إعداد: محمد أحمد عبدالنبي
لم تعد مشكلة اللاجئين تخص المنطقة العربية أو أوروبا فقط، وإنما أضحت أزمة عالمية تتطلب تبني رؤية مشتركة من كافة الدول للتعامل معها. وقد كشفت الإحصاءات الصادرة مؤخراً عن تفاقم أزمة اللاجئين في العالم، فوفقاً للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ ثمة حوالي 60 مليون لاجىء ونازح، مما يعكس إخفاقاً دولياً في حل الصراعات الموجودة في عدد من الدول، والتي يضطر بسببها المواطنون إلى الهروب من الأوضاع غير المستقرة.
وفي هذا الصدد، نشر "مركز التقدم الأمريكي" تقريراً تحت عنوان: "أزمة في تصاعد.. مشكلة اللاجئين العالمية"، تطرق خلالها الباحثان في المركز "جون نوريس John Norris "و"آني ملكنشيت" Annie Malkenchit، إلى أزمة اللاجئين الحالية، وأبعادها المختلفة، وتعامل الدول معها، مع تقديم عدد من الحلول الفعَّالة لعلاجها.
ملامح أزمة اللاجئين عالمياً
أشار الكاتبان إلى عدة ملامح لأزمة اللاجئين في العالم، ومن أبرزها ما يلي:ـ
1- خطورة ملف النازحين داخلياً بدرجة أكبر من اللاجئين أنفسهم، حيث أشارت الإحصاءات إلى أنه من بين الـ60 مليون لاجئ في العالم، ثمة ما يقرب من 38,2 مليون شخص نازح (أُجبر على ترك منزله، ولايزال داخل حدود دولته).
2- يتواجد معظم النازحين أو المُشردين داخل عدد قليل من الدول، حيث يتركز 60% منهم في خمس دول هي: (سوريا بنسبة 19,9%، وكولومبيا 15,83%، والعراق 8,58%، والسودان 8,12%، وجمهورية الكونغو الديمقراطية 7,22%). ويعني ذلك أن علاج مشاكل هذه الدول يُسهم بشكل فعال في علاج أزمة اللاجئين.
3- تستضيف الدول النامية النسبة الأكبر من اللاجئين، وذلك بنسبة نحو 85%، وهو ما يضع قيوداً كبيرة على استقرار هذه الدول.
أسباب تفاقم أزمة اللاجئين
أوضح التقرير أن أزمة اللاجئين الموجودين حالياً في الشرق الأوسط وأوروبا، سببها فشل المجتمع الدولي في حل الصراعات الكامنة في دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا، ما يدفع شعوبها إلى ترك بلدانهم، وبالتالي، فإن تحقيق السلام في تلك الدول هو أساس علاج مشكلة اللاجئين.
وأشار الكاتبان إلى أنه في حال استمرار المجتمع الدولي، خاصةً الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية والأمم المتحدة، في تجنب التدخل في الصراع السوري وعدم طرح حلول جادة للأزمة، فإن عليه أن يتحمل العواقب الناتجة عن ذلك، حيث سيتعين عليه أن يستضيف أعداداً هائلة من اللاجئين الهاربين من هذا الصراع، فضلاُ عن تقديم مساعدات إنسانية للنازحين أو المُشردين السوريين.
تباين مواقف الدول
أوضح الكاتبان أن ثمة تبايناً في تعامل الدول مع أزمة اللاجئين، حيث يسيطر على البعض مخاوف من أن يؤدي استضافة هؤلاء اللاجئين إلى انتشار الإرهاب، فيما تنظر دول أخرى إلى المنفعة الاقتصادية العائدة من استضافة اللاجئين.
وبناءً عليه، أوضح التقرير تباين مواقف الدول فيما يتعلق باستضافة اللاجئين، كالتالي:
1- دول المواجهة:
هي الدول التي يوجد فيها العدد الأكبر من اللاجئين، وفي مقدمتها لبنان (بها 1,1 مليون لاجىء سوري مُسجل، وتشير التقديرات الحكومية إلى أن عدد اللاجئين السوريين لديها 1,5 مليون سوري)، والأردن (تُقدر المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين السوريين في الأردن بنحو 692,266 ألف شخص، بينما تؤكد الحكومة أن الأعداد المسجلة لديها تصل إلى ما يقرب من 1,4 مليون شخص). كما تستضيف تركيا (1,9 مليون سوري على أراضيها يعيش ثلثهم في معسكرات تابعة للحكومة التركية).
