سياقات مأزومة:

دلالات المحاولة الانقلابية الفاشلة في الكونغو الديمقراطية

21 May 2024


أعلن جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية، الأحد 19 مايو 2024، إحباط محاولة انقلاب مزعومة ضد الرئيس فيليكس تشيسيكيدي في العاصمة كينشاسا، شارك فيها مقاتلون كونغوليون وأجانب، في وقت مبكر من يوم 19 مايو؛ إذ حاول مسلحون السيطرة على مكتب رئيس الجمهورية في "قصر الأمة"، ولكن أعلنت السلطة إفشال المخطط وتصفية المخطط الرئيسي للانقلاب، واعتقال عدد من المتورطين في الهجوم. 

معلومات أولية: 

تُشير المعلومات الأولية التي نشرتها السلطات الكونغولية إلى عدد من التحركات الميدانية، وكذا الأشخاص الذين يقفون خلف محاولة الانقلاب المزعومة، ومن أبرزها: 

• هاجم عدد من المسلحين قصر الأمة وهو يُعد مكتب رئيس الجمهورية في وسط العاصمة كينشاسا.

• وردت أنباء عن وقوع اشتباكات بين رجال يرتدون الزي العسكري وحراس فيتال كاميرهي، المشرع الاتحادي والمرشح لمنصب رئيس الجمعية الوطنية، في مقر إقامته في شارع تشاتشي، على بعد حوالي كيلومترين من القصر الرئاسي وبالقرب من عدة سفارات، ويُعد كاميرهي، من الشخصيات البارزة في الكونغو، فهو نائب رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق، والحليف الوثيق للرئيس تشيسيكيدي. 

• ذكرت تقارير إعلامية محلية أن المهاجمين أعضاء في حركة زائير الجديدة المرتبطة بالسياسي المنفي السابق كريستيان مالانغا، وهو سياسي كونغولي كان يقيم في الولايات المتحدة، وعاش في سولت ليك سيتي لسنوات كلاجئ قبل أن يعود للكونغو من أجل الانضمام للجيش، ويقود الحزب الكونغولي المتحد وحركة "زائير الجديدة"، في إشارة إلى اسم البلاد حتى عام 1997 في عهد موبوتو سيسي سيكو.

• قبيل الهجوم على قصر الأمة، قام مالانغا ورجال آخرون يرتدون الزي العسكري بتداول مقطع فيديو يتضمن رفع علم زائير السابق وهم يهتفون "فيليكس، نحن قادمون إليك"، "نحن العسكريون متعبون، ولا يمكننا السير جنباً إلى جنب مع فيتال كاميرهي والرئيس فيليكس تشيسيكيدي".

• أعلنت السلطات الكونغولية تحييد مالانغا بشكل نهائي خلال الهجوم على قصر الأمة، وتم تحييد شخص يدعى أبو بكر خلال الهجوم على مقر إقامة فيتال كاميرهي، وتم القبض على الآخرين -حوالي 50، بينهم ثلاثة مواطنين أمريكيين- ويخضعون حالياً للاستجواب من قبل الأجهزة المتخصصة. 

• تُشير المعلومات المتاحة إلى أن مالانغا حاول الانقلاب لأول مرة في عام 2017، ولكن تم إجهاض محاولته، وأن أحد المواطنين الأمريكيين الذين تم اعتقالهم هو نجله.

سياقات مضطربة:

جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في الكونغو الديمقراطية متزامنة مع مجموعة من السياقات المضطربة سياسياً واقتصادياً من أبرزها: 

1. الاضطرابات السياسية الداخلية: وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 

• شهدت الكونغو خلال الأشهر الماضية اضطراباً سياسياً يتعلق بتحديات الفترة الرئاسية الثانية للرئيس تشيسيكيدي، الذي أُعيد انتخابه في ديسمبر 2023، وأدى اليمين الدستورية في يناير 2024 بعد انتخابات فوضوية ومُتنازع عليها؛ إذ حصد 78% من الأصوات، ولعل أبرز تلك التحديات تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها يوم 18 مايو 2024، وهو نفس يوم محاولة الانقلاب المزعومة. 

• تتزامن محاولة الانقلاب المزعومة أيضاً مع تفاقم أزمة داخلية بالحزب الحاكم الذي يتزعمه رئيس البلاد تشيسيكيدي، وذلك في ظل الخلاف حول انتخابات قيادة البرلمان التي كان من المفترض إجراؤها ولكن تم تأجيلها؛ وهو الأمر الذي يعمل الرئيس الكونغولي على معالجته؛ إذ التقى قبل يوم واحد من محاولة الانقلاب المزعومة، ببرلمانيين وزعماء الائتلاف الحاكم في محاولة لحل الأزمة وسط حزبه الذي يهيمن على الجمعية الوطنية، وحذر أنه في حالة استمرار الأزمة فإنه لن يتردد في حل مجلس الأمة وإرسال الجميع إلى انتخابات جديدة. 

2. احتدام الصراع المسلح الداخلي: وأبرز ملامحه ما يلي: 

• تعاني الكونغو من تفاقم واحتدام الصراع المسلح؛ إذ تتقاتل العشرات من الجماعات المسلحة، بما في ذلك "حركة أم 23"، للسيطرة على الأراضي والمعادن والماس في شرق البلاد، كما تنشط خلايا تنظيم داعش (ولاية وسط إفريقيا)، فيما تواجه تحركات الكونغو لاحتواء الصراع المسلح تحديات متزايدة. 

