الذكرى الـ 90:

لماذا تقلق إيران من مطالب الأحواز العربية؟

26 April 2015


على مدى عقود ماضية تغاضى العرب عن قضية قومية غاية في الأهمية حتى باتت الأمور للطرف المحتل وكأنها حق مشروع وليست حتى حق مكتسب، وذلك منذ تآمرت سلطات الاحتلال البريطاني على تسليم أراضي الأحواز العربية ذات الثروات العظيمة إلى الاحتلال الإيراني منذ تسعين عاماً، وتحديداً يوم 20 أبريل 1925، لتمارس إيران منذ هذا الوقت كافة أنواع الضغط على أهالي الإقليم العربي وتنكل بسكانه بعد أن حولت اسمه إلى "خوزستان.

وتتفجر بين الحين والآخر قضية ما تؤكد على أهل هذا الإقليم العرب الذين ما زالوا يرفضون الواقع الذي فرض عليهم والاستمرار تحت العلم الإيراني المحتل لأراضيهم، والذي يذيق هؤلاء ويلات التفرقة والتهميش، وعدم الاهتمام بقضايا التنمية رغم أن أراضي "الأحواز" تمثل القدر الأكبر من ثروات ومقدرات الدولة الإيرانية.

لقد تفجرت مؤخراً هذه القضية في شكل حدث جديد، ورغم كون الحدث نفسه تقليدي، فإن ردة الفعل الإيرانية جاءت تعسفية كما جرت العادة؛ فقد حضر للإقليم نادي "الهلال" السعودي للعب مباراة في كرة القدم بدوري أبطال آسيا ضد نادي "فولاذ خوزستان"، وقام أغلب الحضور بتشجيع النادي السعودي ورفع البعض منهم أعلام السعودية وأعلام "الأحواز" في المدرجات؛ مما حدا بالسلطات الإيرانية إلى القيام بممارسات أمنية عنيفة عقب المباراة وقتلت أحد الحضور من المشجعين، لتتفجر على أثر ذلك أعمال عنف واعتقالات واسعة النطاق، في محاولة لاحتواء التظاهرات التي عمت عدداً من مدن الإقليم الذي يسكنه حوالى 6 ملايين عربي. وأدت هذه الأحداث في المجمل إلى مصرع 3 أشخاص واعتقال ما يزيد عن 1600 شخص، وقام وزير الاستخبارات الإيرانية "محمود علوي" بزيارة للإقليم والالتقاء بشيوخ العشائر هناك لاحتواء الأزمة.

جدير بالذكر، أن الأحداث التي أعقبت تلك المباراة جاءت على خلفية المناخ المشحون لسكان الإقليم بسبب إقدام المواطن الأحوازي "يونس عساكرة الكعبي" بحرق نفسه في مدينة "المحمرة" بعد قيام السلطات الإيرانية بتحطيم سيارته التي يعمل عليها.

خلفية تاريخية لقضية الأحواز

يعود أصل كلمة "الأحواز" إلى جمع كلمة "حوز" (وهي مصدر للفعل "حاز" بمعنى الحيازة والتملك)، وتستخدم للدلالة على الأرض التى اتخذها فرد وبين حدودها وامتلكها.

بعد انتهاء حكم "الإسكندر الأكبر" وتقسيم ملكه إلى أقاليم، أطلق سكانها العرب عليها اسم "الأحواز". أما اسم "خوزستان" فهو الاسم الذي أطلقه الفرس خلال العهد الساساني على جزء من الإقليم.

وبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس أطلق اسم "الأحواز" على كل أراضي الإقليم. أما في العصر الصفوي فسميت باسم "عربستان" (أي أرض العرب). وقبل ذلك ظل إقليم "الأحواز" منذ عام 637 م وحتى عام 1258 م تحت حكم الخلافة الإسلامية تابعاً لولاية "البصرة" حتى مجيئ الغزو المغولي، وفي أعقابه نشأت الدولة "المشعشعية" العربية من عام 1436 حتى عام 1724، واعترفت الدولتان العثمانية والصفوية باستقلالها.

