الهموم الأربعة:

اتجاهات الفكر والرأي الكبرى في أفريقيا

20 August 2014


أصبح عقل وفكر الأفارقة على وعي تام بجملة المخاطر والتحديات التي تعوق مسيرة نهضتهم في القرن الواحد والعشرين، ففي الفترة من 3 – 5 فبراير 2014 انعقدت أول قمة فكرية أفريقية في بريتوريا بمشاركة ما يربو على 50 مؤسسة بحثية وفكرية كبرى تمثل 25 دولة أفريقية، وذلك لمناقشة دور مؤسسات الفكر والرأي في عمليات التحول الهائلة التي تشهدها أفريقيا.

وعندما طُلِب من المشاركين تحديد أهم قضايا السياسة العامة الرئيسية التي تواجه أفريقيا حالياً، احتلت الموضوعات التالية أولوية كبرى: التكامل الإقليمي، وإدارة الموارد الطبيعية، والفقر والتنمية الاقتصادية، والحكم وتمكين المواطن والديمقراطية، والسلام والأمن، وإدارة المساعدات الخارجية والتجارة والاستثمار، وتطوير البنية التحتية، وأخيراً انتشار البطالة بين الشباب.

ويمكن الإشارة في هذا المقال إلى أهم الاتجاهات السياسية والاقتصادية والأمنية السائدة في أفريقيا خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، والتي سوف تمثل مجال اهتمام بالغ خلال المدى القصير.

أولاً: بوكو حرام وعولمة الإرهاب

ثمة عدة تحولات فارقة في خطاب وحركة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسعى لإقامة دولة الخلافة في أفريقيا، فجماعة "بوكو حرام" النيجيرية التي تعني حرفياً (تحريم التعليم الغربي) انتقلت من مرحلة تكفير الدولة "العلمانية" إلى تكفير الدولة والمجتمع معاً باعتبارهما لا يطبقان الشريعة الإسلامية. ويعبر اختطاف الجماعة أكثر من مئتي فتاة من تلاميذ المدارس، والتهديد ببيعهم في سوق النخاسة، في ولاية بورنو الشمالية في منتصف أبريل الماضي عن هذا التحول في فكر الجماعة.

وقد ارتبط ذلك  بعدد من الإشكاليات، وذلك على النحو التالي:

1ـ انعقاد مؤتمر دولي في باريس (18 مايو 2014) بمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأفريقية، لمناقشة قضايا الأمن الداخلي في نيجيريا وربطها بالشعار الأشمل الخاص بالحرب على الإرهاب. وقد أعلن فرنسوا هولند الرئيس الفرنسي صراحة أن "الحرب على بوكو حرام تمثل أولوية لحكومته، وأنه معني بوضع خطة عمل إقليمية وعالمية لمواجهة هذه الجماعة المتطرفة".

2 ـ عسكرة منطقة الساحل وغرب أفريقيا، إذ يرى كثير من المحللين الأفارقة أن تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) للإطاحة بنظام معمر القذافي قد أدى إلى عدم استقرار المنطقة بأسرها، وأن هذا الأمر عاد بالنفع على جماعة بوكو حرام التي حصلت على مزيد من الأسلحة والمعدات.

ولا شك أن تدخل الولايات المتحدة في الحرب على بوكوحرام وإعلانها قيام الأفريكوم (القيادة الأفريقية) بتدريب كتيبة خاصة من الجيش النيجيري لمواجهة حرب العصابات يعني، ولو من طرف خفي، أن تصعيد بوكو حرام قد حقق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، فقد أصبح خطر بوكو حرام مثل خطر جيش الرب للمقاومة بزعامة جوزيف كوني في أفريقيا الوسطى مبرراً لوجود قوات أمريكية وغربية في المنطقة.

ولم يتوقف أمر هذه التحولات الفارقة على منطقة الساحل والغرب الأفريقي فحسب، بل امتد ليشمل منطقة القرن الأفريقي الكبير، فقد أعلن القائد العسكري لحركة الشباب الصومالية، فؤاد محمد خلف، تصعيد الحرب ونقلها إلى كينيا. ومن المعروف أن القوات الكينية التي دخلت الصومال عام 2011 لمحاربة "الشباب" وغيرها من الحركات الجهادية تشكل جزءاً من قوات لحفظ السلام مدعومة أفريقياً ودولياً، ويبلغ قوامها نحو (22) ألف جندي. ومن الواضح أن كينيا، أكبر قوة اقتصادية في شرق أفريقيا، قد أعلنت – شأنها شأن نيجيريا – الحرب على الإرهاب، مما يعني أن خطر الشباب المجاهدين يتجاوز الحدود المحلية والإقليمية ليصبح خطراً عالمياً.

ثانياً: تناقضات الصعود الاقتصادي الأفريقي

شهدت أفريقيا زيادة في الدخل الحقيقي بنسبة تتجاوز 30%، وهو ما يصحح التراجع الذي شهدته بلدانها خلال العقدين السابقين. كما تبلغ نسبة النمو المتوقعة في إجمالي الدخل القومي نحو 6% خلال السنوات العشر القادمة. وتوجد في أفريقيا سبع دول تعد من بين الدول العشر الأسرع نمواً من الناحية الاقتصادية في العالم.

