سيناريو مرجَّح:

فرص وعقبات انضمام اليابان إلى المسار الثاني من تحالف أوكوس

30 April 2024


تحظى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من منظور الصين وحلفائها، أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الإندوباسيفيك)، من منظور الولايات المتحدة وحلفائها؛ بأهمية جيوستراتيجية كبرى في إطار الصراع والتنافس الدائر بين بكين وواشنطن على الهيمنة والنفوذ في النظام الدولي الراهن، والذي تجسَّد في أحد أبرز ملامحه في قيام الولايات المتحدة، في إطار استراتيجيتها تجاه منطقة الاندوباسيفيك، والهادفة لاحتواء الصين، بتدشين العديد من التحالفات الدفاعية والعسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف، ومنها تحالف أوكوس (AUKUS)، الذي تأسس في عام 2021، ودخل حيز التنفيذ الفعلي في عام 2023.

يتكون التحالف من مسارين رئيسيين، الأول: مسار مُغلَق بشكل حصري على الدول الثلاث يتركز على تزويد أستراليا بغواصات متقدمة تكنولوجياً تعمل بالطاقة النووية، والثاني: مسار يُتيح المجال أمام انضمام الدول والشركاء ذوي التفكير المماثل لأعضاء التحالف، ويتركز على التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة، التي تشمل العديد من التقنيات، مثل: تطوير مسيّرات تعمل تحت سطح المياه، والصواريخ الفرط صوتية، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الإنترنت، والحوسبة الكمومية، وذلك بهدف مراقبة وتعقُب الغواصات الصينية ومواجهة النفوذ المتزايد للبحرية الصينية في منطقة الإندوباسيفيك.

وقد أفصحت بعض الدول بالفعل عن رغبتها في الانضمام إلى المسار الثاني مثل: كندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية؛ وهو ما دفع وزراء دفاع التحالف، خلال اجتماعهم في 8 إبريل 2024، إلى الإعلان عن اعتزام دول التحالف جذب الشركاء والحلفاء المقربين للمشاركة في المسار الثاني لاتفاقية أوكوس.

ويبرز اسم اليابان بقوة ضمن الدول المرشحة للانضمام إلى تحالف أوكوس، إذ تدرس الدول الثلاث دعوتها للانضمام إلى المسار الثاني، في ضوء ما تحظى به من مزايا وقدرات وفي ضوء شراكاتها الدفاعية الثنائية الوثيقة مع دول التحالف؛ الأمر الذي يطرح التساؤل بشأن فرص ومحفزات انضمام اليابان إلى المسار الثاني للتحالف، وموقف الصين حيال توسيع التحالف، وكذلك العقبات التي قد تحول دون انضمام لليابان إلى التحالف أياً كانت الصيغة المحددة لذلك.

محفزات انضمام اليابان إلى أوكوس:

تقليدياً، تبنت اليابان سياسة دفاعية وعسكرية ترتكز على عدم الانخراط في تحالفات أمنية أو عسكرية مع قوى أخرى، باستثناء الولايات المتحدة، التي ترتبط مع طوكيو بمعاهدة دفاع مشترك منذ عام 1960، تقوم بموجبها بالدفاع عن اليابان ضد أي اعتداء خارجي. غير أنه مع تولي رئيس الوزراء الياباني الحالي، فوميو كيشيدا، رئاسة الوزراء، في أكتوبر عام 2021، انتهجت طوكيو سياسة دفاعية وعسكرية أكثر انفتاحاً على الخارج، انطلاقاً من التعقيد الشديد الذي يُحيط بالبيئة الأمنية لليابان، وقامت بتعميق علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية، وأصدرت استراتيجية جديدة للأمن القومي في ديسمبر عام 2022، تضمنت تطوير القدرات العسكرية وزيادة الإنفاق الدفاعي، والالتزام بامتلاك قدرات الهجوم المضاد.

وللتعامل مع عدم الاستقرار الذي يشوب البيئة الأمنية في آسيا، عملت اليابان على تفعيل التعاون الدفاعي والعسكري مع الدول الثلاث الأعضاء في تحالف أوكوس؛ إذ وقَّعت إعلاناً مشتركاً للتعاون الأمني مع أستراليا بهدف مواجهة تنامي القوة العسكرية للصين، ونص الإعلان على تبادل المزيد من المعلومات الاستخباراتية الحساسة وتعزيز التعاون العسكري وإجراء تدريبات مشتركة. كما وقَّعت مع بريطانيا اتفاقاً عسكرياً يتضمن السماح لقوات الدولتين بالانتشار على أراضيهما وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة. وفي عام 2023، أبرمت الدولتان اتفاقاً، أُطلِقَ عليه "اتفاق هيروشيما"، الذي نصَّ على قيام بريطانيا بإرسال مجموعات هجومية من حاملات الطائرات إلى اليابان بشكل منتظم لإجراء تدريبات مشتركة.