وعقب ذلك نشأت الدولة "الكعبية" التي استمرت من عام 1724 حتى عام 1925، وحافظت أيضاً على استقلالها. وبعد تأهيل نهر "كارون" وإعادة فتحه وإنشاء خطوط السكك الحديدية أصبحت مدينة "الأحواز" نقطة تقاطع تجاري هامة خاصة بعد افتتاح قناة السويس، وهو ما أسهم في زيادة النشاط التجاري بالمنطقة، حيث جرى بناء مدينة ساحلية جديدة قرب القرية القديمة للأحواز سميت بـ"بندر الناصري" تمجيداً لـ "ناصر الدين شاه قاجار". وبين عامي 1897 و1925 حكمها الشيخ "خزعل الكعبي" الذي غير اسمها إلى "الناصرية".

ومنذ عام 1920 باتت بريطانيا تخشى من قوة الدولة "الكعبية"، فاتفقت مع "فارس" على إقصاء أمير عربستان وضم الإقليم إليها، واعتقل البريطانيون الأمير "خزعل" وحبسوه على ظهر طراد بريطاني، وأصبحت "الأحواز" (وعاصمتها المحمرة) محل نزاع بين إيران والعراق، لاسيما بعد اكتشاف النفط في مدينة "عبادان" في مطلع القرن العشرين.

وظلت "الأحواز" محل نزاع منذ ذلك الحين بين إيران والحكومات العراقية المتتالية، ودخلت الدولتان فى مفاوضات حول الإقليم، وعقدتا اتفاقية عام 1937 ومفاوضات عام 1969، واتفاقية الجزائر عام 1975 بين شاه إيران "محمد رضا بهلوي" ونائب الرئيس العراقي آنذاك "صدام حسين" الذي ما لبث أن ألغى الاتفاقية أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية بين عامي 1980 و1988.

ومنذ دخول الجيش الفارسي مدينة "المحمرة" عام 1925 لإسقاط حكم "الكعبيين" وتكريس السيطرة على الأراضي الأحوازية، تقوم الدولة الإيرانية بسياسات ممنهجة تسعى من خلالها إلى القضاء على الهوية العربية للإقليم بتغيير تركيبته الديموغرافية وزيادة نسبة غير العرب فيه. وقد تم تغيير أسماء المدن والبلدات والأنهار، وتم الضغط على سكان الإقليم للهجرة خارج حدوده من خلال الممارسات الأمنية التعسفية والملاحقات المستمرة للعناصر النشطة، وشراء ذمم بعض شيوخ العشائر العربية ارتباطاً بالتحسب الإيراني من استمرار القضية الأحوازية قائمة بالنظر للأهمية الاستراتيجية للإقليم الذي يحتوي على حوالي 70% من الثروة النفطية لإيران وثروات طبيعية أخرى من الغاز والمعادن وثروة زراعية وأراضِ خصبة، ودليل ذلك قول الرئيس الأسبق "محمد خاتمي" حول الإقليم "إيران با خوزستان زنده آست" (إيران تحيا بخوزستان).

القلق الإيراني من الحراك الأحوازي

تثير قضية الحراك الأحوازي للنظام الإيراني قلقاً متزايداً نظراً للتركيبة الفسيفسائية للدولة في إيران، والتي تضم عدداً من القوميات، فهناك القومية الأذرية والكردية والعربية والبلوش وأخريات، وتحتفظ كل منها حتى الآن بعاداتها وتقاليدها، كما أن لهذه القوميات امتدادات خارج حدود الدولة، وهناك عديد من المنظمات ذات الصلة تعمل لصالح استعادة المكتسبات القومية التي فقدتها على مدى فترات تاريخية مختلفة، ومنها القومية العربية في "الأحواز" التي تتوافر لها أذرع سياسية نشطة خارج حدود وسيطرة النظام الإيراني، كما أن أنشطتها بالخارج تلقى صدى لدى منظمات مشابهة لها، فضلا عن المنظمات الحقوقية التي تتناول مثل هذه القضايا الخاصة بحقوق الأقليات التي تعاني الاضطهاد في دولها.

