المصري اليوم:

أحمد عليبة يكتب: مخاطر الانفلات: إشكاليات ضبط التسلح فى العصر النووى الثالث

06 July 2024


مع اختلاف العصور النووية، تباينت معايير وآليات ضبط التسلح. وارتبط توالى هذه العصور بعاملين رئيسيين؛ أحدهما الطفرة التكنولوجية التى غيرت شكل الترسانة النووية وقدراتها وحجمها، والآخر التحولات الهيكلية فى النظام الدولى. وانعكس فائض التأثير ما بين العاملين فى التطورات الخاصة بالسياسات والعقائد النووية، وما تنطوى عليه من مفاهيم جوهرية وفى مقدمتها «الردع»، وهو أيضًا مفهوم متغير مرحليًا. وكان كيث ب. باين (Keith B. Payne) أول من سلط الضوء على هذا الارتباط فى تأصيله للعصر النووى الثانى (١٩٩٦)؛ إذ كان السائد من قبل خلال العصر النووى الأول الارتباط بفكرة النظام الدولى فقط.

وخلال ما بات يُعرف حاليًا بـ«العصر النووى الثالث» الذى يؤرخ له باتريك جاى غاريتى (Patrick J. Garrity) منذ عقد تقريبًا، يمكن القول إن قواعد ضبط التسلح النووى التقليدية أو تلك التى ارتبطت بحقبة الحرب الباردة قد انتهت؛ إذ انتهت فعالية كل المعاهدات والاتفاقيات النووية الخاصة بحقبة النظام العالمى ثنائى القطبية، وآخرها معاهدة «نيو ستارت» التى لاتزال سارية نظريًا حتى العام ٢٠٢٦ إلا أنها انتهت من الناحية الإجرائية بعد تعليق العمل بها؛ ومن ثم يمكن القول إن آليات الضبط التى ظلت سارية على مدار عصرين نوويين لم تعد صالحة للعصر الثالث.

مفارقتان:

يُلاحظ أن هناك مفارقتين يتعين التوقف عندهما، وقد تشكلان سمتين أساسيتين للعصر النووى الحالى، وهما كالآتى:

١- المفارقة الأولى تتعلق بالتزامن بين كافة المتغيرات وبالتتابع المتسلسل، فالطفرة التقنية تقود إلى متغير فى البنية النووية، ما يلقى بظلاله على قواعد الحيازة، وطبيعة الانتشار وقوانين الردع، وسباقات التسلح، وفى نفس الوقت إرهاصات التغير الهيكلى فى شكل النظام الدولى. ومحصلة هذه المعادلة تنعكس إجمالًا على قانون السيطرة؛ إذ إن الوصول إلى نقطة تفاهم فى ظل المظاهر النووية والسياسية الحالية هو مسألة صعبة وخطرة فى آن واحد.

وثمة سيناريوهات عديدة فى هذا السياق، لكن القاسم المشترك بينها أن عملية الوصول إلى نقطة التوازن ستتوقف على كافة العوامل، بمعنى ما هو المخرج النهائى ما بعد التحديث، وما سيفضى إليه شكل النظام الدولى، خاصةً أن عملية التحول السلمى فى النظام الدولى محل شك وسط كل ما يجرى.

٢- المفارقة الثانية تتعلق بفكرة الحتمية، فهل يمكن اعتبار حالة «الانفلات النووى» الراهنة مسألة حتمية، إذ لا يمكن اختصار المشهد فى تطورات الحرب الروسية- الأوكرانية، فى حين أن تقارير التسلح النووى، وتحديدًا على مدار مؤتمرات «الناتو» منذ ويلز ٢٠١٤ إلى اليوبيل الماسى للحلف فى عام ٢٠٢٤ والجارى الإعداد له حاليًا فى واشنطن، جميعها لا تخلو من مؤشرات دالة على انتهاء فعاليات ضبط التسلح النووى بشكل حتمى.

ويمكن النظر إلى ضرورات التحديث (الإجبارية تقريبًا)، فى ظل تقادم الترسانات النووية (الثالوث النووى الأمريكى على سبيل المثال فى حالة تحديث شاملة)، وعدم شمول القوى النووية الصاعدة مثل الصين فى المعاهدات والاتفاقيات السابقة بينما هى الأسرع نموًا وتطورًا وفق أغلب التقديرات، وفشل الردع التقليدى فى منع اندلاع الصراعات الكبرى حول العالم، والتى أصبحت قوى نووية طرفًا فيها، إضافة إلى عدم شمول الأسلحة غير الاستراتيجية (النووية التكتيكية) أيضًا.

