احتجاجات متصاعدة:

هل تهدد التجاذبات التونسية بتأجيل الانتخابات المقبلة؟

20 January 2019


يُعد الإضراب العام التونسي، في 17 يناير 2019، بقيادة اتحاد الشغل، مؤشرًا على تصاعد عدم الاستقرار السياسي في تونس، إذ يأتي الإضراب عقب إخفاق المفاوضات مع الحكومة لزيادة الأجور. وعلى الرغم من أن هذا الإضراب لم ينتج عنه أعمال شغب؛ إلا أن هذا لم يؤدِّ إلى تهدئة قلق المسئولين الحكوميين، ولا سيما بعد عودة الشعارات التي تُطالب بإسقاط الحكومة، وتصاعد الخلافات بين القادة السياسيين من جهة، والسلطة التنفيذية والبرلمان من جهة أخرى، وهو ما قد تكون له تداعيات على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر عقدها هذا العام.

تعقّد الخلافات الحكومية:

تزايد الخلاف بين حزب "حركة نداء تونس" ورئيس الحكومة "يوسف الشاهد" إلى درجة أن الحزب الحاكم بات يعتبر نفسه معارضًا بعد دخول "الشاهد" في خلافات علنية مع رئاسة الجمهورية، وتحالفه في البرلمان مع قيادة حركة النهضة الإسلامية، وبعض الليبراليين المنشقين على الحزب الذين يستعدون لإطلاق حزب جديد يدعم المشروع الانتخابي للشاهد، كما تم تجميد عضوية "يوسف الشاهد" وبعض المقربين منه في سبتمبر 2018.

وفي هذا السياق، طالب "حافظ قائد السبسي" (المدير التنفيذي لحزب "نداء تونس") بإقالة الحكومة ورئيسها، حيث أشار إلى أن حكومة "الشاهد" سبب تدهور الأوضاع وارتفاع نسب العجز المالي والتجاري والتضخم والبطالة، كما حمّل مسئولية هذا الإضراب لأمين عام اتحاد نقابات العمال "نور الدين الطبوبي". كما هاجم "رضا بلحاج" (القيادي في الحزب) رئيس الحكومة وشركاءه السياسيين في قيادة حركة النهضة، التي وصفها بـ"إخوان تونس"، وحمّلهما مسئولية الاضطرابات وتدهور الأوضاع العامة في البلاد بشكل خطير، وأصدرت قيادة الحزب الحاكم بعد الإضراب العام بيانًا يحمل توقيع نجل رئيس الجمهورية، ويعلن الانحياز للنقابات ضد الحكومة وشركائها بزعامة حركة النهضة.

وقد استبق رئيس الجمهورية الإضراب العام باجتماع دعا إليه رؤساء الحكومة والبرلمان وحركة النهضة والكتل البرلمانية المساندة لـ"يوسف الشاهد"، وحمّلهم مسئولية الاضطرابات والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد، وقد وصف بعض المحللين هذه الأوضاع "بالمشهد السريالي"، معتبرين إياها مهدِّدة للنموذج الديمقراطي التونسي.

وفي هذا الإطار، كشفت الشعارات الرئيسية للتظاهرات والتجمعات النقابية، وتصريحات بعض القيادات النقابية والسياسيين؛ أن الهدف من وراء هذه الأزمة الجديدة هو إعادة ترتيب المشهد السياسي قبل بدء الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الخريف القديم، فلا يزال هناك تخوف من حزب النهضة على الرغم من إعلان "راشد الغنوشي" (رئيس حركة النهضة) أنه لن يترشح للرئاسة، إلا أن أغلب القيادات السياسية والنقابية لا تزال تضع في شعاراتها الانتخابية ضرورة التفوق على حزب النهضة في الانتخابات القادمة.

وهاجمت بعضُ القيادات اليسارية وأعضاء من الحزب الحاكم حركة النهضة التونسية، وأشارت إلى أنها تدعم الجماعات السلفية المتشددة المتهمة بالعنف والإرهاب، وقدم عدد من المحامين قضايا عدلية ضد قيادة النهضة تشير إلى امتلاكه تنظيمًا سريًّا له امتدادات داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية، وطالب بعض المحامين بحل حزب النهضة بعد اتهامه بمخالفة قانون الأحزاب.

من ناحية أخرى، تصاعد الهجوم على حكومة "الشاهد"، حيث يطالب قياديون في "الجبهة الشعبية" التي تضم 14 حزبًا يساريًّا وقوميًّا بإسقاط الحكومة، وإقصاء بعض الأحزاب من الانتخابات المقبلة. كما وصف الرئيس "السبسي" "الشاهدَ" بالمتمرد و"النهضاوي"، وأشار إلى أنه يقوم بتشكيل جبهة سياسية برلمانية تتحالف مع حزب النهضة والمنشقين عن حزب النداء.

