الإرهابية ما شهدته العاصمة مقديشو، في 16 فبراير الجاري، من إطلاق نار مكثف وانفجارات استهدفت بعض مراكز الشرطة، حيث تمكنت عناصر حركة الشباب من السيطرة على آليات وأسلحة من هذه المواقع التي استهدفتها، كما تمكنوا من السيطرة على مركز شرطة واحد على الأقل في منطقة "الكهدة".

وسبقتها مباشرة عملية أخرى، في 10 فبراير الجاري، استهدفت إحدى الحافلات التي تقل مندوبي الانتخابات عن أرض الصومال والذين قدموا إلى العاصمة للمشاركة في عملية الانتخابات، ولكنها لم تصب أي من ركاب الحافلة. وفي 9 من الشهر ذاته، أسفر هجوم آخر على مركز اقتراع في "باروي" في شبيلي السفلى عن سقوط أربعة ضحايا، بالتوازي مع حادثة أخرى في بونتلاند أسفرت عن وقوع ثلاثة قتلى ونحو سبعة جرحى آخرين.

وفي النهاية، على الرغم من وجود عدد من المؤشرات الإيجابية بشأن إجراء الانتخابات البرلمانية في الصومال، فإن المعطيات الراهنة تعكس صعوبة الالتزام بالموعد المحدد للانتهاء من هذه الانتخابات، فضلاً عن تصاعد احتمالات توظيف العنف بالتوازي مع التصويت في انتخابات مجلس الشعب للتأثير على مسارها، وهو ما يتزامن مع التصاعد الملحوظ في وتيرة النشاط الإرهابي الذي تقوده حركة الشباب، الأمر الذي أضحى بحاجة إلى جهود أكثر صرامة من قبل الشركاء الدوليين للصومال، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة لدعم مسار الانتهاء من