مزيد من العنف:

تحولات ظاهرة الإرهاب بعد هزائم "داعش"

23 August 2017


شهدت ثلاث دول أوروبية وروسيا ستة عمليات إرهابية فى غضون خمسة أيام متتالية، خلال شهر أغسطس الجاري، فى مشهد يبدو أن العنوان الرئيسي له هو توجيه ضربات قوية ومتتالية لتلك الدول ردًا على الخسائر البشرية والمادية التي منى بها تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق عقب انسحابه من مدينة الموصل العراقية وتراجعه في مدينة الرقة السورية. ويبدو من القواسم المشتركة لتلك العمليات، لا سيما فيما يتعلق بتشابه الأنماط والوسائل والأهداف وتقارب هوية المنفذين في البعض منها، أن التنظيم يحاول التعامل مع الظروف الجديدة التي فرضتها هذه التطورات، وربما يسعى إلى تطوير الآليات التي يستند إليها في هذا السياق، وهو ما تكشف عنه التحقيقات الخاصة بعملية برشلونة التي وقعت في 17 أغسطس الحالي.

استعداد مسبق:

تشير تحقيقات برشلونة إلى أن الخلية كانت تستعد للعملية الرئيسية منذ عام تقريبًا، حيث كانت تقوم بتخزين أسلحة واسطونات غاز ومتفجرات يطلق عليها "أم الشيطان". كما أن الشريط الذي بثه تنظيم "داعش" عبر وكالة "فرات ميديا" التابعة له وزعم أنه لمنفذ عملية الطعن في سورغوت مسعود السورغوتي، الذي تقول السلطات الروسية أنه يدعي ارتور حاجييف وعمره 19 عامًا، يكشف- في حالة ثبوت صحته- أن الإرهابي استعد بشكل مسبق أيضًا لهذه العملية.

وفى السياق نفسه، فإن تزامن العمليات الإرهابية في فنلندا وروسيا وألمانيا وإسبانيا يمثل مؤشرًا على اتجاه التنظيم إلى تصعيد وتكثيف هذا النمط من العمليات، وهو ما يطرح فرضيتين على مستوى المسارات المستقبلية المحتملة للتنظيم: تتعلق الأولى، بـبناء "شبكات داعشية" مختلفة فى أوروبا وروسيا، بحسب البيان الأخير للتنظيم الذى جاء تحت عنوان "الخيل المسومة"، سواء من "العائدين" أو "المنتمين عن بُعد للتنظيم"، تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية متتالية، على أن تكون إشارة البدء هى العملية الأولى التي تدفع الشبكات الأخرى إلى تنفيذ عملياتها بشكل متوالٍ.

فيما تنصرف الثانية، إلى "التشبيك"، الذي يقوم على تلاقي الأفكار والمصالح والقواسم المشتركة بين تلك الشبكات التي لا توجد بينها صلات تنظيمية. ومن دون شك، فإن ذلك لا يعني أن التنظيم بدأ في استبعاد النمط التقليدي الذي استخدمه في عملياته السابقة، وهو "الذئاب المنفردة"، الذي يبقى إحدى الآليات الرئيسية التي يستند إليها التنظيم في محاولاته الرد على الضربات والخسائر التي يتعرض لها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.

تطور محتمل:

لا تمثل العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في بعض الدول الأوروبية وروسيا أنماطًا جديدة على مستوى آليات التنفيذ، حيث أنها تمت إما عبر عمليات الدهس القاتل بالشاحنات أو من خلال الطعن، وهى أنماط تقليدية سبق أن شهدتها بعض الدول الأوروبية، ويمكن أن يطلق عليها "إرهاب الممكن"، بالنظر إلى سهولة الحصول على الأدوات وسهولة التنفيذ في مسرح العمليات. فعلى سبيل المثال، شهدت فرنسا من قبل في هجوم نيس، في يوليو 2016، عمليات دهس تكررت في الهجوم الذي وقع خارج ثكنة عسكرية في ليفالو بيريه في أغسطس الجاري. وينطبق ذلك أيضًا على عمليات الطعن، على غرار ما شهدته ألمانيا في مايو ويوليو 2016.