وعلى الرغم من تصاعد الشعارات التي تنتقد حركة النهضة وزعيمها "راشد الغنوشي" خلال التجمعات النقابية والعمالية، إلا أن قيادات النهضة قللت من قيمة هذه الشعارات والحملات، وفسروها بأنها ضغوط يمارسها بعض خصومهم بهدف إلغاء العملية الانتخابية أو تأجيلها أو التأثير في سلوك الناخبين.

تعثّر مسار المصالحة:

في ظل هذه الخلافات، يسعى كافة القادة السياسيين للتنصل من مسئولية الأزمات والإخفاقات الاقتصادية المتتالية، على الرغم من تصاعد التحذيرات من تداعيات مثل هذه الأزمات من قبل نقابات رجال الأعمال وغالبية خبراء الاقتصاد. فبينما يرى "الشاهد" ومستشاروه أن هذه الأزمات تعود إلى أخطاء "حافظ قائد السبسي" (المدير التنفيذي لحزب "نداء تونس")، والعوامل الهيكيلة الموروثة، والمشكلات المعقدة التي تمر بها تونس منذ ما يقارب من 9 أعوام؛ فإن الرئاسة التونسية والزعامات النقابية واليسارية -في المقابل- ترى أن حكومة "يوسف الشاهد" هي المسئولة عن تفاقم هذه الأزمات. ومن ثمّ فإن الأزمة الحالية تكشف -حسب عددٍ من المراقبين والسياسيين البارزين- أن المصالحة بين التيارات السياسية الكبرى في تونس لم تتحقق بعد (الليبراليون، واليسار، والإسلاميون)، وهو ما أكدته تصريحات "خالد شوكات" (القيادي في حركة "نداء تونس") الذي أشار إلى أن المسكوت عنه في الأزمة الحالية التي تسبق الانتخابات يتمثل في تعثر المصالحة الوطنية بين كوادر الحزب الحاكم واليساريين والإسلاميين.

وطالب زعيمُ حزب النهضة "راشد الغنوشي" في مؤتمر صحفي مطول في الذكرى الثامنة للثورة التونسية إلى "عفو تشريعي عام" يقرره البرلمان يؤدي إلى طيّ صفحة التجاذبات والصراعات، وغلق مرحلة تبادل الاتهامات بين المسئولين في الدولة ومعارضيهم خلال الستين عامًا الماضية. واعتبر "الغنوشي" أن مثل هذه المصالحة يمكن أن تساعد الفرقاء السياسيين على "تناسي الخلافات الأيديولوجية، وتحييد الخلافات التاريخية، وتحقيق المصالحة". كما دعا "نور الدين العرباوي" (رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة) إلى استشراف مستقبل البلاد، وحسم الخلافات الجديدة عبر الاحتكام للدستور والمؤسسات المنتخبة وعلى رأسها البرلمان ومؤسسة رئاسة الجمهورية، بيد أن هذه الدعوات لم تلقَ صدى كبيرًا بسبب أجواء التوتر السائدة داخل تونس مع انطلاق الحملات الانتخابية بشكل مبكر مما عمق التجاذبات السياسية وزادها تعقيدًا. 

تصاعد المنافسة الانتخابية:

يتزايد الاستقطاب في تونس مع احتمالية إسقاط حكومة "الشاهد"، وهو ما يُضعف من حظوظه في الانتخابات المقبلة، ويؤدي إلى إضعاف شركائه في الحكومة تمهيدًا لإقامة حكومة تكنوقراط تقود البلاد حتى موعد الانتخابات القادمة.

من جانب آخر، أعلن أمين عام اتحاد نقابات العمال أن المركزية النقابية لن تكون محايدة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وهو ما أدى إلى تحرك قيادات نقابية وبعض منظمات المجتمع المدني الموالية لليسار التونسي لتأسيس جبهة انتخابية موالية لها، وأعلن قياديون في الاتحاد العام التونسي للشغل أن المركزية النقابية قد تدعم مرشحًا لرئاسة الجمهورية، وسوف تدعم مرشحين للبرلمان القادم في محاولة لإنهاء سيطرة الأحزاب الليبرالية والإسلامية على الأوضاع السياسية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية لتونس بسبب موقعها في البرلمان.

ومن ثمّ يمكن القول إن اتحاد نقابات العمال سوف يسعى لزيادة حجم دوره السياسي في الفترة المقبلة، بيد أن هناك تخوفات من قبل بعض المحللين من تزايد موجات الإضرابات العامة التي سوف تؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع الاقتصادي، وربما يتفاقم الوضع إلى انفلات أمني يؤدي إلى تأجيل الانتخابات.