2- دول الخليج:
أكد التقرير أن السعودية والإمارات تستضيف كل منهما نحو 100 ألف لاجئ سوري، وذلك على الرغم من عدم إعلانهما رسمياً دخول اللاجئين السوريين لأراضيها، وأشار إلى المساعدات الإنسانية الخليجية التي تم تقديمها منذ اندلاع الأزمة السورية، إذ قدمت الإمارات نحو 403 مليون دولار، والسعودية 594 مليون دولار، والكويت 933 مليون دولار، وقطر233 مليون دولار، وسلطنة عُمَان 23 مليون دولار، والبحرين 3 مليون دولار.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي غير ملزمة بأي حماية للاجئين، لأنها غير موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، كما أنها غير منضمة لأية معاهدة تلزمها بقبول اللاجئين على أراضيها.
3- إسرائيل:
أوضح الكاتبان أن إسرائيل رفضت قبول اللاجئين على أراضيها خوفاً من أن يتسببوا في تغيير المكون الديموغرافي بها، إضافة إلى خشية رئيس الوزراء "نتنياهو" من أن يتسبب اللاجئون في نشر "الإرهاب" داخل تل أبيب. وأكد الكاتبان على أهمية إدراك إسرائيل للفوائد التي ستعود عليها جراء مساعدتها لجيرانها فيما يخص أزمة اللاجئين، وكذلك إدراكها لضرورة تحقيق الاستقرار الإقليمي.
4- دول أوروبية ترفض اللاجئين:
أشار التقرير إلى أن المجر وإيطاليا واليونان هي أكثر دول الاتحاد الأوروبي ارتباكاً فيما يتعلق بكيفية التعامل مع اللاجئين القادمين إلى حدودها من منطقة الشرق الأوسط؛ فاليونان تعاني من أزمة مالية، ويسيطر على الحكم في المجر تيار متشدد يناهض الهجرة بصفة عامة، وانتقال اللاجئين إلى أوروبا على وجه الخصوص، وهو ما ظهر جلياً مؤخراً من خلال تعامل الشرطة المجرية مع اللاجئين في المترو ومحطات القطارات، إضافة إلى شروع المجر في بناء سياج على حدودها مع سيبيريا لمنع دخول اللاجئين إلى أراضيها، وهو الأمر الذي لاقى استنكار المنظمات الدولية والأوروبية المختصة بشؤون اللاجئين.
5- الدول الداعمة:
أكد التقرير على أن ألمانيا والسويد هما أكثر الدول الأوروبية التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين، كما أنهما الدولتان اللتين تستحقان الإشادة نظراً لرد فعل قيادتهما والرأي العام بهما، لاسيما بعد أن تعهدت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" بتخصيص 6,7 مليار دولار لعلاج مشكلة طالبي اللجوء لبلادها، فضلاً عن أنها الدولة التي سمحت لنحو100 ألف لاجىء بالدخول إلى أراضيها خلال عام 2015 فقط.
أما السويد، فقد وافقت على استضافة نحو 80 ألف لاجئ خلال العام الجاري، وأعلنت فرنسا عن قبولها نحو 24 ألف لاجئ خلال العامين المقبلين.
6- الدعم المالي وليس البشري:
أوضح التقرير أن كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا تعاملتا مع أزمة اللاجئين الحالية بقدر كبير من السخاء بتقديم المساعدات الإنسانية والمالية، مع وجود قدر كبير من السياسات المقيدة فيما يتعلق باستضافة اللاجئين.
وقد بلغت المساعدات الأمريكية للسوريين منذ اندلاع الأزمة نحو 4 مليار دولار، كما قدمت واشنطن مساعدات خلال عام 2015 وحده تُقدر بنحو مليار دولار مقابل نصف مليار دولار من بريطانيا. فيما أعلن رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" قبول بلاده نحو 20 ألف لاجىء سوري فقط حتى عام 2020، وترحيل الأطفال اللاجئين من بلاده بمجرد بلوغهم سن 18 عاماً، وهو ما انتقدته المعارضة البريطانية بشدة.
