تطرف الجامعات:

تحديات مكافحة الإرهاب في باكستان

17 May 2016


إعداد: وفاء ريحان


بات انتشار التطرف في الجامعات من التحديات الرئيسية التي تواجهها باكستان. وعلى الرغم من إطلاق حكومة إسلام آباد خطة لمكافحة الإرهاب في أواخر عام 2014، فإنه ليس هناك استراتيجية واضحة للحد من تنامي التطرف بين الطبقة الوسطى وطلاب الجامعات. وتكمن خطورة تجنيد الجماعات المسلحة طلاباً جامعيين في كون هذه الفئة قادرة على تنفيذ هجمات خطيرة، وزيادة التواصل بين التنظيمات الإرهابية المحلية ونظيراتها في الدول الأخرى.

ما سبق يُمثل خلاصة ما تضمنه التقرير الصادر عن مركز مكافحة الإرهاب التابع لأكاديمية ويست بوينت العسكرية، تحت عنوان: "التطرف الجامعي: التحدي القادم لمكافحة الإرهاب في باكستان". وأعد هذا التقرير "هوما يوسف" Huma Yusuf، وهي كاتبة باكستانية وباحثة في مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء في واشنطن، وتناولت خلاله تصاعد عمليات تجنيد التنظيمات الإرهابية للطلاب في الجامعات الباكستانية، وتقييم مدى نجاح خطة الحكومة لمكافحة الإرهاب في تحقيق أهدافها.

انتشار التطرف داخل الجامعات الباكستانية

أطلقت السلطات الباكستانية خطة عمل وطنية لمكافحة الإرهاب في ديسمبر2014، وذلك في أعقاب هجوم إرهابي شنته "حركة طالبان باكستان" على مدرسة يديرها الجيش في بيشاور، راح ضحيته 141 شخصاً. وقد أدت العمليات العسكرية وشبه العسكرية المترتبة على هذه الخطة إلى اعتقال وقتل الآلاف من المسلحين المشتبه بهم في جميع أنحاء البلاد.

وعلى الرغم من ذلك، يرى التقرير أن تلك الخطة لم ترق إلى مستوى الاستراتيجية الشاملة لمواجهة ما يخشاه المسؤولون من ارتفاع معدلات التطرف بين السكان من الطبقة الوسطى والأثرياء، لاسيما طلاب الجامعات، حيث لم تعد الجامعات الباكستانية بمنأى عن تسلل الجهاديين إليها.

وكانت مجلة "دابق"، الصادرة عن تنظيم "داعش" في سوريا والعراق"، قد أشادت بما وصفته شجاعة "تاشفين مالك"، ذات الأصول الباكستانية، التي اشتركت مع زوجها "سيد فاروق"، في قتل 14 شخصاً في حادث إطلاق نار خلال حفل بمنطقة "سان برناردينو" بولاية كاليفورنيا الأمريكية، خلال شهر ديسمبر 2015.

ولفت هذا الحادث الإرهابي الانتباه إلى الجامعة التي تخرجت منها "تاشفين مالك"، وهي جامعة بهاء الدين زكريا في منطقة ملتان التي تقع في الجزء الجنوبي من محافظة البنجاب الباكستانية، حيث كانت "تاشفين" طالبة في كلية الصيدلة بين عامي 2007 و2012. وجدير بالذكر أن ملتان تعد من أكثر المناطق تجنيداً للمجموعات المسلحة والمتشددة في باكستان.

ويؤكد التقرير أنه مع إطلاق الحكومة خطتها لمكافحة الإرهاب، تم إخضاع جامعة بهاء الدين زكريا، التي تضم حوالي 35 ألف طالب، للمراقبة اليومية، كما تمركز مسؤولو المخابرات بالجامعة لمراقبة الأنشطة المتطرفة، خاصةً ما يتعلق بتجنيد الجماعات الإرهابية للطلاب.

وتشير الباحثة إلى تزايد الطلب على التعليم العالي في الطبقة الوسطى الباكستانية، حيث ارتفعت النسبة من 4.94% في عام 2005 إلى 10.36% في عام 2014، وأصبح هذا الشباب المتعلم من الطبقة الوسطى هدفاً جذاباً للتجنيد من قِبل التنظيمات المسلحة.