لكن هذا السياق لا ينفي أن هناك تطورًا محتملاً في مسار الظاهرة، ربما يكون أكثر عنفًا. ويدعم هذا الترجيح ما كشفت عنه التحقيقات في حادث برشلونة الذي وقع في 17 أغسطس، حيث أعلنت شرطة كاتالونيا، بعد يومين من تنفيذ العملية، أن الخلية المسئولة عن هجومى برشلونة وكامبرليس، قامت بالتحضير لتفجير أو أكثر في برشلونة عبر 120 اسطوانة غاز عثر على آثارها في منزل بمنطقة ألكانار، لكن سوء تخزين تلك الاسطوانات إلى جانب عبوات ومواد متفجرة أخرى أدى إلى انفجار المنزل وكان ذلك دافعًا للانتقال للخطة البديلة التي تحتاج لإمكانيات وتكلفة أقل وهى الدهس.

كما كشفت تقارير صحفية محلية أيضًا أن الخلية كانت تستهدف ثلاث مواقع حيوية فى البلاد هى كنيسة Sagrada Familia المصنفة بين أهم 12 كنزًا تاريخيًا وتراثيًا في إسبانيا وبين الأضخم في القارة الأوروبية، وميناء وشارع Las Lambras السياحي والتجاري وسط برشلونة.

ساحات جديدة:

يبدو أن تنظيم "داعش" يحاول توسيع مساحة المناطق وقائمة الدول المستهدفة من عملياته الإرهابية، حيث تعد إسبانيا ساحة جديدة في هذا السياق، رغم أن عملية برشلونة كانت، في الغالب، على صلة بالعمليات السابقة التي شهدتها دول أوروبية أخرى، وهو ما يكشف عنه إعلان الشرطة الإسبانية، في إبريل 2017، عن اعتقال خلية من 8 أشخاص ومداهمة 12 منزلاً فى برشلونة في اطار حملة على الإرهاب فى البلاد، بعد ورود معلومات عن وجود عناصر على صلة بعمليات سابقة وقعت في أوروبا خاصة العمليات التي شهدتها بلجيكا. كذلك أعلن رئيس الوزراء الفنلندي يوها سيبيلا أن العملية التى شهدتها بلاده، في 18 أغسطس، هى أول هجوم إرهابي تتعرض له.

ثغرات أمنية:

تظل الثغرات الأمنية في تتبع العناصر الإرهابية وتنقلها عبر الحدود الأوروبية قائمة رغم الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومات الأوروبية في هذا الصدد، إلى جانب تراجع التنسيق بين الدول، وهو ما يبدو جليًا في تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولوم التي أدلى بها لمحطة "بي.إف.إم"، في 22 أغسطس الجاري، وقال فيها أن "السلطات الفرنسية لم تكن على دراية بوجود الخلية التي نفذت هجمات في برشلونة وكامبرليس الأسبوع الماضي"، وأكد تقارير إعلامية أشارت إلى أن "السيارة التي نفذ بها الهجوم في كامبرليس رصدتها كاميرا مراقبة وهى تسير بسرعة في منطقة باريس"، مضيفًا أن "السلطات لم تكن تعلم في هذه المرحلة سبب وجود تلك السيارة هناك".

آليات أخرى:

حرص تنظيم "داعش" على إبراز علامات بربرية خلال فترة ازدهاره في الرقة والموصل عبر بث مشاهد الذبح باعتبارها إحدى الآليات التي سعى من خلالها إلى الترويج لأفكاره وتجنيد مزيد من العناصر القريبة من توجهاته. لكن ربما لا يمكن استبعاد أن يتجه التنظيم إلى تطوير تلك الاليات، كجزأ من محاولاته التعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها هزائمه في كل من العراق وسوريا والضربات التي يتعرض لها في مناطق أخرى بالشرق الأوسط والعالم، وهو ما تكشف عنه التحقيقات التي جرت بعد وقوع العمليات الأخيرة في بعض الدول الأوروبية.

ومن دون شك، فإن ذلك يفرض على القوى المعنية بالحرب ضد "داعش" إعادة تطوير خططها الأمنية ورفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي فيما بينها، للتعامل مع تلك الاحتمالات خلال المرحلة القادمة.