أيضاً، شهدت القمة الأمريكية اليابانية، التي عُقِدَت في واشنطن، يوم 11 إبريل 2024، اتفاق الجانبين على ترقية مستوى "معاهدة التعاون والأمن المتبادلين" بينهما، بما في ذلك إعادة هيكلة قيادة القوات الأمريكية الموجودة في اليابان، بهدف تطوير بنيتها، لتعزيز إمكانية التشغيل البيني بين قوات الدفاع الذاتي اليابانية والقوات الأمريكية في اليابان، لمواجهة التهديدات الإقليمية.

اتصالاً بما سبق، ترغب اليابان في اكتساب المزيد من القدرات الدفاعية وتعزيز نفوذها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، عبر مشاركة التكنولوجيا العسكرية الحساسة مع دول أوكوس؛ إذ تمتلك طوكيو مزايا عديدة في مجالات الأسلحة الفائقة السرعة والتكنولوجيا الكمية والحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، بما يمكنها من القيام بدور كبير في تكنولوجيات الدفاع وعلاج أوجه القصور التي تعاني منها دول تحالف أوكوس في مجال التكنولوجيا الفائقة والجديدة.

وثمة حسابات واعتبارات استراتيجية تكمن وراء سعي الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لضم اليابان إلى تحالف أوكوس. فواشنطن، من جهتها، تنظر إلى الاتفاقية باعتبارها جزءاً من استراتيجية الإندوباسيفيك، وتعمل على جذب المزيد من الحلفاء للانضمام إليها، بغية تحقيق هدفها باحتواء الصين. وبدورها، تتبنى لندن استراتيجية "بريطانيا العالمية"، وتأمل في توظيف التعاون مع اليابان لخدمة هدفها المتمثل في تعميق مشاركتها وزيادة نفوذها في المنطقة. أما أستراليا، فتأمل في تسريع وتيرة تنفيذ المشروعات المشتركة في إطار اتفاقية أوكوس عبر ضم اليابان إلى الاتفاقية.

رفض الصين توسيع تحالف أوكوس:

تحاول اليابان من خلال الانضمام إلى أوكوس، توظيف الاتفاقية كوسيلة جديدة لتطوير أجندتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ واحتواء الصين؛ فقد اعتبرت استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان، الصين بمثابة تهديد استراتيجي لأمنها القومي. وتنظر اليابان إلى تنامي القوة العسكرية للصين باعتباره "مصدر قلق كبير لليابان والمجتمع الدولي"؛ إذ تُشكِّل بكين "تحدياً استراتيجياً غير مسبوق لسلام اليابان واستقرارها".

وقد صنفت هذه الاستراتيجية الصين لأول مرة على أنها التحدي الأمني الأساسي الذي يواجه اليابان، في ظل مخاوف طوكيو المتزايدة إزاء الحشد والتحديث العسكري الصيني. كما حذر رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، في كلمته أمام الكونغرس الأمريكي، يوم 11 إبريل 2024، من مخاطر صعود الصين، وأبدى عدم ارتياح اليابان إزاء تنامي دور ونفوذ الصين في الإندوباسيفيك، خاصة وأن هناك نزاعاً مستمراً بين الدولتين بشأن جزر سينكاكو المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.

وترتب على هذا الإدراك من جانب طوكيو، توتُر العلاقات بين الدولتين، ولاسيما في ظل تناغم مواقف اليابان في الفترة الأخيرة مع مواقف واشنطن الرامية إلى احتواء وعزل الصين، وبالتالي، فإن انضمام اليابان إلى تحالف أوكوس يتيح لها زيادة الضغوط على بكين وتوصيل رسالة قوية إليها مفادها أن اليابان سوف تتخذ مواقف حازمة تجاه أي تصرفات صينية من شأنها إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية لليابان.