ووفقاً لما يعتقده المسؤولون الباكستانيون، فإن عدد الطلاب المتطرفين يتزايد نتيجة للمحاولات المنسقة من الجماعات المسلحة لتجنيدهم في الحرم الجامعي، بالإضافة إلى تعرض الطلاب المتزايد للأفكار المتطرفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يوجد نحو 30 مليون مستخدم لشبكة الإنترنت في باكستان، وحوالي 23 مليون مستخدم لموقع فيس بوك، والذي يعد الأكثر شعبية في هذا البلد.

ويذكر التقرير أن الطلاب في باكستان يمتلكون مهارات تقنية في مجالات الهندسة وإنتاج الفيديوهات، والتي تدعم من الاستراتيجيات الإعلامية للجماعات المسلحة. ويتجسد المثال الأبرز على التهديدات التي يُمثلها الطلاب المتطرفون في باكستان، في حالة سعد عزيز، خريج معهد إدارة الأعمال؛ وهو أحد أبرز المعاهد الخاصة، الذي اعترف بقتل الناشطة الحقوقية "سابين محمود" في 24 إبريل 2015 في كراتشي، كما اتهمته الشرطة أيضاً بالمشاركة في العديد من الهجمات الأخرى في البلاد.

وتؤكد الكاتبة أنه لا تتوفر إحصاءات شاملة عن عدد المتطرفين الذين اُعتقلوا في الجامعات خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن إقرارها بصعوبة وجود دلائل حول ما إذا كانت الزيادة الطفيفة في عدد الطلاب المعتقلين عام 2015، جاءت نتيجة يقظة مسؤولي مكافحة الإرهاب في إطار خطة العمل الوطنية.

العمل السياسي في الجامعات

تشير الكاتبة إلى أن فرض حظر طويل الأمد على الاتحادات الطلابية في الجامعات الباكستانية، وفَّر المناخ لصعود الجماعات المتطرفة بها. ففي عام 1984، فرض الحاكم العسكري الجنرال ضياء الحق حظراً على الاتحادات الطلابية، ومنع الأحزاب السياسية من الوجود بالجامعات. وعلى الرغم من هذا النهج، فإن العديد من الأحزاب السياسية استمر حينها في تجنيد الطلاب، كما حدث من قِبل الحركة القومية المتحدة في كراتشي، وحزب الشعب الباكستاني المعارض.

وفي عام 2008، فور وصول يوسف رضا جيلاني إلى السلطة كرئيس للوزراء، أعلن رفع الحظر عن أنشطة الاتحادات الطلابية، ومع ذلك لم يُنفذ هذا القرار.

نشاط الأحزاب السياسية الدينية في الجامعات

استطاعت الأحزاب الدينية، من خلال الأجنحة الطلابية لها، أن تُعزز من وجودها وتظهر كمجموعات مهيمنة داخل الحرم الجامعي.

وترى الكاتبة أن تحول الأحزاب السياسية الدينية، مثل الجماعة الإسلامية وجمعية علماء الإسلام، إلى تبني مواقف متشددة، قد ساهم في تعزيز عملية تجنيدها الطلاب بالجامعات. ويأتي ذلك بينما تواجه هذه الأحزاب خطر فقدان دورها المحدود في الساحة السياسية الباكستانية. وفي المقابل، فإن أحزاب الوسط، مثل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الحاكم وحركة الإنصاف الباكستانية، بدأت على نحو متزايد تتبنى مواقف محافظة في قضايا كانت السمة المميزة للأحزاب الدينية.

وفي الوقت ذاته، بدأت المنظمات الجهادية، مثل سباه الصحابة المناهضة للشيعة، في دخول الساحة الانتخابية من خلال تحالفات مع قوى أخرى. وهذه المعطيات الجديدة، كما تراها الباحثة، تهدد بسحب معظم المؤيدين المحافظين إلى الأحزاب الدينية. وكوسيلة للتعامل مع هذا الاتجاه، بدت الأحزاب السياسية الدينية أكثر راديكالية في نهجها. ومثال على ذلك، الروابط الجهادية المتزايدة بين الجناح الطلابي للجماعة الإسلامية و"الجماعة الإسلامية للطلبة"، فهذه الأخيرة تدعم وجودها النشط في الحرم الجامعي بمساعدة من الجماعة الإسلامية.