أما الولايات المتحدة فكانت معترضة على قبول اللاجئين السوريين، حيث استضافت ما يقرب من 1500 إلى 1700 سوري فقط خلال عام 2015، ووضعت خطة خلال الفترة من أكتوبر 2014 إلى سبتمبر 2015 تتضمن استقبال نحو 7 آلاف لاجىء على مستوى العالم. ويمثل السوريون في الولايات المتحدة نسبة ضئيلة للغاية، بالإضافة إلى فرض واشنطن قيوداً على منح السوريين اللجوء السياسي، واشتراطها أن يكونوا مقيمين في الولايات المتحدة، ناهيك عن طول فترة إجراءات الفحص الطبي والحصول على درجة زمالة جامعية للسوريين في واشنطن.
وأشار التقرير في هذا الصدد إلى النقاش الدائر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة، والذي دفع إدارة "أوباما" للإعلان عن قبول نحو 10 آلاف لاجىء سوري خلال العام المالي الجديد.
توصيات لمعالجة الأزمة
اقترح رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" خطة يستقبل بموجبها الاتحاد الأوروبي 160 ألفاً من طالبي اللجوء، على أن يتم توزيعهم على الدول الأعضاء بحصص إجبارية متكافئة، كما طالب بعدم تمييز دول الاتحاد بين اللاجئين وفقاً للديانة، وكذلك السماح بتقديم طلب اللجوء لأكثر من دولة أوروبية. كما دعا "يونكر" دول الاتحاد الأوروبي لتيسير إجراءات الحصول على اللجوء السياسي، من خلال منح مزيد من التأشيرات للأشخاص القادمين من الدول التي تشهد صراعات.
وقد طرح التقرير عدداً من التوصيات التي وصفها بالمفيدة في التعامل مع أزمة اللاجئين، ومن أبرزها ما يلي:ـ
1- أن تعترف الولايات المتحدة بجزء من مسؤولياتها عن أزمة اللاجئين والنازحين الموجودين في منطقة الشرق الأوسط، وأن تستقبل المزيد منهم، وتوفر المزيد من المساعدات الإنسانية لهم.
2- تعزيز دول مجلس التعاون الخليجي من مساعداتها للاجئين، بحيث تصبح مساعداتها الإنسانية مساوية لما تقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا.
3- أن يُنشأ الاتحاد الأوروبي ما يشبه مكتباً للشؤون الخارجية في إزمير بتركيا، لتسجيل اللاجئين بدلاً من الرحلة الشاقة التي يخوضها اللاجئون من اليونان، مروراً بمقدونيا ثم صربيا للتسجيل، وما يتخللها من عقبات ومشاكل.
4- أهمية دعوة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة لمناقشة أزمة اللاجئين العالمية، وكيفية حلها.
5- أن تسعى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وباقي الدول لإدماج لاجئي منطقة الشرق الأوسط داخل المجتمعات الأوروبية، وتجنب عزلهم.
6- أهمية علاج مشكلة العجز المالي الموجودة بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سواء من الدول الأعضاء أو من خلال التبرعات الفردية.
7- ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولي موقفاً حاسماً لوقف استخدام النظام السوري للوسائل التدميرية التي تدفع المواطنين إلى الهروب والهجرة خارج البلاد.
وفي ختام التقرير، أكد الكاتبان على أن رد فعل المجتمع الدولي تجاه أزمة اللاجئين غير مناسب، ويجب أن يتغير على كافة المستويات، معتبرين أن التاريخ سيحكم على الجميع بالسلب إذا استمر العالم في مشاهدة مشكلة اللاجئين دون السعي لإيجاد حلول لها.
* عرض مُوجز لتقرير نشر تحت عنوان: "أزمة في تصاعد.. مشكلة اللاجئين العالمية"، والصادر في سبتمبر 2015 عن "مركز التقدم الأمريكي".
المصدر:
John Norris and Annie Malknecht, Crisis in Context: The Global Refugee Problem, (Washington: Center for American Progress, September 2015).