تغييرات موسّعة:

التعديل الوزاري لحكومة الشاهد في تونس

13 September 2017


أقدم رئيس الحكومة "يوسف الشاهد" على تعديل وزاري موسع في حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها منذ عامين، حيث شملت التغييرات نصف أعضاء الحكومة والوزارات دفعة واحدة، فقد تم تغيير 21 منصبًا بين 13 وزيرًا و8 كتاب دولة (بمثابة نائب وزير) ما بين قادمين جدد إلى مجلس الوزراء، وتنقلات من وزارة إلى أخرى، وهذا بالقطع تغيير واسع على حكومة بدأت نسختها الأولى بـ26 وزيرًا و14 كاتب دولة، وها هي تبدأ نسختها الثانية بـ28 وزيرًا و15 كاتب دولة.

حكومة حرب:

أطلق "الشاهد" على حكومته الثانية "حكومة حرب" في ظل ما يواجهها من تحديات سياسية واقتصادية، وما ينتظرها من مواجهات على جبهات عدة، خاصة مكافحة الإرهاب والفساد، ووضع خطط اقتصادية من أجل تحقيق التنمية، ومحاربة البطالة، والقضاء على التفاوت بين الجهات المختلفة داخل الدولة.

وقد حدث التعديل الوزاري بعد أن كانت هناك ثلاث حقائب وزارية شاغرة منذ 18 أغسطس 2017 بعد قبول استقالة وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي "الفاضل عبد الكافي"، وهي وزارات (المالية – التعليم – التنمية والاستثمار والتعاون الدولي)، ففي 30 أبريل 2017 تمت إقالة وزيرة المالية "لمياء الزريبي" وكذلك وزير التعليم "ناجي جلول" استجابة لضغوط اتحاد الشغل، وبالتالي كانت هناك ضغوط لتعيين وزيرين في وزارتين مهمتين، هما: التربية، والمالية.

كما أن التغيير جاء استجابة للضغوط الحزبية التي مارستها حركة "نداء تونس" على رئيس الحكومة "يوسف الشاهد" من أجل إجراء تعديل وزاري واسع، وقد استجاب الشاهد لضغوط نداء تونس نظرًا لما تتمتع به من ثقل ، وعليه فقد جاء هذا التغيير ملبيًا لطموحات حزب "نداء تونس" الذي كان يسعى إلى زيادة حصته في الحكومة، وهو ما حدث بالفعل بالحصول على 6 حقائب وزارية بدلًا من 4 فقط، و6 كتاب دولة بدلًا من 4 أيضًا، بالإضافة إلى منصب رئيس الحكومة.

فهناك حالة من الاحتقان السياسي، وعدم وضوح رؤية بالنسبة للعديد من المسائل والقضايا السياسية الملحة التي تعيشها تونس، وتحديدًا فيما يتعلق بالحديث عن إشكالية إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر 17 ديسمبر المقبل، حيث دعا عدد من الأحزاب السياسية إلى تأجيلها تشككًا في قدرة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على تنظيم هذه الانتخابات في أفضل الظروف.

كما أنه لا يمكن تنظيم الانتخابات دون سد الشغور في هيئة الانتخابات ودون أن يتبنى البرلمان قانونًا انتخابيًّا يُتيح التنظيم الإداري والمالي للانتخابات البلدية، وهو ما دفع بالرئيس "السبسي" إلى وصف المشهد السياسي في البلاد بالصعب والدقيق، وأن الأمل في إصلاح الأوضاع السياسية لن يتم إلا بإجراء تعديل وزاري سريع لمواجهة هذه التحديات.

تركيبة الحكومة الثانية:

تتمثل أهم ملامح التعديل الوزاري الجديد في حكومة "الشاهد" الثانية، في الآتي:

1- عودة قوية لرموز النظام السابق من خلال عدة وزارات، فقد تولى منصب وزير الدفاع "عبدالكريم الزبيدي" الذي كان يشغل منصب وزير الصحة في عهد "زين العابدين بن علي" عام 2001، وكذلك وزير التعليم الجديد "حاتم بن سالم" الذي كان يشغل نفس المنصب في عهد "بن علي" قبل قيام الثورة التونسية في عام 2011، وهو ما أثار ردود أفعال داخلية منتقدة لاختيارات "الشاهد" قبل بدء عمل الحكومة الجديدة الذي قد يؤثر سلبًا على عملها فيما بعد.