ونظراً لأن أحد الأهداف الرئيسية وراء نشأة تحالف أوكوس، إلى جانب التحالفات الأمريكية الأخرى في آسيا، هو مواجهة تزايد الدور والنفوذ الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ فإنه لم يكن من المستغرب أن ترفض الصين بشدة هذا التحالف، باعتبارها الطرف الرئيسي المُستهدَف وراء تأسيسه؛ إذ حذرت الصين في شهر فبراير 2023 من توجُه أوكوس نحو توسيع عضويته بضم أعضاء جدد إليه، باعتباره تحالفاً يستهدفها ويضر بمصالحها، مؤكدة أن التحالف يُعد مثالاً لعقلية الحرب الباردة، ويزيد من مخاطر الانتشار النووي، ويقوض السلام والاستقرار الإقليميين. وعقب القمة الأمريكية اليابانية الأخيرة، في واشنطن، صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، أنه "في تجاهل لمخاوف الصين، شهّرت الولايات المتحدة واليابان بالصين وهاجمتاها فيما يتعلّق بقضية تايوان والقضايا البحرية، وتدخلتا بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين وانتهكتا الأعراف الأساسية".

وترى الصين أن الانضمام المحتمل لليابان إلى اتفاقية أوكوس الأمنية يتجاهل خطر الانتشار النووي، وسيؤدي إلى تسارع سباق التسلح في المنطقة، وأكدت معارضتها تشكيل دوائر صغيرة حصرية وخلق مواجهة بين الكتل، وطالبت اليابان بضرورة التعلم من دروس التاريخ وتوخي الحذر في مجال الأمن العسكري، واتهمت الشركاء الغربيين في الاتفاقية بإثارة الانقسام، وحذرت من تعارض الاتفاقية مع معاهدة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ. كما انتقدت وسائل الإعلام الرسمية الصينية هذه الخطوة، وحذرت من تداعياتها، ولاسيما تحويل التحالف إلى ما وصفته "حلف ناتو آسيوي"، وإثارة شبح النزعة العسكرية اليابانية، فضلاً عن زعزعة الاستقرار الإقليمي.

عقبات انضمام اليابان إلى أوكوس:

على الرغم من الفرص والمحفزات العديدة التي تمهد الطريق أمام إمكانية انضمام اليابان لتصبح العضو الرابع في تحالف أوكوس الأمني، فإن هناك العديد من العقبات والصعوبات التي قد تعرقل هذا الأمر في الوقت الحالي، وهي عقبات لا تتعلق باليابان فحسب، وإنما ترتبط أيضاً بالدول الثلاث الأعضاء في التحالف، علاوة على السياق الإقليمي والعالمي.

من جهة أولى، لم يتم اتخاذ قرار رسمي على مستوى قادة الدول الثلاث للتحالف بشأن انضمام اليابان، فعلى الرغم من إعلان وزراء دفاع دول تحالف أوكوس مؤخراً عن دراسة التعاون مع اليابان في إطار مشروعات المسار الثاني، وكذلك التقارير الإعلامية الغربية عن اعتزام الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا إجراء محادثات بشأن ضم أعضاء جدد إلى التحالف؛ فإن المسألة لا تزال تدور في الإطار الإعلامي فقط، بل إن رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، صرح، بأنه "لم يتم اتخاذ أي خطوة رسمية حول المشاركة اليابانية المستقبلية في التحالف".

ومن جهة ثانية، فإن الحساسية التي تتسم بها التكنولوجيا العسكرية تجعل من مسألة إشراك الحلفاء المقربين، كاليابان، أمراً يكتنفه العديد من الصعوبات والعقبات؛ فالإعلان عن التعاون مع اليابان لم يصل إلى حد جعلها عضواً كاملاً في المسار الثاني، واكتفى بدلاً من ذلك بتأكيد أن التحالف "يدرس التعاون مع طوكيو في مشروعات معينة". كذلك هناك قيود تفرضها اليابان بشأن تجارة الأسلحة، وهي أيضاً تفتقر إلى تدابير مكافحة التجسس التي تجعلها تنال ثقة تحالف أوكوس فيما يتصل بالتكنولوجيا الحساسة.

