مصالح مشتركة:

أسباب تقديم إيران مساعدات لقطاع النفط الفنزويلي

05 May 2020


قدمت إيران، في أواخر إبريل الفائت، مساعدات تشمل مواد كيماوية وقطع غيار وفنيين إلى فنزويلا، بهدف تعزيز قدرة الأخيرة على إعادة تأهيل مصافي التكرير لديها والتي تضررت بشدة بسبب العقوبات الأمريكية ونقص الاستثمارات اللازمة لتطويرها مع الأزمة السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، وذلك في خطوة قد تُقوِّض الجهود الأمريكية لإضعاف نظام نيكولاس مادورو، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة، على الأرجح، إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية وممارسة الضغوط الدولية لعرقلة أى محاولات للتقارب الاقتصادي بين إيران وفنزويلاً. 

علاقات ممتدة:

شهدت العلاقات الاقتصادية بين إيران وفنزويلا تطوراً ملحوظاً منذ زيارة الرئيس الفنزويلي الأسبق هوجو تشافيز إلى العاصمة الإيرانية طهران في عام 2006، حيث اتفق رئيسا الدولتين حينذاك على رفع مستواها وتوسيع نطاق التعاون في المجالات المختلفة، لاسيما الطاقة والصناعة والمصارف وغيرها.

وعلى هذا النحو، اتفقت شركة "بتروبارس" الإيرانية مع شركة النفط الفنزويلية الحكومية (PDVSA)، في عام 2006، على التعاون لاستكشاف واستخراج النفط في منطقة "أرينوكو" الفنزويلية. كما أسست الدولتان، في عام 2007، بنكاً مشتركاً لخدمة مصالحهما التجارية والاستثمارية، وهو "بنك إيران فنزويلا المشترك" وبمساهمة رئيسية من بنك تنمية الصادرات الإيراني.

وامتد التعاون بين إيران وفنزويلا في السنوات التالية إلى مجالات جديدة أخرى، وأسست الدولتان عدداً من المشاريع المشتركة في فنزويلا، منها مصانع لإنتاج الأسمنت والسيارات والجرارات الزراعية، كما أسندت الحكومة الفنزويلية عدداً من مشاريع الإنشاءات والإسكان للشركات الإيرانية. 

لكن التطور اللافت في مسار العلاقات بين الدولتين تمثل في تسيير رحلات جوية مباشرة في الفترة الماضية، حيث بدأت شركة "ماهان آير" الخاصة الإيرانية، في إبريل 2019، رحلات جوية مباشرة إلى فنزويلا، وهى خطوة جوهرية من شأنها تذليل العقبات أمام التبادل التجاري بين الدولتين، إذ كانت حركة التصدير والاستيراد بينهما تتم عن طريق دولة ثالثة أو من خلال شركات طيران أجنبية أخرى، وهو ما تسبب في محدودية التبادل التجاري بينهما الذي لم يتجاوز نحو 492 ألف دولار في عام 2018.  

ظروف مشابهة: 

تواجه كل من إيران وفنزويلا ظروفاً دولية مماثلة، حيث تعانيان من شبه قطيعة في العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي بموجب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما من الإدارة الأمريكية في السنوات الماضية، على نحو تسبب في تدهور كافة الأنشطة الاقتصادية، ولاسيما قطاع النفط والغاز الطبيعي، الذي يمثل مصدر الدخل الرئيسي لكليهما. 

وبالنسبة لفنزويلا، فقد تدهور قطاع النفط بها بشدة نتيجة العقوبات الأمريكية، وهبط إنتاج النفط الفنزويلي إلى 650 ألف برميل يومياً في مارس 2020 مقارنة بـ1.56 مليون برميل يومياً في مارس 2018. كما تقلصت الطاقة التكريرية لشركة النفط الفنزويلية إلى حوالي 101 ألف برميل، مقارنة بطاقتها السابقة البالغة 1.3 مليون برميل يومياً، ونجم عن ذلك نقص كبير في البنزين في الأسواق وشلل في الحياة الاقتصادية في البلاد. 

ومما تسبب في تفاقم نقص الوقود في السوق الفنزويلية مؤخراً قيام الإدارة الأمريكية بتشديد العقوبات المالية على شركة النفط الفنزويلية، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية على حلفاء فنزويلا الرئيسيين ومن أبرزهم روسيا، ففي فبراير الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على شركتين تابعتين لشركة النفط الروسية "روسنفت"، كانتا تزودان فنزويلا باحتياجاتها من المواد اللازمة لإنتاج البنزين في المصافي الفنزويلية. 

فضلاً عن ما سبق، ضاعفت الإدارة الأمريكية من ضغوطها على النظام الفنزويلي، وحثت الشركات الأمريكية مؤخراً على الانسحاب من مشاريعها النفطية في فنزويلا وفي مقدمتها شركة "شيفرون" التي تعهدت بإنهاء عملياتها الفنزويلية بحلول نهاية 2020، كما تعتزم شركة "هاليبرتون" تعليق معظم عملياتها في فنزويلا في القريب العاجل.  

