"نهج متوازن":

محفزات تطوير العلاقات الهندية ـ الخليجية

01 June 2014


إعداد: أحمد عاطف

مثلت الطاقة والتجارة الأساس الذي بُنيت عليه العلاقات بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي في الماضي. ويُلاحَظ أن التعاون الاقتصادي بين الجانبين لايزال ينمو بوتيرة أسرع خلال العقد الأخير رغم التطور الملحوظ في العلاقات السياسية والاستراتيجية، التي لم تلق ذات الاهتمام المماثل.

ويُعزى عدم تطور العلاقات السياسية سابقاً إلى عدة أسباب، أبرزها: التغيرات السياسية الإقليمية، وما صحبها من تباين المصالح بين دول الخليج والهند؛ إذ حافظت دول الخليج على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة وباكستان، في حين كانت الهند على علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي، فضلاً عن اعتراف الهند بدولة إسرائيل عام 1950، وموقفها الصامت من الغزو العراقي للكويت، إضافة إلى تحفظ دول الخليج على طريقة معاملة المسلمين في الهند.

ينطلق الباحث prasanta kumar pradhan، زميل مشارك في معهد دراسات وتحليلات الدفاع الهندي، من تلك الخلفية التاريخية، ليقدم رؤيته حول أهمية ودوافع وسبل تقوية العلاقات الهندية ــ الخليجية، وذلك في دراسته تحت عنوان "الهند والخليج.. تعزيز الروابط السياسية والاستراتيجية"، والتي نشرت في كتاب أصدره المعهد في هذا العام تحت عنوان (التطورات في منطقة الخليج .. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين). حيث يحلل pradhan الوضع الراهن للعلاقات الهندية ــ الخليجية، ويستكشف دوافع تعميقها مستقبلاً، والعوامل التي تعوق ذلك، ويقدم عدة توصيات لتعزيزها.

أولاً: الوضع الراهن للعلاقات الهندية ـ الخليجية

لايزال الجانب الاقتصادي هو العمود الفقري في العلاقات الهندية - الخليجية، إذ أصبح مجلس التعاون الخليجي شريكاً تجارياً رئيسياً للهند، وهو ما تعكسه زيادة إجمالي حجم التجارة بين نيودلهي ودول الخليج من حوالي 55.5 مليار دولار أمريكي عام 2000/2001 إلى 158.41 مليار دولار عام 2012/2013، والذي يعود، وفق رأي الكاتب، إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، لاسيما النفط، فضلاً عن الجهود التي بُذلت من الطرفين لتعزيز العلاقات التجارية بينهما خلال هذه الفترة على نحو أضحت معه كل من الإمارات والسعودية من بين أعلى خمس دول في الشراكة التجارية مع الهند.

وعلاوة على ذلك، هناك حوالي 6 ملايين عامل هندي يشكلون الجزء الأكبر من العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي، ما ترتبت عليه زيادة التحويلات المالية من هذه العمالة إلى الهند، والتي بلغت 29.29 مليار دولار أمريكي وفقاً لإحصاءات البنك الدولي في عام 2012، وبما يمثل 47% من إجمالي التحويلات المالية للهند من كل دول العالم.

ثانياً: أهمية الروابط الهندية - الخليجية

يتطرق pradhan إلى عدد من النقاط الأساسية لدى تناوله أهمية تعزيز روابط الهند مع دول الخليج، وهي:

1- التعاون الأمني والعسكري المشترك: تحاول الهند تعزيز الروابط الأمنية مع دول الخليج، فوقعت خلال الأعوام الأخيرة اتفاقيات للتعاون الدفاعي مع الإمارات وقطر وعمان، كما تتطلع نيودلهي إلى توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي مع السعودية، وتهدف الهند من خلال هذه الشراكة إلى التصدي للقرصنة وتأمين إمدادات الطاقة وضمان سلامة خطوط الاتصالات البحرية، وتأمين مصالحها في الجزء الغربي من بحر العرب والمحيط الهندي.

2- تعزيز التفاهم السياسي والشراكة الاستراتيجية: في إطار الطبيعة الجغرافية السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، ومع رغبة الهند في تحقيق طموحاتها، تؤكد الدراسة حاجة نيودلهي إلى تعزيز التفاهم السياسي مع دول الخليج، واعتماد تدابير في هذا الصدد لنيل ثقة القيادات الخليجية، مثل الزيارات السياسية رفيعة المستوى التي لا تزال محدودة، والحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.