ومن جهة ثالثة، هناك انقسام داخلي في اليابان بشأن مسألة الانضمام إلى التحالف، رغم التوافق على تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية الثنائية مع أعضاء التحالف، إذ يذهب أنصار الاتجاه المؤيد للانضمام إلى ما يترتب على هذا الأمر من رفع قدرة الردع الجماعي ضد الصين، بينما يدعو أنصار الاتجاه المتحفظ على الانضمام إلى تنبي نهج أكثر حذراً، ويرون أن الانضمام المحتمل لتحالف أوكوس قد يجعل طوكيو تواجه مأزقاً صعباً في سياق علاقاتها الإقليمية يتجلى في الاختيار ما بين المضي قدماً في مسألة الانضمام أو المخاطرة بإثارة غضب بعض دول الجوار الإقليمي غير الصديقة، وتحديداً الصين وكوريا الشمالية.

ومن جهة رابعة، هناك عقبات ذات صلة بالدول الثلاث الأعضاء في أوكوس، إذ يُلاحَظ أن هناك تباينات فيما بينها بشأن تلك المسألة؛ ففي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة من أجل انضمام اليابان إلى التحالف، ترغب كلٌ من أستراليا وبريطانيا في التركيز على المسار الأول للاتفاقية المرتبط بتزويد أستراليا بغواصات نووية، فضلاً عن قلق الدولتين إزاء افتقار اليابان إلى أنظمة أمنية كافية للتعامل مع المعلومات الحساسة؛ إذ أكدت أستراليا ضرورة تحقيق تقدم ملموس في المسار الأول الخاص بحصولها على غواصات نووية قبل بدء مشروعات جديدة وتوسيع الاتفاقية بإضافة أعضاء جدد إلى المسار الثاني، واستبعد رئيس وزرائها، أنتوني ألبانيز، انضمام اليابان في المستقبل القريب، مؤكداً اقتصار التعاون مع طوكيو في الوقت الراهن على أساس كل مشروع على حدة.

وبالإضافة لما سبق، ثمة عقبة رئيسية أخرى قد تقلل من إمكانية انضمام اليابان إلى التحالف، وذلك في حالة فوز الرئيس السابق، دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل، في ضوء تركيزه على سياسة "أمريكا أولاً"، وقيامه بالانسحاب من عدة اتفاقيات دولية خلال فترة رئاسته السابقة.

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن هناك العديد من العوامل التي تجعل من احتمال انضمام اليابان إلى عضوية أوكوس، وتحوله إلى (JAUKUS) بشكل رسمي، سيناريو مرجحاً، خاصة وأنها عضو رسمي في تحالف آخر بقيادة الولايات المتحدة هو الحوار الأمني الرباعي (كواد)، الذي يضم بالإضافة إليهما الهند وكوريا الجنوبية؛ إذ تدعم اليابان بشكل مستمر الأدوار التي يقوم بها تحالف أوكوس، وترتبط بعلاقات عسكرية وثيقة مع أعضاء التحالف على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، وتعتبر التحالف خطوة إيجابية لتحقيق الأمن الإقليمي وموازنة نفوذ الصين المتصاعد.

ومع ذلك، لا يزال هناك احتمال بأن تتم المشاركة اليابانية الموسعة على أساس كل مشروع على حدة. كما أن هناك عوامل أخرى ستؤدي دوراً مهماً في هذه الشراكات المحتملة في المسار الثاني من أوكوس، تشمل مستوى الابتكار التكنولوجي للدولة، ونقاط قوتها الصناعية، وقدرتها على حماية البيانات والمعلومات الحساسة بشكل مناسب، وتأثيرها في تعزيز السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويضاف لذلك أن المحادثات لا تزال جارية بشأن شروط وأهداف أي توسع رسمي للتحالف؛ إذ لم يتم بَعْد تحديد الشروط الأساسية للتعاون المستقبلي رغم إطلاق سلسلة من المبادرات التعاونية مؤخراً.

ولهذا يمكن القول إن الحديث عن الانضمام المحتمل لليابان إلى أوكوس يرتبط بالجهود التي تبذلها واشنطن لحشد حلفائها الآسيويين لدعم محاولاتها المتواصلة لاحتواء وعزل الصين، والحد من نفوذها المتنامي في منطقة الإندوباسيفيك؛ وإنه على الرغم من العقبات العديدة التي قد تعرقل سعي الولايات المتحدة لضم اليابان إلى التحالف، ولاسيما مع احتمال وصول إدارة أمريكية جديدة إلى البيت الأبيض، فإن انضمام اليابان إلى التحالف الثلاثي يُعد مسألة وقت بشرط تحديد أهداف ومتطلبات عملية التوسيع المستقبلي لتحالف أوكوس.