إشكاليات مرحلية:

فى ظل حالة السيولة الراهنة فى المشهد النووى والنظام الدولى، ثمة إشكاليات عدة يمكن التطرق إليها فى ضوء محاولة تفسير واقع ومستقبل ضبط التسلح النووى، وتتمثل فى التالى:

١- الطفرة التقنية المتقدمة: كانت الطفرة التكنولوجية سمة العصر النووى السابق، لكن العصر النووى الحالى ارتبط بالأساس بطفرة مركبة ومتسارعة، من حيث دور الذكاء الاصطناعى (AI) فى عملية التحديث، والقفزة الهائلة فى الحوامل ومنصات الإطلاق، إضافة إلى التقدم الهائل فى مجالات الاتصالات الفضائية والأقمار الاصطناعية. وإلى جانب هذه المظاهر، ربما هذه الطفرة لها دلالات وتداعيات تتجاوز البعد التقنى بالشكل التقليدى، وهو ما يمكن النظر إليه فى سياق المؤشرات الآتية:

أ- قفزة الطفرة: فالطفرة لا تشمل فقط بعد الذكاء الاصطناعى، لكنها تتضمن عوامل أخرى لا حصر لها، بعضها معروف ومُعلن، والآخر يدخل فى طور الغموض وعدم الإفصاح لكن هناك مؤشرات عليه. كما أن الذكاء الاصطناعى عملية أكثر تقدمًا عن الأتمتة التكنولوجية.

ب- معيار القدرات: بمراجعة معاهدات «سالت» ثم «ستارت» و«نيو ستارت»، يظهر أن العامل الكمى والمدى حكما عملية خفض التسلح وآليات الانتشار، لكن فى الفترة الحالية هناك إشكالية معيارية فى القدرة. وفى هذا السياق، تتعين الإشارة إلى أنه فى العصر النووى الثانى على سبيل المثال أثار باول براكن (PUL BRACKEN) مسألة طموح القوى ما دون العظمى أو الإقليمية وتحديدًا بالشرق الأوسط فى امتلاك القنبلة النووية، واستبدال «الأيديولوجيا» بـ«القومية»، وهو ما قد ينطبق على الحالة الإيرانية.

ج- مستويات السباق: هى نقطة خطر أخرى، فالأسلحة غير الاستراتيجية لم تُدرج على قائمة آليات الضبط، فى حين أنها أصبحت قضية محورية فى ظل حالة الانفلات الراهنة وتصاعد الصراعات، ومظاهر الانتشار ونقل الأسلحة فى حالة روسيا و«الناتو» فى ظل الحرب الأوكرانية، على سبيل المثال. لكن الأهم من كل ذلك، التحديث الذى تنطوى عليه ترسانة الأسلحة غير الاستراتيجية فى عصر المركبات غير المأهولة، وطبيعة ساحات الصراع المتقاربة. ومع ذلك، يتعين عدم الربط بالضرورة بين مسارى التحديث والتصعيد النووى، ولا يُشترط بالضرورة أيضًا أن يقود سباق التسلح إلى مواجهة نووية، إلا أن خطر المواجهة لا يمكن استبعاده من الحسابات فى نفس الوقت.

٢- الحرب الباردة النووية الجديدة:

على الرغم من شيوع مصطلح «الحرب الباردة النووية الجديدة»، فإنه لا يروق للقوى النووية العظمى، ولاسيما روسيا التى رفض وزير خارجيتها، سيرغى لافروف، هذه الصيغة فى تصريحات له فى يونيو الماضى، بينما تلتزم الصين حالة الصمت ضمن سياسة «الغموض النووى»، فى حين أن الولايات المتحدة تتبنى فى استراتيجية ٢٠٢٤ سياسة «التنافسية»، كما يتبنى حلف «الناتو» ما يُسمى «الخصومة النووية» مع كل من الصين وروسيا. وقد يكون مصطلح «الحرب الباردة الجديدة» إشكاليًا من زاوية المقارنة مع الحرب الباردة السابقة، فقد سبق تلك الحقبة الهجوم النووى الأمريكى على اليابان، وأسدل الستار نهائيًا على الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك أدى تشكل النظام الدولى ثنائى القطبية إلى خوض سباق التسلح النووى بين القوتين العظميين آنذاك؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق.