• في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه خلال حملتيه الرئاسيتين، تعهد تشيسيكيدي بمعالجة الاضطرابات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ إذ أعلن في ولايته الأولى، وتحديداً في عام 2021 حالة الحصار في إقليمي إيتوري وشمال كيفو، وحاول استعادة النظام من خلال تعيين قادة عسكريين ليحلوا محل الإدارة المدنية في المناطق. بالإضافة إلى ذلك، دفع الرئيس باتجاه حملة تجنيد أدت إلى انضمام آلاف الشباب إلى الجيش، في حين أطلق عملية نزع سلاح تهدف إلى إعادة دمج أعضاء الجماعات المسلحة في الحياة المدنية، وخلال فترته الحالية يصر الرئيس الكونغولي على سياسة حصار منطقة الصراع، مع إنهاء مهمة قوة شرق إفريقيا التي تم تشكيلها واستدعاؤها للحد من نشاط "حركة أم 23"، وذلك بعد اتهام كينشاسا لتلك القوات بعدم الفعالية والتورط في تعزيز الصراعات، وتتوجه كينشاسا نحو استبدالها بقوة جنوب إفريقيا. 

• تشير التقديرات بشكل عام إلى أن جهود الكونغو الأمنية والاجتماعية لم تحقق أثراً واضحاً في تقليل مستويات العنف بالبلاد، بل تزايد عدد الهجمات المسلحة ضد المدنيين، كما انضمت جماعات عرقية مختلفة إلى الصراع المسلح. 

3. تفاقم الأوضاع الاقتصادية: تتمتع الكونغو بثروة معدنية هائلة، وتقع معظم الموارد الطبيعية للبلاد في الشرق حيث لا يزال العنف مستعراً، وتُعد الكونغو أكبر منتج للكوبالت في العالم، وهو مكون رئيسي في السيارات الكهربائية، كما أن ثروتها المعدنية الهائلة تجعلها حليفاً مهماً استراتيجياً لكل من الغرب والصين، التي تهيمن على صناعة التعدين، وبالرغم من ذلك يعيش أكثر من 70% من سكانها في فقر مدقع؛ وهو الأمر الذي ترك أثره على الصراعات العرقية والطائفية، وأدى إلى انخفاض عمليات التعدين والاحتيال الجمركي عبر الحدود، فضلاً عن تعزيز التوترات بين الطوائف.

4. تمدد ظاهرة الانقلابات في إفريقيا: تأتي محاولة الانقلاب المزعومة في الكونغو مُتأثرة بأثر فراشة موجة الانقلابات الأخيرة في إفريقيا، ولاسيما في دول غرب القارة (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) بالإضافة إلى انقلابات في دول إفريقيا أخرى مثل: (تشاد، غينيا، الغابون) وذلك خلال الفترة من 2020 وحتى 2023؛ مما أدى إلى تنصيب حكومات عسكرية تجنبت الغرب والولايات المتحدة، وأقامت علاقات أوثق مع روسيا.

دلالات متشابكة:

تُشير محاولة الانقلاب الفاشلة في الكونغو إلى مجموعة من الدلالات السياسية والأمنية المتشابكة من أبرزها ما يلي:

1. تشير السيرة الذاتية لمخطط عملية الانقلاب الفاشلة مالانغا، إلى أنه تحرك بدافع شخصي لتحقيق رؤيته في إطلاق الحريات، ولاسيما الدينية، وربما توقع أن تلقى تحركاته قبولاً خارجياً وإقليمياً، أو كان يخطط للحصول على دعم شعبي واسع لتحركاته. 

2. لا تبدو تحركات مالانغا مدروسة ومخططة كانقلاب شامل، ولكنها مغامرة عسكرية وسياسية، وذلك لأنه يفتقد مقومات تنفيذ عملية انقلاب من حيث امتلاك السلطة والنفوذ والقوات العسكرية اللازمة للسيطرة على مقاليد السلطة في البلاد؛ إذ تشير البيانات الأولية إلى أن تحركاته شملت العشرات فقط ما يقارب 50 من المسلحين، كما أن تحركاته شملت فقط مكتب رئيس الجمهورية ومنزل حليف رئيس الجمهورية فيتال كاميرهي، ولم يسع للسيطرة على المرافق العامة، ورُجح أن تكون مغامرته مرتبطة بوعود بتحركات عسكرية وأمنية لدعمه، أو أنه اعتقد بوازع اعتقادي أن تحركاته ستشجع حدوث انشقاق عسكري وانضمام عناصر إليه.  

3. ربما كان الهدف من تحركات مالانغا هو اغتيال رئيس الجمهورية وحليفه؛ باعتبارهما الأكثر حضوراً وتأثيراً في الشأن الداخلي الكونغولي، ولاسيما مع اقتراب تولي كاميرهي منصب رئيس الجمعية الوطنية؛ وهو الأمر الذي سيعزز سلطة الرئيس الكونغولي. 

4. يبدو أن مالانغا أراد الاستفادة من السياقات الداخلية والخارجية في الكونغو لتنفيذ مخططاته، وذلك في ضوء تفسير توقيت تحركاته، ولاسيما مع تأزم بعض القضايا السياسية مثل: تعيين الحكومة وانتخاب رئيس الجمعية الوطنية. 

وفي التقدير؛ يمكن القول إنه من المرجح أن يتزايد التكثيف الأمني في المرافق الحيوية للدولة خلال الأيام المقبلة، خوفاً من موجة ارتدادية لمحاولة الانقلاب، كما أنه من المرجح أن تتيح تلك المحاولة الفاشلة مزيداً من الفرص للسلطات الكونغولية من أجل وضع قيود على الحركة في المنطقة الحيوية، كما ستلجأ السلطات إلى حملة أمنية واسعة للكشف عن المتورطين الذين لم يتم اعتقالهم، وقد تلجأ الحكومة إلى تسريع حل الأزمات السياسية، مع تكثيف العمليات العسكرية ضد الفصائل المسلحة في شرق البلاد.