ويأتي هذا التحسب الإيراني من كون إثارة مثل هذه القضايا يؤثر سلباً على استقرار الدولة وتماسكها ووحدة أراضيها. ولذلك، فإن استمرارية الحراك الأحوازي والصعوبات التي تواجه النظام في القضاء على مثل هذه النزعة قد يغري قوميات أخرى باتباع النهج ذاته، خاصة أن الدولة الإيرانية عادة ما تتحدث عن الاستقرار الذي تتمتع به ورسوخ النظام الإسلامي الثوري فيها وقدرته على استيعاب كافة القوميات التي تتكون منها إيران، في حين أن هذه الأحداث وتبعاتها تتناقض تماماً مع الادعاءات التي يروج لها النظام هناك.

ويؤكد على ذلك إقدام مسؤولين رئيسيين في النظام الإيراني على إلقاء اللوم على التدخلات الخارجية لأعداء الدولة الإيرانية في إثارة هذه النزعات في إطار "نظرية المؤامرة" التي يجيد الإيرانيون الحديث عنها باستمرار في إطار سياسة الحشد الجماهيري لمساندة النظام، باعتبار أن الدولة تتعرض لمخاطر خارجية تهدد بقائها.

وقد تجلى هذا في اتهام الجنرال "يحيى رحيم صفوي" المستشار العسكري للمرشد "علي خامنئي" وقائد الحرس الثوري السابق جهات استخباراتية عربية وغربية بالعمل بنشاط في إقليم "خوزستان" خلال مؤتمر عقد في "طهران" يوم 9 مارس 2015، وشدد على أن هذه الأجهزة تدعم "التيارات الانفصالية" في الإقليم وتحاول بث الفرقة بين الناس، معرباً كذلك عن قلقه إزاء احتمال انتقال المعارك في العراق وسوريا إلى "خوزستان"، مما يشكل بالتالي تهديداً لوحدة الأراضي الإيرانية. هذا بالتوازي مع تأكيد إمام جمعة الأحواز "أحمد رضا حاجتي" خلال خطبة الجمعة يوم 2 سبتمبر 2014 وجود أنشطة لـ35 جهازاً استخباراتياً في الإقليم دون تسميتها، وهو ما يؤكد مدى قلق النظام من أي حراك في الإقليم، وأن هذا القلق مستمر منذ فترة ولا يرتبط بحدث بذاته.

قضايا يثيرها الحراك الأحوازي

رغم المحاولات الإيرانية لوأد كافة صورة الحراك المرتبط بالحركات الأحوازية داخل وخارج إيران، فإن الممارسات الإيرانية التي يقوم بها الأمن هناك بكافة مكوناته تأتي بنتائج سلبية وتخلق حالة من الاحتقان لدى سكان الإقليم بشكل عام، وتؤدي بالتبعية لمواصلة الأحوازيين لتحركاتهم على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وثمة عديد من التنظيمات والتشكيلات الأحوازية التي تعمل في بعض الدول الأوروبية، والتي ترتبط بمنظمات حقوقية إقليمية ودولية تسهم في التصدي للممارسات الإيرانية التي تنتهك حقوق القومية العربية في إيران، وبالتالي فإن مسألة القضاء المبرم على المطالبات التي يسعى عرب الأحواز للتحصل عليها تعد مسألة مستحيلة من جانب النظام الإيراني الذي يتوجب عليه النظر بموضوعية للإشكاليات التي تواجه سكان الإقليم والعمل على التعامل معها بشكل أكثر واقعية، لاسيما وأن بقاء الوضع على هذا النحو قد يؤدي لتدخلات خارجية حقيقية بصرف النظر عن مصداقية الرواية الإيرانية بوجود أنشطة استخباراتية في الإقليم تعمل على إشعال الموقف هناك ضد النظام.

ولا شك في أن استمرار الحراك الأحوازي سيؤدي بالتبعية – مع الوقت – إلى وقوع تحركات مماثلة في مناطق أخرى بأقاليم إيران مترامية الأطراف، خاصة في مناطق "سيستان بلوشستان" و"كردستان" نظراً لمعاناة سكان هذه المناطق من التهميش والحرمان أيضاً.