فيما بدأت أولى خطوات الحد من التسلح النووى بمبادرة عالمية بعد نحو عقدين من سباق التسلح، حينما دخلت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) حيز التنفيذ عام ١٩٧٠، وإن لم توقع عليها الدول النووية حتى اليوم. لكن فى المراحل التالية، بدأت معاهدات خفض الترسانة النووية العالمية بين القطبين، ووقعت معاهدات «سالت» ثم «ستارت» و«نيو ستارت». ويبدو المشهد النووى العالمى الحالى مختلفًا، فقد انتهت فاعلية المعاهدات النووية، حتى وإن كان من الناحية الإجرائية يُفترض سريان معاهدة «نيو ستارت» حتى ٢٠٢٦، بيد أنها جُمدت فى إطار الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو مؤشر آخر فى مقارنات الحرب الباردة.

٣- العقيدة والسياسات النووية:

أ- الطوارئ والاستجابة: تُعد عملية تغير العقيدة سمة مشتركة أيضًا بين أعضاء النادى النووى، ومن الوارد بطبيعة الحال أن تتغير هذه العقائد، لكن هل يمكن تصور أن معدلات التغير فى العقيدة النووية تعكس المنظور الاستراتيجى لها؟ بصيغة أخرى للسؤال: هل نحن أمام متغير عقيدة بشكل فعلى أم متغير فى السياسات النووية القابلة للتغير والتعديل أكثر وفق التطورات والتخطيط النووى للاستجابة لحالة الطوارئ؟ على سبيل المثال، هل ستغير روسيا العقيدة العسكرية وفق إعلان الرئيس بوتين فى يونيو الماضى بناءً على الوضع الميدانى فى أوكرانيا وسياسات الهجوم والدفاع والتسلح الجديدة، أم سيترقب إعلان «الناتو»، أم كلاهما معًا؟

ب- مراجعات الردع: حينما يتم تناول مسألة الردع، وهى مسألة محل نقاش لا يتوقف، يمكن القول بشكل عام إن الواقع أكثر تعقيدًا من النظرية. فعلى سبيل المثال، «الضربة النووية» هى إحدى أخطر الإشكاليات الحالية، ففى ظل القوة التدميرية الهائلة للأسلحة النووية الحديثة، وسرعة وحمولة منصات الإطلاق، فإن الجزء من الثانية النووية أصبح يشكل فارقًا يُعتد به. وفى هذا السياق، لفت التقرير السنوى الصادر عن «معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام» (SIPRI)، فى يونيو الماضى، عن بعد مهم فى مسألة المحددات والدوافع، بالإشارة إلى البعد الجيوسياسى فى الصراعات العالمية الحالية، سواء فى الحرب الروسية- الأوكرانية الممتدة بلا أفق بينما تزداد ضراوتها، أم فى حالة تايوان بين واشنطن وبكين. ويعزز هذه النظرة ما كشفت عنه تقارير دولية بأن استئناف الحوار بين الصين والولايات المتحدة ربما لم يفض إلى الضمانات المطلوبة فى كبح التصعيد وعدم اللجوء إلى القوة النووية، وأنه على الرغم من أهمية الحوار فى حد ذاته، فإنه ترك هامشًا للمناورة فى هذه المساحة، ودلالة ذلك تصريحات الأمين العام لـ«الناتو»، ينس ستولتنبرغ، عن ردع الخصمين النوويين؛ الصين وروسيا.

٤- روسيا أم الصين؟

ترتبط هذه الإشكالية (روسيا أم الصين؟) بالمنظور الأمريكى وبالتعبية «الناتو» ومقاربة سباقات التسلح. فالمنظور الأمريكى يشير إلى «التنافسية» فى حالة بكين؛ نظرًا لتسارع نمو التسلح النووى الصينى، والتى تشير التقديرات إلى أنها تتفوق فى معدلات نمو الترسانة والتحديث معًا. وربما يمكن القول إنه على الرغم من التصعيد فى الخطاب النووى الروسى، فإنه لايزال منضبطًا، ولدى موسكو خبرة فى مسألة الضبط، وسوابق كبح الانفلات حتى ولو فى الأمتار الأخيرة مثل الأزمة الكوبية عام ١٩٦٢.

