أسباب متداخلة:

لماذا تسعى تونس لتعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا؟

02 September 2021



أعلنت وزارة التجارة التونسية، في 20 أغسطس 2021، نيتها إعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع تركيا في عام 2004، والتي دخلت حيز التنفيذ في 2005، على أن يشمل ذلك سيناريوهين محتملين وهما، إما إجراء تعديلات على هذا الاتفاق، أو حتى إلغائه بصورة تامة، إذا تطلب الأمر ذلك، وتعتبر هذه هي المرة الثالثة التي يطالب فيها الجانب التونسي بتعديل هذه الاتفاقية. 

حماية المصالح الاقتصادية:

يمكن تفسير اتجاه تونس نحو مراجعة الاتفاق التجاري الموقع مع تركيا، سواء بالتعديل أو بالإلغاء، لعدة أسباب جوهرية، ومن أبرزها ما يلي:

1- الحد من العجز التجاري: تفاقم العجز التجاري التونسي بشدة في العقد الماضي بالغاً ذروته في عام 2014 بنحو 8 مليارات دولار، فيما لم تستطع سياسات دعم التصدير وترشيد الواردات احتواءه، وليتراوح بين 6 إلى 7 مليارات دولار في آخر خمس سنوات. فيما، ارتفع العجز التجاري بحسب المعهد الوطني التونسي خلال الفترة من يناير – يوليو 2021 إلى حوالي 3.1 مليار دولار، مرتفعاً عن الفترة نفسها خلال عام 2020، حيث كان وقتها 2.6 مليار دولار فقط. ويؤدي اتساع العجز التجاري إلى زيادة فجوة التمويل الأجنبي، وسط ارتفاع مستحقات الديون الخارجية إلى نحو 39.9 مليار مليار دولار حتى مارس 2021 وفقاً لبيانات البنك المركزي التونسي. 

وفي هذا الإطار، يجب على البلاد سداد حوالي 5.4 مليار دولار خلال العام الحالي، أي ما يعادل 12.1% من الناتج المحلي الإجمالي، والمتوقع بأن يبلغ نحو 44.5 مليار دولار في 2021، وذلك لخدمة الديون الخارجية. 

2- اتفاق غير عادل: وقعت تونس عدداً من اتفاقات تسهيل التجارة مع شركاء مختلفين حول العالم، ومنها اتفاقية الشراكة الخاصة بالسلع الصناعية مع الاتحاد الأوروبي في عام 1996، واتفاقية أغادير في عام 2004، كما أن لدى تونس اتفاقيات تجارة حرة ثنائية منفردة مع الجزائر وليبيا، وهي اتفاقات في مجملها كانت مربحة لتونس من الناحية التجارية والاستثمارية. 

وبعكس السابق، تسبب اتفاق التجارة الحرة الموقع مع تركياً في أضرار تجارية مستمرة لتونس. ففي النصف الأول من العام الجاري، سجلت تونس عجزاً في تجارتها مع تركيا بقيمة 577.4 مليون دولار، بينما في العام الماضي، بلغ العجز التجاري ذروته عند 777.4 مليون دولار. ومن ثم، تسعى تونس، لتصحيح تلك الأوضاع، وخفض العجز التجاري القائم مع تركيا.

3- فشل إجراء تعديل التعريفات: حاولت تونس في السنوات الأخيرة تعديل الميزان التجاري مع تركيا لصالحها من خلال رفع التعريفات التجارية على بعض السلع التركية، وهو إجراء تسمح به مواد الاتفاق. وقامت الحكومة التونسية في عام 2018 وفقاً لتصريح لنبيل العرفاوي، مدير التعاون مع أوروبا في وزارة التجارة التونسية، برفع التعريفة الجمركية لعدد من المنتجات التركية، لكن ذلك الإجراء لم يسفر عن تقليص ملموس في العجز التجاري معها، كما توضحه البيانات المذكورة آنفاً.

4- حماية الصناعات المحلية: تمنح الاتفاقية المنتجات الزراعية والصناعية التركية إعفاءً من الرسوم الجمركية. وتبدو المشكلة هنا أن تلك التسهيلات عززت من تنافسية السلع التركية، مثل المنسوجات والجلود وغيرها، على حساب السلع التونسية المشابهة بالسوق، لاسيما في ظل ما تتمتع به المنتجات التركية من رخص الثمن وارتفاع الجودة. 