ويواجه هذا الصعود الاقتصادي تحديات كبرى، أولها تحديات خارجية ناتجة عن معارك التكالب الدولي على أفريقيا من أجل الوصول إلى الموارد الطبيعية وممارسة النفوذ، كما يحدث من تنافس غربي صيني على أفريقيا.

أما التحديات الداخلية، والتي أشارت إليها "وانجاراي ماثاي" الحائزة على جائزة نوبل للسلام، فتجعل نهوض أفريقيا أمراً عصياً، وتتمثل في الحروب والنزاعات المسلحة العنيفة، كما يحدث في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، وتفشي الفساد والاستيلاء على المال العام الذي يحرم الأفارقة من الاستفادة من ثروات بلادهم؛ فطبقاً لتقارير الاتحاد الأفريقي، ثمة 184 مليار دولار تضيع هباءً كل عام في أفريقيا نتيجة الممارسات الفاسدة.

ثالثاً: الانتخابات والتحول الـديـمـقـراطي

شهدت الفترة من أبريل إلى مايو 2014 أربعة انتخابات عامة حظيت باهتمام أفريقي واسع، في الجزائر، وغينيا بيساو، ومالاوي، ومصر، وجنوب أفريقيا. وإذا كان صحيحاً أن انتخابات جنوب أفريقيا تعد الخامسة على التوالي منذ تحول البلاد إلى النظام الديموقراطي في عام 1994، وأنها لم تغير طبيعة المعادلة السياسية في البلاد من حيث هيمنة حزب المؤتمر الأفريقي، فإنها مع ذلك تطرح بعض القضايا الجديرة بالاعتبار، منها أن جنوب أفريقيا أمام جيل جديد وُلِد في مرحلة ما بعد تولي "نيلسون مانديلا" الرئاسة في جنوب أفريقيا، أي أنه جيل يصوت وهو متحرر من أعباء الماضي وإرث التفرقة العنصرية الأليم.

وترتبط القضية الثانية بميراث مانديلا الذي لم يستطع الحزب الحاكم الفكاك منه؛ إذ يمكن القول إن حزب المؤتمر استفاد من تعاطف جماهير الناخبين وتأييدهم، لاسيما بعد رحيل مانديلا في ديسمبر 2013، فيما تطرح القضية الثالثة إشكالية أحزاب المعارضة وعدم قدرتها على دعم قاعدتها الانتخابية بما يسمح لها أن تكون بديلاً مقنعاً للنظام الحاكم. ويبدو أن القضية الرابعة ترتبط بالجانب القيادي للرئيس جاكوب زوما الذي أعطاه فوز حزبه تفويضاً بولاية ثانية لرئاسة البلاد رغم شبهات وقضايا الفساد التي ارتبطت بفترة حكمه الأولى.

ولعل التحدي الذي تطرحه الانتخابات التعددية في أفريقيا هي أنها لا تنطوي على خيارات حقيقية أمام المواطنين. ففي ظل مجتمعات شديدة الانقسام من الناحية العرقية والدينية تصبح الانتخابات مجرد وسيلة لإضفاء الشرعية على إحدى الجماعات المتميزة سياسياً واقتصادياً وتمكينها من فرض هيمنتها على الجماعات الأخرى المعارضة لها.

رابعاً: تحدي الأمن الإنساني

تطرح بعض الدراسات الاستقصائية تحديات الصحة العامة، لاسيما فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) باعتباره أبرز أولويات الحكومات الأفريقية، خاصة في دول مثل جنوب أفريقيا وأوغندا اللتين تسجلان أعلى معدلات الإصابة بهذا المرض، كما يوجد اهتمام مماثل بضرورة إعطاء أولوية قصوى لمحاربة الجوع وسوء التغذية في بلدان مثل السنغال وكينيا.

ويلاحظ أن أبرز القضايا المجتمعية المثارة في بؤر التوتر الأفريقية الكبرى مثل الساحل والصحراء والقرن الأفريقي والبحيرات العظمى تتمثل في خماسية عدم الاستقرار السياسي والأزمات الإنسانية والصراعات والجريمة المنظمة والإرهاب، فقد أفضى ذلك إلى تآكل مفهوم الدولة الوطنية وغياب الأمن الإنساني.

واستناداً لما سبق، يمكن القول إجمالاً إنه إذا كانت آفاق النهوض الاقتصادي في أفريقيا واعدة، فإنها غير مضمونة، لأن ثمة حاجة ماسة لبناء مؤسسات قوية لدعم واستدامة عمليات التحول التي تجري على قدم وساق في كثير من أنحاء أفريقيا. وأحسب أن مؤسسات الفكر والرأي الكبرى تستطيع ممارسة دور حاسم في هذه العملية من خلال عمليات العصف الفكري وتقديم بدائل بشأن قضايا السياسات الرئيسية.

** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الأول ، أغسطس 2014.