العالم يفكر:

المشكلات الكبرى فى منطقة الشرق الأوسط

26 June 2018


نشرت دورية اتجاهات الأحداث الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ورقة كمدخل عن مشروع يعده المركز للدكتور محمد عبدالسلام ــ مدير المركز ــ عن المشكلات التى تواجه منطقة الشرق الأوسط. ومن المشكلات الكبرى التى تستشرى فى منطقة الشرق الأوسط والتى تسبب التصدعات الإقليمية واستمرار التوتر ما لم تحل: القضية الفلسطينية والسياسة الإيرانية والسلوكيات القطرية والتوجهات التركية والسياسات المتصلبة وصراعات الموارد وتوجهات ترامب.

استهل الكاتب حديثه بالإشارة إلى وجود تيار شديد التشاؤم معظم ممثليه من الدول العربية التى تواجه انهيارات مزمنة أو جماعات المنفى من الإيرانيين والأتراك، يوضح إلى أين تصل التوجهات عندما تتبدد الآمال، ويروا أن: 

ــ المشكلة الأكبر هى الشرق الأوسط نفسه كان دائما هكذا ولم يتم التمكن من إصلاحه أبدا فكل حرب تلد أخرى، وكل تسوية تلد مشكلات، وبالتالى علينا أن نترك الشرق الأوسط. يبدو أن هذا التوجه غريب لمن يعيشون فى دول مستقرة ولكنهم ليسوا كذلك على الإطلاق للاجئين يعبرون الحدود بعشرات الآلاف أو لأشخاص لا يريدون العودة إلى بلدانهم كلما خرجوا منها وأحيانا قيادات وسيطة فى مناطق مأزومة تفكر فى خيارات خارجية لمستقبلها الأسرى. 

ــ إن المشكلة هى نحن: سكان الشرق الأوسط وليست الأطراف الأخرى التى نقول إنها تتدخل فى شئونه أو تتآمر عليه فحتى قبل ظهور القوى الكبرى كنا نقتل أنفسنا، هناك شىء خاطئ فى هيكل أو ثقافة الإقليم وعلينا أن نتخلص منه أو سنقضى على أنفسنا. 

الشوارع الخلفية: 

يضيف الكاتب بأن هناك مشكلات عامة بعضها عائد وبعضها حديث هى التى تسبب التصدعات الإقليمية وستظل مصدر توتر ما لم تحل؛ القضية الفلسطينية والسياسة الإيرانية والسلوكيات القطرية والتوجهات التركية والسياسات المتصلبة وصراعات الموارد وتوجهات ترامب. ويشدد البعض على أن مشكلة سوريا هى مصدر التوتر الأول فى المنطقة وأنه إذا كان سمة حرب إقليمية يمكن أن تنفجر أو صدام دولى يمكن أن يقع أو انتشار إرهاب يمكن أن يتسع فإنه يكون على المسرح السورى أو بفعل تداعيات أو تطورات فيه. 

كما أن هناك قضايا شديدة التحديد ومتصاعدة الأهمية تمثل مشكلات حقيقية لا يوليها المحللون ما تستحقه من اهتمام كالمشكلات الاقتصادية والأجيال الجديدة وحقوق الإنسان والمجتمع المدنى وعدم العدالة وإصلاح قطاع الأمن والفساد والشفافية.

الطرق الدائرية 

يوضح الكاتب الاتجاهات الرئيسية التى تبلورت لنقاشات دارت خلال الفترة الماضية حول مشكلات كبيرة تشهدها المنطقة وتؤثر أكثر من غيرها على مسارات 2018 منها ما يلى: 

1ــ الصراعات تتحول إلى اجتماعية ممتدة: التطور المعتاد للخلافات فى اتجاهات أزمات ثم صراعات لم يعد المشكلة الأكبر وإنما تحول الصراعات ذاتها من إطار السياسة إلى نطاق التاريخ ومن المستوى الرسمى إلى المستوى الشعبى لتتخذ أبعادا تجعل من الصعب حلها حتى لو تمت تسوية جوانب الخلاف التى فجرتها، فالعودة إلى الحالة العادية أصبحت متعثرة، وهو ما جعل منطقة الشرق الأوسط تعانى عبر عقود عدم الاستقرار والصراعات تبدأ وتنفلت ولا تنتهى. 

2ــ لم تعد هناك قواعد اشتباك محددة تحكم تفاعلات دول الإقليم: وأصبحت الدول الرئيسية ذاتها غير قادرة على تحديد خطوط حمراء يمثل تجاوزها مشكلة تتطلب الرد العنيف، كما لم تعد هناك قناعة أو إدراك من الأطراف المناوئة بعدم الاقتراب؛ مما يمثل مصلحة حيوية للدول الأخرى، وساد وضع شديد الحدة أدى إلى صدامات مباشرة بين قوى رئيسية وضربات مفاجئة من دون مقدمات وأعمال استفزاز لا يعرف أحد كيف ستمر، واحتمالات مستمرة للانزلاق إلى عمليات عسكرية واسعة. 