2- ترضية عناصر لحركة النهضة الإسلامية التي احتفظت بنصيب 3 وزراء،ومثلهم كتاب دولة ("زياد العذاري" وزيرًا للاستثمار والتنمية والتعاون الدولي بعدما شغل وزارة الصناعة والتجارة - "عماد الحمامي" وزيرًا للصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بعدما شغل وزارة التشغيل والتكوين المهني)، وجاء رد فعل حركة النهضة معبرًا عن تبنيها سياسة براجماتية تقوم على الحفاظ على تحالفها مع حزب "نداء تونس" رغم إخفاق النهضة في الضغط على "الشاهد" لإجراء تعديل وزاري محدود متمثلًا في سد الفراغ بالوزارات الثلاث (المالية – التربية – الاستثمار والتعاون الدولي) وأصدر بيانًا مؤيدًا لهذا التغيير.

3- تطعيم تركيبة الحكومة بكفاءات بارزة، خاصة في المجال الاقتصادي، باعتبار أن الهاجس الأكبر لهذه الحكومة هو الهاجس الاقتصادي، بالإضافة إلى إرضاء بعض الأحزاب المؤثرة التي من خلالها تحصل حكومة الشاهد على ثقة البرلمان. فقد كانت الأزمة الاقتصادية من أهم الأسباب التي دفعت بالشاهد لإجراء ذلك التعديل الوزاري الموسّع في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، واقتراب وضع ميزانية العام الجديد مع ما تحمله من إجراءات وسياسات مالية تدعو لمزيد من التقشف استجابة لشروط الاقتراض من صندوق النقد الدولي.

4- احتفاظ أحزاب "آفاق تونس" و"الجمهوري" و"المسار الديمقراطي" بتمثيلها في الحكومة الجديدة، حيث حصل حزب "آفاق تونس" على منصبين وزاريين وكاتبي دولة، فيما احتفظ حزبا الجمهوري والمسار الديمقراطي بمنصب وزاري واحدٍ لكل منهما، الأمر الذي يُشير إلى أن الشاهد حافظ على المكونات الحزبية، وحافظ على جزء كبير من الأحجام النسبية للأحزاب السياسية المشارِكة في الحكومة.

5- تغيير أبرز الحقائب الوزارية السيادية، حيث تم تغيير وزيري الدفاع والداخلية (فرحات الحرشاني - الهادي المجدوب) رغم ما حققاه من نتائج ملموسة في ملف مكافحة الإرهاب، وتم تعيين "لطفي براهم" وزيرًا للدفاع، في إشارة إيجابية نظرًا لكونها المرة الأولى التي يتم فيها تعيين وزير للداخلية من أبناء الوزارة، وذلك للمرة الأولى بعد الثورة في عام 2011 بعد أن كان مسئولًا عن الحرس الوطني، ورأى مراقبون في هذه الخطوة رد اعتبار لرجال الأمن في البلاد.

كما أن له نجاحات ملحوظة في ملف مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يُرجِّح أن يحقق تقدمًا في هذا الملف على المستوى الوطني، خاصةً وأن البلاد يواجهها خطر الإرهاب، وتحديدًا في الجنوب باعتباره المعبر الوحيد لتسلل الإرهابيين القادمين من ليبيا إلى تونس بشكل يُهدد الاستقرار الأمني من ناحية، ويقضي على جهود تنشيط السياحة من ناحية أخرى، والتي تعد مصدرًا رئيسيًّا للدخل القومي التونسي ومصدرًا للعملة الصعبة.

تحديات مركبة: 

يُشير التعديل الوزاري الجديد إلى نجاح التجربة الديمقراطية في تونس؛ حيث نجحت القوى السياسية في إرساء القواعد الديمقراطية عبر الائتلاف والتفاوض والتنافس بين الأحزاب والقوى السياسية في البلاد، كما يُشير إلى القدرة على التجاوب مع متغيرات تمر بها البلاد سياسيًّا واقتصاديًّا، وتجنبًا لتداعيات تواصل عدم الاستقرار الحكومي على الأوضاع العامة في البلاد.

وتُشير تركيبة الحكومة الجديدة التي ضمت عددًا من الكفاءات، خاصة في الناحية الاقتصادية، إلى وجود توجه عام لدى رئيس الحكومة بالرغبة في وضع حلول للأزمة الاقتصادية الراهنة، وسيبقى نجاح هذه الحكومة مرهونًا بقدرتها على الاستجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين تجنبًا لأية احتجاجات شعبية أو مواجهات مع الاتحاد العام للشغل خلال الفترة المقبلة.

ختامًا، تبقى الأزمة الاقتصادية، وملفات الفساد، والملفات الأمنية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب؛ من أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة برئاسة الشاهد، وإن كانت هناك بعض الانتقادات، سواء فيما يتعلق باختياراته لشغل حقائب وزارية ببعض من كانوا في عهد الرئيس المخلوع "بن علي"، أو فيما يتعلق باستجابته لضغوط حزب "نداء تونس" باعتباره الحزب الحاكم.