"منظمة حزب التحرير" واستهداف طلاب باكستان

تطرح الكاتبة مثالاً على المنظمات الدولية المتطرفة التي تستهدف تجنيد المزيد من طلاب الجامعات في باكستان، وهي "منظمة حزب التحرير" التي تتخذ من المملكة المتحدة قاعدة لها. وفي خطتها المُعلنة عن باكستان، شرحت الجماعة أن هدفها هو إنشاء دولة خلافة في البلاد، لتكون مثالاً للآخرين وتُعيد توحيد العالم الإسلامي.

ويبلغ عدد أعضاء هذه الجماعة عالمياً حوالي مليون شخص، وتتراوح التقديرات حول عدد أفرادها في باكستان لتصل إلى عشرات الآلاف. وعلى الرغم من أنها حُظرت في باكستان منذ عام 2004، فإنه شاع عنها في السنوات الأخيرة قيامها بعمليات تجنيد بين صفوف الجيش الباكستاني، بالإضافة إلى وجود العديد من المؤشرات المتنامية على أنشطتها في تجنيد طلاب الجامعات.

تقييم خطة باكستان في مكافحة الإرهاب

يتطرق التقرير إلى تقييم خطة الحكومة الباكستانية في مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن هذه الخطة تركز على العمليات العسكرية وشبه العسكرية، وتدعو إلى مراقبة المدارس والجامعات وأنشطتها، ومراجعة خطابات التحريض، ووقف تداول المواد المتطرفة، ومنع وصول الجماعات المحظورة إلى منصات التواصل الاجتماعي.

لكن ثمة بعض المآخذ على هذه الإجراءات، ومنها أن سياسة الشرطة الباكستانية اقتصرت على القبض أو الاحتجاز المؤقت لرجال الدين غير البارزين المشاركين في خطابات الكراهية، فضلاً عن استمرار الجماعات المسلحة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي (تويتر، وفيس بوك) في تجنيد الشباب.

كذلك، لا تتضمن خطة الحكومة الباكستانية في مكافحة الإرهاب، ما يلزم لتفنيد الأطروحات المتطرفة، أو المساعدة على وقف تجنيد الشباب الباكستاني.

وقد بدأت الجامعات الباكستانية الخاصة في إطلاق مبادرات لمواجهة الخطاب المتطرف. ومن الأمثلة على ذلك، فوز طلاب بجامعة لاهور للعلوم الإدارية، في فبراير 2016، بمسابقة لمكافحة الإرهاب ترعاها وزارتا الخارجية والأمن الداخلي الأمريكيتين، وذلك بهدف حث الشباب الباكستاني على مقاومة التطرف. ولكن بالنظر إلى الجامعات الحكومية، فنادراً ما توجد مثل هذه المبادرات، على الرغم من أن هذا القطاع هو الأكثر عُرضة لتسلل المتطرفين إليه.

مُجمل القول، تنتهي الكاتبة إلى أنه في ظل غياب نهج شامل للحد من انتشار التطرف بين طلاب الجامعات الباكستانية، ستستمر هذه الشريحة العمرية تُمثل تهديداً متزايداً داخل باكستان، خاصةً أن أعضاءها أكثر تعليماً وتأهيلاً؛ بما يعني قدرة أفضل على التخطيط لهجمات متطورة من ناحية، وتيسير الروابط بين هذه الجماعات المحلية وغيرها من الجماعات العابرة للحدود من ناحية أخرى، أي انتقالهم لتنفيذ هجمات على الصعيد الدولي. وبالتالي أصبح التطرف داخل الحرم الجامعي واحداً من التحديات الرئيسية لمكافحة الإرهاب في باكستان.

* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "التطرف الجامعي: التحدي القادم لمكافحة الإرهاب في باكستان"، والمنشور في دورية "سي تي سي سنتنيل" الصادرة عن مركز مكافحة الإرهاب التابع لأكاديمية ويست بوينت العسكرية، عدد شهر فبراير 2016.

المصدر:

Huma Yusuf, University Radicalization: Pakistan’s Next Counterterrorism Challenge, CTC SENTINEL,  Volume 9, Issue 2,(New York: Combating Terrorism Center at West Point, February 2016) pp 6 -10.