لكن الحالة الصينية تبدو مختلفة وبلا سوابق أو خبرات يمكن الاعتداد بها، كما أن حساسية مسألة تايوان بالنسبة لواشنطن وبكين قد تبدو أعمق من الحالة الأوكرانية، أخذًا فى الاعتبار وجود قوتين نوويتين فى أوروبا بالإضافة إلى المظلة النووية الأمريكية فى الدول غير الحائزة (إيطاليا، تركيا، بلجيكا، ألمانيا، هولندا). وإلى جانب تايوان، هناك أيضًا مخاوف لدى اليابان، فضلًا عن التوتر ما بين الكوريتين، وهى مسألة أكثر تعقيدًا.

وفى هذا الصدد، تشير التقديرات الأمريكية إلى متوالية زيادة سنوية فى الرؤوس النووية لدى الصين؛ إذ وصل معدل الحيازة إلى نحو ٥٠٠ رأس نووى، وإن كانت صيغة المتوالية هى مسألة تقديرية، لكنها ربما تُتخذ كذريعة فى سباقات التسلح، وفق أغلب الاتجاهات الصينية. وعلى الرغم من أن الصين تمارس سياسة «الغموض»، فإن من المتصور أنها ليست معنية فى المقام الأول بالمسألة الكمية، قدر الاهتمام بنمو الثالوث النووى، خاصةً البحرى، نظرًا لأنها ترى، على سبيل المثال، أن العمود الفقرى فى الترسانة الأمريكية هو البحرية، وزاد من هذه القناعة تأسيس تحالف «أوكوس» (AUKUS) عام ٢٠٢١، والذى يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.

انفلات متصاعد:

على نحو ما سلفت الإشارة إليه، جمدت روسيا والولايات المتحدة آخر اتفاقية لضبط التسلح النووى «نيو ستارت»، وسحبت موسكو التصديق على معاهدة الحظر الشامل فى نوفمبر ٢٠٢٣، وفى نفس الشهر أعلنت روسيا عن إنهاء اتفاقية ١٩٩٣ الخاصة بالتعاون فى مجال الحد من الأسلحة النووية مع اليابان. وكل هذه التطورات تعكس أعراض ظاهرة الانفلات، لكن يتعين تشخيص الظاهرة بشكل عام، وهو ما يمكن التطرق إليه فى النقاط التالية:

١- حالة الانتشار: خلال عام واحد من ٢٠٢٣ إلى ٢٠٢٤ تجاوز عدد الرؤوس النووية المقرر نشرها وفقًا لمعاهدة «نيو ستارت» (١٥٥٠ رأسًا نوويًا استراتيجيًا، و٧٠٠ من الصواريخ بعيدة المدى وقاذفات القنابل بحد أقصى) الضعف تقريبًا؛ إذ يوجد ٣٩٠٤ رؤوس نووية تقريبًا فى حالة تأهب.

٢- نمو الطلب: هناك أيضًا طلب إضافى على الانتشار؛ إذ أبدت بولندا استعدادها لاستضافة أسلحة نووية من حلف «الناتو» ردًا على نشر روسيا أسلحة نووية تكتيكية فى بيلاروسيا وجيب كالينينغراد الروسى.

٣- حسابات الاستقلالية: تثير التفاعلات الحالية حتى على مستوى التحالفات، مسألة الاستقلالية النووية بشأن القرار، وليس الحيازة، وهو نقاش متعلق بالمظلة الأمريكية، وهناك نقاش أوروبى، وآخر فى كوريا الجنوبية فى هذا الصدد.

٤- تصاعد الإنفاق: وفقًا لمؤشرات «معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام» فى يونيو الماضى، فإن الولايات المتحدة تقود معدلات الإنفاق لمواكبة خطة تحديث على مدار العقد المقبل، تُقدر بنحو ١.٥ إلى ٢ تريليون دولار، فى حين أنفقت واشنطن نحو ٥١.٥ مليار دولار بزيادة سنوية ١٨٪ فى عام ٢٠٢٣. تليها الصين التى أنفقت العام الماضى ١١.٩ مليار دولار، ثم روسيا بمعدل إنفاق ٨.٣ مليار دولار. وخارج النادى النووى الرئيسى للقوى العظمى، فإن الدول النووية الأخرى (الهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإسرائيل) تقوم بعمليات تحديث متزامنة للترسانة النووية.