وعلى الجانب الآخر، تأثر قطاع النفط الإيراني، وإن كان يبدو أكثر تماسكاً من نظيره الفنزويلي، بالعقوبات الأمريكية، حيث فرضت الإدارة الأمريكية حظراً على الصادرات الإيرانية من النفط، كما حظرت الاستثمارات الأجنبية في القطاع، بما اضطر أغلب شركات النفط الأجنبية للانسحاب من السوق الإيرانية منذ أواخر عام 2018.

وفي ضوء المعطيات السابقة، هبط إنتاج النفط الإيراني إلى نحو 2 مليون برميل يومياً في نهاية مارس 2020، وهو أقل من مستواه البالغ نحو 3.5 مليون برميل يومياً قبل العقوبات الأمريكية، كما انخفضت الصادرات الإيرانية بأكثر من 90% من مستوياتها السابقة إلى قرابة 200 ألف برميل يومياً حالياً. 

أهداف عديدة:  

لا يبدو أن إيران وفنزويلا لديهما ما تخسرانه لو عززتا شراكتهما في مجال النفط أو غيره، حيث تواجهان الظروف نفسها من القطيعة الأمريكية والدولية، أو بمعنى آخر، فإنهما تواجهان خصماً مشتركاً على حسب رؤيتهما. وعلى هذا النحو، لجأ النظام الفنزويلي إلى طهران لمساندته في إعادة تأهيل المصافي الفنزويلية المتضررة من العقوبات الأمريكية، ويتزامن ذلك مع تغيير القيادات النفطية مؤخراً في كاركاس والتي شملت تعيين طارق العيسمي، القريب من إيران، كوزير للنفط، إلى جانب أسدروبال تشافيز الذي تولى مسئولية شركة النفط الفنزويلية الحكومية.

وأقرت وزارة النفط الفنزويلية، في إبريل الفائت، بحصولها على دعم أولي من إيران تمثل في قطع غيار ومستلزمات كيماوية وفنيين لإصلاح مجمع "باراجوانا" النفطي، والذي يتضمن مصفاة "كاردون" بطاقة تكريرية 350 ألف برميل يومياً ومصفاة "أمواى" بطاقة 635 ألف برميل يومياً، أى بإجمالي طاقة تكرير بنحو 985 ألف برميل يومياً، وهو ما سيساعد على إعادة الجانب الأكبر من الطاقة الإنتاجية للمصافي الفنزويلية.  

ووصلت المساعدات الإيرانية الأخيرة إلى فنزويلا على متن طائرة شركة "ماهان آير" الخاصة، والتي حصلت على موافقة هيئة الطيران المدني الفنزويلية لتسيير ما لا يقل عن 20 رحلة مباشرة إلى فنزويلا في الفترة المقبلة، مما يشير إلى أن حجم المساعدات الإيرانية سيزداد وسيشمل العديد من المنشآت النفطية بفنزويلا. 

وبالنسبة لإيران، فإن مساعدتها لفنزويلا تمثل مصدراً جديداً للدخل وسط التدهور الاقتصادي في الفترة الماضية، حيث تشير التقديرات إلى أن طهران تلقت 9 أطنان من الذهب الفنزويلي بقيمة حوالي 500 مليون دولار نظير إصلاح المصافي الفنزويلية. وسوف تساعد هذه الأرصدة الذهبية طهران على توفير سيولة لمساندة اقتصادها المتدهور بسبب العقوبات الأمريكية وأزمة "كورونا"، ووسط إحجام المؤسسات الدولية عن مساعدتها بضعط من واشنطن على حد قول المسئولين الإيرانيين. 

الموقف الأمريكي:

أبدت الإدارة الأمريكية انزعاجها الشديد من التحركات الإيرانية تجاه فنزويلا، حيث يبدو أن طهران اتخذت خطوة مفاجئة ستساهم في توسيع نطاق التقارب السياسي والاقتصادي بين الدولتين، وستُقوِّض من جهود الأولى في إضعاف نظام مادورو، الذي سيتجه إلى إعادة تأهيل الاقتصاد الذي تضرر بشدة من العقوبات الأمريكية. 

وبدوره، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 29 إبريل الفائت: "نحن قلقون للغاية بشأن سلوك إيران المزعزع للاستقرار في فنزويلا"، ودعا الدول إلى رفض تحليق الطائرات الإيرانية في مسارها الجوي إلى فنزويلا. وبعد عدة أيام، أكد إليوت أبرامز، المبعوث الأمريكي لدى المعارضة الفنزويلية، أن طهران تلقت ذهباً نظير مساعدتها لتأهيل قطاع النفط الفنزويلي، وهو ما يزيد في النهاية من احتمالات إقدام الإدارة الأمريكية على اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية تجاه كل من إيران وفنزويلا خلال المرحلة القادمة، باعتبار أن المسار الحالي للعلاقات بينهما لا يتوافق مع مصالحها وحساباتها.