3- أهمية الخليج بالنسبة للهند في العالم الإسلامي: تشير الدراسة إلى أن بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج سوف يساعد في تعزيز مصالح الهند مع العالم الإسلامي، خاصةً بعد أن ساهم اقتصاد الهند المتنامي وصعودها كدولة ديموقراطية في تشكيل صورة إيجابية عنها في البلدان الإسلامية، كما أن دول الخليج تلعب دوراً نشطاً في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية؛ وبالتالي من الأهمية بمكان للهند الاستفادة من هذه الآليات في دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي عبر دول الخليج.

4- إقامة علاقات هندية متوازنة مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران: يرى pradhan أن انقسام المنطقة على أسس سياسية وعرقية يبقى تحدياً أمام الهند، ولذا ثمة ضرورة قصوى لإقامة علاقات متوازنة مع جميع البلدان، خاصةً دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية على وجه خاص)، وإيران باعتبارهما من أهم الدول الفاعلة في المنطقة.

ثالثاً: معوقات تفعيل العلاقات الهندية - الخليجية

يعتقد pradhan  أنه رغم هذه الدوافع السابقة، فإن ثمة عدة عوامل قد تعوق تطوير العلاقات السياسية القوية بين الهند ودول الخليج، أبرزها:

1- العلاقات الهندية مع إيران، فعلى الرغم من معارضة الهند في الأمم المتحدة لبرنامج إيران النووي، إلا أن الرغبة الهندية في بناء علاقات سياسية واقتصادية قوية مع طهران أثارت مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي.

2- التقارب الباكستاني - الخليجي، حيث استغلت إسلام آباد العامل الديني واتهامها للهند بمعاداة المسلمين، في تعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبصفة خاصة السعودية والإمارات.

3- اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة في القضايا السياسية والأمنية، وهو ما يعني تضاؤل فرص دخول قوى أخرى في شراكة مع دول الخليج في هذه المجالات على المدى القصير، وما يزيد الأمر صعوبة أن شعوب الخليج لن تدعم بسهولة تدخل دول أخرى في شؤون بلادهم السياسية والأمنية.

4- علاقات الهند الوثيقة مع إسرائيل، وتحديداً التعاون في مجال الدفاع العسكري الذي دُشن مع بدايات العقد الأخير من القرن الماضي؛ مما أثار استياء دول الخليج العربي، ولا تزال هناك شكوك بين دول الخليج بشأن موقف الهند من دعم القضية الفلسطينية، ووجود اتهامات لنيودلهي من حين لآخر بالصمت أمام الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون.

رابعاً: محددات المستقبل السياسي في المنطقة

عرضت الدراسة ستة عوامل أساسية سوف تحدد المستقبل السياسي في منطقة الخليج، وهي:

1- القضية النووية الإيرانية: حيث يبقى برنامج إيران النووي محور اهتمام السياسة الخليجية خلال السنوات القادمة، كما أن هذه القضية ونهج القوى الخارجية الكبرى في التعامل معها ستظل العامل الأساسي في احتمالية بدء الانتشار النووي في المنطقة، في حالة فشلت جهود منع إيران من تملك القدرات النووية.

2- علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران: يبدو أن العلاقات بين الطرفين ستظل صراعية لسنوات عديدة قادمة في ظل الاختلاف الأيديولوجي والملف النووي وصراع المصالح الإقليمية على المستويين الأمني السياسي، فضلاً عن الثورات العربية التي أدت إلى تفاقم العلاقة بين دول الخليج وإيران في ظل دعم الأخيرة للمتظاهرين ضد بعض دول الخليج العربي، مثلما حدث في البحرين ومثل تدخلها في سوريا.

3- دور الولايات المتحدة: يجادل البعض في أن اكتشاف الغاز الصخري والنفط في الولايات المتحدة من شأنه تقليل اعتمادها على نفط منطقة الخليج، ومن ثم تراجع دورها تدريجياً في هذه المنطقة، غير أن ثمة أسباباً أخرى تدفع واشنطن لمواصلة وجودها في المنطقة، وذلك للحفاظ على أمن إسرائيل والتصدي للإرهاب، وهو ما يعني استمرار الولايات المتحدة كداعم أساسي لأمن الدول الخليجية لعقود قادمة.

4- الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة: ستظل التوترات الطائفية والدينية مدخلاً لاحتمالية نشوب صراع في المنطقة، فإيران تتبنى سياسة دعم الشيعة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، وهو ما يمثل تهديداً لمصالح الدول "السنية" التي تسعى إلى مقاومة هذا النفوذ الإيراني.

5- الحروب بالوكالة في المنطقة: فقد انعكس التنافس بين الرياض وطهران، كما يرى الكاتب، في شكل حروب بالوكالة من خلال دعم جماعات وفصائل مختلفة في بلدان مثل اليمن وسوريا والعراق، وعلى الرغم من دحض البلدين أي ادعاءات من هذا القبيل، فمن الواضح أن مثل هذه الحروب القائمة منذ فترة طويلة لا يمكن أن تستمر دون دعم من الدولتين، الأمر الذي يزيد من تفاقم الوضع الأمني في المنطقة.

6- امتدادات تأثير الثورات العربية: فلا تزال التغيرات بدول الثورات العربية تمثل هاجساً لدول الخليج، وعلى سبيل المثال فإن الاحتجاجات التي شهدتها البحرين دقت ناقوس الخطر، وبدأت عمان وقطر والكويت اتخاذ بعض الخطوات نحو تعزيز العملية السياسية.

خامساً: سبل تعزيز العلاقات الهندية – الخليجية

تخلص الدراسة إلى عدد من التوصيات في سبيل تقوية وتعزيز العلاقات بين الهند ودول الخليج، تتمثل في الآتي:ـ

1- نظرة أبعد من النهج الاقتصادي، فقد حان الوقت بالنسبة للهند لتعزيز التفاهمات السياسية والروابط الاستراتيجية مع دول الخليج جنباً إلى جنب مع تعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري.

2- تحديد المجالات ذات الاهتمام المشترك، فمن الأهمية بمكان أن يسعى الجانبان الهندي والخليجي إلى تحديد وإعطاء الأولوية لمعظم القضايا المهمة المشتركة، وألا يقتصر الأمر على الشق الاقتصادي فقط.

3- تعزيز الروابط الأمنية، فبالرغم من أن الهند اتخذت مؤخراً مبادرات تعكس الرغبة المتنامية لتعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية مع دول الخليج، إلا أنها خطوات بطيئة، ومن ثم هناك حاجة إلى مزيد من التعاون الأمني لمواجهة قضايا وتحديات مستقبلية تتعلق بالإرهاب والقرصنة والأنشطة الإجرامية وغسيل الأموال وتهريب الأسلحة الصغيرة.

4- الشراكة مع "مجلس التعاون الخليجي"، فعلى الرغم من بعض الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون، إلا أنها تتبع سياسات مماثلة في العديد من المسائل السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وبالتالي قد يكون من الأسهل للهند التعامل مع هذه المنظمة ككل في المسائل التي تجمع كل دول مجلس التعاون الخليجي.

5- استعادة العلاقات مع العراق، فبعد التدخل العسكري الأمريكي في العراق وما تبعه من اضطرابات سياسية وانفلات أمني، اضطرت الهند إلى سحب سفيرها من بغداد، ومع تحرك العراق ببطء نحو الاستقرار والديموقراطية البرلمانية، تبدو نيودلهي في حاجة إلى إعادة العلاقات القديمة مع بغداد.

6- النهج المتوازن، نظراً للطبيعة المعقدة للوضع السياسي في المنطقة، قد يكون من الحكمة بالنسبة للهند الاستمرار في اتباع علاقات متوازنة مع الفاعلين الرئيسيين في المنطقة.

7- الاستعداد لفترات طويلة من التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، فالهند لديها مصالح مشتركة مع الجانبين، ومن المرجح أن يستمر هذ التوتر في المستقبل القريب، لذا سيكون على الهند الاستعداد للحفاظ على توازن علاقاتها مع إيران ودول الخليج، وأن تعد نفسها للتعامل  مع ما يعتبره الكاتب منطقة مضطربة.

** عرض مُوجز للفصل الأول تحت عنوان: "الهند والخليج.. تعزيز الروابط السياسية والاستراتيجية"، من كتاب: "التطورات في منطقة الخليج .. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين"، الصادر في عام 2014 عن معهد دراسات وتحليلات الدفاع في نيودلهي.

المصدر:

P.K. Pradhan, India and the Gulf: Strengthening Political and Strategic Ties, in Rumel Dahiya (Editor), Development in The Gulf Region: Prospects and Challenges for India in the Two Decades, New Delhi: Institute for Defense Studies and Analyses, 2014.