وعلاوة على ما سبق، أشارت بعض التقارير إلى أن تركيا تورطت في إغراق السوق التونسي بسلع مثل المنسوجات، على نحو أضر بالصناعات التونسية بشدة، واضطرت العديد من المنشآت الصناعية للإغلاق. ورغم ذلك، ينبغي الإشارة إلى أنه بموجب مواد اتفاق التجارة الحرة الموقع بين البلدين، يحق لكل طرف اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة الإغراق التجاري. غير أنه لم يتم صراحة في السنوات الأخيرة إقرار أي منهما بوجود محاولات للإغراق.  

5- توتر العلاقات بتركيا: لا يمكن استبعاد أن يكون وراء نية تونس تعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، موقف أنقرة الرافض للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو الماضي، والتي وصفتها بالانقلاب على الدستور والشرعية، مطالبة الرئيس سعيد بضرورة إعادة البرلمان إلى العمل وعدم تكريس الصلاحيات في يده حفاظاً على التجربة الديمقراطية في البلاد.

وأثار الموقف التركي استياءً داخلياً من جانب بعض الأحزاب والقوى كالاتحاد التونسي العام للشغل، والذي دعا إلى ضرورة إعادة النظر في هذه الاتفاقية، خاصة أن هناك اتهامات لحركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، والتي كانت شريكاً في حكم تونس منذ 2011، بفتح المجال أمام تركيا لإغراق الأسواق المحلية التونسية بالمنتجات التركية خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك في مقابل حصول قيادات النهضة على تحويلات مالية كبيرة، كما حاولت حركة النهضة خلال الفترة الأخيرة توظيف رئاسة أمينها العام راشد الغنوشي للبرلمان من أجل تمرير مزيد من الاتفاقيات مع تركيا.

خيارات محتملة:

بالنظر إلى المعطيات الراهنة وأسباب رغبة الجانب التونسي في تعديل اتفاقية التجارة الحرة مع الجانب التركي، فإن هناك بعض المسارات المحتملة في هذا الخصوص، وذلك كما يلي:

1-تعديل الاتفاقية: يرجح هذا السيناريو أن يتفاوض الجانبان التونسي والتركي على إجراءات محددة لتعديل اتفاقية التجارة الحرة بينهما، بما يسمح بخفض العجز التجاري التونسي، وذلك على غرار ما توصلت إليه التعديلات التي أجريت على الاتفاقية نفسها في عام 2017، حيث تم الاتفاق وقتها على رفع صادرات مادة الفوسفات التونسي لتركيا، في محاولة لتجاوز اختلال الميزان التجاري الذي يميل لصالح الاقتصاد التركي، ومساعدة تونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية الحالية في الوقت الذي تعاني فيه البلاد شح الموارد على المستويين الداخلي والخارجي. 

وقد تسعى تركيا، من جانبها، لتقديم بعض الامتيازات لتونس لتشجيعها على الاستمرار في هذه الاتفاقية، مثل ضخ المزيد من الاستثمارات التركية في تونس، أو استيراد مزيد من السلع التونسية، خاصة أن السوق التونسية تعد سوقاً مفتوحة أمام المنتجات التركية ولا يمكن لأنقرة خسارتها لصالح دول أخرى، مثل الصين.

ولذلك أعلنت وزارة التجارة التونسية أنه ستتم مناقشة الفصل السابع عشر من الاتفاقية مع الجانب التركي للبحث في إمكانية اتخاذ بعض الإجراءات الحمائية للصادرات التونسية والعمل على ترشيد الواردات التركية، خاصة الاستهلاكية منها، ويمكن ذلك عن طريق رفع الرسوم الجمركية المفروضة على هذه السلع، وكذلك إخضاع الواردات الاستهلاكية من تركيا لشروط فنية وصحية محددة، وذلك للتحكم في هذا النوع من الواردات، وبالتالي المساهمة في تقليص العجز التجاري بين الجانبين في إطار ما تسمح به منظمة التجارة الدولية.

2- إلغاء الاتفاقية: يرجح هذا السيناريو أن ترفض تركيا إجراء تعديلات جديدة على اتفاقية التبادل الحر مع الجانب التونسي، بما يدفع تونس نحو اتخاذ قرار بإلغاء الاتفاقية تماماً تجنباً لمزيد من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني، ويعد هذا الخيار مستبعداً، حيث ستعمل تركيا على احتواء الموقف التونسي حفاظاً على مصالحها التجارية والاستثمارية مع أنقرة.

وفي الختام، فإن نية تونس لتعديل اتفاقية التجارة الحرة يأتي في إطار الإجراءات الاستثنائية، التي يواصل الرئيس سعيد اتخاذها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي داخل البلاد. وفي حالة تعديل الاتفاقية، وفقاً للمطالب التونسية، فإن ذلك قد يسهم، من دون شك، في تحسين شروط التجارة مع تركيا، ومن ثم الحد من العجز التجاري المتفاقم معها.