3ــ إن المشكلة الأكبر تتعلق بحالة المجتمعات داخل الدول المستقرة والمنهارة: فهناك حالة قلق تستند على مؤشرات مؤكدة بشأن سلوك المجتمعات التى سبقت أن قامت بثورات فى عدة دول أو التى تعانى ضغوطا اقتصاديا حادة أو التى تفككت من الداخل لتسيطر على حالة من فقدان القيم أو المعايير وأحيانا «العبثية»، وأدى ذلك إلى صعوبة شديدة فى توقع سلوكيات الأفراد وفئات مختلفة وأسئلة مقلقة من دون إجابة حول ما يفعله الناس أو ما يمكن أن يفعلوه وكفى. 

4ــ إن التكنولوجيا تضرب دول الإقليم بأكبر وأسرع من قدراتها على استيعابها أو التحكم فيها أو التنبؤ بما قد تحمله مستقبلا، فالتقدم التكنولوجى من المسلمات ويمثل فرصة هائلة لكن بعض قطاعاته أصبحت تثير احتمالات مقلقة كالذكاء الصناعى والهجمات الإلكترونية إضافة إلى الظهور السريع لتأثيرات بعض الابتكارات الحديثة أمنيا. وفيما عدا ثلاث دول تقريبا فى الإقليم قد تتعرض دول كثيرة لضربات تكنولوجية حادة مع آثار غير محسوبة طويلة المدى ولا يمكن تجنبها أصلا. 

5ــ إن الجانب المظلم لوسائل التواصل الاجتماعى يمثل مشكلة يعتبرها البعض هى الأكبر: لأنها جديدة إلى حد ما ويتسع نطاقها بسرعة وتتوغل فى كل منزل وقطاع فى ظل حال الانفلات غير المسبوق وعدم انضباط يصعب فهمه. فقد أصبح لكل شخص لديه «حساب إلكترونى» وسيلة إعلام شخصية تمثل جناح فراشة قد تقود إلى موجة تطور سياسى أو اجتماعى لاحقا وتدخلت الكتائب الإلكترونية وشركات البيانات ومؤسسات نافذة لتتلاعب بالعقول والنفسيات والانتخابات فيما أصبح يعتبر شكلا جديدا من الحروب. 

الإنقاذ السريع: 

تتمثل المشكلة الكبرى ببساطة شديدة فى أن سياسات الدول فى المنطقة أصبحت شديدة التعقيد سواء بحكم المحددات المحيطة بها أو هياكل صنع القرارات داخلها، وبالتالى يحتاج الأمر إلى جهد حقيقى لفهم ما يجرى فى واقع الأمر فهناك سلوكيات فى دول لا يمكن فهمها على أسس منضبطة بالفعل. فى ظل هذا الوضع وطالما لم يحدث تحول كبير فى نظم أو سياسات الأطراف المؤثرة إقليميا ستظل القضية هى القدرة على إدارة مشاكل وأزمات وصراعات متتالية فى وقت طويل من دون أن تخرج تفاعلات أو المواجهات عن نطاق السيطرة إلى أن تتبلور الاتجاهات التى ستشكل ملامح الشرق الأوسط.

الجديد هذه المرة هو أن الشرق الأوسط لم يعد هو الإقليم الوحيد الذى يحمل لافتة عدم الاستقرار فى العالم، ولقد أصبحت الأزمات تضرب معظم أقاليم العالم بما فيها الاتحاد الأوروبى الذى يواجه تهديدا وجوديا وشيكا فى ظل أوضاع سيئة ترتبط بالاقتصادات الناشئة (تركيا) وأزمة اللاجئين وسياسات التقشف والخروج البريطانى وصعود الشعبويين ومعاناة اليورو مع احتمال حدوث أزمة اقتصادية كبيرة. 

ويختتم الكاتب حديثه بالإشارة إلى أنه يظل الفارق بين إقليم وآخر حتى لا يبدو ما أثير بشأن الشرق الأوسط خارج التاريخ تتعلق بالطريقة التى ستتم إدارة مشكلاته بها من جانب دولة خاصة مع سياسات الإرباك المنظم التى يتبعها الرئيس ترامب، فبصورة ما تحاول دول شمال شرق آسيا مساعدة نفسها بما فيها زعيم الدولة التى لم تتوقف عن إزعاج وابتزاز الجوار، كوريا الشمالية، الذى قام بتحويل سياساتها بزاوية 180 درجة فى الوقت الذى لا تبدو فيه أوروبا قادرة على الحفاظ على استقرار أو استعادة التوازن داخلها على الرغم من كل التقاليد التى حكمت عقلانيتها الراسخة منذ نهاية الحرب الباردة. أما بالنسبة إلى المنطقة التى نعيش فيها فإنه يجب إعادة التذكير بالسؤال مرة أخرى ما هى أكبر مشكلة فى الشرق الأوسط.

*المصدر: صحيفة الشروق المصرية.