٥- التحالفات النووية: على ما يبدو هناك عملية إعادة تشكل، بالإضافة إلى هيكلة بنية التحالفات النووية العالمية. ففى عام ٢٠٢١ أُعلن عن تحالف «أوكوس»، الذى تركز بنيته على المنصات النووية تحت السطح (الغواصات)، علاوة على عملية الهيكلة النووية فى إطار «الناتو». فى المقابل، سلطت الجولة الآسيوية للرئيس بوتين فى شهر يونيو الماضى، وتحديدًا إلى كوريا الشمالية، الضوء على مسألة التحالفات النووية، والدور الذى قد تؤديه موسكو فى تحديث المنصات النووية لدى بيونغ يانغ.

تكتيكات بديلة:

يصعب حصر مظاهر سباقات التسلح، لاختلاف طبيعة السباقات القائمة المركبة والمتعددة الأوجه؛ بل إن عملية الحصر التقليدى التى كانت متبعة من قبل هى مسألة تقديرية. فعلى سبيل المثال، لا يمكن إحصاء الرؤوس فى وضع التشغيل، فى ظل طفرة الصواريخ الفرط صوتية (Hypersonic)، والتى يمكنها حمل عدد من الرؤوس الحربية.

وعلى الجانب الآخر، يصعب حصر القدرات غير الاستراتيجية فى نفس الوقت. فعلى سبيل المثال، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من غير المعلوم ما هو الحجم الحقيقى للأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية فى وضع القواعد الأوروبية بالرغم من أن هناك أرقامًا بالفعل. كذلك الوضع بالنسبة للرؤوس التى نشرتها روسيا فى بيلاروسيا وكالينينغراد، إضافة إلى المنصات الأخرى فى الثالوث، ولاسيما الشبحية والتى تعمل تحت السطح. ولا يُعتقد أن فكرة العودة إلى ضبط التسلح ممكنة قبل الوصول إلى دورة كاملة من السباق النووى، أو اندلاع حرب نووية سواء على سبيل التصعيد أم الخروج عن السيطرة، وسوء التقدير والخطأ فى الحسابات. وفى المقابل، هناك تيار متفائل يراهن على استعادة التوازن الدولى بشكل سلس وسلمى، أو أن الابتكارات النووية نفسها قد تعالج المخاوف، وذلك من خلال الآتى:

١- الابتكارات الدفاعية: يمكن أن يؤدى الذكاء الاصطناعى دورًا حيويًا فى عملية الضبط والدفاع، وهذه مسألة شديدة الأهمية، خاصةً مع الانتقال إلى مستويات الأسلحة غير الاستراتيجية أو غير المأهولة، وهى نقطة أثارتها حالة كوريا الشمالية بشأن تحديث ترساناتها ومنصاتها بما قد يشمل المركبات غير المأهولة (الدرونز).

٢- إدارة الأزمات النووية: كبديل تكتيكى، هناك خبرات فنية فى إدارة الأزمات النووية، لكنها لم تكن بحجم القدرة على معالجة الاختلالات الراهنة، واتساع مستوى التهديد النووى. وفى هذا الصدد، يشير البروفيسور أندرو فوتر (Andrew Futter)، خبير فى السياسة النووية العالمية المعاصرة، إلى مسؤولية الولايات المتحدة كقوة عظمى معنية بضبط قواعد اللعبة النووية؛ ما يُحملها الاستعداد لمنحى الخطر القادم عند نقطة التحول التى لم تعد افتراضية بقدر ما أصبحت محتملة. فى الأخير، يمكن القول إن عصر ضبط التسلح النووى التقليدى انتهى وفق مظاهر العصر النووى السابق، لكن لم تبدأ بعد مظاهر ضبط التسلح النووى الجديد. وكما لا يتعين القياس على ما سبق من أنماط السباق والقدرات، لا يتعين القياس أيضًا على خبرات وسوابق ضبط التسلح. وكنتيجة لذلك، يمكن تصور أننا إزاء مرحلة انتقال نووى بين عصرين مختلفين.

* رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية- مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

*لينك المقال في المصري اليوم*